أقلام وأراء
الإثنين 06 يونيو 2022 10:42 صباحًا - بتوقيت القدس
قضية اغتيال الشهيدة شيرين أبو عاقلة أمام المحكمة الجنائية الدولية
بقلم: د. عبد الله أبو عيد
تمهيد: أعلن وزير خارجية فلسطين قبل أيام بأن وزارة الخارجية قدمت للمدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي، ملفاً متكاملاً يتعلق بالتحقيق الذي أجراء المدعي العام الفلسطيني في قضية اغتيال الشهيدة الصحفية شيرين أبو عاقلة، مرفقاً به كافة البينات التي تؤكد ضلوع دولة الاحتلال وبعض مسؤوليها في ارتكاب تلك الجريمة.
سوف أحاول في هذا المقال، إلقاء الضوء على امكانية قبول المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، القيام بإجراء تحقيق دولي في القضية مباشرة، أو عن طريق انتداب لجنة دولية مختصة للقيام بذلك، كل ذلك على ضوء القواعد القانونية، ذات العلاقية بالمحكمة واختصاصاتها الواردة في نصوص النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ومواقف المدعي العام في المحكمة، كريم خان، المعروفة، خاصة وأنه مرت حوالي السنة ، منذ توليه وظيفته في المحكمة دون أن يحرك ساكناً في القضايا المقامة ضد اسرائيل من قبل دولة فلسطين قبل عدة سنوات بعد أن قررت دائرة ما قبل المحاكمة (Pre-trial Chamber)، بأن المحكمة ذات الاختصاص للنظر في كافة الجرائم الخطيرة المرتكبة في أقاليم فلسطين الثلاثة أي: الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وذلك منذ أوائل عام 2021.
ماذا يمكننا أن نتوقع من المدعي العام للمحكمة من إجراءات تتعلق بقضية اغتيال الشهيدة شيرين أبو عاقلة:
سوف نلقي الضوء على الإجراءات الممكن توقعها من المدعي العام للمحكمة رداً على الطلب المقدم من وزارة الخارجية الفلسطينية طالبة من المدعي العام البدء في تحقيق يتعلق بجريمة اغتيال الشهيدة شيرين أبو عاقلة.
قبل البدء في سرد ما يمكن توقعه من المدعي العام، لابد لنا من الإشارة الى بعض النصوص القانونية، المتعلقة بصلاحية المحكمة وكيفية التصرف في مثل هذه الحالة، الواردة في النظام الأساسي للمحكمة والمفيدة للمدعي العام والمحكمة، وهذه يمكن تلخيصها بالأمور التالية:
أولاً: لعل أهم ما نبدأ به هو الإشارة إلى أن المدعي العام كريم خان تسلم وظيفته منذ صيف العام الماضي 2021، كمدعي عام للمحكمة الجنائية، أي منذ تموز (يوليه) 2021، ألا أنه لم يتخذ، خلال ذلك العام أي إجراء في القضايا المقدمة للمحكمة من دولة فلسطين منذ عدة أعوام، بل تجاهل ذلك الأمر وكأنه غير موجود، على الرغم من أن المدعية العامة السابقة للمحكمة، فاتو بنسودا، كانت قد تقدمت بشوط لا بأس به في تلك القضايا بعد أن حصلت على الضوء الأخضر من دائرة ما قبل المحاكمة ، كما أشرنا إليه أعلاه. لا شك في أن كل ذلك يمكن اعتباره مؤشراً يمكننا أن نستنبط منه ماذا سيكون موقف المدعي العام كريم خان من الطلب الجديد المقدم حديثاً من وزارة الخارجية الفلسطينية.
ثانياً: تنص كل من ديباجة النظام الأساسي للمحكمة ومادته الاولى على القواعد القانونية الهامة التالية:
1) إن اختصاص المحكمة يعتبر تكميلياً (Complementary) لاختصاصات المحاكم الوطنية.
2) إن المحكمة لا تنظر إلا في أشد الجرائم خطورة والتي تكون موضع الاهتمام الدولي. (المادتين الأولى والخامسة من النظام الأساسي)
3) إن المحكمة لا تنظر إلا في الجرائم المسندة للأشخاص الطبيعيين وليس للدول أو المنظمات الوطنية والإقليمية والدولية. (المادة الأولى والمادة 25 من النظام الاساسي للمحكمة)
4) يحق للمحكمة أن تقرر بأن الدعوى غير مقبولة في حالة ما إذا كانت إحدى الدول تجري التحقيق أو المقاضاة في الدعوى، إلا إذا كانت تلك الدولة غير راغبة حقاً في الاضطلاع بالتحقيق أو المقاضاة، أو غير قادرة على ذلك. (فقرة 1 من المادة 17)
5) إن النظام الاساسي للمحكمة ينص على أن المحاكمة لا تتم إلا بحضور المتهم شخصياً أمام المحكمة، وذلك قد يشجع إسرائيل على عدم تسليم المتهم أو المتهمين للمحكمة، كي لا تتم المحاكمة. (المادة 63 من النظام الأساسي).
لذلك، فإن اسرائيل تستطيع البدء في تحقيق شكلي زاعمة بأنها تأخرت في التحقيق ريثما تتأكد من دقة وصحة الوقائع والأحداث، وبذلك تقدم للمدعي العام حجة وسبباً لرد الدعوى وإحالة الموضوع إلى اسرائيل للبدء في أعمال التحقيق، على الرغم من أن المدعي العام الاسرائيلي كان قد أعلن رسمياً عدم الرغبة في بدء التحقيق، الا أنه كان قد اعلن بأنه يمتنع عن التحقيق في الوقت الحاضر تنفيذاً لقرار صادر عن المحكمة الاسرائيلية العليا، كمخرج لتأجيل التحقيق، وهو موقف يعتبر تحايلاً على نصوص النظام الأساسي للمحكمة الجنائية، ومؤشراً على المكر والخداع.
كذلك يستطيع المدعي العام ايجاد مبررات أخرى، ضمن تلك التي أشرنا اليها أعلاه، كي يرفض فتح تحقيق في الجريمة ، مثال ذلك أن يعتبر أن قتل مواطن واحد، لا يعتبر ضمن الجرائم الأشد خطورة والاكثر تهديداً للسلام والأمن الدوليين، وفقاً لنص المادتين الاولى والخامسة من النظام الاساسي، المذكورتين أعلاه.
كما يستطيع المدعي العام أن يدعي بأن أية دعوى تقدم للمحكمة يجب أن تشتمل على ذكر اسم الشخص المتهم ومرتبته وأسماء المسؤول أو المسؤولين الذين أمروه بارتكاب الجريمة أو حرضوه وساعدوه على ارتكابها، لذلك يستطيع إعادة الدعوى الى السلطة الفلسطينية، طالباً منها ذكر الجهات المشار اليها، مدعياً بأنه لا يستطيع التحقيق في مثل هذه الجريمة وأن دولة اسرائيل هي المختصة بذلك، علماً بأن دولة فلسطين، أي الدولة التي وقعت الجريمة في إقليمها، هي المختصة بالأساس، في إجراء التحقيق في هذه الجريمة، إلا أن دولة فلسطين تستطيع الادعاء بأن اقليمها الذي وقعت فيه الافعال المكونة للجريمة، هو اقليم محتل، وأنها غير قادرة على اجراء التحقيق، لذلك فإنها تطلب إجراءه من قبل المدعي العام أو من يمثله، أو تشكيل لجنة دولية لإجرائه.
وتجدر الاشارة هنا، إلى أنه، من حق دولة فلسطين أن تثير عدم تمكنها من اجراء تحقيق سليم ومعقول يمكنها من معرفة الجندي الذي يوصلها لمعرفة الجندي الذي أطلق الرصاصة التي قتلت الشهيدة شيرين أبو عاقلة، لكونها لا سيطرة لها على الوضع، ولكون اسرائيل هي دولة محتلة تسيطر بالقوة المسلحة على الاقليم المحتل وعلى العديد من عناصر السيادة في الاقليم، الامر الذي يجعل السلطة الفلسطينية والادعاء العام في فلسطين غير قادرين على اجراء تحقيق مع أي جندي أو موظف اسرائيلي، لذلك فهي تتقدم بالطلب المذكور الى المحكمة كي يقوم المدعي العام باتخاذ الاجراءات اللازمة للتحقيق في الموضوع.
الخلاصة:
لكل الاسباب الواردة أعلاه، فإنني أشك كثيراً بأن المدعي العام كريم خان سوف يلبي الطلب الفلسطيني، بل أرجح كثيراً بأنه سوف يجد حجة، أو أكثر، يبرر بها رفضه لإجابة الطلب الفلسطيني، وبأنه سوف يحول الطلب الى إسرائيل طالباً منها اجراء التحقيق خلال مدة محددة (شهرين أو ثلاثة أشهر مثلاً).
بالإضافة لذلك ، فإن هناك احتمال لرد طلب السلطة الفلسطينية مدعياً بأن عملية القتل لا ترتقي إلى اعتبارها ((من أشد الجرائم خطورة موضع الاهتمام الدولي)) وفقاً لما نصت عليه المادتين الأولى والخامسة من النظام الاساسي للمحكمة، وهو الاحتمال الأرجح في نظري، بسبب ما عرف به المدعي العام من انحياز لصالح بعض الدول الاستعمارية، أي أنه من المتوقع أن يتصرف وفقاً لما يمارس عليه من ضغوط سياسية من بعض الدول الكبرى، كالولايات المتحدة، أو من بعض اللوبيات ذات النفوذ الدولي، وذلك يعتبر احتمالاً كبيرا.
المزيد في أقلام وأراء
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام
بهاء رحال
المقاومة موجودة
حمادة فراعنة
وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي
سري القدوة
هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!
محمد النوباني
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
مآلات موافقة حزب الله على ورقة أمريكا الخبيثة
حمدي فراج
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
أطفال فلسطينيون تعرضوا للإعدام الميداني
الأكثر قراءة
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
الأونروا: فقدان 98 شاحنة في عملية نهب عنيفة في غزة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 81)
شارك برأيك
قضية اغتيال الشهيدة شيرين أبو عاقلة أمام المحكمة الجنائية الدولية