أقلام وأراء

الجمعة 27 أكتوبر 2023 10:21 صباحًا - بتوقيت القدس

الدحدوح... ابن حي الزيتون وفارس الإعلام في ألمه الخاص والعام في إحراق غزة

" ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِىَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلْأَنْهَٰرُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ ۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ" صدق الله العظيم

سبق الإسعاف وسبق الدفاع المدني وسبق المعدات الثقيلة التي يمكن أن تزيل الأنقاض عن بعض الأحياء الذين لم يحترقوا ولم ينخنقوا في حي الغفري ومربع الجلاء، سبق مراسل الجزيرة كل هؤلاء، سبق وائل الدحدوح الى الهول العظيم بعد ان القى العدو باثني عشر صاروخ أمريكيا في لحظة واحدة على ثلاثة مجمعات سكنية يوم الاربعاء في الخامس والعشرين من تشرين أول – أكتوبر2023، فاصبحت رمادا اسودا يفوح برائحة احتراق كل شيء تحته، مساحة كبيرة أصبحت ممهدة كانها قيامة صغيرة، ألسنة اللهب تتسلل من باطن الأرض ويشتد أوراها في كثير من المواقع والحفر التي نشأت على ارض غزة قبل بضع دقائق من وصول المراسل.

رأى بعينيه النبيلتين بعض الشباب يستعملون المجارف من عيار "الكريك اليدوي" الذي لا يحمل سوى خمسة كيلو غرامات في المرة الواحدة فحرقت قلبه كم هي بسيطة مقدرات غزة المحاصرة المحصورة، قال بلسانه متى سيصل المسعفون والدفاع المدني وآلياته الثقيلة !!!! ثم انكفأ على نفسه ليجيب نفسه بان آلياتنا الثقيلة ما هي إلا قليلة جدا بعد هذا الواقع الأليم الذي تذبح فيه غزة من الوريد الى الوريد وهي مشغولة في اماكن كثيرة أخرى وتعجز عن إتمام واجباتها هناك، فكيف ستتحرك الى ها هنا. أفاق سريعا على الدخان الأسود يحول المنطقة الى ما يشبه الليل المفاجيء في النهار، وقال في نفسه أشياء كثيرة ، يمكن أن نحس بعضها، علق الغبار الأسود على وجهه الوقور وطبعة بقعة سوداء فوق حاجبه، وعلى ثيابه وعلى إشارة الصحافة، أصغى الى احد الشباب الذي قال له كنت أسمع صوت احد الأحياء هنا قبل قليل، وانحنى الشباب الى تجويف في الأرض لعله يسمع الصوت من جديد، فانحنى وائل معه ليضع اذنه على الأرض ، ولكن سكت صوت المستغيث وتجمد الدم في عروق وائل. وقال له آخر تحتنا اربعين نفرا، واشار آخر الى بقعة أخرى وقال لوائل هناك ايضا مائة نفر تحت تلك الأنقاض.

في هذا الجو الحارق المحروق، جاءه الخبر من ابنته بأن اسرة وائل الدحدوح أيضا أصبحت تحت الأنقاض في مخيم النصيرات، وان زوجته وابنه وابنته وحفيده اصبحوا موتى فوق الأنقاض،وآخرون جرحى في المستشفيات التي تحتاج الى من يداويها ويسعفها بعد ان خرج عشر منها عن الخدمة بسبب نقصان كل شيء تحتاجه المستشفيات.

هذه قصة وائل الدحدوح، أكبر ضيوف البيوت العربية الممتدة على مساحة خمسة عشر مليون كيلو متر مربع من هذا الكوكب، ثم المهجرين والمهاجرين منهم على عموم هذا الكوكب، ثم بقية البشر الذين تصل اليهم رسائل الدحدوح مترجمة بكل اللغات.

وائل الدحدوح، الذي ولد في أعرق أحياء غزة واقدمها حي الزيتون قبل ثلاثة وخمسين عاما، هو خبر أمس وخبر اليوم وخبر الغد القريب والبعيد، هو ذلك الصبي الذي تربى في اسرة تلتصق بالأرض وزراعة الأرض في قطاع غزة، هو ذاك الشاب الغزي النبيل، الذي اودعه السجان العدو لسبع سنوات تهنئة له على نجاحه في التوجيهي الفلسطيني في سنة 1988 وعطل تخرجه من الجامعة لسبع سنوات ايضا، وهو ذاك الشاب الذي تخرج من قسم الصحافة والإعلام بالجامعة الإسلامية في نهاية التسعينات، ثم ذلك الموظف الذي يجمع بين الدراسة والعمل الكثيف ليحصل على شهادة الماجستير في الدراسات الإقليمية من جامعة القدس في ابو ديس، ثم هو البطل الإعلامي المهذب الوقور الجدي الصادق المتعب جدا من أجل ان يقوم بواجبه ويخدم قضيته.

ماذا نقول لوائل الدحدوح هذا اليوم ؟ تقبل الله تعالى شهداءكم وكل شهداء غزة في عليين، في اعلى درجات الفردوس العظيم، وألهمكم الله تعالى الصبر، وجزاك خيرا على كل ما قدمته لوطنك وامتك ولكل المظلومين والمحروقين، واجركم على الله تعالى يا انبل النبلاء. ثم ماذا نقول لغزة ؟ والجريمة تزاد قُبحا على قبح، والمسؤولون في الدول الشقيقة يطالبون بوقف إطلاق النار بلهجة وصوت أهل الحياد التام ، بدل المطالبة ولو على الأقل بوقف الهجمة البربرية على غزة العزة والبطولة والفداء، ماذا نقول لآنفسنا وللقيادات فينا التي تتعلق بوعود النظام الدولي الذي يعطي كامل الغطاء لعدونا بمواصلة السحق والتدمير للطفولة والإنسانية في غزة الجريحة، بحجة أن الكيان له الحق في الدفاع عن نفسه بكل السبل وكل الطاقات وكل الوسائل!!!
[email protected]

دلالات

شارك برأيك

الدحدوح... ابن حي الزيتون وفارس الإعلام في ألمه الخاص والعام في إحراق غزة

فرانكفورت أم ماين - ألمانيا 🇩🇪

نصار يقين قبل 6 شهر

اشكركم على التفضل بالنشر والتوزيع

المزيد في أقلام وأراء

ملامح ما بعد العدوان... سيناريوهات وتحديات

بقلم: ثروت زيد الكيلاني

نتانياهو يجهض الصفقة

حديث القدس

هل الحراك في الجامعات الأمريكية معاد للسامية؟

رمزي عودة

حجر الرحى في قبضة المقاومة الفلسطينية

عصري فياض

طوفان الجامعات الأمريكية وتشظي دور الجامعات العربية

فتحي أحمد

السردية الاسرائيلية ومظلوميتها المصطنعة

محمد رفيق ابو عليا

التضليل والمرونة في عمليات المواجهة

حمادة فراعنة

المسيحيون باقون رغم التحديات .. وكل عام والجميع بخير

ابراهيم دعيبس

الشيخ الشهيد يوسف سلامة إمام أولى القبلتين وثالث الحرمين

أحمد يوسف

نعم ( ولكن) !!!!

حديث القدس

أسرار الذكاء الاصطناعي: هل يمكن للآلات التي صنعها الإنسان أن تتجاوز معرفة صانعها؟

صدقي أبو ضهير

من بوابة رفح الى بوابة كولومبيا.. لا هنود حمر ولا زريبة غنم

حمدي فراج

تفاعلات المجتمع الإسرائيلي دون المستوى

حمادة فراعنة

أميركا إذ تقف عارية أمام المرآة

أسامة أبو ارشيد

إنكار النكبة

جيمس زغبي

مأساة غزة تفضح حرية الصحافة

حديث القدس

بمناسبة “عيد الفصح”: نماذج لعطاء قامات مسيحية فلسطينية

أسعد عبد الرحمن

شبح فيتنام يحوم فوق الجامعات الأميركية

دلال البزري

البدريّون في زماننا!

أسامة الأشقر

تحرك الجامعات والأسناد المدني لوقف لعدوان

حمزة البشتاوي

أسعار العملات

السّبت 04 مايو 2024 11:31 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.73

دينار / شيكل

بيع 5.3

شراء 5.27

يورو / شيكل

بيع 4.07

شراء 3.99

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%74

%21

%5

(مجموع المصوتين 214)

القدس حالة الطقس