Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الأحد 24 سبتمبر 2023 9:37 صباحًا - بتوقيت القدس

دروس من فيضان درنة وزلزال الحوز

أفاق الإنسان العربي على فاجعتين أليميتين ضربتا كيانه وشلتا إرادته، بل كارثتين إنسانيتين متلاحقتين عصفتا بعواطفه وبعقله من هولهما ومن شدة قوتهما، حينما صحا على حقيقة زلزال ضرب إقليم الحوز في المملكة المغربية، وتبعه فيضان درنة في ليبيا وكأنهما كابوسين مخيفين. وكلا الكارثتين شابهما ضحايا من جنسيات مختلفة وإن كانت من مواطني الدولتين بالآلاف وهم لا يعدون ولا يحصون، ودمار مادي واسع النطاق لا يوصف، وحزن فاق الوصف والتوقع، وسحب من الهم والغم واليأس وقلة الحيلة. حتى أن الإنسان العربي ابتداء، شك في المعلومات الواردة عن الحادثتين، واعتقد أنها ضرب من ضروب الخيال والمبالغة الصحفية استعملت فيها توابل وبهارات الرواية العربية ليس إلا ، سرعان ما تعود لحجمها الطبيعي، وما علم أنها جرعة أولى ستليها جرعات أشد مرارة وأكثر حزنا من الصعب مواجهتها وملاقاتها.


الحقيقة التي لا شك فيها أن الإنسان العربي المضطهد الأمي الباحث عن قوت يومه، لم يكن جاهزا لتلقي ولم يكن ذهنه بل أخذ بهما حاضرا أنباء هاتين الكارثتين، حتى رفض تصديقهما. وحينما بدأ يفيق من الصدمة ، بدا هولهما وشدتهما وقسوتهما تعصف بعقله الصغيرالبسيط المؤمن، غير المصدق لما تسمعه أذناه وما تشاهده عيناه، من مآس ومناظر تقشعر لها الأبدان وينهار لها الوجدان، مما جعله عاجزا عن التصرف إزاء هاتين المأساتين.


لقد كشفت المأساتان في كل من المغرب وليبيا ألأهمية المطلقة والإستعداد المسبق النظري لمثل هذه الكوارث الطبيعية، وعدم الإنتظار لما سيحل غدا ، وتسليم الأمور للأقدار المبهمة. ليست الكلمات مهمة بعد هاتين الكارثتين بالنسبة لهما، ولكن الكلمات مهمة وحاسمة لما سيأتي بعد ذلك من أحداث مبهمة تقديرا وتوقيتا ووصفا ورصدا.


لوكانت كل من المغرب وليبيا قد استعدت كل منهما لوقوع مثل هذا الحدث المأساوي الكارثي، لما كانت الخسائر بمثل هذا الحجم المخيف. والتستر خلف القدر المحتوم والتشفع به لا يسمن ولا يغني من جوع. فهناك دول كثيرة في هذا العالم تقع بها زلازل وفيضانات ولكن خسائرها بالكاد تذكر بالمقارنة بما حدث في درنة ليبيا وحوز مراكش في المغرب. ليس هذا جلدا للذات بل استيعاب وتقييم لدرس الأمس.


فكلا البلدين وهذا ليس بسر، كانا معرضين لمثل هذه الأحداث، بل وقعت لهما أحداث متشابهة في الماضي، وكانت النذر ماثلة أمام أعينهما، وكان عليهما توقع مثل هذه الكوارث لو اتسم تصرفهما بالوعي والحذر وأخذ الحيطة وترك مقولة دع الخلق للخالق جانبا وموضوع العقاب الإلهي فهذه أمور غيبية ليس في وسع أحد قراءتها وتوقعها.


أضف أن السياسة التي اتبعت في تلقي المساعدات لضحايا الكارثتين كانت مثيرة للتساؤل بل للعجب سواء من المانحين المتبجحين وبخاصة الأوروبيين الذين كانوا بالأمس القريب يستجدون موقفا ليبيا وتونسيا ومغربيا للمحافظة على الحدود ومنع تسلل المهاجرين إلى دولهم بل على استعداد لدفع الثمن لفعل ذلك، أو من المتلقين الذين يضعون شروطا في عز محنتهم معتقدين أنهم بذلك يحافظون على سيادتهم. وهنا يثور السؤال المركزي هل شكلت كل من ليبيا والمغرب مسبقا لجنة طوارىء للتعامل مع الكوارث العامة مثل الزلازل والفيضانات والبراكين والجوائح فيما لو حصلت أو ستحصل، أم تركتا الباب مفتوحا للأقدار ولحين وقت الفاجعة، وحينها يتم التصرف ويتم العلاج حينما تأخذنا الغرة والمفاجأة. وكأننا نسينا " وأعدوا " وقول الرسول الكريم " إعقل وتوكل ".


اليوم، غدا هذا من الماضي، لكن المستقبل ما هو إلا ماض آت، فماذا أعددنا لمستقبلنا وغدنا وشعبنا ووطننا. فلسطين ليست بعيدة جغرافيا عن ليبيا والمغرب. ورغم تواضع معرفتي بعلم الزلازل والبراكين والجوائح، فلسنا في فلسطين محصننين تجاه هذه الكوارث وبخاصة الزلازل، بل تشير كل الدراسات والتوقعات إلى احتمالية وقوع زلزال في منطقتنا في القريب بعد زلزال القدس في عام 1927. فماذا أعددنا لذلك، ولماذا لا نتعظ بما جرى في بلدين شقيقين عربيين وأن نتجنب الأخطاء التي وقعا بها أو كان يمكن تجنبها أو المساعدة على حلها.


للأسف فلسطين إقليم جبلي وغير منبسط، وكثير من مناطقه المكتظة بالسكان، جبلية من شماله إلى جنوبه مرورا بوسطه، وكثير منها بني قديما قبل التطور الحاصل في علوم الهندسة لتقليل حجم الخسائر من الأضرار الجسدية والمادية. بل هناك مناطق شابها القصور التخطيطي، في ظل الإحتلال وقصور السلطة عن المتابعة، والجشع تحت إغراءات مالية ضخمة، شيدت فيها مبان شاهقة بدون أدنى درجات الأمان وبدون ترخيص. ولو يحدث أي زلزال فيها ستكون النتئج وخيمة بل كارثية.


المشكلة أنه رغم النتائج الكارثية الأليمة لما يجري في درنة ليبيا وحوز المغرب تقع تحت أعيينا، إلا أننا نشيح بوجهنا عنها ولا نستخلص العبر والدروس وبخاصة الطبية ومستلزماتها.


أول هذه الدروس أن تشكل لجنة طوارىء عامة تغطي البلد بأكمله أي فلسطين شمالا وجنوبا، ضفة وقطاعا، وليس مدينة أو عاصمة أو محافظة لوحدها. وأن تكون هذه اللجنة مشكلة من أعضاء بصفتهم الوظيفية وليس بأسمائهم الشخصية، بحيث يكون لهم صلة بمعالجة حالات الكوارث من قريب أو بعيد، وتفصيلاتها المتعددة من ملاجىء وصحة وإغاثة وغذاء وماء وسكن، لأن هذه اللجنة قد يتغير في ظلها الأشخاص بأسمائهم بدون أن تحدث الكوارث فعليا. ويجب أن ترسم لها صلاحيات قانونية حتى لا تتقاطع مع اختصاصات الغير، وبخاصة أنها ستشمل إقليم فلسطين بأكمله في حالات الكوارث العامة وهذا ليس وقت الخصام والتنازع. قد لا تحدث الكارثة، لكن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال وقف تشكيل اللجنة أو إرجاءها. فتشكيلها يختصر العناوين ويسرع العمل وينظمه بل سيسبق الكارثة وينظم كيفية معالجتها وملاقاتها.


وليس بالضرورة أن تكون اللجنة كلها من رسميين وموظفين، بل من المفضل أن يشارك فيها نقابيون وأعضاء جمعيات خيرية ومنظمات غير حكومية. ويجب أن لا يضيق صدر الحكومة ذرعا بمثل هذه اللجنة وتكاملها مع القطاع الخاص. وهي في النهاية ليست كعكة سياسية فصائلية حتى يطالب البعض بحصتهم.


يجب أن تبادر السلطة الوطنية الفلسطينية إلى تطبيق الأنظمة الهندسية الفلسطينية تطبيقا صارما تجاه البانين ووكلائهم والمقاولين والمالكين داخل البلديات وخارجها وفي تخومها، وأن تحارب الفساد الإداري والهندسي والقانوني بكل صوره وعلى كل الصعد، لتعلق أرواح البشر في هذه الممارسات وفرض غرامات عالية وهدم البناء المخالف أو جزء منه. ولدينا ذخيرة قانونية كافية لمعالجة هذا القصور.


في الختام نترحم على أرواح الشهداء في درنة ليبيا وحوز المغرب، ونسأل العلي القدير أن يشفي الجريح والسقيم. وأن نوقف الصراعات ونقيم لجنة مشتركة تضم الكفاءات لوضع تصور فيما لو حدثت كارثة لا قدر الله، فالأخذ بالأسباب لا يخالف التوكل ولا يعارض القدر ولا ينفيهما، بل ينفي التواكل والكسل والفساد وهو تطبيق لآيات القرأن والأحاديث والكتب السماوية.

دلالات

شارك برأيك

دروس من فيضان درنة وزلزال الحوز

المزيد في أقلام وأراء

دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة

معروف الرفاعي

الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا

حديث القدس

من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها

أحمد لطفي شاهين

الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة

وسام رفيدي

تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية

معروف الرفاعي

المطاردون

حمادة فراعنة

فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار

سامية وديع عطا

السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال

الصحفي عمر رجوب

إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة

حديث القدس

شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام

بهاء رحال

المقاومة موجودة

حمادة فراعنة

وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي

سري القدوة

هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!

محمد النوباني

ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟

حديث القدس

مآلات موافقة حزب الله على ورقة أمريكا الخبيثة

حمدي فراج

مصير الضفة الغربية إلى أين؟

عقل صلاح

كيف نحبط الضم القادم؟

هاني المصري

هل من فرصة للنجاة؟!

جمال زقوت

تحية لمن يستحقها

حمادة فراعنة

قل لي: ما هو شعورك عندما ترى أحداً يحترق؟!

عيسى قراقع

أسعار العملات

الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.73

دينار / شيكل

بيع 5.28

شراء 5.26

يورو / شيكل

بيع 3.96

شراء 3.95

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%54

%46

(مجموع المصوتين 78)