في ظل الظروف القاسية التي تعيشها مدينة القدس تحت جرائم الاحتلال الإسرائيلي، انطلقت حملة "رحماء بينهم" من محافظة القدس لتعزيز السلم الأهلي وحماية المجتمع المقدسي من التحديات المتزايدة، حيث تهدف الحملة إلى نشر قيم الرحمة والعفو والصفح، وترسيخ الوحدة المجتمعية في مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية التي تهدد نسيج المجتمع المقدسي.
وفي السنوات الأخيرة تفاقمت المشكلات الداخلية في القدس نتيجة الاحتلال الإسرائيلي وسياساته التي تستهدف لزعزعة استقرار المجتمع المقدسي، فمنذ عام 2019، أودت المشاجرات والخلافات بحياة 59 مقدسيًا، وجرى حرق وتدمير أكثر من 60 منزلًا ومنشأة تجارية، فضلًا عن إصابات حولت بعض الضحايا إلى ذوي إعاقات دائمة. يضاف إلى ذلك السياسات الاحتلالية التي تشمل عمليات الهدم والإبعاد القسري والاعتقالات اليومية، والتي تهدف إلى تفريغ المدينة من سكانها الأصليين، خاصة الشباب، عبر خلق بيئة خانقة تدفعهم للهجرة القسرية.
وسط هذا الواقع المأساوي، جاءت حملة "رحماء بينهم" كاستجابة لهذه التحديات، ساعية لتعزيز قيم التسامح ونبذ الفتن التي يستغلها الاحتلال لتفكيك المجتمع. وارتكزت الحملة على شراكات واسعة مع المؤسسات الحكومية والمجتمعية، حيث شاركت وزارة الأوقاف بخطب ودروس تدعو للتسامح، وأسهمت وزارة التربية بتوعية الطلبة عبر الإذاعات المدرسية وحصص النشاط. كما تنظم فعاليات في الجامعات والمدارس لتعريف الشباب بخطورة العنف وأهمية السلم الأهلي.
ولم تتوقف جهود الحملة عند التوعية، بل امتدت إلى عقد اجتماعات مع البلديات والمؤسسات لمواجهة التحديات المجتمعية مثل انتشار المخدرات وظاهرة السلاح. وقد شهدت هذه الحملة تفاعلًا مجتمعيًا واسعًا، حيث شارك رجال الإصلاح والشباب والمؤثرون عبر وسائل التواصل الاجتماعي برسائل تدعو للتسامح وتحذر من آثار العنف، وانعكس هذا التفاعل إيجابيًا على تعزيز الوعي الجماعي بأهمية السلم الأهلي كضرورة مجتمعية.
ومن أبرز القصص الانسانية التي أظهرت أهمية وتأثير الحملة، موقف عائلة الأسمر التي فقدت اثنين من أبنائها في حادث سير تسبب به أحد أفراد عائلة أخرى. رغم ألم الفقد، قدمت العائلة نموذجًا مشرفًا للعفو بإعلانها مسامحة الطرف الآخر. هذا الموقف الإنساني النبيل جسد القيم الفلسطينية الأصيلة وأثبت أن التسامح يمكن أن يكون القوة التي توحد المجتمع المقدسي في وجه التحديات.
إن السلم الأهلي في القدس ليس مجرد خيار، بل ضرورة وطنية ومجتمعية لمواجهة الاحتلال. فاستقرار المجتمع ووحدته يشكلان الأساس لمقاومة سياسات الاحتلال الساعية لتفكيكه. ومن هنا تعمل محافظة القدس بقيادة المحافظ عدنان غيث المحاصر بقرارات الحبس المنزلي منذ سنوات، على حماية هذا الاستقرار رغم كل الضغوط، مؤكدة أن وحدة الصف هي السبيل الوحيد لمواجهة الاحتلال ومخططاته.
وترسل حملة "رحماء بينهم" رسالة قوية: أن القدس ستبقى صامدة بأهلها وتماسكهم، والتسامح والعفو هما السبيل للحفاظ على المجتمع المقدسي وهويته، والتأكيد على أن صلاح المجتمع المقدسي هو حجر الأساس لحماية المدينة ومستقبلها.
شارك برأيك
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال