أقلام وأراء
الإثنين 30 أكتوبر 2023 10:11 صباحًا - بتوقيت القدس
أنا حنظلة.. وما زلت طفلاً: مأساة أطفال فلسطين
(دماء – جراح – آلام)، ثلاث كلمات بسيطة تلخّص حياة الأطفال في فلسطين، ومعاناتهم بسبب العنف المفرط الذي تستخدمه قوات الاحتلال الإسرائيليّ. أوضاع صعبة يعيشها الشعب الفلسطينيّ؛ وخاصة الأطفال الذين يشكّلون نصف تَعداد سكانه، حَسَب ما ذكر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
مشاهد تخطف الأنفاس وتدمي القلوب: طفل مصاب يلقن أخاه الشهادة، أُمّ تبكي: "ولادي ماتوا بدون ما يأكلوا "، وأب يحمل أشلاء أبنائه في كيس، ويصرخ: "أبنائي ماتوا"، وآخر يبكي ابنته التي كان يرغب في الاحتفال بعيد مولدها، وملامح يوسف التي عرفها العالم بعد وصف أمّه: "شعره كيرلي وأبيضاني وحلو".
مَشهدُ الأمهات وهنّ يكتبن أسماء أطفالهنّ على الأرجل والأيادي حتى يستطيع الأهل التعرّف على جثث أولادهم التي ينتهي بها الأمر عادةً إلى أشلاء، أو حتّى تجمعهم العائلاتُ بكفن واحد؛ نظرًا لقلّة الأكفان، وأطفال يكتبون وصِيَّاتهم. فأي طفل في العالم هذا الذي يكتب وصيته؟
الأطفال في فلسطين يعرفون في دواخلهم أنهم لا يكبرون، وهذا ما صرَّح به أحد الأطفال عندما سأله أحد المذيعين: ماذا تريد أن تكون عندما تكبر؟ فأخبره: "إحنا في فلسطين مانكبرش، إحنا في أي لحظة ممكن ننطخ، ممكن نموت، وإحنا ماشيين نلاقي حالنا مطخوخين، هيك الحياة في فلسطين".
هكذا هي حياة الأطفال في فلسطين، والأمر ليس جديدًا؛ فإذا استطعنا أن نلقي نظرة على تاريخ الكفاح الفلسطيني فسنجد أن هناك رمزًا لكل ذلك البؤس الطفولي مُجسد في "حنظلة".
حنظلة رمزًا للمرارة
حنظلة شخصية كاريكاتيرية رسمها الفنان الفلسطيني الراحل ناجي العلي وسط يأسه، وهو طفل رثّ الثياب، حافي القدمين، يدير ظهره دائمًا للعالم وكأنه يدعو المشاهد ليرى ما يراه. حسب الفنان ناجي العلي فحنظلة وُلِدَ في العاشرة من عمره، كما أنه سيظل في العاشرة أيضًا، يراقب حنظلة وحشية الاستعمار الاستيطاني، ويكشف الطبيعة القاتلة للتجربة الصهيونية. لكنه يكشف أيضًا عن محنة المضطهدين في المنطقة، سواء كان ذلك بسبب القمع الذي يمارسه عليهم الطغاة المحلّيون، أو من قبل أكبر مموّل للعنف في العالم: الولايات المتّحدة.
ليست شخصية حنظلة هي الوحيدة التي رافقت رسومات ناجي العلي، فهناك أيضًا شخصية فاطمة الأمّ القوية التي تجسّد العبء الذي تتحمله النساء في المقاومة ضد الاحتلال.
إنّ حنظلة شخصية حاضرة دائمًا في الأذهان، لكن أن نراها كل يوم على منصّات التواصل الاجتماعي- تتجسد في مليون وجه وصورة لأطفال يلعبون لعبة الشهيد، أو طفل يسأل الأطباء: "أنا لساتي حي؟"- لهو انتهاك سافر لكل حقوق الطفل والإنسان. ولا يصدر هذا إلا عن قوى غاشمة لا تخشى شيئًا.
ووسط كل هذا نجد هناك من يشيد بجسارة الأطفال الفلسطينيين، وقدرتهم على التحمّل، وقوتهم وعزيمتهم وإيمانهم! لكن هل يمكن لطفل أن يتحمل كل هذا؟
يقول الأستاذ باسم نجدي – استشاري الصحة النفسية، والحاصل على درجة الماجستير في الصحة النفسية، والشهادة المهنية لتعزيز نمو الأطفال من هيئة بيرسون البريطانية- عن تأثير الحروب على الأطفال: "إن ما يمرّ به الطفل على مدار حياته يؤثر على نموّه النفسي والعقلي أيضًا؛ فيتأثر الطفل بما يحدث من حروب وأحداث دموية وانتهاكات، وقد يسبب ذلك له اضطرابات الخوف والقلق والاكتئاب، كما أنه بالطبع يؤثر على النمو العقلي والعاطفي. فالأطفال الذين ينشؤُون في بيئة كهذه نستطيع ملاحظة بعض الاضطرابات عليهم، مثل: اضطرابات النوم، وظهور حالات التبول اللا إرادي، كما أن ذلك الطفل الذي يتعرض لصدمات الحروب قد يصاب باضطرابات ما بعد الصدمة. إنَّ تلك المشاهد لا تُمحى أبدًا من ذاكرة الطفل، وتؤثر على طبيعة تعامله مع الآخرين. بالإضافة إلى أنَّ الحروب تؤثر على البنية التحتية للدول؛ ما يؤثر على تعليم الأطفال وانخفاض التحصيل الدراسي، وفيما بعد ينعكس كل هذا على سلوكيات الأطفال، فتظهر عليهم سلوكيات مختلفة، مثل: العنف، والتمرّد، والعدوان، والعناد".
لكن وسط كل هذا نجد هناك من يقول: إن الأطفال الفلسطينيين قد اعتادوا ذلك الوضع، وأصبحوا أقل تأثرًا به. ويقول الأستاذ باسم، عن هذا الموضوع،: "ما يُقال عن عدم تأثر الطفل الذي ينشأ في مثل هذه البيئات لهو جهل بيِّن. فما نراه من أطفال في حالة صمت أو عدم بكاء، إنما هو من آثار الصدمة والقلق والانسحاب المجتمعي. إن أطفال فلسطين بحاجة إلى تأهيل نفسي شامل وَفقًا لبرامج تربوية ونفسية، حتى لا ينمو لديهم شعور بالقلق والاضطرابات التي تتفاقم مع الوقت".
كيف ينكشف زيف العالم أمام الطفل؟
وسط كل تلك الانتهاكات الدولية للحروب يصطدم الأطفال بالواقع المرير، وبكَمّ القسوة في العالم، وأن الخير -غالبًا- لا ينتصر في النهاية، وأن كل تلك الدول التي يرونها على التلفاز والنجوم الذين يحبونهم هم سببٌ في زيادة العدوان عليهم.
يتعامل الأطفال مع تلك الصدمات بأساليب مختلفة، فمنهم من يلجأ لإيذاء النفس عندما يكبر، أو لمحاولات إنهاء الحياة، وغيرها.
إن العديد من الأطفال الذين يعيشون في مناطق النزاعات والحروب ويضطرون لترك منازلهم طوال الوقت، يفقدون عائلاتهم وأصدقاءهم؛ لذلك لا يستطيعون الاستقرار حتى لو تمكنوا يومًا من الحصول على منزل جديد.
فبينما يعاني العالم من ارتفاع نسب الطلاق، فإن الطفل الفلسطيني يعاني من أسوأ من ذلك بكثير، فهو سيفقد فردًا على الأقل من عائلته، كما أنه لن يستطيع تكوين صداقات.
إنّ رؤية الدمار والخراب الذي تخلفه الحرب- وخاصة بقايا المدارس التي كان يرتادها الأطفال- تساهم في تدهور صحتهم النفسية والاجتماعية، وتزيد من شعورهم بانعدام الأمان والقلق، ما يؤدي إلى نوبات من الأرق والكوابيس.
كذلك قد يميل أولئك الأطفال إلى العزلة، ويبتعدون عن أفراد أسرتهم، ويبدؤُون في الشعور بالعداء تجاه جميع الأشخاص؛ فالطفل يرغب في الانطلاق في بيئة مرحة تساعده على اللعب والقيام بأنشطة؛ لكن كيف يفعل هذا وهو في مستشفى، غير أن يغني " لا إله إلا الله.. الشهيد حبيب الله"، على مرأى من الجثث من حوله، أو يقف ممسكًا بعُبُوَّة محلول لوالدته المُصابة؟
إنَّ تلك الحرب على فلسطين هدفها قتلُ أكبر عدد ممكن، وذلك العدد سيكون من الأطفال، وما تبقى منهم سوف يُتركون منعزلين ومنطوِين ولا يتفاعلون مع المجتمع.. هذه الحرب ستترك كل طفل فلسطيني لا يعرف من هي العائلة، ولا من هو الصديق.. عن "الجزيرة نت"
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام
بهاء رحال
المقاومة موجودة
حمادة فراعنة
وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي
سري القدوة
هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!
محمد النوباني
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
الاحتلال الإسرائيلي يتوغل في القنيطرة السورية ويعتقل راعيا
الأكثر قراءة
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 81)
شارك برأيك
أنا حنظلة.. وما زلت طفلاً: مأساة أطفال فلسطين