أقلام وأراء
الثّلاثاء 19 نوفمبر 2024 10:15 صباحًا - بتوقيت القدس
مصير الضفة الغربية إلى أين؟
نناقش في هذه المقالة مصير الضفة الغربية، وننطلق من افتراض مفاده أن قرارات الحكومة الإسرائيلية وممارسات الجيش في الضفة تعمل على تعزيز قبضة المستوطنين على الضفة، ولذلك لا بد من تحديد الإطار الزمني للتمدد الاستيطاني والفعل التخريبي للمستوطنين في الضفة، حيث بدأت هذه الممارسات مع بداية تنفيذ اتفاقية أوسلو سنة 1993 وحتى اليوم، مع العلم أن الاستيطان بدأ قبل إعلان قيام دولة الاحتلال.
جاء قرار إلغاء فك الارتباط الخاص بمستوطنات شمال الضفة تنفيذًا لقرار الكنيست الصادر في 21 آذار/ مارس 2024، -سانور وغانيم وكاديم وحومش-التي انسحبت منها إسرائيل في 15 آب/ أغسطس 2005، وقرار عودة المستوطنين إلى حومش أولى المستوطنات يعني عمليًا ضمًا لكامل أراضي الضفة، وهذا يعني القضاء على فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة، وهو ما يريده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أما عن السؤال الذي يشغل الفلسطينيين هذه الأيام، بعد فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية: هل ستقدم إسرائيل على تنفيذ مخطط الضم؟
وتفسيرًا لذلك، بناء على اتفاق أوسلو الذي تم توقيعه بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، اعترفت المنظمة بحق إسرائيل في الوجود مقابل موافقة إسرائيل على إقامة السلطة الفلسطينية على أجزاء صغيرة من مناطق الـ1967، حيث حققت إسرائيل من خلال هذه الاتفاقية العديد من الأهداف، كما تخلصت من أعباء الخدمات والمسؤولية المدنية والمالية والإدارية لستة ملايين فلسطيني، واستفادت من السلطة الفلسطينية من خلال التنسيق الأمني معها دون أي مقابل، واستطاعت الحد من الانتقاد الدولي لها بعد إعطاء الشعب الفلسطيني حكمًا ذاتيًا، والذي ساعدها على التطبيع مع الدول الخليجية والعربية.
وعلينا ألا ننسى أن إسرائيل استفادت من التسوية، حيث كثفت من نهبها للأراضي الفلسطينية، فزادت نسبة الاستيطان منذ سنة 1993 وحتى سنة 2024 بنسبة 850%، وارتفعت أعداد المستوطنين في الضفة، من 115 ألف إلى مليون مستوطن، وبعد أن كانت الضفة الغربية خالية تمامًا من المستوطنات عام 1967، بلغ عددها في سنة 2023 نحو 180 مستوطنة و200 بؤرة استيطانية والتي ستتحول إلى مستوطنات أو سيتم ضمها للمستوطنات كما حصل في مستوطنات شيلو وعليي ومعاليه ليفوناه وأريئيل وغيرها التي أصبحت تجمعًا لمدن بها أبراج سكنية مقامة على مساحات شاسعة تقطع أوصال الضفة، وشكلت المستوطنات الإسرائيلية ما نسبته 50% من مساحة الضفة، وتمت السيطرة على أكثر من 70% من مساحة المنطقة "ج" لمصلحة المستوطنات، بالإضافة إلى هدم البناء الفلسطيني المقام عليها ومنع البناء فيها، وإعادة السيطرة على منطقة "ب" التي تصل إلى قلب المدن الفلسطينية، ومنع البناء بها كما حصل مع قرار منع البناء في الجبل الشمالي ومنطقة نابلس الجديدة فهذا يعني محاصرة المدن الفلسطينية والقرى، والتوسع فقط في منطقة "أ" التي لا تتسع لسيارات المواطنين، وهو ما يعكس التواطؤ الأمريكي مع المخطط الصهيوني للاستيطان والتسوية.
فالمشروع الإسرائيلي يهدف إلى السيطرة على الأرض من خلال ضم منطقة الأغوار والكتل الاستيطانية وبناء عشرات الآلاف من الوحدات الاستيطانية وهدم مئات البيوت الفلسطينية ومصادرة آلاف الدونمات من أراضي الضفة، وقطعت أوصال الضفة بالشوارع الالتفافية والبؤر الاستيطانية، واستمرت في ممارستها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني ومنعت أي إمكانية من شأنها تطوير الاقتصاد وحالت دون تطوير مؤسسات السلطة وكرست فصل الضفة عن غزة.. إلخ. فهذه السياسات والإجراءات الممارسة والممنهجة قتلت أي إمكانية لقيام الدولة الفلسطينية. هذا التحالف الفاشي يقوم بتنفيذ سياسات وخطط الحكومة الصهيونية الدينية المتطرفة برئاسة نتنياهو على الضفة بشكل خاص وقطاع غزة بشكل عام، من خلال العديد من الخطوات والسياسات التي تشمل زيادة حدة التوسع الاستيطاني وتهويد الضفة والقدس، وزيادة حدة الاقتحامات والتواجد العسكري والأمني في الضفة والمسجد الأقصى، وزيادة موازنة الدعم الحكومي للمستوطنين والمستوطنات وإطلاق يد المستوطنين في الاستيلاء على أجزاء كبيرة من الضفة، وزيادة الهدم، ومواصلة سياسة استهداف المخيمات وتدمير البنية التحتية لها، ومحاصرة القرى والمدن من قبل المستوطنين والبوابات والحواجز، وتقسيم الضفة كما يريد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إلى ثلاثة جيوب الأول "رام الله و سلفيت"، الثاني "بيت لحم والخليل"، الثالث "جنين و طوباس و نابلس و طولكرم و قلقيلية"، وسيتم عمل جسور وطرق خاصه بالمستوطنات فقط، وسيكون التنقل بين الجيوب الثلاثة عبر طلب تصريح من مكتب الإدارة المدنية الموجود في كل منطقه من خلال تطبيق المنسق مع ذكر سبب التنقل.
بالإضافة إلى التركيز على منطقة الأغوار لتهويدها لمنع أي ركيزة من ركائز إقامة الدولة الفلسطينية من خلال إلغاء الحدود للدولة الفلسطينية. كما تعمل الحكومة المتطرفة على ضم المستوطنات في كتل استيطانية موحدة لتشكيل مدن استيطانية في الضفة شبيهة من حيث الشكل المعماري للمدن الفلسطينية مثل بناء العمارات والأبراج في المستوطنات لكي يصبح الشكل متشابه وموحد؛ لتكون الضفة في المستقبل شبيهة بمناطق الـ48 "/عرب 48"، وصولًا للتعامل معها كما يتعاملون مع فلسطينيي الداخل، وإذا بقيت السياسة الفلسطينية على نفس النهج لا نستبعد أن نصبح "عرب 2030".
لقد طرح نتنياهو تصوّره لضمّ هذه المناطق في كتابه المعروف "مكان بين الأمم"، الصادر سنة 1993، ورغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على صدور الكتاب، فإن نتنياهو لم يتغيّر ولم يحد قيد أنملة عن هذه المواقف؛ فنتنياهو لا يؤمن بالسلام، وبالنسبة له فإن السلام في الشرق الأوسط هو سلام الردع (إن السلام الذي تستطيع دولة إسرائيل أن تتوقّع الحصول عليه هو سلام الردع فقط)، بالتالي يتعين على إسرائيل أن تُبقي سيطرتها الكاملة على سلسلة جبال الضفة الغربية والأغوار، ويرفض نتنياهو إطلاقًا فكرة قيام دولة فلسطينية؛ لأن ذلك سيقضي على إسرائيل.
أمّا مشروع ضم الضفة فتُجمع عليه الأحزاب الإسرائيلية المختلفة، لكن ما يُميّز نتنياهو عن سائر القادة السابقين، الذين تحدّثوا عن ضمّ الضفة، أن موقفه واضحٌ ومتماسك، وينبع من اعتبارات أيديولوجية، ويعلن عزمه على تنفيذ الضم، وكما أنّ هذا التنفيذ مدعومٌ من الرئيس ترامب الذي مهد الطريق له في صفقة القرن وعلى ما يبدو سيطلق يد إسرائيل بالتنفيذ، وستدفع الضفة الفاتورة بالاستيلاء على الأرض كما دفعت غزة الفاتورة بالدماء وستكون مقايضة وقف الحرب في غزة بالضفة التي ستقدم على طبق من فضة لليمين الإسرائيلي.
يقف سموتريتش وإيتمار بن غفير وزير الأمن القومي على رأس تنفيذ هذا المشروع، من خلال تسليح قطعان المستوطنين وحثهم على إحراق بيوت وممتلكات المواطنين كما حصل في قرى حوارة وجيت والبيرة والمغير وقريوت، وبيت فوريك وبرقة وغيرها وتشريع البؤر الاستيطانية وتوسيع المستوطنات. ولا بد من التأكيد على أن رسالة سموتريتش في 24 حزيران/ يونيو2024، التي يهدد بها أهالي الضفة ويتوعدهم بأن يجعل المدن الفلسطينية في الضفة أنقاضًا مثل غزة، تصب في الضغط على الشعب الفلسطيني للهجرة للخارج.
وتعتبر عصابة تدفيع الثمن "تاج ماخير" أهم أذرعها الميدانية وتنسب لهذه العصابة عدد من العمليات الإرهابية والأنشطة التخريبية ضد الفلسطينيين في السنوات الأخيرة أبرزها حرق الفتى محمد أبو خضير وإحراق عائلة دوابشة وإلقاء الحجارة على السيارات التي أودت على سبيل المثال بحياة الفلسطينية عائشة الرابي، واجتثاث أشجار الزيتون المثمرة وإطلاق الخنازير البريّة في جبال الضفة وإحراق عدد من المنازل والمساجد والكنائس والسيارات، ولا يكاد يمر يوم من دون أي نشاط تخريبي لهذه العصابة التي تتشبع بأفكار كاهانا العنصرية.
ويأمل سموتريتش أن يعترف الرئيس ترامب بمحاولة إسرائيل فرض السيادة على الضفة، وما يقوم به جيش الاحتلال في قرية برقه شمال نابلس وغيرها من مناطق الضفة من اقتحام وإغلاق للمدارس وتنكيل وملاحقة للمواطنين وتهديد وتفتيش للبيوت وتكسيرها ووضع الحواجز على مداخلها، وضرب الأطفال والمسنين والتحقيق الميداني، واتخاذ البيوت كنقاط تحقيق وسرقة أموال من البيوت وسرقة مفاتيح السيارات وفتح الدكاكين وسرقتها والاعتداء على المارة بدون تمييز وفقًا لأحد النشطاء السياسيين في برقة عماد شوكت، بالإضافة لتقسيم قرى جنوب نابلس إلى ثلاث مجموعات ووضع بوابة على كل مجموعة، ناهيك عن الحواجز التي تفصل القرى عن المحافظات وتفصل المحافظات عن بعضها البعض، ومنع المواطنين من سلك الطرق الرئيسية وحتى الطرق الالتفافية تم وضع حواجز عليها.
لقد أعطى سموتريش تعليمات بعد فوز ترامب لمديرية المستوطنات في وزارة الحرب والإدارة المدنية لإعداد البنية التحتية اللازمة لتطبيق السيادة على الضفة، وسنة 2025 هي السيادة على الضفة. فترشيحات ترامب لشخصيات متشددة ومتطرفة ومؤيدة لإسرائيل تؤكد المضي بضم الضفة.
ففي النهاية ستفرض إسرائيل سيطرتها الكاملة العسكرية والمدنية على الضفة، وستتمكن من خلال الدعم الأمريكي بقيادة الرئيس القادم ترامب من تمكين إسرائيل من تحقيق الحلم الصهيوني بضم الضفة، وهذا أصبح واضحًا بعد ما أصبحت الضفة في قبضة المستوطنين. وهنا يبرز السؤال الذي يمكن معالجته في مقالة قادمة أو من قبل الباحثين والكتاب ومفاده ماذا تبقى للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية؟
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
مآلات موافقة حزب الله على ورقة أمريكا الخبيثة
حمدي فراج
كيف نحبط الضم القادم؟
هاني المصري
هل من فرصة للنجاة؟!
جمال زقوت
تحية لمن يستحقها
حمادة فراعنة
قل لي: ما هو شعورك عندما ترى أحداً يحترق؟!
عيسى قراقع
العالم خائن لطالما حرب القتل للأطفال والنساء متواصلة!
حديث القدس
الصمود الفلسطيني
حمادة فراعنة
لنسقط الأوهام عن ترامب ونستعد للأسوأ
أحمد رفيق عوض
حرب الإبادة في غزة وغياب الضمير الدولي
بهاء رحال
في مواجهة مخطط الضم
رمزي عودة
الحاجة إلى توطيد العلاقات الاجتماعية
غسان عبد الله
حرب الحسم والسيطرة والسيادة على القدس
راسم عبيدات
غزة.. حكاية صمود وكبرياء
حديث القدس
أيام سوداء قاتلة
حمادة فراعنة
"إسرائيل" مثل الـ ROBOT والـ Fast Food (الصفات العشر الجديدة/ القديمة)
عبد الله جناحي
مستقبل السلام في المشرق العربي أرض السلام والأنبياء
كريستين حنا نصر
التقى نصر الله عشر ساعات.. ظنها ساعة واحدة
حمدي فراج
في ذكرى حضور د. صائب عريقات "دبلوماسية الحصار"؛ تأصيلٌ، تنقيةٌ، ولم يُعقِّب! وأين باقي الوثائق؟
المتوكل طه
الفضـول... آفـة
د. أفنان نظير دروزة
الأكثر تعليقاً
"إسرائيل" مثل الـ ROBOT والـ Fast Food (الصفات العشر الجديدة/ القديمة)
مصادر لـ "القدس": استشهاد قياديين من الجهاد الإسلامي في غارة دمشق
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
أبو ردينة: إرهاب الاحتلال ومستعمريه لن يحقق الأمن بالمنطقة
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
الورقة الأمريكية لوقف النار في لبنان.. هل تنجح في فصل الساحات؟
الأكثر قراءة
نائب في الكنيست الإسرائيلي: سنصادر الحرم الإبراهيمي
"إسرائيل" مثل الـ ROBOT والـ Fast Food (الصفات العشر الجديدة/ القديمة)
تقرير: الاحتلال ماض في إزالة حي البستان في سلوان
"كون نسيب ولا تكون قريب" !! .. هل يؤثر مسعد بولس على مواقف ترمب؟
بري: أحد شروط المقترح الأميركي لوقف إطلاق النار غير مقبول لدينا
اغتصاب حتى الموت.. هكذا عاملت إسرائيل طبيبًا فلسطينيًا أسَرته من غزة
ملح الأرض فلسطينيو الداخل يقرعون جدران الخزان.. كسر الصمت يبدأ بصرخة
أسعار العملات
الثّلاثاء 19 نوفمبر 2024 9:02 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.73
شراء 3.72
يورو / شيكل
بيع 3.95
شراء 3.92
دينار / شيكل
بيع 5.26
شراء 5.24
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%52
%48
(مجموع المصوتين 54)
شارك برأيك
مصير الضفة الغربية إلى أين؟