أقلام وأراء
الخميس 07 سبتمبر 2023 10:02 صباحًا - بتوقيت القدس
أيضاً حول التعليم العالي مجانية التعليم ممكنة وضرورية
الفعاليات الاحتجاجية الطلابية ضد رفع الأقساط في الجامعات تكاد تكون سنوية، والتوجهات المالية لإدارات الجامعات في مواجهة معضلاتها المالية، الحقيقية أو المبالغ فيها، تضع رفع الأقساط ومحاولة المس بمكتسبات وحقوق العاملين، ضمن العديد من الإجراءات، فتنفجر أزمات الجامعات، أزمة تلو أزمة، حتى باتت سمة من سمات التعليم العالي في فلسطين.
حسب الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان فإن معدل كلفة الطالب الواحد في الجامعات سنوياً بلغت 7700 $، فيما تقدر كلفة طالب الطب في السنوات الخمس في بعض الجامعات ب 5 آلاف دينار، علماً أن سعر الساعة المعتمدة ليس موحداً في كل الجامعات، ففي جامعة يبلغ سعر الساعة ما بين 40 – 95 دينارا فيما في جامعة أخرى يتراوح بين 35-100 دينار، وفي كل الأحوال فإن تلك المبالغ كبيرة إذا ما تم أخذها في سياق اجتماعي واقتصادي عام يمكن أن يؤشر عليه نسبة الفقر وفقاً لأنماط الاستهلاك، بحيث سجل الإحصاء الفلسطيني في آخر إحصاء في العام 2017 أن نسبة الفقر وفقاً لأنماط الاستهلاك، بلغت 29.2% فيما نسبة الفقر المدقع بلغت 16.8%، فيما توقع البنك الدولي، بتقدير حديث في العام 2022، أن معدل الفقر بعد جائحة الكورونا سيبلغ 35.6%.
أمام هذا الواقع الذي تعكسه الأرقام، وبالملاحظة المباشرة لكاتب المقالة كمحاضر جامعي سابق، فإن نسبة الطلبة الذين يتركون مقاعد الدراسة الجامعية، خاصة الذكور، في تزايد مستمر، وهم تحديداً من الطلبة الذين يتحدرون من عائلات فقيرة من ذوي الدخل المحدود، ويمكن عزو ذلك لسببين اساسيين: ارتفاع كلفة التعليم الجامعي نسبة لمستوى الدخل المتدني من جهة (1880 شيكلا الحد الأدنى للأجور وتعادل 520 دولارا، فيما ذكر الإحصاء الفلسطيني أن 172 ألف عامل في القطاع الخاص، اي 40% من العمال، تقل أجورهم عن الحد الأدنى)، وارتفاع نسبة البطالة بين الخريجين (بلغت البطالة في العام 2022، 24%، أما نسبتها بين الحاصلين على دبلوم عالي فما فوق فقد بلغت لنفس السنة 48.3% حسب جهاز الإحصاء المركزي)، وكل ذلك يؤدي لتسرب الطلبة، الذكور بشكل خاص، من الجامعات لسوق العمل الإسرائيلي.
لكل ذلك، ولضورة توجيه التعليم بما يخدم بناء مقومات مجتمع منتج وصامد ومقاوم، يعيش في ظل استعمار صهيوني إحلالي، وطالب يتمتع بعقلية نقدية تحررية مبدعة ومنتجة، يغدو من الضروري المطالبة بمجانية التعليم العالي. واستباقاً لأية اعتراضات حول ممكنات ذلك فإننا نؤكد ان ذلك ليس فقط ضرورياً بل وممكنا.
إن الاستثمار بالطالب، ومنذ اليوم الأول لدخوله المدرسة وحتى اليوم الأخير من متطلبات تحصيل الشهادة الجامعية الأولى، البكالوريوس، هدفه الأساس إعداد ذلك الطالب بتمليكه المعرفة العلمية والمهارات والقدرات لخدمة مجتمعه وشعبه، وبالتالي يغدو من المنطقي مطالبة المجتمع والشعب تحمل مسؤولية هذا الإعداد، فبالنهاية المجتمع، بقطاعاته الثلاث، العام والخاص وغير الحكومي، والشعب بمجمله، هو المستفيد من ذلك الإعداد، وعليه:
اولاً: السلطة السياسية كجهة رسمية هي المطالب الأول بتحمل تلك المسؤولية، وهي تستطيع عبر خفض النفقات التشغيلية، وإعادة النظر بالموازنة العامة، وحصص القطاعات المختلفة فيها، بحيث تُعطى الأولوية للصرف للقطاعات المنتجة: الزراعة والانتاج الحرفي، وللقطاعات الخدمية الهامة كالصحة والتعليم، وعدم الخضوع للإشتراطات التي تفترضها اتفاقية أوسلو لقيام السلطة بوظيفتها الأمنية، وتلقي بثقلها على الموازنة العامة. وهنا لا بد من الإشارة الى ان المخصصات الحكومية المقرة للجامعات لم تدفع منذ سنوات، وهي بعشرات الملايين. لذلك كنا كنقابيين جامعيين نطالب دائماً إدارات الجامعات بالضغط على المستوى الحكومي لتحصيل حقوق الجامعات، بدلاً من الضغط على جيوب الطلاب والعاملين.
إن مساهمة السلطة السياسية في التعليم المجاني عبر تغطية جزء رئيس منه، إلى جانب القطاع الخاص وغير الحكومي ومجموع المواطنين، ممكن إذا ما جرى إحداث تغيير جذري في السياسة المالية وما خلفها من توجهات اجتماعية واقتصادية.
ثانياً: القطاع الخاص، وخاصة ذلك الجزء منه الذي يستثمر بعشرات بل ومئات الملايين، مثل قطاعات البنوك والاتصالات والتأمين والاستيراد والتصدير، فذلك قطاع يمتص جزءاً لا بأس به من الخريجين، وبالتالي يتوجب عليه تحمل بعض من المسؤولية تجاه التعليم العالي، وكتطبيق عملي واساسي لمسؤوليته المجتمعية.
بلغت أرباح البنوك المدرجة في بورصة فلسطين اول 3 شهور من العام الجاري 40 مليون دولار، وبالتالي يمكن التقدير ان أرباحها حتى نهاية العام ستتجاوز ال 150 مليو دولار. أما صافي أرباح مجموعة الاتصالات الفلسطينية لوحدها في العام 2022 فقد بلغت 62.2 مليون دينار، اي ما يقارب 90 مليون دينار، فيما ارباح شركات التأمين في العام الماضي فبلغت 23.7 دولار.
تلك كانت أمثلة عن أرباح أهم القطاعات الاقتصادية الخدمية، البنوك والاتصالات والتأمين، وأرباحها والتي يمكن لقانون خاص ان يقتطع منها (ضريبة تعليم)، مثل (ضريبة الشيكل لكهربة الريف) قبل سنوات، لدعم التعليم العالي كمساهمة رئيسة منها، باعتبارها، كقطاعا خاصا هي المستفيد، ربما الأكبر، من مخرجات التعليم العالي.
ثالثاً: قطاع المنظمات غير الحكومية، وهو قطاع يوظف ما ينوف على 45 ألف موظف، ويستجلب سنوياً الملايين كمشاريع وبرامج ممولة من جهات خارجية. بإمكان قانون خاص ان يلزم تلك المنظمات بنسبة معينة من اي تمويل لدعم التعليم العالي، ويمكن للقانون هنا أن يميز بين منظمات صغيرة تتعامل بتمويل صغير نسبياً، وبين منظمات تتعامل بالملايين وذلك، من باب الإنصاف.
رابعاً: ونحن كمواطنين يجب ان لا نعفي أنفسنا من المسؤولية تجاه الطلبة الفقراء والتعليم العالي، ويمكن هنا تكرار التجربة الناجحة باعتقادي المسماة (كهربة الريف) والتي نصت لسنوات على إضافة شاقل واحد على فاتورة الكهرباء لدعم كهربة الريف، ماذا يمنع من اعتماد ذات السياسة عبر:
1- شاقل ضريبة للتعليم العالي على كل علبة سجائر.
2- شاقل واحد مثلاً على كمية ليترات محددة عند تعبئة البنزين للسيارات الخصوصية، تزداد بازدياد اللترات.
3- ضريبة للتعليم العالي تتحدد على المشروبات الكحولية.
4- ضريبة للتعليم العالي تتحدد علىى السلع والخدمات الاستهلاكية الترفيهية والكماليات كالأجهزة الخليوية (مَنْ يدفع 3 آلاف شاقل ثمن جهاز يمكنه دفع 3100) ومساحيق وأدوات التجميل والعطور والسيارات (مَنْ يدفع مليون شاقل ثمن سيارة جيب مميز يمكنه دفع مليون و100 ألف) والمطاعم الفاخرة وماركات الملابس الأجنبية وقاعات الأفراح وتجارة الأراضي، والعديد العديد من تلك السلع.
ويمكن اقتراح العديد من الإجراءات المالية التي تساهم في تمويل التعليم العالي بحيث يغدو مجانياً يوفر للفقراء وذوي الدخل المحدود فرصة الحصول على التعليم.
أخيراً يجب التنويه ان مجانية التعليم العالي لا تعني بأي حال من الأحوال المس بجودة التعليم لأنه، كما يزعم بعض الأكاديميين، يفتح أبواب الجامعات على مصاريعها، بغض النظر عن القدرات والإمكانيات ومؤهلات التحصيل، وتلكم معضلة يجري استغلالها للطعن في صوابية مجانية التعليم إما لاعتبارات اكاديمية مغلوطة أو لاعتبارات أيديولوجية. إن الوقوف على تجارب العديد من الدول التي اعتمدت مجانية التعليم وما زالت، وحققت وما زالت، نجاحات بارزة، وتميزت بجودة تعليمها، كفيل بالرد على حجة ان المجانية تلحق الضرر بالجودة. يكفي العودة لتجارب سابقة في الاتحاد السوفيتي ودول المنظومة الاشتراكية، ولتجارب حالية كالصين وفرنسا والمانيا وكوبا وفنزويللا والدول الاسكندنافية، والعديد العديد من الدول، وتلك العلاقة بين المجانية والجودة يمكن تدعيم اسسها، بل ويجب ذلك، بوضع معدلات قبول من جهة تتناسب مع طبيعة التخصص ومتطلباته من قدرات وإمكانيات ومهارات، لا مع الرغبة من حصد الأموال، وكذلك عبر سياسة تشجيع التعليم المهني وربط التعليم بمتطلبات التنمية، لا متطلبات السوق الراسمالي.
بالمقابل فإن عدم المجانية، وخوصصة التعليم بشكل خاص تحرم المجتمع من كفاءات وقدرات لم تنجح بالدخول للجامعات نتيجة وضعها الطبقي، وبالتالي حُرم المجتمع من كفاءات معينة.
لذلك يتوجب اعتبار مجانية التعليم حاجة وطنية وأكاديمية ملحة، على كل المهتمين بالتعليم العالي إثارتها، وفي المقدمة قطعاً الحركة الطلابية والتي من المفترض انها تتشكل أصلاً للدفاع عن مصالح الطلبة وحقهم في التعليم.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام
بهاء رحال
المقاومة موجودة
حمادة فراعنة
وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي
سري القدوة
هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!
محمد النوباني
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
الاحتلال الإسرائيلي يتوغل في القنيطرة السورية ويعتقل راعيا
الأكثر قراءة
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 81)
شارك برأيك
أيضاً حول التعليم العالي مجانية التعليم ممكنة وضرورية