أقلام وأراء
الثّلاثاء 14 يونيو 2022 10:55 صباحًا - بتوقيت القدس
عن خدعة ما تسمّى "الديانة الإبراهيمية"
بقلم:لميس أندوني
"إبراهيم كان أباً للديانات الثلاث الكبرى، ولا يوجد أفضل منه ليرمز إلى إمكانية الوحدة بين جميع الديانات الثلاث"، ديفيد فريدمان، سفير أميركا السابق لدى الدولة الصهيونية.
قد لا يوجد شرحٌ لما تهدف إليه أميركا من نشر ثقافة دينية مصطنعة جديدة في المنطقة أوضح من قول السفير الأميركي السابق لدى الدولة الصهيونية، ديفيد فريدمان، في معرض شرحه تسمية اتفاقات التطبيع التحالفي مع الإمارات بـ"التفاهمات الإبراهيمية"، وبالتالي، بدأنا نسمع عمّا تسمى "الديانة الإبراهيمية".
يجب التوضيح أولاً، لا يقصد هذا المقال تفنيد محتوى ما تسمّى "الديانة الإبراهيمية الجديدة"، إذ لا يوجد "ديانة إبراهيمية"، وأحذّر من محاولة الدخول في جدل ديني في مواجهة خطّة سياسية لترسيخ التطبيع مع الكيان الصهيوني في الوعي الجمعي العربي، من خلال فبركة مفهوم "ديني جديد" يرتكز على فكرة أن "النبي إبراهيم هو أبو الديانات الثلاث؛ اليهودية والمسيحية والإسلام". وبالتالي، يجب أن يعمّ الوفاق بين أتباع الديانات المتشابهة بانصهارها في ديانة واحدة.
الآن، ومنذ فترة، يجري ترويجٌ، في بعض أنحاء العالم العربي، لمفهوم "توحيد الديانات الثلاث"، والتبشير بما تسمّى "الديانة الإبراهيمية"، ويجري تسويق المفهوم أساساً لحل "النزاعات الدينية"، فيما المقصود هنا القضية الفلسطينية، وتقزيمها إلى مسألة أحقاد دينية، وبالتالي نزع شرعية حقوق الشعب الفلسطيني، وشرعنة المشروع الكولونيالي الصهيوني، ففكرة التطبيع العربي مع الدولة الصهيونية ليست مجرّد إقامة علاقات سياسية واقتصادية وثقافية مع الدول والشعوب العربية، على خطورتها، بل الهدف قبول العالم العربي والمنطقة بمشروعية الحق التاريخي لليهود في فلسطين، وبالتالي، شرعية الاحتلال الاستيطاني العنصري، فلا يوجد أصحاب حقّ، والمطلوب إلغاء مفاهيم الحقوق والعدالة والتحرّر أسساً للنضال الفلسطيني، وإرساء "سلام عادل" على أرض فلسطين وفي المنطقة.
فيما يُنشَر مفهوم "الديانة الإبراهيمية" الخادع، تصعّد إسرائيل اعتداءات جيش الاحتلال والمستوطنين على المسجد الأقصى، في محاولةٍ لإذكاء حرب دينية، ويُختزَل المشهد بأنه نزاعات دينية، يجب حلّها من خلال حوارات الأديان والالتقاء على "الديانة الإبراهيمية"، فلا وجود لاحتلال أراضٍ، ولا اقتلاع شعب كامل لتحقيق المشروع الصهيوني، بل خلافات بشأن أهمية مقدّسات "لدى الطرفين اليهودي والمسلم"، ومن الممكن "تقسيمها" أو "تقاسمها"، على أن تبقى جميعها تحت السيطرة الإسرائيلية.
وهذا يخدم بدوره فكرة "تقليص الصراع" التي يروّجها اليمين الإسرائيلي، فلا توجد قضية لشعب، والاحتلال ليس المشكلة، فهي نزاعاتٌ محليةٌ دينية الجذور، ليس لها علاقة بقانون دولي يرفض احتلال أراضي شعب بقوة، ولا بحق شعبٍ جرى ويجري تشريده، وتدمير هويته ووجوده، وهي أمورٌ تحتاج حلولاً "خلاقة" كما تحب الإدارات الأميركية القول، تهرّباً من الاعتراف بجذور القضية الفلسطينية، وبالتالي، تبدأ مفاهيم جديدة بالظهور لحماية المشروع الصهيوني، وجديدها بث ثقافة "الديانة الإبراهيمية الجديدة". لكن توظيف علاقة شعوب المنطقة بالديانات التوحيدية الثلاث التي انطلقت منها ليس جديداً تماماً، فعشية توقيع معاهدة كامب دايفيد المصرية – الإسرائيلية عام 1979، انتشرت مقولة "نحن جميعاً، عرباً ويهوداً، أبناء النبي إبراهيم"، ويجب أن يسود السلام بين الأبناء، فمؤامرة تأسيس كيان على أرض فلسطين التاريخية ليست أكثر من خلافٍ بين أخوة، ويجب الإقرار بذلك حتى تعيش المنطقة بسلام واستقرار. أما من يرفض ويقاوم، وبالذات الشعب الفلسطيني، فهو يهدّد السلام، والرفاه القادم (كما كان يشاع في تلك السنوات) ويصبح عدوّ الجميع.
لم تنجح هذ المقولة إلا بين نخبٍ ضيقة، وبقي السلام بين إسرائيل ومصر سلاماً بارداً، أي لم يؤد إلى تفاعل شعبي، ولم يغير صورة إسرائيل عدواً استراتيجياً للعالم العربي وللسلام في المنطقة. مع هذا ظهرت المقولة نفسها عشية توقيع معاهدة وادي عربة بين الأردن وإسرائيل، وكأن ترديدها عربياً يلغي وجود الاحتلال، لكن المقصود أصلاً ليس إنهاء الاحتلال، بل تطبيعه وجعله مقبولاً لدى الشعب الأردني، وكما حدث في مصر؛ لم تجد المقولة صدى، وخصوصاً في تغيير العقول والقلوب تجاه الدولة الصهيونية.
لم تنتشر المقولة بالقوة نفسها في فترة توقيع اتفاق أوسلو، إذ يبدو أن كلاً من الإدارة الأميركية والقيادة الصهيونية لم تكونا مهتمتين بترويج تطبيع من المنطلق نفسه مع الشعب الفلسطيني، إذ تعتمد إسرائيل على ترساناتها العسكرية في ضم الأراضي وتدمير البيوت وبناء المستوطنات اليهودية على الأراضي الفلسطينية، وليس على الادّعاء بالمحبة بين أبناء إبراهيم، لكن مجرّد حدوث الاتفاق نفسه خدم ترويج مقولة السلام بين أبناء إبراهيم، بغضّ النظر، فقبول الفلسطينيين، حتى باتفاقية انتقالية، عزّز المفهوم التطبيعي لمقولة السلام بين أبناء إبراهيم.
توظيف مقولات أبناء إبراهيم، والتفاهم بين الديانات الإبراهيمية الثلاث، انتهاءً ببدعة الديانة الإبراهيمية، لم يقصُر على المقولات، بل هناك مؤسّسات في أميركا وإسرائيل تستند في اسمها إلى المفاهيم نفسها، وترفقه بتطبيقات عملية، فبرنامج "مبادرة مسار إبراهيم"، في جامعة هارفارد "لتعزيز السلام" من خلال تنظيم رحلاتٍ تأخذ المشاركين عبر المسار الذي أخذه النبي إبراهيم، الذي يقطع قرى فلسطينية وينتقل إلى الأردن وسورية ولبنان والسعودية، وإن لم يتمكّن المشاركون من دخول سورية ولبنان في رحلاتهم، لكن الهدف "كسر الحواجز لنشر السلام"، من خلال رحلةٍ تلغي اسم فلسطين، وتغضّ النظر عن الاحتلال والأبارتهايد وكل جرائم الجيش الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.
وتقام مؤتمرات باسم "حوار الأديان"، تكون في جوهرها محاولة لطمس الحقيقة، إضافة إلى برامج عديدة تحت مسمّيات لها علاقة باسم النبي إبراهيم، لتنفيذ مشاريع بيئية وزراعية لتطبيع وجود الاحتلال تحت شعار التعاون بين أبناء النبي إبراهيم الذي أصبح يستخدم غطاءً لجرائم إسرائيل، وتعزيز قبولها عربياً ودولياً في مهزلة مستمرّة، نرى أن الأمم المتحدة تعطيها غطاءً أحياناً كما في حالة مبادرة لجامعة هارفارد في هذا الخصوص، من دون تمحيص في الأهداف، تتخللها احتفالات غارقة في الدم المراق على أرض فلسطين.
في عام 2019، عُقد لقاء تاريخي في أبوظبي، جمع البابا فرنسيس مع شيخ الأزهر أحمد الطيب، وكان الحديث عن تفاهم الديانات الإبراهيمية، ولم يكن الهدف مفهوماً، لكنه أثار الشكوك في حينها. ولكن، بعد بدء الحديث عن "الديانة الإبراهيمية الجديدة، غضب شيخ الأزهر رافضاً لها، إذ يبدو أن التحضيرات، في عام 2019، كانت تهيئة للاتفاق الإبراهيمي، وبالفعل، لاحقاً سمّي مكان اللقاء الدار الإبراهيمية. لكن شيخ الأزهر دانها، لأنه لا يعتقد أن توحيد الديانات الثلاث فكرة معقولة ومقبولة، وهنا يكمن الرد الديني القاصر عن الرؤية الاستراتيجية، فالمطلوب ردٌّ يرفض العبث بالدين في خدمة المستعمر الصهيوني، وليس الدخول في جدلٍ دينيٍّ مع مخطّط سياسي، لأنه مضيعة للوقت، إذ على المؤسسات الدينية رفض الفكرة بوضوح وكشفها للناس، لكن ذلك يحتاج شجاعة، لا يمتلكها إلا قلة، لا تذعن لحاكم أو سلطة. عن "العربي الجديد"
دلالات
سمير خليل قبل أكثر من 2 سنة
كيف ومن المستحيل تطبيق هذه الفكره (أبراهام )لانه ما زالت الطوائف الدينيه من كل الاديان السماويه بكل انواعها مختلفه طائفيا والمعظم متعصب لدينه وحتى طائفته ..ففكرة ابراهام مجرد تلاقي الحكام على مائدة السياسه
سمير خليل قبل أكثر من 2 سنة
كيف ومن المستحيل تطبيق هذه الفكره (أبراهام )لانه ما زالت الطوائف الدينيه من كل الاديان السماويه بكل انواعها مختلفه طائفيا والمعظم متعصب لدينه وحتى طائفته ..ففكرة ابراهام مجرد تلاقي الحكام على مائدة السياسه
المزيد في أقلام وأراء
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام
بهاء رحال
المقاومة موجودة
حمادة فراعنة
وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي
سري القدوة
هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!
محمد النوباني
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
مآلات موافقة حزب الله على ورقة أمريكا الخبيثة
حمدي فراج
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
أطفال فلسطينيون تعرضوا للإعدام الميداني
الأكثر قراءة
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
الأونروا: فقدان 98 شاحنة في عملية نهب عنيفة في غزة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 81)
شارك برأيك
عن خدعة ما تسمّى "الديانة الإبراهيمية"