فلسطين
الثّلاثاء 19 نوفمبر 2024 9:11 صباحًا - بتوقيت القدس
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
رام الله - خاص بـ"القدس" والقدس دوت كوم-مهند ياسين
* نجاحنا أو فشلنا في هذه الحكومة مرهون بقدرتنا على تعزيز صمود المواطنين وبقاء شبابنا في وطنهم
* وضعنا خطة إغاثة قصيرة المدى للسنة الأولى بعد الحرب وأُخرى لإعادة إعمار شامل لغزة بالتعاون مع جهات دولية
* شعارنا بوزارة التخطيط "نعد هند رجب وجميع الأطفال بإعادة بناء القطاع واستعادة الأمل بمستقبل أفضل"
* بذلنا جهوداً مكثفة لتعزيز الدعم الدولي والاتحاد الأوروبي وحده قدم دعماً قيمته 400 مليون يورو خلال 3 أشهر فقط
* أي مشروع تنموي من الوزارات أو الهيئات الحكومية يجب أن يتوافق مع الخطة الشاملة "Build Palestine"
* 30 عاماً من العمل في البنك الدولي ساهمت خلالها في مساعدة 40 دولة في تطوير مشاريع تنموية
أكد وزير التخطيط والتعاون الدولي الفلسطيني د. وائل زقوت، في حوار خاص بـ"ے"، أن خبرته الدولية التي اكتسبها من العمل في البنك الدولي ساهمت في صياغة رؤيته الإصلاحية والتنموية، مشدداً على أهمية التركيز على خطط التطوير والإصلاح لتلبية الاحتياجات الملحة واستدامة التنمية. وأكد كذلك أن هذه الرؤية يجب أن تُكيَّف مع الواقع الفلسطيني المعقد.
وتحدث زقوت عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت بسبب الاحتلال الإسرائيلي والعدوان على غزة، موضحاً أن الحكومة تعمل على خطتين: الأولى، قصيرة المدى لاحتواء الكارثة الإنسانية، وإغاثة النازحين، وحل الأزمة المالية الناتجة عن حجز جزء كبير من المقاصة من قبل إسرائيل، والثانية، طويلة المدى لإعادة إعمار غزة، وتعزيز الاقتصاد، وخلق فرص عمل، بالتعاون مع مؤسسات ودول مانحة.
ولفت إلى أن الحكومة أطلقت خطة شاملة تحت عنوان "Build Palestine"، تركز على أربعة دعائم رئيسية تشمل إعمار غزة، وتوحيد المؤسسات الفلسطينية، والإصلاح الإداري والمالي والاقتصادي، وتعزيز فرص العمل.
كما أشار إلى سبع مبادرات رئيسية تهدف إلى تعزيز التنمية، أبرزها الطاقة المتجددة والتحول الرقمي، وتوطين الخدمات الصحية، وتطوير قطاعي التعليم والزراعة، وتمكين الحكم المحلي، مؤكداً أهمية الشراكة مع القطاع الخاص كجزء من الاستراتيجية الوطنية لتوفير فرص عمل وتعزيز الاقتصاد.
وأكد زقوت أن الصمود الفلسطيني يعتمد على قدرة الحكومة على توفير حياة كريمة ومقومات بقاء المواطنين في وطنهم.
وفي ما يلي نص الحوار:
خبرة كبيرة في قيادة الإصلاح المؤسسي والتعامل مع الحكومات
*لقد عملتم في البنك الدولي قبل توليكم وزارة التخطيط والتعاون الدولي، كيف أثرت هذه التجارب الدولية على رؤيتكم لدور الوزارة؟ وما هي الدروس التي اكتسبتموها ويمكن تطبيقها في الواقع الفلسطيني الحالي؟
- عملت في البنك الدولي لمدة تقارب 30 عاماً، ساهمت خلالها في مساعدة حوالي 40 دولة في تطوير مشاريع زراعية، وحضرية، ومائية، وشغلت عدة مناصب قيادية، منها منصب مدير قطاع في البنك الدولي لمنطقة أوروبا الشرقية، حيث كنت مسؤولاً عن مشاريع المياه والتنمية الحضرية، كما عملت مديراً إقليمياً للبنك الدولي في اليمن خلال الفترة الحرجة بين عامي 2012 و2015، التي شهدت تحديات كبيرة بفعل الثورات العربية.
من خلال عملي الطويل في البنك الدولي، اكتسبت خبرة كبيرة في القيادة والعمل المهني والتعامل مع الحكومات، حيث ركزت معظم مشاريعنا على التعاون مع المؤسسات الحكومية. والأهم من ذلك أنني تعلمت كيفية العمل على تطوير المؤسسات الحكومية، وإصلاح أنظمتها المالية والإدارية، وهذا عامل أساسي لتقدم الدول. هذه العملية غاية تسعى لها كل الدول.
في مسيرتي، عملت مع دول عدة، مثل: إندونيسيا وفيتنام وتركيا واليونان خلال أزماتها الاقتصادية الحادة، كما شاركت في وضع رؤية المملكة العربية السعودية 2030، وشاركت في إصلاح قطاع الأراضي والعقارات في مصر. هذه التجارب منحتني معرفة عميقة بكيفية صياغة برامج التطوير والإصلاح المؤسساتي، بالاستفادة من الخبرات العالمية.
إلا أنني تعلمت أن عملية التطوير والإصلاح ليست سهلة، فرغم وضوح الرؤية والخطة، يجب تحديد ما يمكن تنفيذه على المدى القصير، والمتوسط، والطويل. التحديات تكمن في المطالب المتزايدة من الشعب، التي تواجهها كل دولة، بالإضافة إلى ضرورة فهم التركيبة السياسية والمؤسسية للبلد وتجاوز المعوقات التي قد تعترض طريق التنفيذ".
نعمل بلا توقف استعداداً لليوم التالي للحرب
* يأتي تكليفكم بمنصب وزير التخطيط في ظل تركةٍ من الأزمات المالية والإدارية الصعبة، وتراكم الدين العام والاستحقاقات على الحكومة، والأزمات التي ترتبت على الحرب على غزة، وما تخلقه من تحديات ستبدأ فعلياً مع انتهاء الحرب، فكيف تعملون كحكومة فلسطينية على إدارة هذه الأزمات في هذين الاتجاهين؟
- الوضع الحالي صعب للغاية، وهو امتداد لمعاناة نعيشها منذ نكبة العام 1948، حيث نواجه احتلالاً مستمراً منذ 76 عاماً، مررنا خلالها بمراحل شديدة القسوة. لكن ما يحدث اليوم في غزة يتجاوز كل تلك المراحل، من قتل، ودمار، وتجويع، وإبادة جماعية. في الضفة الغربية، أيضاً، تتصاعد الانتهاكات الإسرائيلية من عدوان متكرر إلى تضييق اقتصادي خانق؛ فإسرائيل تحتجز 60% من أموال المقاصة الشهرية، وتمنع عمالنا الذين يعملون لديها من الوصول إلى أماكن عملهم، وتفرض قيوداً مشددة على حرية التنقل من خلال الحواجز المنتشرة، ما يفاقم التحديات التي تواجه عملنا الحكومي.
بالرغم من هذه الظروف، نبذل قصارى جهدنا لإعلاء صوت شعبنا في غزة، حيث ألتقي سفراء دول العالم للحديث عن معاناة أهلنا هناك، ونقل رسائل واضحة بهدف حشد الدعم الدولي لوقف إطلاق النار، وإنهاء سياسة التجويع والتهجير والإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي.
في الوقت ذاته، نعمل على إعداد خطط لإعادة إعمار غزة فور انتهاء الحرب، لضمان جاهزيتنا لليوم التالي للحرب، بالتعاون مع البنك الدولي، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وضعنا خطتين أساسيتين:
الخطة الأولى: خطة قصيرة المدى للسنة الأولى بعد الحرب، تركز هذه الخطة على إغاثة شعبنا النازح ومساعدتهم على تجاوز الظروف الطارئة، وتتضمن تأمين بيوت وخيام مؤقتة للنازحين، وترميم المنازل المتضررة جزئياً، بالإضافة إلى إعادة العملية التعليمية لأهلنا في غزة، وذلك من خلال توفير مساكن مؤقتة للنازحين الذين يتواجدون حالياً في المدارس، ما يسمح بعودة التعليم إلى طبيعته تدريجياً.
الخطة الثانية: خطة إعادة إعمار شامل لغزة، وتشمل هذه الخطة جهوداً دولية موسعة بالتعاون مع البنك الدولي، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ودول صديقة مثل ألمانيا، وبريطانيا، وبلجيكا، وإيطاليا، إضافة إلى دول أُخرى نسعى لضمها إلى تحالف دولي تقوده الحكومة الفلسطينية لإعادة إعمار قطاع غزة. إن حجم الدمار في غزة يفوق قدراتنا كشعب ودولة فلسطينية، لذا نعتمد على شراكات دولية لإعادة بناء القطاع واستعادة الأمل.
شعارنا في وزارة التخطيط والتعاون الدولي واضح "نعد هند رجب، وجميع أطفال غزة، بإعادة بناء القطاع واستعادة الأمل بمستقبل أفضل".
خطة تقوم على شراكة متكاملة بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع
* كيف تعيد الوزارة صياغة خطط التنمية استجابةً للتحديات الراهنة، بحيث تلبي الاحتياجات الملحة وتعزز صمود الفلسطينيين في مختلف القطاعات الاجتماعية، الاقتصادية، المكانية، الثقافية مع التركيز على إعمار غزة، والمناطق المتضررة بالضفة الغربية، خاصة في مناطق الشمال؟
- أطلقت الحكومة الفلسطينية التاسعة عشرة وثيقة بعنوان "Build Palestine"، وهي خطة نعمل خلالها على وضع دعائم لبناء دولة فلسطينية مستقبلية مستقلة، لتكون قائمة بذاتها للاعتناء بشعبنا الفلسطيني، وهناك أربع دعائم:
1- إعادة بناء غزة: إعادة إعمار غزة تأتي في صدارة الأولويات كخطوة أساسية لبناء الدولة الفلسطينية المستقلة، وأن تكون غزة الجديدة أجمل وأحدث مما كانت عليه سابقاً، بما يليق بصمود أهلها وتضحياتهم
2- توحيد المؤسسات بين شطري الوطن: من المهم العمل على تحقيق الوحدة الوطنية بين قطاع غزة والضفة الغربية، والعمل على توحيد المؤسسات بين المحافظات الجنوبية والشمالية تحت إطار دولة واحدة، وحكومة واحدة. تتضمن الخطة آليات لدمج جميع مؤسسات وموظفي الدولة، بما في ذلك الأجهزة الأمنية، لضمان وحدة العمل المؤسسي.
3- التطوير والإصلاح: يمثل تطوير المؤسسات الوطنية الفلسطينية عنصراً محورياً في الخطة، حيث تشمل الجهود تحديث النظام الإداري، والمالي، والقضائي مع التركيز على استقلالية القضاء. كما تشمل الإصلاحات تعزيز النظام الاقتصادي الفلسطيني ليصبح مستقلاً عن التبعية الاقتصادية لإسرائيل، إذ تعتمد فلسطين حالياً على إسرائيل في الكهرباء، والمياه، والبضائع، والمحروقات. تضع الخطة تصوراً شاملاً للإصلاح الإداري والمالي والاقتصادي لتقليل هذا الارتباط المفرط مع الاحتلال.
4- تطوير الاقتصاد وخلق فرص عمل: إن تطوير الاقتصاد الوطني هدف أساسي لبناء الدولة، مع التركيز على توفير فرص عمل للشعب الفلسطيني، ودور الحكومة يتجلى في ضمان الأمن وتوفير الخدمات الأساسية مثل الصحة، والتعليم، لكن الدولة لا تستطيع توظيف جميع المواطنين، فهناك القطاع الخاص الذي يعتبر المحرك الرئيسي لتوفير فرص العمل، وسنعمل في الحكومة على وضع قوانين ونظم تحفّز القطاع الخاص ليكون شريكاً حقيقياً في التنمية الاقتصادية، مما يتيح لأبناء الشعب الفلسطيني، بمن فيهم العاملون في إسرائيل والمستوطنات، الانتقال للعمل في مؤسسات وشركات ومصانع ومزارع فلسطينية.
خطتنا تقوم على شراكة متكاملة بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع، لتأمين مستقبل أفضل لشعبنا وبناء دولة فلسطينية مستقلة قادرة على تحقيق طموحات شعبها.
مبادرات فلسطينية نحو تنمية مستدامة
* ترفع الوزارة شعار "نحو تنمية مستدامة وشاملة". ما هي الجهود التي تبذلونها لتحقيق هذه الرؤية في ظل الاحتلال والحروب المتكررة، وكيف تردون على من يرون أن هذه الرؤية غير واقعية في الظروف الحالية؟
- وضعت الحكومة الفلسطينية الحالية خططاً تنموية شاملة لرسم مستقبل أفضل للشعب الفلسطيني، ومن أبرزها خطة "Build Palestine"، التي توفر رؤية استراتيجية للمستقبلين المتوسط والبعيد، حيث أطلقت الحكومة سبع مبادرات رئيسية تحت رعاية دولة رئيس الوزراء، تهدف إلى تطوير قطاعات حيوية يمكن العمل عليها بعيداً عن تدخلات الاحتلال الإسرائيلي.
1- مبادرة الطاقة المتجددة: هذه المبادرة تسعى لتوسيع إنتاج الطاقة المتجددة، لتلبية احتياجات المؤسسات الحكومية، والمدارس، والجامعات، والمساجد، وغيرها، وهذه المبادرة غير مرتبطة بالاحتلال، ما يتيح العمل على تطويرها بمرونة واستقلالية.
2- مبادرة التحول الرقمي: تسعى الحكومة الحالية إلى تعزيز التحول الرقمي في جميع قطاعات المجتمع الفلسطيني، لتسهيل عملية التواصل بين المواطنين والحكومة، وبين المواطنين والشركات الخاصة، ما يسهم في تحسين الخدمات وتعزيز الكفاءة.
3- مبادرة توطين الخدمات الصحية: تنفق الحكومة الفلسطينية سنوياً نحو 400 مليون دولار على تحويلات طبية إلى إسرائيل والأردن ودول أُخرى، بسبب نقص الأدوية، والأجهزة الطبية، والأسرة في المستشفيات داخل فلسطين، حيث تهدف هذه المبادرة إلى تطوير القطاع الصحي المحلي لتوفير هذه الخدمات داخلياً، ما يساهم في توفير هذا المبلغ الضخم وتعزيز الاستقلال الصحي، وهذه الجهود لا تواجه عوائق من الاحتلال.
4- مبادرة قطاع الزراعة: تهدف هذه المبادرة إلى استغلال الأراضي الفلسطينية للزراعة، ما يساهم في تعزيز الإنتاج الوطني، وتوفير فرص عمل، وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني على أرضه.
5- مبادرة تحسين جودة التعليم: يعاني النظام التعليمي الفلسطيني من ضعف في جودته مقارنة بالدول المجاورة وفقاً للمعايير العالمية، حيث تعمل الحكومة على خطة شاملة لتطوير التعليم.
6- مبادرة تمكين الحكم المحلي: حيث تعمل الحكومة على تمكين المجالس المحلية لتقديم أفضل خدمات للمواطن الفلسطيني عن طريق زيادة الصلاحيات للمجالس المحلية.
7- التركيز على القطاعات الممكنة: تعمل الحكومة على تحديد القطاعات التي يمكن تطويرها والعمل عليها دون معوقات من الاحتلال، مركزة جهودها على تحقيق التقدم في هذه المجالات لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني وتحقيق التنمية الشاملة.
نعمل على توظيف كافة الإمكانيات المتاحة لبناء مستقبل أفضل لشعبنا، مستندين إلى رؤية واضحة وأهداف محددة يمكننا تحقيقها، بالرغم من كل التحديات.
دعم دولي متزايد لتعزيز الاقتصاد الفلسطيني
* بالرغم من العقبات، تمكنت الحكومة من تجنيد دعم دولي كبير هذا العام. ما أهمية هذا الدعم في ظل قرصنة إسرائيل أموال المقاصة؟ وهل توجد وعود باستمرارية الدعم خاصة بعد الوعود بعودة المساعدات الأمريكية؟
- منذ تولي الحكومة، بذلنا جهوداً مكثفة لتعزيز الدعم الدولي من مختلف الجهات المانحة. وفي هذا الإطار، قدم الاتحاد الأوروبي دعماً بقيمة 400 مليون يورو خلال ثلاثة أشهر فقط. كما نعمل حالياً على برنامج شامل للتطوير والإصلاح المؤسسي، ومن المتوقع أن يحظى بدعم الاتحاد الأوروبي، حيث سنستكمل النقاش حوله خلال الأسابيع المقبلة.
إلى جانب ذلك، تمكنّا من رفع الدعم السنوي المقدم من البنك الدولي من 75 مليون دولار إلى 300 مليون دولار سنوياً. كما تلقينا وعوداً بزيادة الدعم المالي من دول أخرى، من بينها ألمانيا، وبريطانيا، والولايات المتحدة. هذه الجهود تأتي ضمن خططنا لتعزيز الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستدامة برغم التحديات.
دائرة خاصة لتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص
* تحاولون تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص كبديل جزئي عن الدعم الدولي. ما هي استراتيجيتكم لتحقيق هذا الهدف في ظل الانتقادات التي تشير إلى أن الشراكة قد تكون مشروطة، وهل تعتقدون أن القطاع الخاص يمكنه توفير نافذة أمل حقيقية للتنمية؟
- القطاع الخاص الفلسطيني يشكل جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد والمجتمع الفلسطيني، وهو شريك أساسي في تحقيق التنمية. إن الاقتصادات العالمية تتكون عادةً من ثلاثة مكونات رئيسية: الحكومة، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، ولا يمكن لأي منها أن ينجح بمفرده. دور الحكومة يتمثل في وضع السياسات العامة، وتقديم الخدمات الأساسية، وتعزيز الأمن، وخلق بيئة استثمارية جاذبة تُمكّن القطاع الخاص من العمل والمنافسة، وليس السيطرة عليه.
في معظم دول العالم، يساهم القطاع الخاص بنسبة تتراوح بين 70% و80% في توفير فرص العمل، وهذا يبرز أهميته كركيزة أساسية لتحفيز الاقتصاد الفلسطيني. لهذا السبب، تعمل الحكومة على تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص لتوفير فرص العمل ودعم التنمية.
أنشأنا في وزارة التخطيط والتعاون الدولي دائرة خاصة لتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص، وسنضع قريباً قوانين ومعايير واضحة لتنظيم هذه الشراكة، والهدف هو توفير بيئة استثمارية تُشجع القطاع الخاص على الإبداع والمنافسة محلياً ودولياً، ما يسهم في دعم صمود شعبنا وتحقيق تنمية مستدامة.
معايير اختيار المشاريع التنموية
* ما هي المعايير التي تعتمدها الوزارة لاختيار أولويات المشاريع التنموية، خاصة بعد الأحداث الطارئة مثل الحرب؟ وهل تتغير هذه الأولويات تبعاً لتغير الاحتياجات على الأرض؟
- تحدد وزارة التخطيط والتعاون الدولي أولويات المشاريع التنموية بناءً على ثلاثة معايير رئيسية. أولاً، يجب أن يتوافق المشروع المقدم مع الخطة الشاملة "Build Palestine" التي أقرها مجلس الوزراء. أي مشروع من الوزارات أو الهيئات الحكومية يجب أن يتماشى مع أولويات هذه الخطة الاستراتيجية.
ثانياً، يتم تقييم تكامل المشروع المقدم، بمعنى أن يكون قد تجاوز مرحلة الفكرة الأولية إلى مرحلة التخطيط الكامل. يجب أن تتضمن خطة المشروع أهدافًا واضحة، ومؤشرات للأداء، وخطة تنفيذ مفصلة، بالإضافة إلى تحديد المستفيدين من المشروع. هذه التفاصيل ضرورية لضمان فعالية المشروع في تحقيق أهدافه.
أما المعيار الثالث، فهو يعتمد على سجلات الأداء السابقة (track record) للوزارة أو الهيئة التي قدمت المشروع. إذا كانت المؤسسة قد أظهرت أداءً جيدًا في الأعوام السابقة، فسيتم قبول مشروعها، أما إذا كانت هناك مشاكل في تنفيذ المشاريع السابقة، فلن يتم اعتماد المشروع الجديد.
هذه المعايير تضمن اختيار مشاريع تنموية مستدامة وفعالة تلبّي احتياجات المجتمع الفلسطيني في ظل التحديات الحالية.
استراتيجيات الوزارة في ظل الظروف القاسية
* كيف تتعامل الوزارة مع التحديات المتمثلة في القيود المفروضة على الحركة والبنية التحتية المدمرة في غزة والضفة الغربية، وما هي الحلول المبتكرة التي تطبقها لضمان تنفيذ المشاريع التنموية هناك بفعالية؟
- وزارة التخطيط والتعاون الدولي لا تقوم بتنفيذ المشاريع بشكل مباشر، بل تتعاون مع الوزارات المعنية لضمان تنفيذها بشكل فعال، فجزء من دور الوزارة يتمثل في مراجعة خطة المشروع والتواصل مع المانحين لتأمين التمويل اللازم.
أما في غزة، فإن الوضع الإنساني يتسم بالتعقيد الشديد، حيث تكمن أبرز التحديات في القيود المفروضة على الحركة والبنية التحتية المدمرة بشكل متكرر. أبرز ما نستطيع فعله هو إيصال صوت أطفالنا الصارخ إلى العالم، مطالبين بأن تستغل الدول ذات التأثير القوي في المجتمع الدولي للضغط على الاحتلال الإسرائيلي لوقف العدوان وإيقاف الدمار المستمر في غزة. كما نطالب أيضاً بزيادة المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجات السكان المنكوبين.
من جهة أُخرى، نحن نعمل مع بعض المؤسسات الدولية لتوفير خدمات أساسية مثل الكهرباء، والمياه للمناطق التي يمكن الوصول إليها، على رغم محاولات الاحتلال المستمرة لتدمير ما يتم إصلاحه.
أما في الضفة الغربية، خصوصاً في شمالها، فقد شهدنا تدميراً متكرراً للبنية التحتية، حيث تعرضت الشوارع وتمديدات المياه لأضرار متكررة تجاوزت الست مرات خلال الاجتياحات الأخيرة. من أجل معالجة ذلك بسرعة، تم تشكيل لجنة حكومية لتقييم الأضرار بعد كل اجتياح والعمل على إصلاحها فوراً.
خطة التطوير والإصلاح المؤسسي
* هناك انتقادات بلا شك للحكومة الحالية، ولعدد من القرارات التي اتخذتها في ظل الأزمات والحديث عن خطة التطوير والإصلاح المؤسساتي، كما تصدر مؤسسات المجتمع المدني تقارير ودراسات تتجاوز الانتقاد إلى طرح صيغ للإصلاح وإجراءات لتجاوز الأزمات، كيف تتعاملون مع هذه الانتقادات في ظل ما سمعناه عن حرصكم المتواصل على الاستماع لآراء المواطنين ورصد مختلف وجهات النظر؟
- أحرص على احترام آراء الآخرين، وأؤمن بأهمية الاستماع إلى مختلف وجهات النظر. لقد عقدت العديد من الاجتماعات مع مؤسسات المجتمع المدني والشباب للاستماع إلى آرائهم وملاحظاتهم. كما وضعنا خطة إصلاحية وبدأنا بالفعل في تنفيذ جزء منها، لكن الجزء الأكبر من الخطة الشاملة لم نبدأ العمل فيه بعد. نحن على وشك البدء في تنفيذ باقي الخطة بعد استكمال النقاشات الداخلية في الحكومة حولها.
من الطبيعي أن تختلف الآراء حول أي برنامج تطوير وإصلاح، ولكننا ما زلنا في بداية الطريق. نحن في الأشهر الستة الأُولى من عمر الحكومة الجديدة، وهي فترة قصيرة للغاية للعمل على قضايا التطوير والإصلاح، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي نواجهها في فلسطين.
أدعو شعبنا الكريم ومؤسسات المجتمع الدولي إلى أن يمنحونا فرصة لإثبات أنفسنا والعمل على تنفيذ الخطط التي وضعناها للمدى الطويل.
صمودنا يعني قدرتنا على توفير حياة كريمة لشعبنا
* كيف تقيم الوزارة الأداء الاقتصادي الفلسطيني في ظل الأزمات المتلاحقة، وما هي التدخلات التي تنوون تطبيقها للتعامل مع تأثير المتغيرات الدولية والإقليمية على الاقتصاد الوطني؟
- واجه الاقتصاد الوطني الفلسطيني تحديات كبيرة خلال السنوات الماضية، حيث وصل الانكماش إلى 35%، وخسرنا نحو 500 ألف وظيفة منذ السابع من اكتوبر وهي نسبة مرتفعة للغاية. نحن اليوم في خضم حرب مدمرة لم يشهد التاريخ مثيلاً لها، وهذه تحديات ضخمة بكل المقاييس. لكن الأهم في أي استراتيجية مستقبلية هو تعزيز صمودنا على الأرض.
الحكومة تعمل حالياً على تنفيذ الخطط التي تحدثت عنها سابقاً، بهدف الخروج من هذه الأزمة. صمودنا يعني قدرتنا على توفير حياة كريمة لشعبنا، وتقديم الخدمات الأساسية له، ما يساهم في تشبث الناس بأرضهم وعدم مغادرتهم لها.
تحاول إسرائيل بكل الوسائل تهجير من تستطيع تهجيره من الفلسطينيين، لكننا نعمل على توفير فرص لشبابنا لكي يبقوا في وطنهم ويساهموا في بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية. نجاحنا أو فشلنا في هذه الحكومة مرهون بقدرتنا على تعزيز بقاء شبابنا في وطنهم.
تحديات كبيرة وخطط واعدة
* في ظل هذه التحديات المتصاعدة، كيف ترون مستقبل التنمية في فلسطين، وما هي استراتيجيتكم لتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة في ظل هذه الأوضاع؟
- في البداية، وضعنا خطة "Build Palestine"، إلى جانب خطة التطوير والإنعاش الاقتصادي، وخطة برامج التطوير والإصلاح المؤسسي، وهي جميعاً مترابطة مع بعضها البعض، وتوفر لنا رؤية شاملة للمستقبل. الأهم في ضمان هذا المستقبل هو فئة الشباب، الذين يشكلون ركيزة المستقبل لمجتمعنا.
نعيش اليوم في ظل الحرب الإسرائيلية، لكنني أعتقد أنه إذا تم تنفيذ الخطط التي تحدثت عنها، سنشهد تحولاً دراماتيكياً في الاقتصاد الفلسطيني. ومع ذلك، فإن هناك تحديات كبيرة، مثل استمرار الحرب والسياسات الإسرائيلية المتطرفة، التي تضعنا أمام صعوبات جسيمة.
لكن يجب أن تكون خطتنا واضحة، وطريقنا محدد، لكي نمضي قدماً في تنفيذ أهدافنا. نتمنى أن نتمكن من التغلب على هذه العقبات، وأن يكون المستقبل أفضل، وهو ما نطمح له جميعاً
دلالات
autonomy قبل حوالي 3 ساعة
من سيصدق هراءك، احصل على الأرض ثم تكلم. هل يمكنك أن تصمت لمدة 25 عامًا على الأقل؟
الأكثر تعليقاً
"إسرائيل" مثل الـ ROBOT والـ Fast Food (الصفات العشر الجديدة/ القديمة)
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
أبو ردينة: إرهاب الاحتلال ومستعمريه لن يحقق الأمن بالمنطقة
مصادر لـ "القدس": استشهاد قياديين من الجهاد الإسلامي في غارة دمشق
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
20 شهيدا بغارات على غزة ومحاصرون يستغثيون
الأكثر قراءة
"إسرائيل" مثل الـ ROBOT والـ Fast Food (الصفات العشر الجديدة/ القديمة)
تقرير: الاحتلال ماض في إزالة حي البستان في سلوان
مصادر لـ "القدس": استشهاد قياديين من الجهاد الإسلامي في غارة دمشق
بري: أحد شروط المقترح الأميركي لوقف إطلاق النار غير مقبول لدينا
"كون نسيب ولا تكون قريب" !! .. هل يؤثر مسعد بولس على مواقف ترمب؟
اغتصاب حتى الموت.. هكذا عاملت إسرائيل طبيبًا فلسطينيًا أسَرته من غزة
ملح الأرض فلسطينيو الداخل يقرعون جدران الخزان.. كسر الصمت يبدأ بصرخة
أسعار العملات
الثّلاثاء 19 نوفمبر 2024 9:02 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.73
شراء 3.72
يورو / شيكل
بيع 3.95
شراء 3.92
دينار / شيكل
بيع 5.26
شراء 5.24
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%51
%49
(مجموع المصوتين 53)
شارك برأيك
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة