أقلام وأراء

الأربعاء 06 سبتمبر 2023 9:36 صباحًا - بتوقيت القدس

بلدية القدس بلدية تشوبها العنصرية

منذ أن ابتليت القدس بعدوان عام 1967، واحتلال القوات الإسرائيلية للبقية الباقية من القدس وفلسطين، وحل المجلس البلدي في القدس، وإعمال ذيل تعديلي لقانون البلديات الإسرائيلي في نهاية شهر حزيران/ يونية من عام 1967 توخى ضم القدس للسيطرة البلدية الإسرائيلية وتطبيق القانون الإسرائيلي عليها وعلى سكانها، وتوسيع حدود البلدية بأحد عشر ضعفا ونصف لمقاصد الإستيطان الإسرائيلي، وهدم حارة المغاربة عن بكرة أبيها، والإستيلاء على حارة الشرف بمجملها، وإغلاق المصارف العربية فيها، ووضع اليد على المحكمة والمحافظة والإذاعة والبريد ومراكز الشرطة فيها واستعمالها، تراجعت القدس الشرقية بكل عناصرها، بل تضررت كل قطاعاتها نتيجة لسياسة تمييزية عنصرية بلدية إسرائيلية، وما زالت تتراجع عن مثيلاتها من المدن وتتضرر.


هذا الوصف ليس وصفا ظالما ولا تنظيرا، بل معبرا عن الحقيقة المرة أدق تعبير، وأبلغ وصف لها. فأسّ البلاء هو الإحتلال الإسرائيلي وضم القدس، فبلدية القدس ما فتئت منذ استيلائها على المبنى البلدي في باب الخليل وعلى صلاحيات ذلك المجلس البلدي، تمارس أبشع أنواع التمييز في كافة المجالات الموكولة إليها تجاه المقدسيين الفلسطينيين العرب الذين يقطنون المدينة وفق إحصائيتهم، ويرفضون رغم امتداد الزمن وكثرة الموارد المالية واتساع المهمات، تقديم أي خدمات نوعية للمقدسيين، أو حتى مجرد تحسين هذه الخدمات مع أنها من صميم عملهم ووظيفتهم، رغم أنهم دائمو الصراخ والإحتجاج والزعم بأنهم وحدوا المدينة. فرغم هذا المزاعم السخيفة وغير الحقيقية، إلا أن القدس العربية لم تكن ضمن اهتمامهم، بل الشأن اليهودي الصرف هو مرشدهم ودليلهم.


وحتى لا نتهم بالتنظير والثرثرة، سنقدم الأدلة القاطعة على هذه العنصرية البلدية البغيضة تجاه شرقي القدس ومواطنيها في بعض أنشطة البلدية وليس جميعها. ولن نناقش القضايا التي لا تختص بها البدية بشكل دقيق رغم اتصالها ببعضها البعض، مثل الهويات ولم الشمل ، وتسجيل الأطفال والشرطة والمحاكم والضرائب، بل سيتم حصرها باختصاص البلدية الأكيد. بل سنكتفي بمناقشة قضية واحدة هي البناء، تظهر بجلاء سياسة التمييز العنصري لبلدية القدس، ونترك الشوارع والأرنونة والأزقة والحارات ومصفات السيارات والخدمات العامة لمقال آخر.


يجب أن يتم التنويه ابتداء، أن من يملك الأرض والعقار في القدس الشرقية هو فقط وفقط المقدسي الفلسطيني العربي. ونتيجة للهجرة والنزوح الفلسطيني تشرذمت العائلة الفلسطينية وتمزقت، وهذا خلق شرخا في موضوع الملكية، ما لبث أن انسل من خلاله ما يسمى بحارس أملاك الغائبين. ولا يملك غير العربي أي عقار بالقدس الشرقية إلا من خلال قانون أملاك الغائبين الظالم المتعسف، أو من خلال مشتريات من عرب تحوم حولها الشبهات. وبالتالي أية سياسة عقارية من بلدية القدس تخص فقط المقدسيين العرب على وجه الحصر رغم أنها لا تذكر العرب بالإسم لكنها مفهومة ضمنا أنهم المقصودون، رغم أنها تصدر بشكل عام. لكن باطنيا وداخليا، هي تأتي ضمن سياسة التطهير العرقي وتصعيب الحياة الفلسطينية إلى درجة لا تطاق. وقد يسأل البعض، وما الوضع غربا. هناك تقوم وزارة الإسكان ببناء آلاف الشقق من خلال شركات المقاولات وتقيم الخدمات التحتية كاملة وتبيع الشقق غبر ما يسمى الماشكانتا والبنوك الإسرائيلية أو القروض الطويلة الأجل، وهو أمر غير متوفر للمواطن المقدسي لعجز إداري وتواكل بنكي وضمانات مالية صعبة وعدم وجود طابو في القدس الشرقية.


لنبدأ برخص البناء، الذي هو شأن أكيد من شؤون أية بلدية في العالم، صغرت أم كبرت. فقد كانت بلدية القدس العربية تمنح رخصا للبناء وفقا لقانون البلديات الأردني وبرسم منخفض، فإذا ببلدية تيدي كوليك تخلق العراقيل والعقبات للبناء الفلسطيني في شرقي القدس. وقد أشار مستشار رئيس البلدية الإسرائيلي للشؤون العربية آنذاك " أمير حيشن " في كتابه حول سياسة البلدية تجاه البناء العربي بجعله مقيدا وبرسوم عالية ومعقدا وبشروط صعبة من أجل تفريغ القدس ودفع سكانها إلى هجرتها والرحيل عنها للقرى المجاورة التي هي ضفة غربية أو رام الله وبيت لحم. وذكر في كتابه أن الفلسطينيين يجب أن يكونوا كالفسيفساء في القدس وأن لا يتجاوزوا نسبة الربع، وقطعا لم يحلم أنهم سيصبحون أربعين بالمائة من عدد سكانها رغم كل شيء. وعينت بلدية الإحتلال مهندسين ومخططين، مهمتهم تعقيد البناء الفلسطيني وإعاقته إلى أبعد حد، وطلبت شروطا تعجيزية من طالب رخصة بناء.


فبمجرد بدايات الإحتلال الإسرائيلي لشرقي القدس صادرت السلطات الإسرائيلية المحتلة، معظم الأراضي الفلسطينية المقدسية التي تم توسعة حدودها، من أجل غاية وحيدة وهي إقامة الأحياء الإستيطانية مثل بسجات وراموت وأرنونا . 


سبحان الله، فبدل أن يكون التوسع توطئة للتطوير، غدا البناءالإسرائيلي اليهودي منتعشا مزدهرا،بينما البناء الفلسطيني محظورا متقلصا منكمشا، حتى في مناطق فلسطينية مقدسية محصورة بحدود عشرة بالمائة والحصول على رخصة بناء. وكأن التوسع كان هدفه الرئيس .مقدمة للمصادرة والإستيلاء على الأرض الفلسطينية. فالمحتل منح المواطن الفلسطيني صفة مقيم رغم زعمه التوحيد بين شطري المدينة. وليومنا هذا لم يتغير هذا الوصف حتى من ولد بعد عام 1967 ما زال مقيما بموجب القانون الإسرائيلي.


وقد قررت الحكومة الإسرائيلية المحتلة فور احتلالها مصادرة الأرض الفلسطينية، وترك نسبة صغيرة للمواطنين العرب غير منظمة أو خضراء. وهذا يقتضي من المواطن المقدسي الفلسطيني العربي وحده دون سواه، عبور رحلة طويلة من العذاب والعناء، لتنظيم أرضه وأرض غيره بجهده المالي والإداري والقانوني والنفسي حتى يستطيع أن يقدم طلب بناء قانوني وفق المفهوم البلدي الإسرائيلي. وهذا أمر مكلف جدا وطويل جدا ومعقد جدا، وكان على بلدية القدس الإسرائيلية لو لم تمارس سياسة تمييز عنصري، أن تبادر إلى عمل التنظيم من تلقاء نفسها وتوفر على المواطن العربي الفلسطيني المقدسي كل هذه المشقة. ومن السخرية والسخافة والعنصرية أن أحياء عربية فلسطينية في القدس الشرقية لم تنظم ليومنا هذا أي بعد أكثر من خمس وخمسين سنة من الإحتلال الإسرائيلي. فكيف لسكان هذه الأحياء غير المنظمة أن يتقدموا بطلب بناء وأحياؤهم غير منظمة. والمحزن أنه ليس تقديم طلب التنظيم معناه حصول التنظيم والحصول على رخصة بناء، بل هو الخطوة الأولى في رحلة المعاناة التي تستمر لسنين عديدة طويلة، وقد تستمر لأكثر من عشر سنوات، وقد تنتهي بالسلب أو الإيجاب أو بالإلغاء في مراحله الأخيرة، وقد حصل ذلك. والغريب أن خطة التنظيم تنتهي عند وزير أمني ألا وهو وزير الداخلية لإقرارها، بدل أن تكون النهاية عند وزير مدني مثل بلديات أو حكم محلي. والمغزى الأمني واضح وبين، حتى في قضايا الإسكان وفق المفهوم البلدي الإسرائيلي التمييزي العنصري.


أما موضوع نسب البناء في غربي القدس وكونها أعلى من شرقي القدس بل أضعافا مضاعفة بحجة أو بأخرى جميعها سخيفة وتميز تمييزا عنصريا بين بناء عربي وإسرائيلي أي يهودي تؤكد السياسة التمييزية ضد المواطنين الفلسطينيين المقدسيين . فمن حججهم السخيفة وغير المعقولة أن العائلة العربية لا تعرف أن تعيش إلا مع قطيع من الغنم أو البقر أو الزراعة، لذا هي تحتاج فقط نسبة 40% أو خمسين % أو أقل لبنائها. وفوق هذا بلدية القدس تأخذ بوجه غير حق أربعين بالمائة من مساحة الأرض، وعادة ما تأخذ الجزء الأفضل طبوغرافيا وتترك لصاحب العقار الجزء الأقل جودة ليعالجه مثل الإنحراف والميلان والصخور وما شابه. وفوق هذا وذاك تطلب بلدية القدس من المقدسي الضعيف ماليا دراسات عن الريح والإضاءة وتكلفه بالشوارع والحدائق والغرف المحصنة بدل أن تقوم به هي ذاتها، حتى تعطى له رخصة البناء مما يزيد من التكلفة اضعافا مضاعفة.


الحديث عن رسوم البناء حتى يحصل الفلسطيني المقدسي على رخصة البناء، أمر تعجز الكلمات عن وصفه، فمنظمة الإقتصاد والتعاون والتطوير ومعظمها دول أوروبية، قررت في آخر دراسة لها أن إسرائيل أكثر دولة فيها تكلفة البناء وهي أغلى من كل الدول والمفترض أنها غالية وأوروبية مثل ألمانيا وفرنسا واليونان والولايات المتحدة وإسبانيا وإيطاليا. بكلمات أخرى تكلفة المتر المربع للبناء في القدس يقارب ثمانية آلاف دولار أمريكي . والمقدسي الفلسطيني يدفع على الأقل لبلدية القدس خمسين ألف دولار أمريكي للحصول على رخصة بناء لمئة متر مربع، قبل أن يحفر أو يبني أساسا أو مدماكا أو أي تعمير. وللقارىء أن يتخيل كم سيكلف بناء من مئتي أو ثلاثة مائة متر مربع. وحتى يكتمل عنصر المقارنة، لو نظرنا لرسوم البناء في بلديتي بيت لحم أو رام الله المجاورتين للقدس وتمتاز بمبان جميلة، لرأينا فارقا مذهلا. حتى لو توجهنا شرقا لمدينة عمان أو أية مدينة غربية لكان الفرق واضحا بشكل لا يقبل الشك.


وليس سرا أن ضائقة الإسكان في القدس الشرقية بلغت حدا لا يطاق بحيث بلغت الحاجة المقدسية إلى عشرين ألف شقة في المتوسط، وهذا دفع كثيرا من مواطني القدس العرب،إلى السكن في العيزرية وكفر عقب والرام، ويحتفظون بعنوان في القدس، نتيجة لسياسة التطهير العرقية التي تمارسها بلدية القدس. وهذا يقحمهم في منازعات مع التأمين الوطني والصحي مع أنهم يدفعون بالكامل مستحقات هذين الهيئتين. وهذا يحقق في النهاية سياسة التطهير العرقي للبلدية.


ونتيجة لسياسة التمييز العنصرية في موضوع البناء على الأرض العربية المصادرة، فأن الجهات المختصة الإسرائيلية تنأى بنفسها عن تقييم قيمة الأرض المصادرة أو على حد تعبيرهم مستملكة، وتمنح مالكها شقة أو شقتين تعويضا لهم، وبذا تساهم في الوقت ذاته بحل ضائقة الإسكان المستفحلة في القدس العربية.


ما يجري في سلوان وغيرها دليل فاضح على عنصرية بلدية القدس. فما يسمى بمدينة داوود التي تم الإستيلاء عليها تحت مسمى قانون أملاك الغائبين، ورغم قربها الشديد من أسوار القدس، إلا أن جمعية إلعاد تشيد فيها أبنية بالطول وبالعرض وبارتفاعات مذهلة، ولا تأتي بلدية ولا مفتشيها، والعمل على قدم وساق بدون إزعاج من بلدية القدس العنصرية.


كذلك فإن جميع الأبنية التي استولى عليها المستوطنون شراء أو غصبا في منطقة وادي حلوة بسلوان هي مبان غير قانونية أي بدون ترخيص، ولم يقدم مفتشو الأبنية في بلدية القدس لليوم أية تهم جزائية بحقهم سواء على صعيد البناء أو على صعيد استعمال بناء غير قانوني ، بينما اكتظت محاكم البلدية بمئات الملفات الجزائية ضد المواطنين المقدسيين على ذات الصعيدين، وتم هدم عشرات المباني لهم. خطوة أخرى تحفل بالتمييز العنصري تجاه المقدسيين الفلسطينيين. وللأسف ذات المحاكم التي تصدر أوامر الهدم لا تعمل مبدأ المساواة بين الفلسطيني واليهودي بحجج وذرائع شتى.


أزمة الإسكان تتناول المجتمع العربي الفلسطيني في جميع أماكن تواجده، ولكنها أكثر حدة وقسوة في القدس العربية لأهداف سياسية واضحة عبر سياسة تمييز عنصري وتطهير عرقي. ويمكن حل هذه الأزمة بإجراءات إدارية حكومية وبلدية في غاية البساطة، لو صفت النيات وحسنت وابتعد الإسرائيليون عن هدفهم المتمثل في طرد المواطنين الفلسطينيين المقدسيين من مساكنهم. فرغم كل تلك الإجراءات الظالمة، المقدسيون يشكلون أربعين بالمائة من عدد سكان القدس وهم في ازدياد، إلى يوم الساعة، فلا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس!!!

دلالات

شارك برأيك

بلدية القدس بلدية تشوبها العنصرية

المزيد في أقلام وأراء

من الاخر ...ماذا وراء الرصيف العائم في غزة ؟!

د.أحمد رفيق عوض.. رئيس مركز الدراسات المستقبلية جامعة القدس

لم ينته المشوار والقرار بيد السنوار

حديث القدس

الانعكاسات السيكولوجية للحد من حرية الحركة والتنقل

غسان عبد الله

مفاوضات صفقة التبادل إلى أين؟

عقل صلاح

الحرب مستمرة ومرشحة للتصاعد على جبهتي الشمال والضفة

راسم عبيدات

السعودية وولي العهد الشاب: ما بين الرؤية والثوابت

د. دلال صائب عريقات

ملامح ما بعد العدوان... سيناريوهات وتحديات

بقلم: ثروت زيد الكيلاني

نتانياهو يجهض الصفقة

حديث القدس

هل الحراك في الجامعات الأمريكية معاد للسامية؟

رمزي عودة

حجر الرحى في قبضة المقاومة الفلسطينية

عصري فياض

طوفان الجامعات الأمريكية وتشظي دور الجامعات العربية

فتحي أحمد

السردية الاسرائيلية ومظلوميتها المصطنعة

محمد رفيق ابو عليا

التضليل والمرونة في عمليات المواجهة

حمادة فراعنة

المسيحيون باقون رغم التحديات .. وكل عام والجميع بخير

ابراهيم دعيبس

الشيخ الشهيد يوسف سلامة إمام أولى القبلتين وثالث الحرمين

أحمد يوسف

نعم ( ولكن) !!!!

حديث القدس

أسرار الذكاء الاصطناعي: هل يمكن للآلات التي صنعها الإنسان أن تتجاوز معرفة صانعها؟

صدقي أبو ضهير

من بوابة رفح الى بوابة كولومبيا.. لا هنود حمر ولا زريبة غنم

حمدي فراج

تفاعلات المجتمع الإسرائيلي دون المستوى

حمادة فراعنة

أميركا إذ تقف عارية أمام المرآة

أسامة أبو ارشيد

أسعار العملات

الإثنين 06 مايو 2024 10:33 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.72

دينار / شيكل

بيع 5.28

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 4.03

شراء 3.99

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%74

%21

%5

(مجموع المصوتين 218)

القدس حالة الطقس