على الرغم من مشاركة ألفي جندي أميركي من بين عشرة آلاف في مناورات حلف الأطلسي الجارية في أوروبا، وأغلبها في ألمانيا، مع 250 طائرة، وإعتبرت الأكثر عدداً وأهمية، ولكنها تحمل التوجه الألماني، والرغبة الألمانية، وفرض الحضور الألماني، تمهيداً لمستقبل تسعى له ألمانيا بعد انتهاء فترة العقوبات المفروضة عليها منذ هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، حيث تمنع العقوبات من جعل ألمانيا قوة عسكرية، وتحرمها من امتلاك جيش قوي يوازي قدراتها الاقتصادية والسياسية.

مناورات الأطلسي، هدفت كما قالت السفيرة الأميركية في برلين توصيل رسالة إلى طرف لم تسميه وتقصد روسيا، ولكن المسؤول العسكري الألماني رد عليها بوضوح أن هذه المناورات ذات طابع دفاعي، لا تستهدف أحداً بعينه، مما يزيد من فجوة التعارضات الأميركية الألمانية، حيث تتوسل ألمانيا أن لا تكون متصادمة مع طرف لحساب آخر، فالصراع السياسي العسكري الاقتصادي بين المعسكرين: الأول الروسي الصيني، في مواجهة الثاني الأميركي البريطاني، تسعى ألمانيا أن لا تتورط فيه، تمهيداً بعد انتهاء فترة العقوبات مع الأول من شهر كانون ثاني يناير 2025، لأن تشكل القطب الثالث والمعسكر الثالث بالتحالف مع فرنسا، بين القطبين والمعسكرين المتصادمين.

رصدت ألمانيا العام الماضي 2022 مبلغ مائة مليار يورو لبناء جيشها المستقبلي، وهذا سيكون الدفعة الأولى تليها دفعة مماثلة، كي تتمكن من بناء جيش قوي يُضاهي جيوش البلدان الكبرى الخمسة: أميركا والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا، وبذلك لن تبقى أسيرة العقوبات الدولية أو السياسات الأميركية التي عملت على تحجيم أوروبا عموماً، وألمانيا خاصة.

لقد قررت ألمانيا شراء منظومة الدفاع الجوي "حيتس 3" من طرف المستعمرة بمبلغ يفوق 4 مليارات يورو وهي منظومة متطورة تعمل على اعتراض الصواريخ البالستية خارج الغلاف الجوي، بارتفاع يصل إلى 100 كيلو متر، ستجعل من ألمانيا متفوقة على غالبية البلدان الأوروبية، وتسهم من جانبها في حمايتها، بعد أن تستلم هذه الصواريخ في عام 2025، بعد أن تكون قد تحررت من القيود المفروضة، وسقوط شروطها.

ألمانيا تسعى نحو تفردها وتفوقها، وهي تملك الآن التفوق الاقتصادي كونها الدولة الثالثة اقتصادياً في العالم بعد الولايات المتحدة والصين، وهي الأولى سياسياً في أوروبا، وتنقصها القدرة العسكرية لتأهيلها كي تكون عضواً في نادي الأقوياء، وهي تعمل له ومن أجله بهذه المناورات وشراء الأسلحة وبناء الجيش.