أقلام وأراء

السّبت 12 أغسطس 2023 10:42 صباحًا - بتوقيت القدس

الأسرى الفلسطينيون والوحدة الوطنية الاعتقالية

مما لا شك فيه أنّ عملية الصراع التي يخوضها الشعب الفلسطيني كطليعة نضالية للأمة العربية والإسلامية ضد المشروع الصهيوني التفريغي الاحلالي الاستيطاني بكل مكوناته الكفاحية لا تستطيع هزيمة هذا المشروع واسقاطاته ووقائعه الخطيرة التهويدية إلا عبر وحدة المقاومة ووحدة القيادة، ووحدة البرنامج، ووحدة التخطيط، والإدارة والسياسات.
وهذه الوحدة تمثل بوابة الحرية وحصن القوة الفلسطيني، ومرتكز الاشتباك الجماعي، لأنّ كافة الأعمال والتكتيكات والسياسات التي تنتصر لصالح أجندات واجتهادات حزبية لن تستطيع مواجهة، وهزيمة وحصار هذا المشروع الاستعماري الصهيوني واجتثاثه.


وقد سبق الأسرى بكل مكوناتهم الحزبية، والسياسية قياداتهم الخارجية في تجسيد رؤية الوحدة الوطنية كمفهوم وقاعدة ارتكاز وصمام أمان ومبدأ للعمل المشترك دفاعاً عن حقوقهم ومكتسباتهم الاعتقالية رغم المنعطفات العديدة التي عاشها الأسرى أيضاً فيما بينهم. فالصورة لا تختلف عن التباينات والتناقضات الخارجية وانعكاساتها الخطيرة على وحدة صفهم وتفاهمهم وانسجامهم وانشدادهم نحو المصالح الضيقة في أحيان على حساب المصالح العليا الجمعية.


ولربما كانت أبرز الاختبارات التي واجهتها الحركة الأسيرة فترة التسعينيات،على إثر الإفراجات التي تمت بعد عام 1994، بعد تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية، وحدوث تغيير كبير على نسبة أعداد أسرى حركة "فتح"، قياسًا بأسرى "حماس"، وقد تمكّنا كأسرى من بناء توافق وطني ووحدوي من حيث إدارة الحياة الاعتقالية والتي كانت فعليًا منذ سنوات طويلة تحت إشراف أسرى حركة "فتح"، وهذه المحطة عكست الروح الجماعية للأسرى، وكان هناك تجاوب وتفهم عند قيادة "حماس" التي أصرت على أن يبقى التمثيل الاعتقالي بيد حركة "فتح" حتى لو بقيَ أسير واحد في ظل وجود كفاءة اعتقاليه عند الحركة. واستطعنا معاً وبعيداً عن لغة الأرقام والنسب المئوية ترتيب كافة المرافق بشكل وطني وبتراضي داخلي وهزيمة محاولات إدارة السجن أن تفرق بيننا وأن نسير علاقاتنا الوحدوية بكل تفاهم وانسجام بعيداً عن أي ارتدادات فكرية أو سياسية لأنّ ساحة العمل الاعتقالي كانت تستهدفنا جميعاً.


وفي سجن عسقلان قلعة الشهيد "عبد القادر أبو الفحم"، عشتُ تجربة الوحدة والانسجام بين "فتح" و"حماس" وكافة الفصائل الأخرى في بداية عام 2000 بعد اندلاع شرارة انتفاضة الأقصى لدرجة أنه في العلاقات الداخلية البينية كان الأسرى لا يستطيعون التفريق بين ممثل "حماس"، وممثل الجبهة الشعبية، وممثل حركة "فتح"، وكذلك في الانتخابات الداخلية لحركة "فتح".


وقد جاء الانقسام ونتائجه الكارثية على وحدة الأسرى، وحياتهم المشتركة حيث شهدت الحركة الأسيرة الانقسام ذاته والتباعد والتباين الداخلي وإيجاد أقسام على أساس تنظيمي أو جغرافي وما يترتب على ذلك من وجود حواجز نفسية وحواجز نضالية وحواجز تفصل الأسرى مستقبلاً في الحياة المجتمعية رغم حرص الأغلبية من قيادات كافة التنظيمات التي تمتلك الخبرة والوعي على التواصل الاجتماعي والزيارات والتواصل التنظيمي قناعةً من الجميع بأنً القضية الوطنية الجمعية تستوجب توحد الكل المقاوم حولها وتجاوز كافة الخلافات والنتائج الكارثية.


وقد كان قسم (3) في سجن (هداريم)، حالياً سجن نفحة، نموذجاً وحدوياً متمايزاً بين كل الفصائل دون أي تأثر بكل الأحداث الخارجية، وذلك بسبب طبيعة الكادر الاعتقالي الفصائلي وسياسة الحرص الجماعي، وسياسة التعليم الداخلية، والاستهداف للكل من قبل إدارة السجون وتمكنت هذه التجربة من أن تفجر وتقود انتفاضة الكرامة، والحرية بملحمة عام 2017 التي استمرت بالإضراب الجماعي لمدة "42 يوماً".


ولكنّ التطور الحقيقي الذي حققته هذه الوحدة الداخلية كان في شهر آذار عام 2022، حيث انطلاق لجنة الطوارئ الوطنية الموحدة العليا الممثلة لكل الفصائل وبروحية جماعية متمايزة والتي حظيت بدعم أغلبية الأسرى من كافة التنظيمات، والتي تجنبت منطق المحاصصة واهتمت بالجوهر والمشروع النضالي الجماعي حيث حاولت إدارة السجون استثمار ارتدادات نفق الحرية، والهجوم على الأسرى وحقوقهم ومكتسباتهم وإنجازاتهم وتمكن الأسرى بوحدة خلاقة جماعية من تجسيد صورة تمثل حقيقة الإرادة الفلسطينية المقاومة والوعي الثوري الاعتقالي وتكرر المشهد الموحد عبر قيادة لجنة الطوارئ لمعركة شهر ايلول عام 2022 ومعركة شهر آذار عام 2023.


إنّ لجنة الطوارئ الوطنية الاعتقالية الموحدة، تمثل نقطة ضوء ساطع، وانحياز نضالي لصالح جبهة المقاومة الموحدة وتجاوز دوائر العمل الحزبي الضيقة لأنّ الاحتلال يخوض حربه ضد الأسرى بأدوات وسياسات قمعية واستراتيجيات موحدة ونظامية.
وهذا يستوجب التوحد الجماعي والقيادة الجماعية ورغم ذلك لا زالت هناك بعض القلاع للأسف متأخرة في اندماجها أو انضباطها لهذا الجسم الوطني الجماعي الذي يستحق أن يكون نموذجاً ملهماً للفصائل في الخارج وخاصة عند تنظيم حركة "فتح" كون الأزمة الحقيقية بين المكونات الفلسطينية في الخارج تكمن بين حركة "فتح" وحركة "حماس" والتي تؤثر على كل نواحي الصراع وإدارته وآلياته ونتائجه. وبدون تجاوز الذهنية التقليدية والنمطية في العلاقة البينية الداخلية من قبل الجميع وبكل المستويات القيادية سيبقى الكل الفلسطيني والشعب الفلسطيني والقضية الوطنية الفلسطينية يدفعون الثمن.
ونحن داخل قلاع الأسر نمثل تجربة وحدوية مستهدفة من أعدائنا الذين يحرصون على تفكيك صفوفنا وخلق الفتن بين الأسرى والتنظيمات ولكنّ المعاناة والألم والجرح والجوع المشترك والوعي المعرفي والثقافي أحدث نقلات نوعية في ذهنية العديد من القيادات والكوادر عند كل التنظيمات ومراجعات جريئة جعلت الانشداد لقرارات لجنة الطوارئ الوطنية مسؤولية وطنية عليا وواجب نضالي يحمي وحدة الحركة الأسيرة، ومستقبلها حتى لو تخلف بعض الأسرى لأسباب وانتقادات تسقط أمام مشهد العمل الوحدوي الجريء.


فعلى كل أبناء الفصائل وحركتي "فتح" و"حماس" بشكل خاص التعالي بالخارج على كل الأزمات والعوائق وتغليب مصلحة القضية الوطنية العليا وقيادتها بشكل جماعي وأن يستوعب أبناء "فتح" في تربيتهم وثقافتهم الداخلية أن يلتزموا بقرار قائد من حركة "حماس" وهكذا الأمر عند أفراد "حماس" أن يستوعبوا أن يكونوا تحت قيادة قائد من حركة "فتح" وكل ذلك يتم على أرضية الكفاءة الوطنية العليا و يكون المعيار هو الكفاءة والقدرة والعمل الجماعي لأنّ المشروع الصهيوني الاجتثاثي الاحلالي وأدواته المتنوعة وعلى رأسهم المستوطنين يفرض ذاته علينا. فهل سنرى قيادة وطنية عليا حقيقية في كل ساحات الوطن تقود الفعل الاشتباكي المقاوم في كافة نواحيه وعلى كافة المستويات؟


ختاما، لابد من إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني الذي يعتبر أهم مكوناته هي منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وبما يضمن مشاركة كل القوى الفاعلة في الساحة الفلسطينية في إطار المنظمة على أساس ديمقراطي بحيث يقود ذلك إلى بلورة برنامج كفاحي استراتيجي يمثل الحد الأدنى الذي يمكن أن يتوافق عليه كل أبناء شعبنا، على أن يتم الأخذ بعين الاعتبار ظروف الفلسطينيين في كل الجغرافيات بما يضمن انخراطهم جميعا في دعم مسيرة الكفاح الوطني.


وعلى الأسرى الفلسطينيين حماية تجربة لجنة الطوارئ الوطنية الاعتقالية الموحدة وتطويرها كرافعة وطنية جمعية وتجنب أي معارك فردية أو فصائلية تضعف وحدتهم ومسيرتهم الوطنية الموحدة.

دلالات

شارك برأيك

الأسرى الفلسطينيون والوحدة الوطنية الاعتقالية

المزيد في أقلام وأراء

نتانياهو اصطاد العصافير دون النزول عن الشجرة

حديث القدس

القبول الفلسطيني والرفض الإسرائيلي

حمادة فراعنة

إطار للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط

جيمس زغبي

رفح آخر ورقة في يد نتنياهو

بهاء رحال

سامحني أبو كرمل.. أنا لم ولن انساك

خالد جميل مسمار

حرب ظالمة وخاسرة

سعيد زيداني

أن تصبح إسرائيل تاريخًا

فهمي هويدي

أمنوا بالنصر فحققوه ..

يونس العموري

التطبيع.. الدولة العربية، جدلية "المصلحة" والثقافة

إياد البرغوثي

كابينيت الحرب يقرر مواصلة الحرب

حديث القدس

الإصرار الأميركي نحو فلسطين

حمادة فراعنة

من "اجتثاث حماس" الى "الهزيمة النكراء" .. الصفقة خشبة خلاص لإسرائيل

حمدي فراج

زمن عبد الناصر

سمير عزت غيث

الأسير باسم خندقجي بروايته طائرة مسيّرة تخترق القبة الحديدية

وليد الهودلي

مرحى بالصغيرة التي أشعلت هذه الحرب الكبيرة

مروان الغفوري

متى تضع أمريكا خطًّا أحمر؟

سماح خليفة

بين انتفاضة الجامعات الأميركية والجامعات العربية

عبد الله معروف

انتفاضة الجامعات ضد حرب الابادة.. هل تنجح في احياء الوعي بقيم العدالة ؟

جمال زقوت

ما أفهمه

غيرشون باسكن

من الاخر ...ماذا وراء الرصيف العائم في غزة ؟!

د.أحمد رفيق عوض.. رئيس مركز الدراسات المستقبلية جامعة القدس

أسعار العملات

الأربعاء 08 مايو 2024 10:24 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.7

شراء 3.68

دينار / شيكل

بيع 5.22

شراء 5.19

يورو / شيكل

بيع 3.97

شراء 3.95

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%75

%20

%5

(مجموع المصوتين 231)

القدس حالة الطقس