أقلام وأراء
الثّلاثاء 27 ديسمبر 2022 10:12 صباحًا - بتوقيت القدس
التقصير في حياة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.... من يتحمل المسؤولية؟
بقلم الأسير: ياسر أبو بكر
مع استشهاد أي أسير في سجون الاحتلال فإنه سرعان ما يتصدر واجهة الأحداث، مُذكِّراً بموضوع الإهمال الطبي بحق الأسرى، هذا الإهمال الذي تسبب بوفاة عدد كبير من الأسرى. ثم تتعالى الأصوات منددة بالتقصير والإهمال المقصود والمتعمد. وتبدأ مجموعة من ردود الأفعال والخطوات الاحتجاجية داخل وخارج السجون، والتي أصبحت في السنوات الأخيرة ردات فعل خجولة، أو مجرد تأدية واجب؛ فما هي إلا أيام معدودات ثم تعود الأمور إلى سابق عهدها، وكأن شيئا لم يكن، وبانتظار شهيد آخر؟!
وفي خِضم كل ذلك تتعالى صرخات الأسرى، ويبدأ مسلسل تحميل المسؤوليات عن التقصير بحق أسرى الحرية، والحديث عن حقهم في حياة كريمة داخل السجون، وعن معاناتهم وأوضاعهم الصعبة، وتنكيل إدارات السجون بهم، والتضييق عليهم، ومحاولة المساس بحياتهم.
فإدارة السجون تتعمد اتخاذ كل الإجراءات القمعية وبشكل ممنهج ومقصود ضد الأسرى، في ظل غياب أي نوع من الانتقادات السياسية أو الحقوقية، وغياب أي نوع من المحاسبة والمساءلة عن انتهاك الإدارة لحقوق الأسرى التي يكفلها القانون الدولي.
وحتى الخطوات الاحتجاجية التي يتخذها الأسرى أنفسهم، أو الجهات الخارجية لا تكاد ترقى لمستوى الحدث، ولا تكاد تؤثر كما يجب. فيما يبقى ذلك السؤال عن مدى التقصير وعن من يتحمل المسؤولية حاضراً ومُلحاً.
ولا شك أن الاحتلال هو المسؤول الأول عن التقصير والإهمال الطبي، وعن كل مآسي وآلام الشعب الفلسطيني، بما فيها حياة الأسرى في سجونه. إلا أن هذا لا ينفي وجود تقصير من قِبَل السلطة الوطنية الفلسطينية، والمنظمات الحقوقية في مواجهه ما يقوم به الاحتلال ضد الأسرى، وأيضاً هناك تقصير في الخطوات الاحتجاجية الشعبية، وآليات الضغط على الاحتلال، وهذا التقصير يشمل كل الأطراف المعنية بحقوق الأسرى، سواء الجهات الرسمية أو الشعبية أو المنظمات الدولية والمحلية، وحتى الأسرى أنفسهم.
نهدف في هذا المقال إلى تقديم تلخيص لدراسة ميدانية استخدمت المنهج الوصفي التحليلي، قُمت بها أنا وعدد من زملائي الأسرى: أمجد عبيدي، وراتب حريبات، وليلي أبو رجيلة في سجن جلبوع قبل عامين على إثر استشهاد الأسير القائد كمال أبو وعر؛ هدفت إلى تسليط الضوء على معاناة الأسرى في سجون الاحتلال، والإهمال والتقصير الذي تتعرض له حياتهم عبر التعرف على وجهة نظر الأسرى في مستوى التقصير بحياة الأسرى في إطار أربعة مجالات للتقصير، هي: الإهمال الطبي، والتقصير الذاتي للأسير، والتقصير الداخلي للأسرى، والتقصير الخارجي بحق الأسرى.
وهذه الدراسة اختارت عينة طبقية عشوائية، وفقاً للاتجاه السياسي من أسرى فتح وحماس والجبهة الشعبية لتمثل مجتمعاً للدراسة يمكن تعميم نتائجه على الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وقد تم اعتماد أداة الاستبانة بعد أن تم التأكد من صدقها وثباتها، فيما تم اعتماد أداة المقابلة لاستجلاء آراء كادر الأسرى من الفصائل الثلاثة للإجابة على سؤالي: لماذا التقصير؟ وما المطلوب للحد من التقصير بحياة الأسرى في سجون الاحتلال؟
أشارت أهم نتائج الدراسة إلى مستوى تقصير مرتفع بحياة الأسرى وعلى مختلف الصعد وبكافة المجالات، وجاء أولاًمجال التقصير الخارجي بحق الأسرى، ثم التقصير الداخلي للأسرى وكلاهما بمستوى مرتفع جداً، فيما جاء التقصير الذاتي للأسير ثالثاً، ومجال الإهمال الطبي رابعاً وبمستوى مرتفع لكليهما. وتبين أنَّ هناك فروق في تقديرات الأسرى لمستوى التقصير في حياة الأسرى تعزى لمتغير الاتجاه السياسي، وذلك لصالح أسرى حركة فتح.
وفي تعليقنا على نتائج الدراسة نقول:
1- إن حجم التقصير الكبير للأسرى ومقدار الاستهتار بحياتهم وبحريتهم كان واضحاً في إدراك الأسرى لذلك، فهم في قلب الحدث، وهم من يعيشون المعاناة الصعبة في سجون الاحتلال، وهذا ما يفسر تقديراتهم (والتي جاءت مرتفعة)،وهي النتيجة التي تشير إلى مستوى مرتفع من التقصير في حياة الأسرى وعلى كافة الصعد في كافة مجالاته.
2- لقد عبر الأسرى بمستوى مرتفع جداً عن عدم رضاهم عن الجهود الخارجية بحقهم، واعتبروا أنه الأكثر تقصيراً، وهم بذلك يُحَّمِلون الجهات الخارجية المسؤولية الكبرى عن التقصير في حياتهم،لإدراكهم أن خيارات الجهات الخارجية أوسع وأكبر ويمكن لها أن تحقق لهم الحرية، أوالعيش الكريم في الأسر، خاصةإذا ما تم تنظيم هذه الجهود وتركيزها نحو هدف تحرير الأسرى والدفاع عن حقوقهم الإنسانية.
3- عدا ذلك لم يمنعهم أن يعبروا عن عدم رضاهم عن أنفسهم وذاتهم في الدفاع عن حقوقهم رغم محدودية أدواتهم وقدراتهم على التحرك داخل السجون، في ظل القيود التي تحيط بهم في كل مكان. لكنهم يدركون أنه وبرغم القيد والسجن هم أقوياء إن وحّدواأنفسهم في إطار خطة واضحة. وبهدف العيش بكرامة داخل السجن والضغط على الخارج وعلى العدو للتعامل معهم كأسرى حرب، ولهم الحق بالحرية في السرعة الممكنة، وعدم الانشغال في أمور داخلية جانبية،إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، وتصبح الحرية واقعاً، فالأسرى الفلسطينيون هم مقاتلون من أجل حرية وطنهم السليب، وهم ليسوا مجرمين ليعاقبوا بالسجن. لذلك من حقهم العيش بحرية وكرامة في سجنهم إلى حين التحرر.
4- أما الإهمال الطبي المقصود من العدو فهي سياسة عامة لإسرائيل، فهي أصلاً دولة احتلال، ودولة عدوان شامل على الفلسطينيين عموماً، وعلى الأسرى خصوصاً، وهذا الإهمال واضح من العدو تجاه الأسرى،بل إنه تجاوزكل قواعد القانون الدولي والإنساني، وحقوق الإنسان، ومعاهدة جنيف،وهذه السياسة نتيجة غياب المحاسبة الدولية والمحاسبة من الجهات الرسمية الفلسطينية، والأسرى أنفسهم، وهو ما انعكس على ترتيب مجالات التقصير كما رأينا.
5- لقد كان الأسرى في سجون الاحتلال من الفصائل الثلاث فتح وحماس والشعبية حادين وجادين في انتقادهم وعدم رضاهم، وفي جلدهم لأنفسهم ولغيرهم، فمستوى الدرجة الكلية للتقصير كان مرتفعاً إلا أنَّ أسرى حركة فتح كانوا أكثر حدة وأكثر انتقاداً وجلداً للذات ولغيرهم لمستوى التقصير بحياة الأسرى بمستوى درجة مرتفع جداً.
وكان أهم ما ورد في وجهات نظر كادر الأسرى الذين تم مقابلتهم حول سؤال لماذا وما المطلوب للحد من التقصير في حياة الأسرى هو:
أ. أما "لماذا؟"، فقد تركزت وجهات نظر كادر الأسرى على غياب الرؤية، والخطة، والوحدة، والفاعلية، والمتابعة، والوعي، والإرادة.
ب. أما المطلوب للحد من ذلك التقصير فيمكن تلخيصه بالحاجة إلى التالي:
1- دراسة واقعية موضوعية للوصول لأفكار عملية، قابلة للتحقيق، وفي إطار وثيقة شرف التي تحدد آليات التعامل مع الأحداث.
2- المتابعة لتحويل الأقوال والشعارات لأفعال وممارسة.
3- وقفة سريعة ومسؤولة لتقييم ما سبق من إخفاقات، ولصياغة خطة تضع نقاط الخلاف جانباً مقابل نقاط الاتفاق.
4- وقف نهج الارتجالية والفردية، لصالح خطة واضحة المعالم تأخذ البعد الاستراتيجي والتكتيكات الواضحة وأدوات نضالية محددة.
5- خطوات فاعلة في إطار موحد، وخطة موحدة تتضافر فيها جهود الأسرى والخارج معاً.
6- تعزيز الانتماء الوطني، ورفع الوعي، لإعادة تصويب البوصلة نحو هدف تحرير فلسطين لاستعادة الوحدة الوطنية لأجل ذلك.
7- قراءة المشهد على أُسس جديدة تلبي فيه المصلحة الوطنية على ما دونها من المصالح الحزبية أو الشخصية.
8- دراسة كل الخيارات والبدائل القابلة للتطبيق بعيداً عن الانفعال والعواطف.
9- دراسة واعية لواقعنا وقدراتنا وأدواتنا، بما يمكننا من وضع الخطة المناسبة لتحريك كل طاقات المجتمع المحلي والدولي.
10- توافر الإرادة الحقيقية لإنهاء حالة الترهل التنظيمي والوطني الذي نعيشه داخل وخارج السجون .
وهنا يممكن القول أنَّ الأسرى في سجون الاحتلال أجمعوا على أن أهم المطلوب للحد من التقصير بحياة الأسرى هو وقفة جادة ودراسة مسؤولة وعميقة وموضوعية لكل جوانب التقصير بحق الأسرى وحياتهم، وذلك بوضع خطة أو استراتيجية تستهدف إطلاق سراح الأسرى، وأنَّ الحرية هي الحل، وهي الجواب الأمثل، وهذه الخطة يجب أن تشترك فيها كافة الجهات الرسمية والشعبية المحلية أولاً ثم الدولية ثانياً.فالسلطة الوطنية الفلسطينية مسؤولة، والفصائل الفلسطينية هي أيضاً مسؤولة سواء خارج أو داخل السجون، والمجتمع المدني كذلك بكل مكوناته مسؤول عن الدفاع عن حقوق الإنسان الأسير وعن حقه في الحرية من سجون الاحتلال الغاشم والظالم.
لذا لا بد من وضع خطة، وألا نغفل أي من الأدوات التي نحتاجها لتنفيذ الخطة لتحقيق الأهداف ولا سيما الأدوات القانونية الإعلامية؛ فالنسبة للقوانينفالقوانين الدولية والإنسانية تدعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وتدعم حقه في مقاومة الاحتلال، وكل ما ينتج عنه من مصادرة أراضي أو اعتقال فهو باطل، ويجب أن تتضافر كل الجهود لإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، أما بالنسبة للأدوات الإعلامية فهي أهم الأدوات ولا يغفل عن رؤيتها إلا الجاهل، وبالذات في ظل التقدم العلمي والتكنولوجي في هذا المجال.وفي إطار شبكات التواصل الاجتماعي التي إذا تم استثمارها بشكل صحيح فإنها تشكل ضغط حقيقي على الاحتلال، وذلك عبر فضح كل ممارساته بحق الشعب الفلسطيني وحق الأسرى.
إن الأرض باقيةٌ ولن تضيع، وستعود يوماً سالمة حتى ولو طال زمان المحتل المعتدي عليها، أما حياة الأسير وعمره فإنه سيضيع في غياهب السجون ولن يعود إذا لم ينل حقه في الحرية، لذلك الإنسان أولاً، وقبل كل شيء، ويجب العمل على ضمان حرية الأسرى بشكل حقيقي وفاعل؛ لتنتهي حالة التخاذل بحق الأسرى، والتعامل معهم كأرقام، ويجب تحول الأقوال إلى أفعال، والشعارات إلى ممارسة حقيقية على الأرض.
وليكن تفاعلنا مع القضية الإنسانية الأولى في فلسطين والعالم (قضية مقاتلي الحرية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال) تفاعلاً مع القضية ذاتها، وليس تفاعلاً مع الحدث فقط.
لقد واكبنا قبل أيام حدثاً مُهماً ومُحزناً ومُتكرراً في قضية الأسرى لاقى هذه المرة وبحقٍ عظيم الاهتمام الذي نُقدِّرُه وعظيم التفاعل الذي نشكره عندما ارتقى صديقنا وزميلنا في الأسر الشهيد القائد ناصر أبو حميد. إلا أننا نأمل مع نهاية مقالنا هذا أن ندرك أهمية انتقال تفاعلنا مع الحدث إلى تفاعل مع القضية وحتى يتم حلها جذرياً من أساسها لتصبح الحرية واقعاً ملموساً لأسرانا أولاً ولشعبنا وأرضنا وقُدسنا ثانياً.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار، والحرية لأسرى الحرية ولا تنسونا من دعائكم ومن جهدكم ومن تفاعلكم مع قضيتنا.
يقول الأسير الشاعر ناصر الشاويش في أحد أبيات قصيدته النثرية في رثائه للأسير الشهيد القائد ميسرة أبو حمدية:
فلترسلوا الأكفان
إن جنائز الأسرى هنا، متكررة
ثم ميسرة
إنا ومن دمك استمحنا المعذرة
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام
بهاء رحال
المقاومة موجودة
حمادة فراعنة
وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي
سري القدوة
هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!
محمد النوباني
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
مآلات موافقة حزب الله على ورقة أمريكا الخبيثة
حمدي فراج
الأكثر تعليقاً
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
ماذا يقول القانون الدولي عن الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان؟
الأكثر قراءة
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
الأونروا: فقدان 98 شاحنة في عملية نهب عنيفة في غزة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%54
%46
(مجموع المصوتين 80)
شارك برأيك
التقصير في حياة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.... من يتحمل المسؤولية؟