أقلام وأراء

الأحد 07 أغسطس 2022 10:37 صباحًا - بتوقيت القدس

ماذا وراء استهداف الجهاد والحرب على غزة

الأحد... وكل يوم أحد
ماذا وراء استهداف الجهاد والحرب على غزة
بقلم: المحامي زياد أبو زياد
تنطلق إسرائيل في سياستها وممارساتها من قرار استراتيجي ثابت تلتقي عنده كل الحكومات السابقة والحالية واللاحقة ويُجمع عليه اليهود على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم وهو عدم الاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وعدم السماح بإقامة دولة فلسطينية مستقلة لأن ذلك يعني أن لهم شركاء في هذه الأرض في حين أنهم يعتبرونها أرض إسرائيل ويعتبرون كل من عليها من غير اليهود غرباء.
وانطلاقا من هذا القرار فإن إسرائيل تؤمن فقط بالخيار العسكري لسحق أي مقاومة للاحتلال وتعمل على ترويض الكل الفلسطيني للرضوخ لها والقبول بإملاءاتها، وقد نجحت إسرائيل في تحييد فتح الرسمية التي تدير السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
الأجهزة الأمنية بالضفة
ولكي أكون أكثر دقة فإن تحييد فتح التي تقود السلطة في الضفة الغربية لم يتم بفضل إسرائيل وإنما جاء كنتيجة طبيعية للانقسام البغيض وتولد حالة أصبحت فيها السلطة بالضفة مستهدفة من قبل حماس وبنفس الوقت لا تسيطر على الجهاد فالتقت مصلحة إسرائيل في ضرب المقاومة مع مصلحة السلطة في الدفاع عن وجودها أمام التهديد الحمساوي الساعي للسيطرة على الضفة مثلما سيطر على القطاع.
وبعبارة أخرى فإن معارضي السلطة وأعدائها يرتكبون خطأ فادحا ً حين يتهمون الأجهزة الأمنية الفلسطينية بأنها أصبحت جزءا من منظومة الأمن الإسرائيلي وأصبحت أداة لحماية أمن الاحتلال. فهذ القول غير صحيح أصلا وهو تبسيط للأمور ورفض لرؤية الحقيقة على طبيعتها.
فالأجهزة الأمنية الفلسطينية تخضع للسلطة التنفيذية وللسلطة بشكل عام، ومن البديهي أن تكون مهمة هذه الأجهزة هي حماية السلطة من الخطر الذي تشكله أطماع حماس في السيطرة على الضفة الغربية. وهكذا نجد حماس في موقع العدو لإسرائيل وللسلطة في آن واحد ونجد أنهما تلتقيان عند نقطة محاربة حماس أو بعبارة أخرى محاربة أي عمل عسكري ضد إسرائيل لأنه عاجلا ً أو آجلا سيكون ضد السلطة.
وقد أدى وجود الخطر المشترك أمام إسرائيل والسلطة الى تفرغ إسرائيل لشن حرب تصفية ضد الفصائل التي لا تتفق مع السلطة وعلى رأسها حماس والجهاد والجبهة الشعبية.
وفي إطار هذه الحرب التي تشنها إسرائيل ضد المقاومة والتي تستند كما أسلفنا للاستراتيجية الإسرائيلية آنفة الذكر تقوم إسرائيل بحرب استنزاف ضد فصائل المقاومة لاستنزاف قوتها وارهاقها سعيا نحو الوصول بها الى نقطة الاستسلام ليس بالضرورة الاستسلام العلني بل بحكم الأمر الواقع.
تحييد حماس وسياسة "قضم" المقاومة
وبعد ربط حماس باتفاق غير مكتوب لوقف اطلاق النار عام 2014، وبعد دخول وسطاء بينها وبين إسرائيل ومأسسة علاقة مادية تُعرف بالشنطة القطرية ومع الأخذ بعين الاعتبار بعض التطورات الإقليمية التي لها تأثير مباشر على حماس، وتطور علاقات حماس مع بعض دول الجوار وفي مقدمتها مصر، أصبحت حماس أكثر حرصا على عدم الدخول في مواجهة مسلحة مع اسرائيل في الوقت الحاضر على الأقل، وهذا بحد ذاته يعتبر بالنسبة لإسرائيل تحييدا ًمؤقتا لحماس وتفرغا للتعامل مع الجهاد لاستنزاف قوتها والأمل في إمكانية شطبها من المعادلة العسكرية.
على هذه الخلفية يجب رؤية الحرب التي تشنها إسرائيل ضد حركة الجهاد الإسلامي والتي دخلت مرحلة التصعيد منذ محاولة عدد من مقاتلي الجهاد التحرر من الأسر في سجن جلبواع وتنسموا هواء الحرية ولو لبضعة أيام في السادس من أيلول 2021. فمنذ ذلك الحين قامت إسرائيل بتصعيد ضرباتها للمقاومة في المخيم وبشكل شبه يومي قائم على استراتيجية "القضم" أي أن تقتطع في كل مرة جزءا من المقاومين الى أن تستطيع كسر شوكة المخيم والسيطرة التامة عليه. ونموذج ما يجري في مخيم جنين لم يقتصر عليه فقد انتقل تنفيذه الى نابلس وسينتقل الى مناطق أخرى في الضفة الى أن تتمكن من القضاء نهائيا على حركة الجهاد الإسلامي في الضفة وتحويلها كغيرها من الفصائل الى اطار سياسي فارغ من المضمون العسكري.
وإذ أقول هذا فأنا لا أعني أنه سيتحقق بل أقول بأن هذا هو المخطط الإسرائيلي: تصفية الجهاد في الضفة تحت سقف هدنة تحققت مع حماس ووقوف الأجهزة الأمنية جانبا ً لأن ليس لها مصلحة في الدفاع عن الجهاد أو حماس لأنها تتناقض معهما ولأنهما يشكلان تهديدا لاستقرار السلطة.
اعتقال الشيخ السعدي وافتعال التوتر
في مستوطنات غلاف القطاع
واذا كان التحرر من السجن وتنشق هواء الحرية من قبل مقاتلي الجهاد قد آذن ببدء المرحلة الثانية من الحرب التي تشنها إسرائيل ضد الجهاد فإن أحداث الأسبوع الماضي بدءا باعتقال الشيخ بسام السعدي والاعتداء الجسدي والمعنوي عليه أثناء اعتقاله ومن ثم افتعال التوتر واعلان الاستنفار في مستوطنات غلاف غزة لأربعة أيام، وخلق أجواء من التوتر والترقب إنما يُشكل بداية المرحلة الثالثة من هذه الحرب.
فقد قامت إسرائيل باستفزاز الجهاد من خلال اعتقال الشيخ بسام وبدأت بالإيحاء بأنها تترقب ردا ً من الجهاد على ذلك، وربما كانت تتمنى لو تُقدم الجهاد على الرد لكي تبرر لإسرائيل تنفيذ خطة هجوم شاملة ضد الجهاد في قطاع غزة تُشكل في نفس الوقت غطاء لتنفيذ المرحلة الأخيرة من محاولة تصفية المقاومة في مخيم جنين. ولكن الجهاد تحلت بضبط النفس مما اضطر القيادة العسكرية الإسرائيلية للادعاء بأنه لديها معلومات عن عزم الجهاد للقيام بعملية نوعية ضد إسرائيل، وبادرت شن حرب على الجهاد بدءا باغتيال الشهيد المرحوم تيسير الجعبري وما تلا ذلك من ضربات وشهداء أطفالا ً ونساء ومدنيين لا علاقة لهم بالجهاد بل قتلوا لمجرد أنهم فلسطينيون في القطاع.
لم تتوقف الحرب على غزة حتى كتابة هذه السطور ولا أدري إن كانت ستتوقف قريبا ً.
النخالة في طهران والحرب في غزة -
ولكنني أسمع الكثير من الأصوات التي تناشد حماس وفصائل المقاومة الأخرى ليس فقط في القطاع بل وفي الضفة بالدخول في الحرب مع الجهاد الإسلامي وألا تتركها لوحدها. وألاحظ أن معظم الأصوات التي تدق طبول الحرب وتطالب بتوسيع نطاقها تصدر من أشخاص في الاعلام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي لا يقيمون في القطاع ولن تطالهم نيران القتال أو يعانوا ويلاته. وهؤلاء مستعدون، وللأسف الشديد، لمحاربة إسرائيل حتى لآخر طفل غزي.
وأقول وبكل صراحة أن الحروب لا تدار من خلال العواطف والانفعالات ولا من قبل من يجلسون في المقاعد الوثيرة داخل الصالات المكيفة بعيدا ً عن ساحة المعركة.
الحرب قرار استراتيجي قائم على تقدير موقف ومعطيات. وأساس ذلك هو أن يكون هناك رؤيا وهدف وخطة عمل للوصول الى ذلك الهدف وتنفيذ لهذه الخطة حتى تحقيق الهدف. أما ردود الفعل القائمة على الانفعال والعواطف و "وين النشامى" فلن تؤدي الا الى عكس ما يُراد منها.
وليس مستغربا ً أن تجري هذه الحرب ضد الجهاد في غزة في ظل خلل قيادي ميداني ناتج عن استشهاد القائد تيسير الجعبري ووجود الأخ زياد النخالة في طهران وهو الرجل رقم واحد في الحركة، ووجوده في طهران يضعه أمام احتمال أن تستغل طهران الموقف للانتقام من إسرائيل بواسطة زج القطاع في أتون معركة غير مضمونة النتائج. فطهران لم تنتقم لدم العديد من قياداتها الأمنية وعلماء الذرة الذين اغتالتهم إسرائيل ولن تتوانى من زج غيرها في حرب بالوكالة لتحقيق أهدافها.
أخطر ضربة للبرنامج الوطني الفلسطيني
ان التبصر في حالنا يقول بأن أسوأ وأخطر ضربة لحقت ببرنامجنا الوطني هي الانقسام. لأن أول نتائجه كانت تكريس العداء بين فتح وحماس ووقوف فتح في الخندق المعادي لحماس. ثم دخول حماس ساحة العمل الأحادي الجانب وانفرادها في اتخاذ القرار المتعلق بالشأن الوطني الى أن وقعت في فخ الهدنة غير المكتوبة مع اسرائيل والدخول في لعبة التوازنات الإقليمية التي هي أكبر من مقاسها بكثير. وبقيت الجهاد وحيدة في الساحة ووجدت نفسها هي الأخرى تدخل في لعبة التوازنات الإقليمية وتدخل تحت العباءة الايرانية.
هذا التفسخ في الحالة الفلسطينية هو الذي يتيح لإسرائيل الاستمرار في تنفيذ خطتها الاستراتيجية القائمة على عدم الاعتراف بوجود الشريك الفلسطيني وعدم السماح بإقامة دولة فلسطينية. ولا شك بأن استمرار الانقسام هو تكريس لإيجاد البيئة الملائمة جدا لتنفيذ المخطط الإسرائيلي.
دعوة حماس وقوى المقاومة للانضمام للقتال
إن أي دعوة عشوائية لحماس والفصائل الأخرى بدخول الحرب مع الجهاد انما هي دعوة للانتحار وللوقوع في الشرك الإسرائيلي. وما أحوجنا أولا ً وقبل أي شيء الى إفشال المخطط الإسرائيلي بدءا بوقف القتال قبل أن يستفحل لا سيما أن القيادة العسكرية والسياسة الإسرائيلية تتطلع الى تحقيق انتصار ساحق في هذه الحرب لتضمن لنفسها انتصارا ً ساحقا في الانتخابات الإسرائيلية التي ستُجرى في الأول من تشرين الثاني القادم.
واذا ما تحقق وقف هذه الحرب وحرمان مروجيها الإسرائيليين من تحقيق أحلامهم فإن أول ما يجب أن يلي ذلك هو تحقيق المصالحة التي تزيل التناقض بين فتح من جهة وحماس والجهاد من جهة أخرى وتخلق الجو الطبيعي لوحدة وطنية تقوم على برنامج وطني يحقق تطلعات الكل الفلسطيني من خلال المواءمة والمصافطة.
وبدون تحقيق المصالحة وإعادة بناء الحالة الفلسطينية على أسس من الديمقراطية البرلمانية والتعددية السياسية وتداول السلطة من خلال صناديق الاقتراع، بدون ذلك فإننا في الطريق الى الهاوية.
[email protected]

دلالات

شارك برأيك

ماذا وراء استهداف الجهاد والحرب على غزة

-

عبدالرحيم جاموس قبل أكثر من سنة

جهد مبارك لقراءة المشهد الفلسطيني ويمثل وجهة نظر محترمة رغم وجود بعض الملاحظات . يعطيكم العافية ولكم عاطر تحياتي

المزيد في أقلام وأراء

تبقى ( القدس) منارة لكل الصحف

حديث القدس

أيها المناضلون الفلسطينيون اقرؤوا تاريخكم!

توفيق أبو شومر

"إسرائيل "جابت الدّب لكرمها"...جدل وترقب"

سماح خليفة

يختلفون على آليات إبادة شعبنا

وسام رفيدي

ملفات فلسطينية أردنية

حمادة فراعنة

لا تغير استراتيجي في الموقف الأمريكي

راسم عبيدات

( شالوم )

يونس العموري

فلسطين وحدت العالم

المطران عطالله حنا

خلاف داخل الائتلاف والدم الفلسطيني في طليعة الاهداف

حديث القدس

ستة أشهر .. و النصر ليس بمن يقتل أكثر

حمدي فراج

انتصرت إسرائيل في حربها على المستشفيات

بهاء رحال

ملتقى جريدة السفير .. مقهى الذين نحبهم

حمزة البشتاوي

المؤسسة الدينية ودورها في إعلاء معايير السماء

القس سامر عازر

مستجدات الموقف الأميركي

حمادة فراعنة

عملية "كروكوس سيتي"الإرهابية أكثر من رسالة

راسم عبيدات

مفاوضات للتغطية على الحرب المستمرة‎

هاني المصري

لن تهزموا إنسانيتنا

جمال زقوت

ترحيب دولي وعربي وفلسطيني بقرار مجلس الامن ولكن !!

حديث القدس

كيف تخذل أهلَ الخندق خذلاناً عظيماً!

أسامة الاشقر

الحرب والاستيطان في الأغوار وتحدي الإرادة الدولية

سري القدوة

أسعار العملات

الخميس 28 مارس 2024 9:50 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.69

شراء 3.68

دينار / شيكل

بيع 5.21

شراء 5.19

يورو / شيكل

بيع 4.03

شراء 3.97

هل تستطيع أميركا وإسرائيل استبدال حكم حماس في غزة؟

%15

%82

%3

(مجموع المصوتين 310)

القدس حالة الطقس