Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الإثنين 05 ديسمبر 2022 10:43 صباحًا - بتوقيت القدس

المسيحيون في الشرق

 ‏بقلم:الدكتور إياد البرغوثي


من المعروف أن البدايات المسيحية (الكنيسة الأولى) ظهرت في فلسطين وجوارها أي فيما يعرف الآن ‏بالشرق. في فترة لاحقة تبنت الامبراطورية الرومانية المسيحية، وفي العام 1054 حدث الانقسام في ‏الكنيسة وتشكلت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية والكنيسة الشرقية الأرثوذكسية. هناك بالطبع اختلافات ‏لاهوتية بين الكنيستين لكن العلاقات بين الغرب والشرق خاصة منذ ظهور الامبريالية انعكست على ‏العلاقات بين الكنيستين‎. ‎
بالنسبة للكنيسة الأرثوذكسية في فلسطين ما زال البطريرك اليوناني هو رأس الكنيسة وذلك منذ أن قام ‏السلطان العثماني بتنحية البطريرك العربي وتعيين بطريركا يونانيا مكانه لاعتبارات تتعلق بمحاولة كسب ‏السلطان الأرثوذكس الى جانبه في مواجهة الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا‎.‎
يشكل المسيحيون الأرثوذكس النسبة الأكبر من مسيحيي الشرق وشهدوا بالمجمل، اضافة الى بقية مسيحيي ‏المنطقة من اتباع الكنائس المختلفة، حالة من التعايش والانسجام مع كل المكونات الأخرى من شعوب ‏المنطقة، بمن فيهم "الأكثرية" المسلمة، ورغم ما شهدته حالة التعايش تلك من تراجعات وانتكاسات في ‏بعض الأحيان لأسباب لم تكن الحالة الايمانية منها في أي يوم من الأيام، الا أنها بقيت محدودة قياسا ‏بالصراعات التي قامت على أسس دينية في أوروبا بين المسيحيين أنفسهم.‏
كان المسيحيون مثلهم مثل بقية المكونات الأخرى في الشرق ضحايا الغرب في المنطقة منذ ما سمي ‏بالحروب الصليبية ثم في فترات الاستعمار الأوروبي والمشروع الاستعماري الصهيوني، في نفس الوقت ‏كانت مساهمتهم في حركات التحرر الوطني وفي النهضة القومية لكثير من بلدان الشرق استثنائية، وكانوا ‏رواد التنوير والتحديث، وبرزوا في الدفاع عن اللغة العربية وعن الثقافة العربية بالمجمل. وفوق كل ذلك ‏كانوا وما زالوا مدافعين عنيدين عن القضية الفلسطينية.‏
معاناة المسيحيين ‏
شهدت العقود الأخيرة تصدعات في العلاقات البينية للمكونات المختلفة لمجتمعات المنطقة، ضمن ذلك ‏ازدادت معاناة المسيحيين (وغيرهم) من جراء تنامي الاصولية الدينية والقومية، وبروز الهويات الطائفية، ‏وظهور الحركات التكفيرية العنيفة (داعش ومثيلاتها).‏
كما تصاعد العدوان الصهيوني الامبريالي على المنطقة حيث كان المسيحيون ايضا ضمن ضحايا ذلك ‏العدوان... حدث ذلك منذ نكبة 1948 وحرب حزيران 1967 على فلسطين والبلدان العربية المجاورة ثم ‏العدوان الاسرائيلي المتكرر على لبنان، ثم حرب الولايات المتحدة وحلفائها على العراق وافغانستان، ‏واستمر ذلك العدوان في خضم الربيع العربي حيث استمر العدوان على العراق وضربت ليبيا وسوريا.‏
جسدت هذه الاعتداءات سياسة التفكيك والفوضى الخلاقة التي تمثل استراتيجية الولايات المتحدة والغرب ‏الامبريالي والمشروع الصهيوني للهيمنة على المنطقة، وكانت ضحاياها شعوب المنطقة بكافة مكوناتها بمن ‏فيهم المسيحيين. هذه الاعتداءات بكل اشكالها وفاعليها قتلت الملايين من شعوب المنطقة بكافة مكوناتها، ‏وشردت الملايين، وخلقت من المآسي اشكالا لا توصف.‏

ردود الفعل
مع تنامي الاصولية، والجرائم التي ارتكبها التكفيرين ضد كل المكونات، اخذت تلك المكونات بالذهاب أكثر ‏باتجاه الاكثريات والاقليات. ينطبق ذلك على المسيحيين ايضا. رغم أن مفهوم الأكثرية والاقلية لا يسري ‏في الظروف الطبيعية الا على الاتجاهات السياسية، أما كمجموعات مجتمعية فهي مكونات بغض النظر عن ‏نسبتها عدديا في المجتمع.‏
أخطر ما في التحول من مكون الى طائفة، خاصة إذا كانت "اقلية" هو "الإصابة" بسيكولوجيا الاقلية، ‏حيث الحساسية المفرطة لأي حدث مهما بدا طبيعيا، وهو التوتر الدائم والذعر والوقوف على مسافة إشكال ‏واحد من الهروب (الهجرة)" أو الحرب الأهلية، وحيث النفاق سواء "للأكثرية" أو للحكومة طمعا في ‏الحماية أو في بعض الامتيازات. هذا لم يكن ليحدث للمسيحيين في المنطقة عندما كانوا مكونا وقبل أن ‏يتحولوا بشكل أو بآخر الى "اقلية".‏
قبل التحول الى "اقلية"، كانت النخبة "المسيحية" نخبة الأمة، وكان مكانها الطبيعي طليعة الاحزاب ‏القومية واليسارية وحركات التحرر. أما بعد ذلك فقد تراجعت لتصبح "نخبة" للطائفة وشكلت احزابا طائفية ‏انحصرت أهدافها في أمور الطائفة وتراجعت عن المشاركة في الاحزاب القومية والوطنية لتكون في حزب ‏الحكومة أو قريبة منه.‏
من ناحيتها ارتاحت الحكومات لهذا الوضع، واتاحت لكثير من أبناء المسيحيين العمل في أجهزة الدولة، ‏وهي ترى أنها بذلك تبعدهم عن أحزاب المعارضة من ناحية، وتقدم أوراق اعتمادها للغرب (المسيحي) من ‏الناحية الأخرى، وهذا أمر حيوي بالنسبة لها. ويجري الترويج لذلك بحجة أن استخدام المسيحيين في ‏الوزارات التي لها احتكاكات بالخارج (السياحة مثلا) هو أكثر جدوى في الوصول الى العقل الغربي.‏
المشكلة انه في حالة الطائفة، إذا كانت معاملة حكومة "الأكثرية" للأقلية سيئة فإن ذلك يسيء "للأقلية" ‏بالطبع، وإذا بالغت الحكومة في تعاملها الايجابي لها فهي مسيئة في بعض جوانبها ايضا، فهي بذلك تثير ‏ضغينة الطائفة الأكبر "الأغلبية"، وفي مواقف معينة تصبح "الأقلية" ضحية للمعارضة لأنها تحسبها على ‏النظام الذي تعاديه.‏
الخروج من المأزق
عند التحول من مكون الى طائفة، يصعب حل المشاكل التي تترتب على ذلك، سواء في العلاقة مع الدولة ‏أو مع "الأكثرية" بالذهاب الطبيعي نحو المواطنة المتساوية أمام الدولة والقضاء، لأن ذلك يعتبر في عرف ‏الطوائف تخليا عن "امتيازاتها" وعن كونها طائفة من الأساس، وربما "تخليا" عن الدين نفسه ودعوة ‏للدولة "العلمانية".‏
وفي هذه الحالة، حالة الطائفة وليس المكون، يصح الحديث عن "التسامح" كقيمة لا بد من وجودها لكي ‏تتعايش الطوائف المختلفة بالحد المطلوب من الأمن والاحترام لأنه لا يمكن القبول بالبقاء في حالة صراع ‏دائم بين الطوائف.‏
في دول الطوائف، ومن أجل الحفاظ على الحد الأدنى من معقولية العيش ينبغي اعتماد القاعدة الذهبية التي ‏وردت في كتابنا "الأسلمة والسياسة في الاراضي الفلسطينية المحتلة" منذ ما يزيد على ثلاثة عقود، والتي ‏تقول "ان من حق الأقلية دائما أن تبدي تخوفها ومن واجب الأكثرية تبديد تلك المخاوف".‏
لكن مجتمع الطوائف لا يشكل حماية حقيقية للناس، بل هو التهديد الجدي والدائم لهم. فكل طائفة ترى ‏المشكلة في الطائفة الأخرى، ويصبح طبيعيا أن تلجأ هذه الطائفة لأي كان في الداخل أو الخارج لكي ‏تستعين بها للوقوف في وجه الطوائف الأخرى، والطامة الكبرى عندما ترى "الأقلية" طريقها للنجاة في ‏الوقوف ضد قضايا الوطن والأمة على اعتبار أن تلك القضايا تخص "الأكثرية" الظالمة، كأن يرى البعض ‏أن القضية الفلسطينية هي قضية المسلمين وحدهم. كما تخطيء "الأكثرية" إذا اعتمدت القمع وارادت ‏التفرد "بامتيازاتها".‏
بإمكان المكون المجتمعي إدراك أن مشروع التفكيك الامبريالي- الصهيوني هو الذي يسعى لتحويله الى ‏طائفة.. فذلك من متطلبات الهيمنة التي يسعى لها الغرب الامبريالي والذي يتطلب مشروعا شرقيا مضادا ‏من أجل الوحدة والتحرر. في هذه الحالة فقط يتحرر المسيحيون ويتحرر المسلمون وكل المكونات في هذا ‏الشرق ويدركون مصيرهم المشترك، ووقوفهم الى جانب قضايا أمتهم وفي مقدمتها فلسطين هي ضمان لعدم ‏ذهابهم الى الطوائف..... وما أدراك ما الطوائف؟

‏* أكاديمي فلسطيني مقيم في رام الله                                   عن "الاخبار اللبنانية"

دلالات

شارك برأيك

المسيحيون في الشرق

المزيد في أقلام وأراء

نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي

حديث القدس

مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً

جواد العناني

سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن

أسعد عبد الرحمن

جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية

مروان أميل طوباسي

الضـم ليس قـدراً !!

نبهان خريشة

دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة

معروف الرفاعي

الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا

حديث القدس

من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها

أحمد لطفي شاهين

الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة

وسام رفيدي

تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية

معروف الرفاعي

المطاردون

حمادة فراعنة

فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار

سامية وديع عطا

السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال

الصحفي عمر رجوب

إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة

حديث القدس

شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام

بهاء رحال

المقاومة موجودة

حمادة فراعنة

وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي

سري القدوة

هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!

محمد النوباني

ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟

حديث القدس

مآلات موافقة حزب الله على ورقة أمريكا الخبيثة

حمدي فراج

أسعار العملات

الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.73

دينار / شيكل

بيع 5.28

شراء 5.26

يورو / شيكل

بيع 3.96

شراء 3.95

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%54

%46

(مجموع المصوتين 80)