أقلام وأراء

الأربعاء 22 فبراير 2023 9:41 صباحًا - بتوقيت القدس

الزهار كما عرفته.. العقل والقلم والبندقية

بقلم:د. احمد يوسف
إنَّ ثلاثين عاماً من العلاقة في مجالات العمل الدعوي والانتماء الحركي ومشهد الحكم والسياسة، كانت أكثر من كافية لفهم شخصية د. محمود الزهار (أبو خالد)، من حيث ما له وما عليه. إذ إنَّ معرفتي به تعود إلى عام 1988، بعد عودتي من أمريكا إلى قطاع غزة، حيث كانت الانتفاضة الفلسطينية في أوجِّ فعالياتها النضالية ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وجدت نفسي منخرطاً في أكثر من لجنة من اللجان التي أسستها حركة حماس، لاعتبارات التخصص وأقدمية الانتماء للحركة الإسلامية في نهاية الستينيات. كانت اللجنة السياسية هي واحدة من اللجان التي جمعتنا للعمل معاً، والتي كان يُشرف عليها المهندس إسماعيل أبو شنب (رحمه الله)، وكان د. الزهار أحد أعضائها. عملنا معاً لقرابة العام ونصف العام، ثم غادرت قطاع غزة عائداً إلى أمريكا لاستكمال دراسة الدكتوراه في مايو 1989.
كانت هذه الفترة فرصةً لمعرفة د. الزهار، حيث كان مشهوداً له بالحضور الرأي الفاعل، فهو شخص متحدث ومتابع للأحداث، ودائماً هو صاحب موقف وتحليل لمجريات الأحداث والوقائع، وهذا ما كانت تتطلبه أعمال اللجنة السياسية؛ أي قراءة مشهد الانتفاضة وتحليله، وأيضاً متابعة ما يتحدث به الإعلام العبري، وما يصدر من تصريحات عن أهل السياسة وجنرالات العسكر، والخروج بتقديرات موقف توضع بين أيدي المستويات السياسية والأمنية في الحركة لدراستها، واتخاذ القرار المناسب للتحرك.
كان د. الزهار يُدّلي بدلوه مع الآخرين من إخوانه باللجنة في سياق الرأي والمشورة، وكان صاحب دُعابة تملأ أجواء المكان بروح من التفاؤل والابتسام.
بعد مغادرتي للبلاد، التقيت به في نهاية العام 1989، خلال حضوره فعاليات مؤتم إسلامي في مدينة شيكاغو الأمريكية، وقد جاء مع وفد فلسطيني برئاسة د محمد صيام (رحمه الله).
مرت سنوات الانتفاضة، وكانت أخبارها يتم تغطيتها ضمن وسائل إعلامية عربية وغربية، وكان د. الزهار يظهر على شاشاتها متحدثاً من حين لآخر.
عقب فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية في يناير 2006، عُدُّت إلى قطاع غزة قادماً من الجزائر، حيث اتسعت دائرة المعرفة واللقاء بيننا.
تمّ تكليفي بالعمل مع رئيس الوزراء السابق إسماعيل هنية كمستشار سياسي، فيما تقلد د. الزهار منصب وزير الخارجية في الحكومة العاشرة.
كانت أول مهمة ترافقنا فيها قبل مباشرة عملنا الرسمي، هي الاستجابة لنداء من قبل مجموعة "أطباء بلا حدود" الدولية، إذ انتابها شعور بالخوف أنَّ وجودها داخل القطاع بات مهدداً بعد فوز حماس في الانتخابات، فعملت على تسريع خروجها من القطاع.
علمت قيادة حماس في منطقة تواجدهم بالأمر، فتمَّ الاتصال بالنائب الأستاذ عبد الفتاح دخان، الذي تعهد لهم بتأمين سلامة وأمن هذا الوفد.
كلَّفني الأخ إسماعيل هنية رئيس الوزراء مع د. الزهار بمتابعة الأمر، وتأمين خروجهم بأمن وسلام.
ذهبنا معاً إلى المنطقة الوسطى، وعملنا على طمأنة الوفد وتبديد مخاوفه، وعرضنا عليهم استضافتهم في حمايتنا كحكومة، إلا أنهم أجابوا بأن سفارة بلادهم تجري اتصالات مع الإسرائيليين للسماح لهم بمغادرة قطاع غزة من خلال معبر(إيرز). أوصينا بهم خيراً، وطلبنا من الأمن تسهيل مهمة وصولهم إلى المعبر.
كانت اجتماعات الحكومة الأسبوعية هي الفرصة الأكبر للتعرّف على قدرات د. الزهار السياسية ووعيه بالأحداث والمتغيرات التي تطرأ على المنطقة العربية وانعكاساتها على القضية الفلسطينية وأوضاعنا الداخلية، وكذلك ما يجري في الدول الغربية وتداعيات كلّ ذلك على مشهد الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، ومستقبل الوضع الفلسطيني.. هذه المساحة من النقاش كانت -عادة- مخصصة للدكتور الزهار بحكم منصبه كوزير للخارجية، وتقع على كاهله متابعة كلّ هذه الملفات بالنظر والتحليل.
ويمكن القول؛ إن الرجل كان يتمتع بملكات فكرية ومعرفية أفضل من غيره في القراءة والتخليل، إذ كنا نتفق معه حيناً، وأحياناً كنا نختلف، وخاصة فيما يتعلق بالسياسات الغربية وأمريكا بالتحديد، كوننا درسنا وعملنا فيها لعقدين من الزمن، إذ خبرنا فيها من واقع الميدان طبيعة السياسة القائمة على اعتبارات المصالح، وأنَّ من السذاجة الرهان على مواقف نزيهة لصالح قضيتنا، حيث إن استراتيجيه الغرب -للأسف- كانت دائماً منحازة لإسرائيل.
لم تكن معرفتي به وبقدراته السياسية تقف عند اجتماعات مجلس الوزراء، إذ عملنا أيضاً في وزارة الخارجية، وفي مجلس الشورى العام للحركة، وكان هو مسؤولاً عن إعداد التقرير السياسي السنوي، الذي يتضممن الرؤية الاستشرافية في سياق المقاربات والتحديات.
في 17 إبريل 2008، كانت زيارة وفد حماس إلى القاهرة للقاء الرئيس الأمريكي السابق كارتر. اجتمعنا في فندق سميراميس بالقاهرة، وامتد النقاش لحوالي خمس ساعات، كان فيها د. الزهار هو من يتحدث ويجيب على التساؤلات أغلب الوقت. قدّم د. الزهار حركة حماس كحركة فازت بانتخابات ديمقراطية وبدرجة عالية من الشفافية شهد عليها مركز كارتر كأحد الجهات التي أشرفت على مراقبة الانتخابات. وكون العملية الانتخابية هي استحقاق ديمقراطي، فإن من حق الحركة أن تحكم، وأن تأخذ فرصتها في إدارة شؤون البلاد. وهذا موقف لم يختلف عليه أحد، ثم استعرض د. الزهار المضايقات التي تعرضت لها الحكومة من إسرائيل وجهات سياسية فلسطينية أخرى كانت تعمل بكلِّ السبل لإفشال تجربة الحركة في الحكم.. ثم أوضح د. الزهار مواقف الحركة من الاحتلال ونظرة الحركة وموقفها من العلاقة مع الغرب؛ ومن مسألة الاعتراف بإسرائيل وحلّ الدولتين ومسائل أخرى. استرعى حديث د. الزهار انتباه الرئيس كارتر، الذي ظل يستمع بصمت مع مداخلات بسيطة للاستيضاح من حين لآخر.
كان اللقاء واحداً من بين أفضل الجلسات التي شاهدت فيها د. الزهار يعرض ويحاور ويناقش بثقة وبمنطق الحجة البالغة وفوداً دولية.. نعم؛ كانت نقاشاته تعتمد على أرضية من المبادئ والقيم والمواقف الإنسانية والأخلاق، وهي قيمة ربما لا تروق لحوارات أهل السياسة، إلا أنها كانت ركيزة لا تغيب في أي حوار مع د. الزهار.
المشهد الثاني المهم الذي أتيح لي أن أكون أحد جلسائه، هو تلك اللقاءات التي جمعت د. الزهار مع الوسيط البريطاني أوليفر ماك تيرنن للتفاوض حول ملف شاليط أو صفقة تبادل الأسرى، والتي استمر د. الزهار في إدارتها لأكثر من ثلاث سنوات كان هو أحد أهم مهندسيها، واستطاع بذكائه ومهارته التفاوضية أن يوصل المفاوضات إلى النقطة التي جعلت استكمال الصفقة مسألة وقت، حيث تابع الشهيد أحمد الجعبري (رحمه الله) إتمام تفاصيل الصفقة بوساطة مصرية.
إنَّ د. محمود الزهار مع كلِّ ما تميز به من ملكات في مجالات الفكر والسياسة والأدب وعشق البندقية، إلا أنه إنسان – مع كلِّ وداعته- تظهر عليه أحياناً بعض مظاهر الحدّة والغضب، وخاصة إذا مُسَّت المبادئ التي استقى أصولها من فهمه الواسع للقرآن الكريم أو تعرض أحد -في سيلق غير وطني- لثوابت القضية الفلسطينية.
في الحقيقة، أن د. الزهار يتمتع بمهارات علمية ومعرفية أهلته للإبداع في أكثر من مجال. وإذا أردنا أن نتحدث عن "مسك الختام" فيما أبدعه قلم د. الزهار، فيكفينا هنا الإشارة إلى عمله الموسوعي "التيسير في فهم التفسير"، وهو إضافة معرفية لعلوم القرآن.

دلالات

شارك برأيك

الزهار كما عرفته.. العقل والقلم والبندقية

-

ام حسام قبل حوالي سنة

رجل علم ودين وسياسة وتاريخ وحاضر ومستقبل حماه الله وحفظه وجعل تحرير فلسطين بقيادته وعلى يديه قدم وضحى وصبر وجاهد لم يداهن ولم يركن لدنيا بقي على الثوابت ولم يتنازل حياته كلها خير

-

نادر رمزي قبل حوالي سنة

الدكتور الزهار من أشرف القيادات السياسية الفلسطينية ولكنه أخطأ حين انضم لحكومة لأنه لا يصلح لوزير خارجية في حكومة هي نتاج لأسولو .الزهار لا يصلح دبلوماسي لأن الدبلوماسية تعني الكذب في عالم السياسة

المزيد في أقلام وأراء

هناك خطة للغد

غيرشون باسكن

إسرائيل تصارع اوهام النصر

حديث القدس

الاحتلال الإسرائيلي بين «الذكاء الاصطناعي» و«الغباء الفطري»

عماد شقور

المفاوضات بين حماس والمستعمرة

حمادة فراعنة

المحاكم.. مكان لاختبار الصبر!

سمر هواش

تأملات-- النساء الفاضلات كثيرات

جابر سعادة / عابود

هل هو تنازع على من يخدم إسرائيل أكثر؟

فتحي أحمد

التعافي من الفاقد التعليمي واستقرار منظومة التعليم

ثروت زيد الكيلاني

اليابان: غزة والشرق الوسط

دلال صائب عريقات

شكراً تونس

رمزي عودة

تأثير الحرب على التعليم.. دمار شامل بغزة وصعوبات كبيرة بالضفة

رحاب العامور

إسرائيل تحاول التنصل من جرائمها

حديث القدس

الفعل وليس القرارات ما هو مطلوب

حمادة فراعنة

حراك الجامعات في مواجهة ألة القمع الإسرائيلية

زاهي علاوي

استكشاف هندسة الأوامر: الابتكار والتطور والتأثير على المستقبل

صدقي أبو ضهير

‏ الحكومة الجديدة وأهمية دعم القطاع الزراعي

عقل أبو قرع

معاداة السامية" ... سلاح ظلم وبغي

عطية الجبارين

القادمون من السراديب والذاهبون إليها

حمدي فراج

القمة العربية ما بين الوقائع والاستحقاقات اللازمة

مروان أميل طوباسي

أمريكا وحروب الإبادة: سجل حافل بالصناعة أو التورط

صبحي حديدي

أسعار العملات

الأحد 19 مايو 2024 10:55 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.73

شراء 3.72

دينار / شيكل

بيع 5.31

شراء 5.29

يورو / شيكل

بيع 4.06

شراء 4.01

بعد سبعة أشهر، هل اقتربت إسرائيل من القضاء على حماس؟

%9

%91

(مجموع المصوتين 78)

القدس حالة الطقس