Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الإثنين 11 سبتمبر 2023 10:05 صباحًا - بتوقيت القدس

العَلَميْن والعالَميْن "مدينة العلمين الجديدة"

صيف هذا العام لم يكن كالأعوام السابقة، فقد توجهت خلال الإجازة الصيفية لزيارة الأهل والعائلة في مصر الحبيبة، وفي الإسكندرية تحديدا، ولكنها دعوة منهم لمرافقتي لزيارة منطقة تربطني بها ذكريات عزيزة جميلة ولكنها صعبة، أدخلت الاستغراب الى عقلي خصوصا وأنها تبعد تسعون كيلومترا عن الإسكندرية و 240 كيلو مترا عن القاهرة، وفي النهاية وافقت على الذهاب الى مدينة العلمين حيث أمضيت فترة خدمتي العسكرية في قطاع الدفاع الجوي لتغمرني ذكريات المنطقة ومقابر الجنود من ايطاليين والمان وانجليز وكأنها مقبرة عالمية، الى فراغ المساحة وكأنها صحراء قاحلة على شاطئ بحر جميل. لنبدأ طريقنا في طريق لم أشهدها من قبل، الى مكان لم يعد كما تركته قبل سنين عديدة، وما إن وصلنا مدينة العلمين الجديدة حتى أبهرني ما رأيت ابهارا عقد لساني، وشحذ عقلي في محاولة التأكد من أننا لم نصل الى مكان اخر خارج مصر، وان ما يجري هو خدعة كتلك التي نراها على القنوات الفضائية. وفي النهاية تأكدت ان كل شيء حقيقي وأننا في العلمين الجديدة، ضمن الجمهورية الجديدة.


مدينة تحمل أصالة الماضي وعبق التاريخ، مع عملقة مصر ومكانتها المحورية بين الشرق والغرب. فبعد ان شهدت معركة العلمين الأولى والثانية في الحرب العالمية الثانية بين الحلفاء بقيادة مونتغمري والمحور بقيادة رومل (ثعلب الصحراء) حين انتصر الحلفاء، وكانت العلمين أمينة في دفن جثامين الانجليز والالمان والطليان وكأنها مقبرة عالمية تذكر الناس بأهوال الحروب، ها هي تشهد معركة ثالثة تحول ارضها الى مصدر للحياة لتذكر العالم بجمال السلام والاستقرار، معركة الانتصار والبناء والإعمار. 


ففي العام 2018 قرر الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، انشاء مدينة العلمين الجديد بقرار حمل رقم 108، ليضع حجر الأساس لها في الأول من اذار/مارس من نفس العام، لنقف اليوم أمام مدينة نموذجية لم يغفل مخططوها عن أي جزء من أجزاء المدن العظيمة: فكل قطاع يأخذ حقه، من الإسكان وتوفير عشرات الاف الوحدات السكنية، الى السياحة وشبكة الفنادق والأماكن الترفيهية والمنصات المطلة على البحر وتحمل كل منصة منها برجا يكاد يكون مدينة جديدة لوحده، الى التعليم والجامعات التي أنشئت فيها، وطبعا الكنيسة والجامع يقفا شاهدا على محورية عنصري الأمة في استقرار وتطور وبناء مصر الحديثة، الى التراث والمتاحف، الى والى والى... حيث لن تكفينا مجلدات لذكر ما احتوته.


 إنها بحق معركة العلمين الثالثة كما أحببتُ تسميتها، فكما شهدَت المعركة الأولى والثانية تحولا في مسار المعارك انعكس على العالم أجمع، كذلك تشهد المعركة الثالثة تحولا حوّل الصحراء القاحلة الى واحات وجنان، حوّل الفكر الظلامي الانطوائي الاقصائي، الى واقع انفتاح ولقاء للعالمين، ففي الأولى والثانية كان لقاء حرب وقتال، وفي الثالثة اصبح لقاء محبة وسلام يجذب المتقاتلين والمتنازعين وكل أصحاب الحقوق للجلوس معا والحوار تحت مظلة وسيادة الدولة المصرية وقيادتها، وشهدت ذلك شخصيا إذ ترافق وجودي بمفاجأتين أثبتت ذلك، الأولى لقاء الفصائل الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس وبرعاية الرئيس السيسي، والثانية بلقاء الرئيس السيسي والعاهل الأردني والرئيس الفلسطيني، ها هي بحق تصبح العلمين الجديدة مكانا للقاء والتباحث والتخطيط لخير الشعوب المحبة للسلام وحفظ الحقوق واسترجاعها، ها هي مصر تعود وبإصرار للعب دورها المحوري في العالم.


إنها بالفعل تجربة تفرض على المرء التوقف أمامها والتفكير مليا، ولربما مراجعة التاريخ لاستخلاص العبر، فخلال الزيارة وما رافقها من انبهار، حضرتني زياراتنا، السابقة كرهبان الى العراق وسوريا، وما رافق تلك الزيارات من رؤية الأهوال التي حلت بالناس والأرض، الدمار ومحاولات طمس التاريخ والهوية، وفي الوقت عينه الأمل والإصرار الذي حملته عيون وقلوب الناس في سبيل إعادة البناء والإعمار، إعادة بناء العلاقات الإنسانية التاريخية أولا، والأمن والتعليم والصحة والقضاء ثانيا، والحجر ثالثا. لتترافق تلك الخبرة مع نظرة سريعة الى ما يحدث في الإطار الجغرافي لمصر، في شرقها وجنوبها، وما تعيشه تلك البلدان أيضا من حروب ونزاعات دموية، وغياب كامل للدولة ومؤسساتها، والأهم والأخطر من ذلك، انعدام واضمحلال الرؤية والأمل بمستقبل أفضل، وذلك كله بسبب أطماع العالم بموارد تلك المناطق، ووقوعها فريسة للحرب بالوكالة، لتصبح ميدانا يتصارع فيه وعليه عظماء العالم بدون ان يتواجهوا مواجهة مباشرة، فلماذا لتلك الدول العظمى ان تخسر جنودها وشعبها واقتصادها، بينما بإمكانها ان تتحارب فيما بينها بدماء وموارد وحياة الناس البسيطة الامنة والتي كانت وادعة في يوم من الأيام. حضرتني كل تلك التجارب أمام تجربة العلمين، وهي واحدة من تجارب ومشاريع مصرية عملاقة عديدة.


 حين قررت مصر وجيشها وشعبها أن تلفظ خارج منظومتها الفكرية والعملية كل من يسوق ويتعاون مع تلك المؤامرة، فهناك دمرت الطرق وقطعت بالألغام والحواجز، وهنا بنت مصر طرقا عملاقة جديدة ربطت مدنها ومحافظاتها بأحدث وسائل النقل والمواصلات كأساس هام لأي دولة حديثة تحترم شعبها وتسعى لخيره. هناك دمرت مدن التاريخ العظيمة، وهنا بنت مصر مدنا جديدة عملاقة لتؤازر مدنها التاريخية وتشاركها حملها، هناك سعى العالم ونجح مع الأسف في تحويل إنجازات الشعوب الى صحراء قاحلة، وهنا حولت مصر الصحراء الى واحات وحدائق غنّاء، ترفل بالحياة وتستقبل أهل مصر وضيوفهم من كل العالم. والأهم: هناك زرع العالم الفرقة بين أبناء الشعب الواحد، فرقة عمّدها بالدم لتبقى جاثمة في عقول وقلوب الناس، ليوظفها العالم نفسُه مستقبلا في أي مشروع من مشاريعه. وفي مصر، سالت الدماء أيضا، ولكن لتصبح عهدا أبديا بين أبناء الشعب الواحد على رفض ولفظ كل ما ومن يفرقهم، عهدا يبقيهم أوفياء لبلدهم وشعبهم، عهدا يبقي عيونهم مفتوحة على كل المؤامرات، وقلوبهم متآلفة على خير ارضهم وشعبهم.


إن مدينة العلمين الجديدة، شاهد على ان مصر تجاوزت المؤامرة العالمية التي حيكت لعالمنا العربي خصوصا وللشرق عموما، تحت مسميات مختلفة، ففي حين ترزح دول عديدة مع الأسف تحت وطأة الحرب الأهلية والاقتصاد المنهار والتجاذبات الاجتماعية، والفراغ السياسي، ها هي مصر تقدم نموذجا للعالم كعهدها دائما عبر التاريخ، بانتماء أبنائها لترابهم وعشقهم لبلدهم، بحكمة وصلابة قيادتها وجيشها، وقفوا جميعا سدا منيعا امام كل من أراد لأرض الخير شرا، أمام من أراد للعملاق العظيم، والشقيقة الكبرى، ان تصبح صفحة من صفحات التاريخ تتنازعها الأحقاد، ويعيث بها فاسدو العالم أصحاب الأجندات الخفية والمشبوهة فسادا يعود على شعبها بالويلات والدمار، وقفت وصمدت مصر غير ابهة، مقدمة التضحيات الجسام والأرواح التي زهقت من جنود وشرطة ومن أبناء الشعب الخيرين المحبين لأرضهم وبلدهم وشعبهم، بكافة مكوناته، لتحقق معجزة بناء الجمهورية الجديدة، ومدينة العلمين الجديدة خير شاهد على جسامة ما حصل، وعملقة ما يحصل وما سيحصل، لتصبح وبحق العلمين ملتقى العالمين. 


ليلتقي الشرق والغرب، على أن يكون المجد لله الذي في العلى، والسلام والمسرّة في الأرض ولشعبها وناسها وجميع قاطنيها.

دلالات

شارك برأيك

العَلَميْن والعالَميْن "مدينة العلمين الجديدة"

المزيد في أقلام وأراء

نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي

حديث القدس

مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً

جواد العناني

سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن

أسعد عبد الرحمن

جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية

مروان أميل طوباسي

الضـم ليس قـدراً !!

نبهان خريشة

دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة

معروف الرفاعي

الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا

حديث القدس

من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها

أحمد لطفي شاهين

الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة

وسام رفيدي

تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية

معروف الرفاعي

المطاردون

حمادة فراعنة

فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار

سامية وديع عطا

السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال

الصحفي عمر رجوب

إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة

حديث القدس

شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام

بهاء رحال

المقاومة موجودة

حمادة فراعنة

وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي

سري القدوة

هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!

محمد النوباني

ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟

حديث القدس

مآلات موافقة حزب الله على ورقة أمريكا الخبيثة

حمدي فراج

أسعار العملات

الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.73

دينار / شيكل

بيع 5.28

شراء 5.26

يورو / شيكل

بيع 3.96

شراء 3.95

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%54

%46

(مجموع المصوتين 80)