مع تواصل نزيف الكرامة والشرف، وحرب الكبرياء التي تتصدى لها غزة النازفة، ووسط مجازر الإبادة التي ترتكبها إسرائيل وجيشها المجرم، تطل لغة الدبلوماسية في محاولة لتجميل العدوان الإسرائيلي، من خلال طرح مبادرات وصفقات ترفضها إسرائيل المرة تلو الأخرى، لتثبت أمام العالم أنها حجر عثرة في طريق إنهاء الحرب، سواء في الجنوب أو الشمال (غزة ولبنان)، وكل ذلك كان جلياً في تصريحات نتنياهو البائسة التي كررها يوم أمس، مستخدماً كالعادة لاءاته وادعاءاته التي أصبحت كإسطوانة مشروخة، ملّ الشارع الإسرائيلي وهو يستمع إليها منذ أكثر من عام.
ماذا قال نتنياهو؟ وماذا يقف خلف خطابه البائس، وهو يردد من على كل المنصات أن جهود إعادة المختطفين لم تتوقف ولو للحظة واحدة، مدعياً أن حماس هي العائق أمام إتمام صفقة تبادل، وأنها ترفض المفاوضات، وذلك رداً منه على توصيات كبار قادة منظومته الأمنية من شاباك وموساد وهيئة أركان، بأن على إسرائيل أن تبدي مرونة إذا أرادت الوصول لصفقة تبادل؟
قال نتنياهو (لا لحماس ولا للسلطة الوطنية ولا لإنهاء الحرب ولا لسحب الجيش من غزة ولا لصفقة التبادل، ولا للولايات المتحدة التي هددتنا بوقف تزويدنا بالسلاح إذا دخلنا رفح)، ويقول: دخلناها دون الالتفات إلى الوراء.
رفع الصوت ضد حماس وحزب الله وإيران مجدداً من قبل نتنياهو لم يكن محض صدفة، وإنما تقف خلفه حقيقة الدوافع لهذه الحرب الإسرائيلية، التي تسعى إلى ترسيم وضع جديد في منطقة الشرق الأوسط بدعم أميركي، بحجة القضاء على المقاومة والنشطاء ومحور الشر الإيراني، كما يزعم نتنياهو.
أبلغ الردود على نتنياهو جاءت من داخل إسرائيل، فزعيم المعارضة يائير لابيد هو من علق الجرس ووضع النقاط على الحروف، عندما صرح مساء أمس بأن رئيس الوزراء لا يؤمن بواجبه الأسمى بإعادة المختطفين، وأنه غير مستعد للتضحية بكراسي الحكومة من أجل إعادتهم، موضحاً أن نتنياهو غير جدير بثقة الإسرائيليين، وأنه يدعم المهرج بن غفير على المنصات الإلكترونية، مختتماً بأن نتنياهو لا يرغب بصفقة لأسباب سياسية.
تتضح أهداف نتنياهو يوماً بعد يوم، وهو يضع المبررات ليواصل العدوان على قطاع غزة، ويبدو أن تهديداته الأخيرة بحق قيادة غزة واستبدالها، تعطي المزيد من المبررات أمام ارتكاب مجازر، حيث إن هذه التصريحات تمنح جيشه الضوء الأخضر ليواصل الحرب والعدوان، وفقاً لما أعلنه نتنياهو من على منصة لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، عندما قال إن الحرب لن تنتهي، وإن الجيش لن ينسحب، وإنه سيواصل السيطرة على محاور رئيسية في قطاع غزة، كما أنه يسعى لبعثرة أوراق الاتفاق الوشيك مع لبنان من خلال اشتراطات جديدة وضعها تتضمن حرية العمل العسكري لإسرائيل في لبنان، ومراقبة الحدود السورية اللبنانية، وهو يدرك أن حزب الله سيرفض هذه الشروط، وكل ذلك لأن نتنياهو وزمرته اليمينية يسعون لإطالة أمد الحرب.
لم يحقق نتنياهو الأهداف التي أعلنها في بداية الحرب، ومن هنا يطل مراراً وتكراراً، ليلقي باللوم على حماس والمقاومة، محاولاً توجيه خطابه الذي يظهر بائساً، لكن الشارع الإسرائيلي، الذي لم يعد بحاجة إلى إثباتات إضافية، يدرك جيداً أن نتنياهو هو المسؤول الأول والأخير عن عرقلة كل الجهود والمساعي الرامية إلى الوصول إلى اتفاقات، وأن الحرب ستطول دون تحقيق هدف عودة المحتجزين، لأن ذلك لا يعتبر هدفاً أساسياً لنتنياهو، الذي يعتبر أن أسمى أهدافه البقاء في منصبه والحفاظ على وجود الائتلاف اليميني المتطرف الحاكم، ليواصل حرب الانتقام من الشعب الفلسطيني
شارك برأيك
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟