أقلام وأراء

الأحد 16 يونيو 2024 9:21 صباحًا - بتوقيت القدس

. احتلال وإعمار.. مساران لا يلتقيان

تلخيص

بعد ثمانة أشهر ويزيد على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي استهدف البشر والحجر، ودمر شتى نواحي الحياة، وبات القطاع على شفا كارثة إنسانية ومجاعة وغير قابل للحياة، وسكانه افترشوا الأرض والتحفوا السماء، وفي عيونهم خوف يلاحقهم في كل مكان من وحشية القصف الجوي والبحري والبري وصوت أزيز الرصاص، ومن نزوح إلى نزوح أشد قسوة مما جرى إبان النبكة والنكسة، والرسميون في العالمين الغربي والعربي صامتون، أو بالكاد تحركاتهم خجولة لا ترتقي إلى حجم الحدث وهول الكارثة، وأغلبها لإمدادات إنسانية طارئة لا تغني من فقر ولا تسمن من جوع، ووسط حراك شعبي عالمي هائج مائج باحتجاجات من فئات مختلفة يتعالى صداها لكن دون أن تخترق آذان الرسميين الصماء.


تحركات هنا وهنا تدور في دائرة الفلك الانساني، ومنها تحضيرات لليوم التالي لغزة بعد انتهاء العدوان، وجميعها لا تعير أهمية للموقف الفلسطيني المنقسم على أمره ما بين غزة ورام الله. انقسام وضع الإنسان الفلسطيني بين فكي كماشة، كل يغرد على هواه في واد بعيد عن الواقع المؤلم، وإن كان هناك تدخل للموقف الفلسطيني على الهامش.


مؤخرا عقدت قمة إنسانية طارئة لغزة بدعوة من العاهل الأردني الملك عبد الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرتش، وبمشاركة ممثلين عن 70 دولة من أبرزها الولايات المتحدة ممثلة بوزير خارجيتها أنتوني بلينكين، ومشاركة فلسطينية شكلية بلا دور فعلي، إضافة إلى منظمات دولية، لمناقشة الاستجابة للكارثة الإنسانية في غزة. قمة تزامنت وانعقاد مجلس الأمن الذي اعتمد قراراً أمريكياً لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.


وبعد أن تضع الحرب أوزارها، ستلحق هذه القمة في المستقبل المنظور، قمم أخرى تحت عناوين مختلفة يتصدرها "إعمار غزة"، وهو ما جرى ويجري تداوله في الغرف الفلسطينية والعربية والدولية المغلقة، والذي إن تم العمل به فسيستغرق عقودا من الزمن ويكلف عشرات المليارات من الدولارات - وكالعادة جزء لا بأس به من هذه الأموال ستدخل جيوب تجار الحرب من العجم والعرب– وهذا بالطبع لن يتم إلا بعد الاتفاق على مستقبل قطاع غزة ومن سيحكم القطاع ؟ وهو ما أشارت إليه إسرائيل في أكثر من مناسبة وعلى لسان أكثر من مسؤول باستبعاد أية جهة فلسطينية لإدارة شؤون القطاع.


سيناريوهات عدة يجري إعدادها لقطاع غزة، وجميعها تنحصر في الإطار الإنساني، حتى إنه لم يجر الاتفاق على من سيمول عملية الإعمار، أو كيف ستكون آلية إدخال المساعدات الإنسانية الطارئة، وإذا ما كانت إسرائيل ستسمح بذلك أم لا، خاصة وأنها تعمل كل ما بوسعها لفرض أمر واقع يخدم مصالحها فقط، والأهم قبل المهم أن كل ما يجري الحديث عنه بلا أفق سياسي جدي وحقيقي لإنهاء الاحتلال وما إذا كان يستطيع الشعب العربي الفلسطيني الحصول على حقوقه المشروعة التي اقرتها الشرعية الدولية في أكثر من مناسبة، وفي مقدمتها حقه بالحرية والاستقلال.


وهنا تتبادر إلى الأذهان تساؤلات عدة: أولها، هل الأولوية لإعادة الإعمار أم للحل السياسي الذي يضمن عدم تكرار ما جرى من تدمير؟ خاصة أن هناك تجربة سابقة مماثلة عام 2002، حين اجتاح جيش الاحتلال الضفة الغربية، وعاث تدميرا وخرابا في المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، وبعد انتهاء الاجتياح جرى إعمار أماكن عدة كمخيم جنين على سبيل المثال لا الحصر، وعاد الاحتلال كونة سلطة قائمة على القوة، إلى عنجهيته ودمر ما تم إعماره في أتون العدوان على غزة !! ومن ثم، وفيما لو حصل هناك اختراق سياسي يضمن عدم تكرار العدوان، من سيتولى إعادة الإعمار ومن سيُموله؟


صحيح أن الكارثة الانسانية في قطاع غزة تتطلب تدخلا عاجلا وطارئا للتخفيف من حدة ما يكابده سكان القطاع منذ أكثر من ثمانية أشهر، وإعطاء أولوية قصوى لا تقل في أهميتها عن الحرية، ولكن ذلك ليس بالأمر المعقد أو الصعب، بحيث يمكن التعاطي مع الاحتياجات الملحة من مأوى وغذاء وتوفير بيئة صحية آمنة بحدها الأدنى، بالتزامن مع مسار سياسي جدي لإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية والاتفاقيات الثنائية وضمان عودة النازحين إلى أماكن سكناهم وعودة اللاجئين منذ النكبة والنكسة إلى ديارهم التي هجروا عنها قسراً، وتعويضهم عن سنوات معاناتهم في اللجوء، وليس استناداً إلى الدعوة الأمريكية المخادعة، الصادرة عن الرئيس جو بايدن لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهي دعوة حق ولكن يراد بها باطل، وتهدف قبل أي شيء إلى اختراق أجواء التفاعل والتضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني، والتخفيف من حدة النقمة العارمة على إسرائيل التي تعرت وانكشفت حقيقتها اليمينية المتطرفة العنصرية التدميرية الدموية الإجرامية.


غالبية الحديث يدور عن غزة فقط، فبالرغم من أهمية هذا الجزء الأصيل من الوطن، إلا أن ما يجري في القدس والضفة الغربية غائب عن المشهد العربي والعالمي، والاحتلال يفعل ما يحلو له ويعيث فساداً ودماراً، ويفرض حصاراً متعدد الأشكال (عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً واستيطانياً) غير مسبوق، في محاولة لخلق فراغ سياسي وأمني ما سيساهم في ضرب مقومات الصمود الفلسطيني، ما سيدفع المواطنين إلى هجرة طوعية ناعمة، وبالتالي يسهل تمرير المخططات العدوانية الإسرائيلية .


الأمريكان لن يتوقفوا عن خداعهم وتلونهم لحماية وخدمة إسرائيل، والمفاوضات معهم ضرب من ضروب العبث، فعلى مدى أكثر من ثلاثين عاماً من المفاوضات لم يجن منها الشعب الفلسطيني سوى الويلات على شتى الصعد، وحين الاقتراب من الوصول إلى نتيجة لصالح الفلسطينيين، تخرج ورقة محاربة الفساد وإصلاح السلطة، والآن نحن أمام مصطلح جديد (سلطة متغيرة)، وجميعها محاولات لذر الرماد في العيون، ومحاولات لخلق بلبلة في الشارع الفلسطيني.


ولكن في الوقت نفسه، نحن أضحينا لقمة سائغة للأميركيين ومن والاهم من العجم والعرب، فالانقسام الفلسطيني الفلسطيني أعطى الفرصة للأعداء للعب بارتياح في الملعب الفلسطيني، وتسجيل أهداف أضرت كثيرا بالقضية الفلسطينية، والتحركات الفلسطينية لتدارك الوضع حتى اللحظة لم تجد نفعاً، سوى انتزاع اعترافات دولية بالدولة الفلسطينية على الورق. يمكن القول أن ذلك كان نجاحاً ملحوظاً وغير مسبوق في تاريخ القضية الفلسطينية، ولكن دون إدراك أن الانقسام سيجعل منه أمراً بعيد المنال في الوقت الراهن.


حكومة التكنوقراط الفلسطينية الجديدة، برئاسة الدكتور محمد مصطفى، برنامجها الأساسي حسب ما ورد في كتاب التكليف، وضع خطة شاملة للمساعدات الإنسانية والإغاثة الفورية وإعادة الإعمار في قطاع غزة وتثبيت استقرار الوضع المالي والاقتصادي، ولكن مع الفشل الاسرائيلي من تحقيق الأهداف المعلنة في غزة، وعلى رأسها إنهاء حكم حركة حماس واستمرار الاحتلال وإجراءاته الهادفة إلى إنهاء الكل الفلسطيني دون أي أهمية للاتفاقيات الثنائية والقوانين الدولية والإنسانية، يشكل تحديا كبيرا أمام أي عمل لهذه الحكومة، والتحدي الآخر الذي لا يقل في أهميته عن تحدي الاحتلال، هو استمرار الانقسام الفلسطيني الفلسطيني، ما سيشكل عقبة كأداء أمام هذه الحكومة للعمل في قطاع غزة، ما يعني إطالة أمد المعاناة للغزيين، وعموم أبناء الشعب الفلسطيني.


وأخيراً، ومن أجل العمل الجاد والحقيقي لإنهاء معاناة الفلسطينيين في غزة والضفة والقدس، على القيادات الفلسطينية الانخراط في الواقع المؤلم للشعب الفلسطيني والنزول من الأبراج العاجية والبدء الفوري بإجراءات عملية لإنهاء الانقسام، من خلال انخراط الكل الفلسطيني بكافة الأطياف والألوان في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، ما سيعمل على إعادة الاعتبار لهذا الكيان المعنوي للشعب الفلسطيني، ويشكل رافعة فلسطينية موحدة أمام العالم، واستغلال حالة التعاطف والتأييد الدولي والاعترافات بالدولة الفلسطينية على أحسن وجه والإعلان عن برنامج سياسي متفق عليه من الجميع، يستند الى الشرعية الدولية وصولاً إلى تحقيق الأحلام والأماني الفلسطينية بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وفي الوقت ذاته الاتفاق والإجماع على تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم في صفوفها كوادر شابة مهنية أكاديمية، برنامجها الأساسي خدمي، وتستطيع العمل بحرية ومن دون معيقات داخلية، وتعيد إعمار ما دمره الاحتلال.

.......
هنا تتبادر إلى الأذهان تساؤلات عدة: أولها، هل الأولوية لإعادة الإعمار أم للحل السياسي الذي يضمن عدم تكرار ما جرى من تدمير؟ خاصة أن هناك تجربة سابقة مماثلة عام 2002، حين اجتاح جيش الاحتلال الضفة الغربية، وعاث تدميراً وخراباً في المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية.

دلالات

شارك برأيك

. احتلال وإعمار.. مساران لا يلتقيان

المزيد في أقلام وأراء

حرب إسرائيل على لبنان فوق طاقتها

راسم عبيدات

كيف ترى الصهيونية الدينية الضفة الغربية والقدس؟

فتحي أحمد

التطوير والتجديد بين تناقض المفاهيم والمقاصد والأهداف والمسؤولية الوطنية

مروان أميل طوباسي

ماذا يعني سيقاتل دون ضوابط ولا قواعد ولا سقف

أنطوان شلحت

التمويل الجماعي.. الآفاق والتحديات

د. محمود عبد العال فرّاج

الضم والإبادة وجهان لحرب واحدة

جمال زقوت

سموتريتش يسرع اجراءات تقويض السلطة الوطنية

حديث القدس

ضجة إسرائيلية مقصودة

حمادة فراعنة

تغيير السلطة شرط لبقائها وعدم تحوّلها إلى سلطة عميلة

هاني المصري

الجيش والحكومة الإسرائيلية: صراع الإستراتيجية والمكانة

مهند مصطفى

من المسؤول قانونيًا عن إعمار غزة وتعويض الفلسطينيين؟

محمود الحنفي

شيخ الجغرافين د. كمال عبد الفتاح يجوب بنا فلسطين

يعقوب عودة

العامل الفلسطيني خسر مصدر رزقه واقترب من كارثة حقيقية

ضياء الدين الحسيني

تغريب التعليم و التعلم

فواز عقل

الشباب والإبادة الجماعية.. من الصمود إلى مكافحة تجار الحروب

يحيى قاعود

نحن مَن يهمنا الأمر

حمدي فراج

ضجة إسرائيلية مقصودة ومفتعلة

حمادة فراعنة

غير العرب وغير المسلمين

أحمد رفيق عوض

خيارات نتنياهو

فتحي أحمد

صباح الخير لأحبة الأرض.. عمالاً وطلاباً وفلاحين

يعقوب عودة

أسعار العملات

الإثنين 24 يونيو 2024 10:48 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.76

شراء 3.75

دينار / شيكل

بيع 5.35

شراء 5.32

يورو / شيكل

بيع 4.08

شراء 4.01

بعد سبعة أشهر، هل اقتربت إسرائيل من القضاء على حماس؟

%17

%83

(مجموع المصوتين 482)