أقلام وأراء

الأربعاء 25 سبتمبر 2024 10:30 صباحًا - بتوقيت القدس

عن عبد الناصر وصورته المتخيلة في ذكراه

شاهدت مسلسل رأفت الهجان أكثر من مرة، ولكن ومنذ المرة الأولى التي تابعت أحداث الجزء الثالث استوقفتني عبارة للفنان الكبير أبو بكر عزت " عمون أهارون" حول ضرورة تحطيم مشروع عبدالناصر، كان الحوار ممزوجا بتصاعد الأداء الى مايشبه المونولوج الشخصي وهو يفصل طريقة هزيمة ناصر مشيرا بلؤم العدو وذكاء الممثل الى حقيقة آن للذكي أن يفهمها، حين استعرض تاريخ محاولات أوروبا للقضاء على أي مشروع تحرري في مصر والعالم العربي، لتجيب محاورته الفنانة الكبيرة تهاني راشد  "سيرينا أهاروني" قصدك محمد علي باشا؟!. موضحة اشارته الذكية.


مثل عبدالناصر في وعي الكثيرين على ضفتي الخلاف مثالا حيا لكل ما يعتقده ويتخيله الجميع، فهو في نظر الفلسطينيين والعرب صلاح الدين الجديد وفي نظر الاستعمار هتلر النيل، معارضوه من عرب وجدوا فيه حجّاجاً آخر، وآخرون اعتبروه امتدادا لثورتي محمد علي باشا وأحمد عرابي. 


وكان لأعمال درامية أخرى السبق في نسج هذه العلاقة والربط التاريخي والمتخيل أحياناً، ففي أكثر من عمل كان الحوار حول عبد الناصر ومشروعه يختتم بمقولة "الي حصل في التل الكبير مش حيتكرر تاني"، كما كان حوار "سليم البدري " الفنان يحيى الفخراني في مسلسل ليالي الحلمية مع زوجته البرنسيسة نورهان الفنانة سمية الألفي اثناء العدوان الثلاثي عام 1956. 


عبدالناصر الرجل الذي أخطأ وأصاب، يوصَم بأنه رجل الهزيمة، مختزلين حياته ونضاله في حرب الأيام الستة، وما تحميله مسؤولية هذه الهزيمة إلا لكونه الشخصية الاعتبارية صاحبة المشروع التحرري وطنياً وقومياً وأممياً.

وبينما تتوزع هزيمة حزيران بمسؤوليتها على المنطقة ككل، فإن تحميله المسؤولية وحده لم يكن بسبب المشروع فقط، إنما لتحقيق نصر، حتى لو زائفاً، وضرب نفوذه في المنطقة. 


وبينما تتوزع المسؤولية على شتى أنحاء المنطقة كما قلنا، فإن ناصر كان الوحيد الذي خرج معتذراً متنحياً، وكان وللمرة الأولى أن قدم جائزة لأعدائه بخروجه على الملأ منكسراً خفيض الصوت، وهذا ما كانوا يريدونه.


وفي الوقت ذاته، راح عديد من الشامتين -الشركاء المفترضين في تحمل المسؤولية- بفتح نيرانهم على جسد الرجل، منهم من أراد أن يعطيه درساً في السياسة وقيادة الشعوب، وآخر راح يصفي نفوذه معتقداً أنه انتهى.

ولكن لم يخرج منهم من اعترف بتحمل المسؤولية أو بادر للحديث عن تصفية آثار العدوان، وكأن ماحدث لم يعنيهم إلا بما أرادوه من صورة انكسار الرجل.


الهدف كان كسر مشروع عبد الناصر، هذه المقولة التي تلقفناها سريعاً بشكل ساخر عبر كتابات الماغوط وتجسيدها بـ"ضيعة تشرين" لفرقة دريد لحام ونهاد قلعي، حين صور المشهد ساخراً في قول المختار بعد الهزيمة إن "هدف الحرامي يشيلني من المخترة، وما عرف، فنحنا المنتصرين وهو المهزوم". 


والحقيقة أن هذه الكلمة بتوجيهها لناصر هي ظلم وليست موضوعية من قبل الماغوط ولا غوار الطوشة والمختار، وهي إن قيلت عن أنظمة أُخرى لصحت المقولة بسخريتها.


تداعيات النكسة كانت أكبر من إعمال العقل عند الشعوب -وهذا حقها- فهي لن تقتنع بالمبررات أمام النتائج الكارثية، لذلك كان تقبل السخرية والهجوم وضرورته بالنسبة للشعوب، وحديتها من أغنية "بقرة حاحا" و"خبطنا تحت بطاطنا" لأحمد فؤاد نجم والشيخ إمام، إلى "هوامش على دفتر النكسة" لنزار قباني، وحتى " أنت منذ اليوم" لتيسير السبول التي أدت إلى انتحاره احتجاجاً على الهزيمة بعد سنوات من الحدث.


لكن الحقيقة أن رأس ناصر كان مطلوباً بقدر ما كان مطلوباً تغيير المعادلة جغرافياً وسياسياً، حتى أن بعض المذكرات الإسرائيلية أشارت إلى أن خطة الاحتلال لم تكن تهدف إلى احتلال الضفة الغربية ولا سيناء أو الجولان، بقدر ما كانت تهدف إلى ضرب مصر كنوع من التأديب وشل قدرتها على التطور.


إلا أن الكارثة وقعت.. وكان الكل بانتظار تكرار معركة وحادثة "التل الكبير" وخروج مكرر لأحمد عرابي آخر، وانصياع لمحمد علي آخر.


بعد أربعين يوماً يُثبت الرجل أن ماحدث لم يكن حرباً حقيقية، ولم تكن مرحلة فاصلة حقيقية لاختبار جيشه وقدرته، بعد أربعين يوماً تُثبت بلدة صغيرة اسمها "راس العش" أن المعركة لم تنته، وأن الحرب قد بدأت، لتنطلق بعدها حرب الاستنزاف فاتحة الطريق أمام قدرات حقيقية للجيش المصري بشكله النظامي والعصاباتي/ الفدائي، وليثبت ناصر مرة أخرى أنه قادر على إعادة الترميم حتى تحت النار، وأن دعاوى الإصلاح التي مزجت بالانتظار أكثر والخضوع أكثر ليست سوى وصفات لهزيمة أكبر.

 

دلالات

شارك برأيك

عن عبد الناصر وصورته المتخيلة في ذكراه

المزيد في أقلام وأراء

قمة جس النبض..

حديث القدس

مبادرات سعودية قيادية وواضحة

حمادة فراعنة

جولة مفاوضات استعراضية

أحمد رفيق عوض

الحل الإقليمي وخطة الجنرالات وإنهاء الحرب

أمجد الأحمد

عبء الكبار على أكتاف الصغار: ماذا فعلت الحرب بأطفال غزة؟

هجمة استعراضية!

حديث القدس

اخـرج مـن أنانيـتك.. !

أفنان نظير دروزة

رسالة إلى ألمانيا: مراجعة ضرورية في السياسة الخارجية

دلال صائب عريقات ‏

استراتيجية نتنياهو.. التصعيد نحو حُلم "إسرائيل الكبرى"

مروان أميل طوباسي

إرادة أمريكا ضابط إيقاع القصف الإسرائيلي الإيراني

بهاء رحال

جرائم مروعة وتعذيب ممنهج بحق المعتقلين الفلسطينيين

سري القدوة

تصادم مضبوط الإيقاع

حمادة فراعنة

"نهاية الوظائف التقليدية: هل نحن على أعتاب عصر المهارات الحرة والذكاء الاصطناعي؟"

الذكاء الاصطناعي وصحة المرأة، في شهرها الوردي

بِخطّ يده!

ابراهيم ملحم

بداية النهاية!

حديث القدس

زيارات هوكشتين وبلينكن.. لزوم ما لا يلزم

راسم عبيدات

استمرار آلة القتل الإسرائيلية دون رادع أو عواقب

سري القدوة

غزة .. بكاء الأطفال والنساء الثكالى وقهر الرجال

بهاء رحال

"سنهزمهم حتى لو كان الله معهم" نتنياهو يتحدى من جديد

سماح خليفة

أسعار العملات

الإثنين 28 أكتوبر 2024 4:42 مساءً

دولار / شيكل

بيع 3.73

شراء 3.7

يورو / شيكل

بيع 4.04

شراء 4.0

دينار / شيكل

بيع 5.26

شراء 5.24

هل تستطيع إدارة بايدن الضغط على نتنياهو لوقف حرب غزة؟

%19

%81

(مجموع المصوتين 499)