Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الأربعاء 24 مايو 2023 10:33 صباحًا - بتوقيت القدس

المفكر التونسي راشد الغنوشي: الحضور والوعي المُبكر بقضية فلسطين

يعتبر الشيخ راشد الغنوشي واحداً من أعلام الفكر السياسي الإسلامي في الوطن العربي، ومن أبرز مناصري الشعب الفلسطيني، وقد أظهرت ذلك كتاباته المبكرة وتصريحاته الداعمة دائماً لنضالات الفلسطينيين منذ سبعينيات القرن الماضي، ومع انتفاضة الحجارة وظهور حركة حماس كحركة تحرر وطني براية إسلامية، ودعواته للفلسطينيين للعمل على إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة في إطار الشراكة السياسية والتوافق الوطني.


كانت بداية معرفتي بالشيخ الغنوشي كمفكر وداعية أواخر السبعينيات، عندما كنت طالباً جامعياً في القاهرة، من خلال مجلة (المعرفة) التونسية؛ وهي مجلة إسلامية ثقافية فصلية تمثل صوت الجماعة الإسلامية، وهي بأقلام كُتَّابها تدافع عن صورة الإسلام وأصالته الحضارية في تونس، وكان الشيخ الغنوشي أحد أعمدة المحررين فيها، وكانت تصلنا بعض أعدادها عبر طلبة البعوث من المغرب العربي في جامعة الأزهر.. ثم كان اللقاء الأول بيننا -وجهاً لوجه- في قلب العاصمة البريطانية لندن أوائل التسعينيات، وقد تكررت اللقاءات بعد ذلك معه في أمريكا، حيث كان يأتي مشاركاً في المؤتمرات السنوية التي تعقدها مؤسساتنا الإسلامية هناك بشكل دوري أو سنوي، وكانت آخر تلك اللقاءات به هي التي جمعتنا في تركيا عام 2011، ثم في تونس عام 2012.. فالرجل من حيث أفكاره ومواقفه واجتهاداته الفقهية معروف لكلِّ متابع في الشأن الإسلامي، ولا يشكِّل فيما يطرحه من أراء أو ما يطلقه من تصريحات أي غرابة لي أو مفاجآت، فأنا أنتمي إلى مدرسته في الفكر والسياسة.


لقد نشر الشيخ الغنوشي العديد من الكتب والدراسات، التي أشادت بها زعامات وقيادات في العالمين العربي والإسلامي. ففي عام 2012، شاهدت خلال حضوري لملتقى خاص في إستانبول شاركت فيه أكثر من 60 شخصية إسلامية قيادية كان من بينهم الشيخ الغنوشي، حيث أشاد بفكره وكتاباته د. أحمد داوود أوغلو؛ وكان وزيراً للخارجية آنذاك، وقال له: " يا شيخ راشد.. منك تعلمنا الكثير، ولكتاباتك الفضل في بعض أفكار حزب العدالة والتنمية، وقد قمنا بترجمة بعضِها للغة التركية".


في الحقيقة، شكَّل كتاب "الحريات العامة في الدولة الإسلامية" للشيخ الغنوشي إضافة معرفية كبيرة للأديبات الفكرية لحزب العدالة والتنمية وما اختطوه من مبادئ وسياسات.


إن من المعروف عن الشيخ الغنوشي أنه رجل متنور ومنفتح على الجميع، ويتمته بكاريزما إنسانية عالية، وهو مفكر إسلامي غير متعصب، وأتذكر أنه قال لي في إحدى اللقاءات التي جمعتني به في لندن خلال التسعينيات: يا أخ أحمد.. إذا ما استلمنا الحكم عبر العملية الانتخابية، ثم تبين لنا بعد فترة أن الشعب لا يريدنا، فسوف نترك الحكم، ونعطي فرصة لغيرنا أن يتقدم لإدارة شؤون البلاد، ثم نحاول في المرات القادمة إقناع الشارع بنا، من خلال تقديم صورة أحسن ومسيرة سلوكية وبرامج حكومية أفضل.


بدأ الشيخ رحلته في طلب العلم بمصر أولاً، ثم غادرها إلى سوريا في السبعينيات، حيث درس الفلسفة هناك، وتعرَّف خلال فترة وجوده فيها على فكر جماعة الاخوان المسلمين، ثم عاد إلى بلاده بعد أن أنهى دراسته الجامعية ليرفع شعارات الإخوان وفكرهم، وقد أدت هذه الرؤية والقناعة الجديدة للشيخ الغنوشي إلى حدوث تحولات كبيرة داخل الساحة الإسلامية في تونس.


وفي المرحلة الثالثة من التحولات التي مرَّت بها الحركة الإسلامية في عهد "بن علي" حاول الشيخ الغنوشي التكيف سياسياً مع النظام، وقام بتغيير اسم الحركة من حركة الاتجاه الإسلامي إلى النهضة، ولكنه اكتشف بعد أقل من سنتين بأن "بن علي" ليس بالرجل الذي يمكن الوثوق به، إذ قلب لهم ظهر المجّن، وفاجأهم بحملة واسعة من الاعتقالات، اضطر معها الشيخ الغنوشي لمغادرة البلاد، والإقامة في الجزائر لفترة بسيطة ارتحل بعدها إلى السودان، بعد أن أصبح محكوماً عليه في بلاده بالإعدام.. تقدَّم بعد ذلك بطلب اللجوء إلى بريطانيا، حيث مُنح الإقامة هناك كلاجئ سياسي، إلى أن عاد إلى بلادة بعد نجاح ثورة الياسمين وسقوط نظام "بن علي" في عام 2011.


الشيخ الغنوشي: الوعي المبكر بالقضية الفلسطينية
كانت نظرة الشيخ الغنوشي لمأساة فلسطين باعتبارها القضية المركزية للأمتين العربية والإسلامية سابقة لغيره من علماء الأمة وزعمائها؛ لأنها جزء مقدس من أرضهم، وأنه لا معنى ولا عزَّة للعروبة والإسلام ما دامت فلسطين تحت الاحتلال الأجنبي، وقد نشر عام 1983 دراسةً له بعنوان "القضية الفلسطينية على مفترق طريقين- دروس من الثورة الفلسطينية"، تتضمن كلَّ هذه المواقف والمفاهيم.


وقد أكدَّ الشيخ الغنوشي: إنَّ كلَّ خطوة نحو الحرية والعدل والانفتاح الاعلامي هي خطوة باتجاه تحرير فلسطين، ووصف القضية الفلسطينية بأنها أعدل وأنبل القضايا في العالم. وأضاف: "التونسيون يختلفون في كلِّ شيء لكنهم لا يختلفون على القضية الفلسطينية، وهم يقفون إجلالاً لأمرين اثنين: النشيد الوطني وفلسطين".


ورأى الغنوشي أن منظمة التحرير تمكنت من إحياء القضية الفلسطينية وكسب الأنصار لها من مختلف أنحاء العالم، وأن المطلوب اليوم من القيادات الفلسطينية والإسلامية أن تعيد للقضية إشعاعها الدولي؛ لأنها قضية إنسانية عادلة. وأضاف: "نحن في حركة النهضة عندما هاجرنا من تونس وجدنا إخوتنا الفلسطينيين في المهجر قد احتضنونا، ففلسطين هي حاضنة الأمة بأكملها، ونحن جميعاً فلسطينيون إلى أن يتحرر آخر أسير وإلى أن يعود الجميع إلى ديارهم".. وأشار إلى أنّ التونسيين لا يجتمعون على شيء كالاجتماع على رفض موجة التطبيع العربي مع "إسرائيل"، وعلى التضامن مع القضية الفلسطينية، فقضية فلسطين قضية مقدسة في تونس. وأشار إلى أنّ رفض التطبيع ليس محلّ نقاش في تونس بل محلّ إجماع، ولا أحد تجرأ بقطع النظر عن قناعاته الفردية في الحديث عنه، مُضيفاً: "الرأي العام التونسي بعلمانييه وإسلامييه لا يختلف حول هذا الموضوع".. وقال إن بطولات المقاومة الفلسطينية ستصنع مستقبلاً آخر، وأنَّ العالم العربي ومنطقة الشام ستشهد إعادة ترتيب للأمور بموجبها سيتم وضع القضية الفلسطينية على الطريق الصحيح. وأكد الغنوشي أن الأحداث الكبرى في التاريخ لا تمر من دون أن يكون لها تأثير ما، مبرزاً أن ما يقع في الأراضي الفلسطينية هو "حدث نوعي وصدام كبير بين الغطرسة الإسرائيلية والحق الفلسطيني، وأنه لا بدَّ لهذا الحدث النوعي أن يُقدم تغييرات كبرى في التاريخ والجغرافيا". وأضاف: أنَّ القضية الفلسطينية محلُ إجماع في تونس بصرف النظر على التباينات السياسية والحزبية، وكان البرلمان التونسي قد دعا لإحالة قادة إسرائيل إلى الجنائية الدولية، مطالبا الهيئات الحقوقية الإقليمية والدولية المختصة لاتخاذ الخطوات القانونية اللازمة لإحالة قادة إسرائيل إلى محكمة الجنايات الدولية، جراء جرائمهم بحق الشعب الفلسطيني.


اليوم، وفي سريالية غير مفهومة، يقبع الشيخ راشد الغنوشي؛ رئيس البرلمان التونسي السابق، في السجن بعد الحكم عليه لمدة سنة بتهمة التحريض فيما عرف بملف "الطواغيت"!! وهي ليست إلا ذريعة لإسكات صوته المعارض للطغيان وحكم الفرد، ولكن كما تعلمنا من شواهد التاريخ القديم والمعاصر أنَّ لكلِّ طاغية نهاية، أما هؤلاء الأعلام من أيقونات الأمة فتعيش ذكراهم ويبقى للأجيال من سيرتهم النهج والأثر.

دلالات

شارك برأيك

المفكر التونسي راشد الغنوشي: الحضور والوعي المُبكر بقضية فلسطين

المزيد في أقلام وأراء

ترامب المُقامر بِحُلته السياسية

آمنة مضر النواتي

نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي

حديث القدس

مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً

جواد العناني

سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن

أسعد عبد الرحمن

جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية

مروان أميل طوباسي

الضـم ليس قـدراً !!

نبهان خريشة

دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة

معروف الرفاعي

الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا

حديث القدس

من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها

أحمد لطفي شاهين

الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة

وسام رفيدي

تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية

معروف الرفاعي

المطاردون

حمادة فراعنة

فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار

سامية وديع عطا

السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال

الصحفي عمر رجوب

إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة

حديث القدس

شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام

بهاء رحال

المقاومة موجودة

حمادة فراعنة

وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي

سري القدوة

هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!

محمد النوباني

ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟

حديث القدس

أسعار العملات

الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.73

دينار / شيكل

بيع 5.28

شراء 5.26

يورو / شيكل

بيع 3.96

شراء 3.95

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%53

%47

(مجموع المصوتين 81)