أقلام وأراء
الثّلاثاء 19 ديسمبر 2023 10:18 صباحًا - بتوقيت القدس
نظرية " التحوط الاستراتيجي" في العلاقات الدولية
بدأت الدول في الآونة الأخيرة باللجوء الى استراتيجية التحوط في علاقاتها الدولية لتحقيق مصالحها القومية وتنفيذ أهدافها وسياستها الخارجية، والحفاظ على سيادتها وأمنها القومي متبعة عدة سبل كالتحالف مع الدول الكبرى، التوازن الناعم أو الصلب، التعاون، الصراع، أو الحياد.
وبالنظر الى نظرية التحوط الاستراتيجي بشكل معمق نرى أنه بالرغم من حداثتها على الساحة الدولية إلا أن التحوط كسلوك يمكن مقاربته بسياسة الاسترضاء التي اتبعتها كل من بريطانيا وفرنسا في مواجهة ألمانيا قبل الحرب العالمية الثانية، وتهدف سياسة الاسترضاء الى التهدئة عند عدم وجود بديل أو خيار آخر، وتقديم التنازلات السياسية والمادية بهدف تجنب الصراع، ومنع وقوع الحروب، الأمر الذي يؤدي إلى إضعاف قوة الدول مقابل تعاظم قوة الدولة التي يتم استرضاؤها. أشهر المنظرين لنظرية التحوط الاستراتيجي (ايفان س مديروس) (فوجتك م وولف) (محمد سلمان) (بروك تيسمان).
وصف المنظرون نظرية التحوط على أنها مزيج ما بين التعاون والصراع، فقد تتعاون الدولة المتحوطة مع الدولة التي تشكل تهديدا لأمنها القومي حرصا منها على عدم التورط في صراعات غير متكافئة القوى (التوازن الناعم) ولكنها بنفس الوقت تعمل على مواجهة الدول المهددة لها عبر التحالفات مع أطراف إقليمية ودولية ومع القوى المنافسة للدول التي تشكل التهديد وبذات الوقت تسعى الدول المتحوطة لتوظيف قدراتها في التعاون الاقتصادي والاجتماعي والسياسي مع الدول المهددة لها.
وهناك من المفكرين من يرى أن استراتيجية التحوط تتوسط ما بين التوازن والحياد، فالحياد يلزم الدول بعدم التدخل في أي نزاع، والتزام موقف واحد اتجاه أطراف الصراع بشكل عام، وفي حالة التحوط قد تعمل الدول على التعاون مع الحلفاء ضد الدول المهددة لها ومثال على ذلك ما تقوم به الدول الآسيوية تجاه كل من الولايات المتحدة والصين، والسياسة التي تتبعها الولايات المتحدة في تعاملها مع الصين.
تبنت دول الخليج العربي سياسة التحوط الاستراتيجي في علاقتها مع إيران وبذات الوقت لا تكف عن المحاولات المستمرة لتطوير قوتها مما يخفف احتمالية حدوث صراع أو مواجهة مباشره معها ولفترة من الزمن، ولا يخلو الأمر من إقامة التحالفات وعلاقات التعاون مع الجانب الأميركي.
ولتفسير سلوك الدول بشكل عام على أنه تحوط، لا بد من توافر بعض الشروط والمعايير، أهمها تطوير الدول لقدراتها العسكرية بشكل لافت خشية اندلاع نزاع مسلح مع الدول المهددة، أو الاعتماد على مقدراتها الذاتية ومحاولة الحد من المساعدات المقدمة من الدولة المهددة لها، إضافة الى تشكيل التحالفات الإقليمية والدولية وتلافي الوقوع في مصادمات مباشرة مع الدولة المهددة لها وهو ما يسمى بالتوازن الخارجي للقوى ، إضافة الى دعم الصناعات الدفاعية والانفاق العسكري ضمن تخطيط سليم ومنظم والا سيؤثر على الدول سلبيا ويخلق نتائج عكسية.
وعلى سبيل المثال، تتباين الآراء في كيفية تعامل الولايات المتحدة مع الصين، فمنهم من يرى أن أفضل الطرق هو أن تنتهج سياسة التحوط تجاه الصين عبر إدخالها في علاقات تجارية بشكل مستمر وإيجاد مصالح مشتركة بينهما، ومنهم من يرى أن الطريق لا يزال طويلا أمام الصين لتصبح دولة تشكل ذلك التهديد المؤرق.
تتسم العلاقة ما بين الصين والولايات المتحدة بالتنافس المستمر، فكلاهما تستخدم سياسة التحوط في علاقتها مع الأخرى تحسبا من وقوع مواجهة مباشرة هم في غنى عنها نظرا لأي تأثير محتمل على المنافع الاقتصادية بينهما، فمنذ صعود الصين والولايات المتحدة تحاول ادماجها بالتجارة الحرة والتصنيع وتلافي الصدام المباشر معها واللجوء الى التفاهمات المباشرة فضلا عن الصدام وخوفا من تهديد مكانة الولايات المتحدة عالميا، ولا يخلو الأمر من المحاولات الأمريكية لاستخدام سياسة الابطاء التدريجي وعرقلة الصعود الاقتصادي الصيني عبر زيادة التعرفة الجمركية على واردات الصين والعقوبات التي تفرضها على قطاع التكنولوجيا واشعال شرارة الحرب التجارية ما بين الحين والآخر.
أما الصين فتتحوط عن طريق زيادة اعتماد الدول عليها من النواحي الاقتصادية وتعزيز قطاع التكنولوجيا الحديثة وعلى رأسها صناعة أشباه الموصلات والذكاء الصناعي، وتهدد الصين الولايات المتحدة وغيرها دوما بإقامة تحالفات مع دول آسيا والمحيط الهادئ ردا على أي تهديد لأمنها في مضيق تايوان.
ان اتباع الدول الصغيرة لاستراتيجية التحوط الاستراتيجي يخفف من التهديدات المؤثرة على أمنها القومي واستقلاليتها وسيادتها ، ويمنحها الفرصة لتعزيز امكانياتها على المستوى الاقتصادي عبر علاقات التعاون المختلفة ، أما بالنسبة للدول الكبرى فإن سياسة التحوط تجنبها الحروب والصدامات والمواجهات المباشرة لفترة طويلة الأمر الذي يساهم في الوصول لحالة من الاستقرار، ولكنه نسبي ويعتمد على مدى إمكانية تعزيز قدراتها العسكرية الأمر الذي يعيدنا الى الوراء ولسباق التسلح قبيل الحربين العالميتين، واشعال شرارة الحروب من جديد.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام
بهاء رحال
المقاومة موجودة
حمادة فراعنة
وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي
سري القدوة
هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!
محمد النوباني
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
الاحتلال الإسرائيلي يتوغل في القنيطرة السورية ويعتقل راعيا
الأكثر قراءة
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 81)
شارك برأيك
نظرية " التحوط الاستراتيجي" في العلاقات الدولية