أقلام وأراء
الخميس 25 يناير 2024 8:48 صباحًا - بتوقيت القدس
الجزيرة كحل .. تدهور عام في كل شيء
نقل الفلسطينيين الى جزيرة اصطناعية في البحر المتوسط والسيطرة عليهم، هي فكرة لم تعد مغرية لفيلم سنيمائي او رواية او حتى منتزعة من اساطير اغريقية او غيرها.
قذف الفلسطينيين في مناطق نائية او معزولة كأنهم اشرار او جذامى او مدانين، فكرة تخرج عن كونها فكرة عقاب الى نفي للحوار او التعايش او الاعتراف او حتى الاقتراب.
إبعاد الفلسطينيين هي الفكرة الاسهل التي مارسها الاسرائيلي بحقهم لمدة طويلة من الزمن وما يزال.
الابعاد كعقوبة تشبه النفي او نفي يشبه الموت، وكأن الاسرائيلي اليهودي ـ للاسف الشديد ـ يعيد اليهم تاريخه مقلوباً ومريراً ومالحاً وكالحاً او كل ذلك، في ترجمة فريدة لما قاله الشاعر الراحل مظفر النواب ان الفلسطينيين تحولوا الى يهود التاريخ.
ان فكرة الابعاد او العزل او الانعزال في زنزانة او في قطاع او في قرى مسورة بالمكعبات او السواتر او البوابات او في سجون مغلقة او مفتوحة او في جزر طبيعية او صناعية او النفي بعيدا عن البيت والوطن ، كل ذلك تم تجريبه ومعايشته ولم يؤد الا الى زيادة الحنين وتراكم الغضب وانفجار البراكين .
الابعاد والنفي والفقد والثكل ليست حلولا ابدا ، فكل ذلك سيزيد من روعة البيت والقه ودفئه وضرورة العودة اليه واصلاحه مهما كان مدمرا ، فغياب البيت ادعى لحضوره ، والبعد عنه يجعله جنة مفقودة لا بد من العودة اليه ، الابعاد حتى لو كان الى جزيرة جناء هو حكم بالموت على الانسان ، لان فيه خيانة التخلي عن الذات والهوية ، وبناء ذات اخرى وهوية اخرى في مكان لا يشبههما ولا يتألف معهما، المكان الاخر مهما كان لا يمكن له ان يخلق في الوجدان ذاتا اخرى ، واختراع جزيرة للحل او العقاب او التخلص من الصراع وتبعاته ، وبعيدا عن كونه استهتارا واحتقارا واستصغارا لكل شيء الا ان هذا الحل القائم على الغطرسة والقوة والوقاحة فهو يعكس ايضا عدم الرغبة في الحوار او الاعتراف بالواقع .
انه حل اشبه بالاحلام الصبيانية او احلام اليقظة التي تعتقد ان الجن قادرون على حل كل الاشياء ، هو حل يخلو من الدبلوماسية او حتى احترام المشاعر الانسانية او قراءة الوقائع التاريخية والمتغيرات السياسية والتوازنات الجيوسياسية ، وهو حل يعتقد ان الشعب الفلسطيني ليس له علاقة روحية بأرضه اولا ، وانه شعب عملي يبحث عن مصالحه ثانيا ، وانه شعب يخاف من التحديات ثالثا، وانه يهرب في حالة الخوف او الاغراء او كليهما ، بمعنى آخر ان هذا الحل هو حل يحول الشعب الفلسطيني او يفترض انه مجرد جماعات لا وشائج بين مكوناته اوبينه وبين ترابه وتاريخه ومستقبله ، الجزيرة تبدو هنا وكأنها بديل ارضي ومصالح آنية وملاجئ ايواء لخائفين او جذامى او مطرودين .
هذا حل مضحك، اسرائيل هي وحدها الخاسرة فيه ، لانها وبعد 75 سنة تصطدم بالواقع الذي حاولت فيه طيلة الوقت ان لا تراه او لا تتعامل معه كما يجب او كما ينبغي .
لا يمكن اغماض العين عن شعب كامل ، والتعامل معه كأنه غير مرئي او انه مجموعة افراد او ظلال او جماعات مفككة بلا حقوق وبلا رواية وبلا تاريخ وبلا جذور وبلا مستقبل .
الجزيرة هنا حل يلخص هذا الجنون وهذا الانفصام عن الواقع ، ويكرس الرؤية الاحتلالية القديمة الجديدة التي اثبتت انها لم تنجح حتى الان الا في المزيد من تعميق الصراع .
الابعاد الى جزيرة في عرض البحر لا يضع نهاية للصراع ابدا، وبعيدا عن فنتازيا الحل الذي يبدو وكأنه درامي وليس سياسي ، الا ان فكرة الحل القائم على الحياة في جزيرة العقاب هذه اومستوطنة العقاب وهي احدى عناوين قصص كافكا الغرائبية ، انما يعني التحضير لجولة اشد وانكى .
غني عن القول ان حل الجزيرة هو تعبير حقيقي عن الافلاس السياسي والفكري و غياب اللاعبين الدوليين المؤثرين اصحاب الرؤى والافاق، وضعف الاقليم وغيابه و انحدار في كل شيء. ان الحديث عن حل يقوم على جزيرة في مؤتمر عالمي من هذا النوع انما هو تعبير فعلي عن تدهور حقيقي في كل شيء .
*رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية / جامعة القدس
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام
بهاء رحال
المقاومة موجودة
حمادة فراعنة
وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي
سري القدوة
هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!
محمد النوباني
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
الاحتلال الإسرائيلي يتوغل في القنيطرة السورية ويعتقل راعيا
الأكثر قراءة
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 81)
شارك برأيك
الجزيرة كحل .. تدهور عام في كل شيء