أقلام وأراء
السّبت 23 سبتمبر 2023 9:14 صباحًا - بتوقيت القدس
ثلاثون عاماً على أوسلو : محطات على الطريق إلى الاتفاق
فكرة إقامة "قاعدة ارتكاز"، أو "قاعدة آمنة" على جزء من الأرض الفلسطينية مع ولادة حركة المقاومة الفلسطينية المسلحة، ومرّت هذه الفكرة، خلال تطوّر النضال الوطني الفلسطيني، بمحطات عديدة، شهدت انتقال هذا النضال من مشروع التحرير إلى مشروع الاستقلال إلى مشروع الحكم الذاتي، في ظل تطورات سياسية معيّنة على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية، تركت تأثيرها على موازين القوى بين هذه الحركة وبين إسرائيل الصهيونية وداعميها الدوليين.
ولدت حركة المقاومة الفلسطينية المسلحة، التي طمحت إلى تحرير فلسطين وإعادة اللاجئين الفلسطينيين إليها، في سياق دولي تميّز بتصاعد نضالات حركات التحرر الوطني المناهضة للاستعمار فيما كان يُعرف بالعالم الثالث وباحتدام الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية، من جهة، والاتحاد السوفياتي، من جهة ثانية. وباستلهامها النموذج الجزائري، تصوّرت هذه الحركة أن المستوطنين اليهود سيعودون، بعد تحرير فلسطين، إلى "أوطانهم" التي قدموا منها. وكانت حركة "فتح" قد طرحت، منذ مطلع ستينيات القرن العشرين، فكرة فرض السيادة الفلسطينية على الضفة الغربية وقطاع غزة، بحيث يقوم على هذا الجزء من الأرض الفلسطينية "كيان ثوري" يشكّل "قاعدة ارتكاز"، أو "قاعدة آمنة"، لانطلاق العمل الفدائي الذي يتطوّر، مع الوقت إلى حرب عصابات ثم إلى حرب تحرير شعبية طويلة المدى، يشكّل الفلسطينيون طليعتها والجماهير العربية عمادها، وتنتهي بتحرير فلسطين وضمان عودة اللاجئين الفلسطينيين إليها.
ومع الوقت، وبعد إخفاق محاولات إقامة "قاعدة ارتكاز" في الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967، تشكّل منطلقاً لخوض الكفاح المسلح ضد قوات الاحتلال في هذه الأراضي، ومن ثم انهيار "قاعدة ارتكاز" الكفاح المسلح التي مثّلتها القواعد الفدائية على الضفة الشرقية لنهر الأردن وانتقال هذه القواعد إلى لبنان، تمّ التوجّه نحو تبني نهج المرحلية في النضال، وهو النهج الذي تكرّس في ضوء النتائج التي ترتبت على الحرب العربية-الإسرائيلية في تشرين الأول 1973، والتي طرحت تقرير مستقبل المناطق الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في سنة 1967، ولا سيما الضفة الغربية لنهر الأردن، على بساط البحث، وجعلت حركة المقاومة الفلسطينية، التي تعمق تحالفها مع الاتحاد السوفياتي ونالت من خلال منظمة التحرير الفلسطينية الاعتراف العربي بكونها ممثل الشعب الفلسطيني، تنتقل من مشروع التحرير إلى مشروع الاستقلال، وتقبل مبدأ تقسيم فلسطين بين العرب الفلسطينيين واليهود الإسرائيليين، والمزاوجة بين الكفاح المسلح والنضال السياسي والدبلوماسي.
وهكذا، وعلى إثر انطلاق جهد دولي، في مناخات انفراج في العلاقات الأميركية-السوفياتية، للتوصّل إلى حل سياسي للصراع، تبنت حركة المقاومة الفلسطينية، في الدورة الثانية عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في القاهرة، في حزيران1974، هدف إقامة "سلطة الشعب الوطنية المستقلة" على أي جزء من هذه المناطق يتم تحريره، وأكدت، بعد سجالات حامية، أن هذه السلطة، التي ستناضل منظمة التحرير بجميع الوسائل، وعلى "رأسها الكفاح المسلح"، من أجل قيامها، ستكون "مقاتلة"، بما يضمن أن تكون أي خطوة تحريرية "حلقة لمتابعة تحقيق استراتيجية منظمة التحرير في إقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية".
مع إبرام مصر وإسرائيل اتفاقيتَي كامب ديفيد، في أيلول 1978، وتراجع مشروع التوصّل إلى حل شامل للصراع عن طريق المفاوضات، برزت لأول مرة فكرة الحكم الذاتي لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة خلال مرحلة انتقالية تمتد على مدى خمس سنوات، تجري بعدها مفاوضات لتحديد الوضع النهائي للضفة الغربية وغزة.
وبينما كانت المناخات الدولية تتحوّل من الانفراج إلى المواجهة، ويشتد الحصار الإسرائيلي المفروض على حركة المقاومة الفلسطينية في لبنان، صارت هذه الحركة تتحوّل، بفعل الموارد المالية الكبيرة التي امتلكتها ولا سيما من الدول الخليجية، من حركة مقاتلين يقومون، عبر تسلل مجموعاتهم الصغيرة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، بعمليات فدائية، إلى حركة تمتلك "جيشاً نظامياً"، يتوزع أفراده على وحدات تخضع لنظام الرتب، ويخوض، في الأساس، حرب مواقع بالاعتماد على أسلحته الثقيلة، وخصوصاً المدفعية والصواريخ، وتتحوّل، على الصعيد الاجتماعي، إلى جهاز "حكومي" بيروقراطي، وإلى جهاز للرعاية الاجتماعية والطبية، يضم الآلاف من العاملين على قاعدة نظام "التفرغ" ويتمتع القائمون عليه بامتيازات مادية عديدة.
بيد أن فشل خطة التحرك السياسي المشترك مع الحكومة الأردنية، واندلاع الانتفاضة الفلسطينية في كانون الأول 1987، وتخلي الأردن عن مسؤولياته السياسية والإدارية إزاء الضفة الغربية، وعودة مناخات انفراج دولي، في ظل "البيروسترويكا" و "التفكير السياسي الجديد"، دفع الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني، في تشرين الثاني 1988، إلى تحديد حدود الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة في حدود الرابع من حزيران 1967، والإقرار بوجود إسرائيل كأمر واقع من خلال اعتراف منظمة التحرير بقراري مجلس الأمن رقم 242 و 338، على أن تشارك منظمة التحرير بصورة مستقلة في الجهود الدولية للتوصل إلى حل سياسي للصراع.
لم تحقق الانتفاضة الفلسطينية الآمال التي عُلقت عليها، فوجدت منظمة التحرير، التي واجهت منافسة شديدة من حركات المقاومة الإسلامية، في فكرة الربط بين "أزمة الخليج" و "أزمة الشرق الأوسط" التي تبناها النظام العراقي بعد احتلاله الكويت "مخرجاً" من المأزق السياسي الذي جابهته، لكن خيارها هذا أدى، بعد هزيمة النظام العراقي، إلى تعميق مأزقها، بدلاً من إخراجها منه، وجعلها تواجه حالة حصار سياسي ومالي لا سابق لها، فاقمها الجهاز العسكري والمدني المتضخم الذي بنته عندما كانت في لبنان وباتت تنوء تحت ثقله.
وفي أوسلو، حيث ساد التفاؤل بإمكانية حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي المزمن، بعد أن أعيد توحيد ألمانيا، وأُطلق سراح نيلسون مانديلا وتمت تصفية نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وقعت قيادة منظمة التحرير في سوء تقدير، من جهة، وراهنت على رهان لم تتوفر شروط تحققه، من جهة أخرى.
فقد تمثّل سوء التقدير في كونها لم تدرك خلفية قبول حكومة اسحاق رابين الاعتراف بها والتفاوض معها؛ فهي، التي وصفتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على مدى العقود الفائتة بأنها منظمة "إرهابية" ورفضت التفاوض معها، قدّرت أن موافقة حكومة رابين-بيرس على الاعتراف بها كممثل للشعب الفلسطيني وقبولها التفاوض معها ينطويان على موافقه هذه الحكومة على حقوق وطنية فلسطينية، بما في ذلك الحق في الاستقلال، ولم تعِ أن حكومة رابين، التي لم تعد تتحمل تبعات الإشراف على شؤون سكان المناطق الفلسطينية المحتلة وتكاليفه، اعترفت بمنظمة ضعيفة غير المنظمة التي حاربتها إسرائيل خلال العقود الفائتة، وأرادت أن تلقي على عاتق هذه المنظمة، من خلال حكم ذاتي للسكان من دون الأرض، مسؤوليات الإشراف على شؤون هؤلاء السكان، والمشاركة في ضمان أمن المستوطنين الإسرائيليين في هذه المناطق.
أما الرهان الذي لم تتوفر شروط تحققه، فقد تمثّل في الاعتقاد بأن إسرائيل ستنسحب، خلال سنوات المرحلة الانتقالية الخمس، من الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما يمكّن السلطة الوطنية من فرض سيادتها بصورة تدريجية على الأراضي التي سينسحب منها جيش الاحتلال، وبما ينقل الحكم الذاتي، في نهاية المطاف، إلى دولة فلسطينية مستقلة. أما لماذا لم تتوفر شروط تحقق هذا الرهان، فذلك لأن السلطة الوطنية الفلسطينية لم تتمتع، بحسب الاتفاق، بأي حق في السيادة على الأرض، ولم تتمسك قيادة منظمة التحرير بالهدف الذي تمسك به وفد الممثلين الوطنيين في واشنطن، وهو بحث مصير الاستيطان الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية المحتلة والبدء بخطوة تجميده، بل وافقت على تأجيل بحث قضية الاستيطان ونقلتها إلى مفاوضات قضايا الوضع النهائي، بحيث ازداد عدد المستوطنين في الضفة الغربية، كما تشير التقديرات من 120 ألف مستوطن في سنة 1993 إلى أكثر من 200 ألف مستوطن عند اندلاع الانتفاضة الثانية، فضلاً عن وجود نحو 200 ألف مستوطن في القدس الشرقية المحتلة.
لقد مضى ثلاثون عاماً على تلك "المصافحة التاريخية" التي شهدتها حديقة البيت الأبيض في واشنطن، والتي توقع منها العالم أن تكون فاتحة المصالحة والسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين؛ وبغض النظر عن بعض المكاسب التي وفرّها "اتفاق أوسلو" للفلسطينيين، وخصوصاً عودة عشرات الآلاف منهم مع عائلاتهم إلى أرض وطنهم، فإن مضامينه، التي فرضها الخلل الكبير في موازين القوى بين طرفيه، لم تكن تزكي منطق القيادة الفلسطينية الذي راهن على أن يفتح ذلك الاتفاق أفق تجميع مقومات السيادة الفلسطينية على الأرض بصورة تدريجية وصولاً إلى الاستقلال، بل كانت تزكي مخطط القيادة الإسرائيلية الهادف إلى إعادة هيكلة نظام الاحتلال والتحرر من تكاليفه؛ تلك التكاليف التي بات من الممكن توظيفها في مشاريع توسيع المستوطنات وزيادة عددها وتسريع عمليات تهويد مدينة القدس المحتلة .
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام
بهاء رحال
المقاومة موجودة
حمادة فراعنة
وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي
سري القدوة
هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!
محمد النوباني
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
مآلات موافقة حزب الله على ورقة أمريكا الخبيثة
حمدي فراج
مصير الضفة الغربية إلى أين؟
عقل صلاح
كيف نحبط الضم القادم؟
هاني المصري
هل من فرصة للنجاة؟!
جمال زقوت
تحية لمن يستحقها
حمادة فراعنة
قل لي: ما هو شعورك عندما ترى أحداً يحترق؟!
عيسى قراقع
الأكثر تعليقاً
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
قطر: قصف إسرائيل مدرسة للأونروا في غزة امتداد لسياسات استهداف المدنيين
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
الأكثر قراءة
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
الأونروا: فقدان 98 شاحنة في عملية نهب عنيفة في غزة
عبدالعزيز خريس.. فقد والديه وشقيقته التوأم بصاروخ
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%54
%46
(مجموع المصوتين 78)
شارك برأيك
ثلاثون عاماً على أوسلو : محطات على الطريق إلى الاتفاق