أقلام وأراء
الجمعة 22 نوفمبر 2024 9:48 صباحًا - بتوقيت القدس
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مع احتدام المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار على جبهة جنوب لبنان، تثار تساؤلات حول مدى استعداد حزب الله لقبول اتفاق منفصل عن الوضع في غزة، وهو الأمر الذي قد يعيد تشكيل استراتيجيات المقاومة ويؤثر على مواقف الأطراف الإقليمية والدولية من جهة، وعلى استمرار المآسي الإنسانية في قطاع غزة أمام وحشية عدوان الإبادة والتهجير والتجويع. منذ بداية المواجهة، رفع حزب الله شعار وحدة الجبهات كوسيلة لتعزيز الضغط على إسرائيل ومنعها من تقسيم المواجهات أو استغلال ظروف كل جبهة على حدة. ولكن مع تعاظم الضغوط الدولية وتزايد التكلفة الإنسانية، يبدو أن الحزب أمام تحديات كبيرة في إعادة تقييم هذا الربط الاستراتيجي دون أن يخضع لمسار تفاوضي تحت النار كما يريد نتنياهو، بل أن خطاب أمينه العام الجديد قد أكد على سيادة لبنان واعتبار تل أبيب بمعادلة بيروت في عمليات القصف الصاروخي الذي يقوم به ويجعل منه أمراً مكلفاً لدولة الاحتلال، خاصة بالشمال وعلى مستوى الخسائر الاقتصادية من جهة، والبشرية في صفوف جنود الاحتلال غير المسبوقة من جهة أخرى.
لطالما اعتمد حزب الله في خطابه على تعزيز الترابط بين غزة وجنوب لبنان، ضمن رؤية أكبر لما سمي بمحور المقاومة. هذا الربط يعكس الإطار الأيديولوجي والسياسي للحزب الذي ينظر إلى القضية الفلسطينية باعتبارها مركز الصراع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. ومع ذلك، فإن تعقيد الظروف الميدانية قد يجعل الحفاظ على هذا الربط مكلفاً في الوقت الحالي. إذ أن قبول وقف إطلاق نار منفصل قد يُنظر إليه كضرورة تكتيكية لتجنب تصعيد شامل قد يجر لبنان إلى مواجهة غير مرغوبة تضع حزب الله في موقع المسوؤل أمام بعض الأطراف اللبنانية الأخرى التي تروج لعقلية الاستسلام، ما قد يضع لبنان أمام مخاطر حرب أهلية تحرض عليها القوى التي اعتدنا على تسميتها بالقوى الانعزالية سابقاً والتي لم توفر جهداً في معاداة الحركة الوطنية اللبنانية والثورة الفلسطينية منذ سبعينيات القرن الماضي.
في المقابل، إن التخلي عن هذا الربط يضع الحزب أمام تحديات داخلية مع قاعدته الشعبية التي تتوقع موقفاً ثابتاً تجاه غزة. كما أن الحلفاء الإقليميين له، مثل إيران وسوريا والحركات الأخرى باليمن والعراق الموالية لإيران، قد ينظرون إلى أي خطوة باتجاه الاتفاق المنفصل كإشارة على تراجع وحدة ما اتفق على تسميته بالمحور ووحدة الساحات.
تتعدد السيناريوهات أمام حزب الله في التعامل مع هذه المعضلة. فمن جهة، قد يسعى الحزب إلى تقديم خطاب مُقنع لمؤيديه مفاده أن قبول وقف إطلاق نار منفصل لا يعني التخلي عن غزة، بل هو جزء من استراتيجية طويلة المدى في مفهوم وممارسة المقاومة للمشروع الصهيوني من جانب، ولتعزيز دور إيران وروسيا بالمنطقة من جانب آخر. يمكن أيضاً للحزب أن يطالب بضمانات دولية تلزم إسرائيل بعدم خرق الاتفاق، ما يعطيه مبرراً للتعامل مع هذا الخيار دون التنازل عن مواقفه المبدئية، رغم أن لا شيء قد يُلزم إسرائيل بالتعاطي مع أية ضمانات مستقبلية.
ومن جهة أخرى، قد يستخدم الحزب موقفه الحالي كورقة ضغط لتحصيل مكاسب سياسية وأمنية أكبر، سواء في لبنان أو على مستوى الإقليم. هذه المكاسب قد تشمل ضمان بقاء دوره كحام للجنوب اللبناني وتجنب أي اتفاق يحد من قدرة المقاومة على الرد على التهديدات الإسرائيلية، ويحافظ على الدور الإيراني بالأقليم أيضاً الذي يسعى خلف مشروعه.
زيارة المبعوث الأمريكي آموس هوكستين للبنان تأتي في سياق هذه المفاوضات الحساسة، حيث يركز الجانب الأمريكي على تهدئة التوترات ومنع التصعيد الإقليمي وتحقيق إنجاز سياسي للإدارة المغادرة خاصة في ظل الأوضاع المتوترة في غزة. المطالب اللبنانية، التي تشمل تعزيز دور الجيش اللبناني وحماية البنية التحتية، قد تتماشى مع بعض تطلعات حزب الله، لكنها تظل مشروطة بحجم الضمانات التي تقدمها الأطراف الدولية.
على الجانب الآخر، تصر إسرائيل على ضمان حرية عملها العسكري في المنطقة، ويرى نتنياهو أن أي اتفاق يُبرم الآن قد يُعتبر تنازلاً لإدارة بايدن، وهو ما يتعارض مع طموحاته التي تتطلع إلى تحقيق إنجازات استراتيجية مع حليف أكثر التزاماً بمصالح إسرائيل دون شروط أي ترامب. لذا، فإن تكتيك التأجيل والمناورة يشكل أحد أدوات نتنياهو لتعزيز مواقفه محلياً ودولياً.
مما يثير تساؤلات حول مدى إمكانية الوصول إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف بالوقت الحاضر. في هذا السياق ، يبقى دور الدول الكبرى، مثل إيران وروسيا، حاسماً في توجيه مسار المفاوضات والتأثير على مواقف حزب الله، بفعل رغبة إيران بتعزيز مكانتها في أية مفاوضات تتعلق بالملف النووي لاحقاً، والرغبة الروسية بدعم صيني بسياسة الضغط على الولايات المتحدة في ظل تأزم الملف الأوكراني.
مع تصاعد وتيرة الجهود الدبلوماسية، يبدو أن الأيام القادمة ستحمل إجابات حول مستقبل الجنوب اللبناني وعلاقته بغزة. حيث الشراكة الأمريكية قد تفرض على إسرائيل قبولها بصيغة اتفاق مع لبنان، مقابل أن هذه الشراكة وهذا الدعم يُترجم على الأرض بتمكين إسرائيل من تنفيذ مشروعها المعروف بخطة الجنرالات، الذي يهدف إلى تقسيم غزة جغرافيا وحصرها في مساحة ضيقة لا تتجاوز 200 كيلومتر مربع مع عزل المنطقة الشمالية وإحكام الحصار عليها. هذه الخطط لا تهدف فقط إلى تحقيق مكاسب ميدانية، بل إلى فرض واقع سياسي جديد يخدم رؤيتها الاستيطانية وأهداف إسرائيل التوسعية ومن ضمنها طبعاً مشروع ضم مناطق استيطانية من الضفة الغربية التي يعتبرها ترامب شرعية، وقد يكون الثمن من خلال صفقة يقدمها ترامب في أراضي النقب تكون ضمن أراضي الدولة الفلسطينية وفق مفهومه لها.
حزب الله، الذي يواجه ضغوطاً داخلية لبنانية وإقليمية، سيحاول موازنة مواقفه للحفاظ على صورته كحركة مقاومة فعالة دون التنازل عن استراتيجياته الكبرى. في النهاية يبقى السؤال: هل يمكن تحقيق هدنة مستقرة دون الإضرار بمبدأ وحدة الجبهات، أم أن الضرورات التكتيكية ستفرض مساراً جديداً قد يعيد تشكيل معادلة الصراع، خاصة مع تسلم ترامب لمقاليد البيت الأبيض قريباً؟
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام
بهاء رحال
المقاومة موجودة
حمادة فراعنة
وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي
سري القدوة
هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!
محمد النوباني
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
مآلات موافقة حزب الله على ورقة أمريكا الخبيثة
حمدي فراج
مصير الضفة الغربية إلى أين؟
عقل صلاح
الأكثر تعليقاً
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
السيسي: السلام العادل والمستدام هو خيار استراتيجي لمصر
الأكثر قراءة
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
الأونروا: فقدان 98 شاحنة في عملية نهب عنيفة في غزة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%54
%46
(مجموع المصوتين 80)
شارك برأيك
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية