أقلام وأراء

الخميس 18 يوليو 2024 11:28 صباحًا - بتوقيت القدس

الانتخابات التشريعية الفرنسية: هل تُشكّل بارقة أمل للقضية الفلسطينية؟

تلخيص

أجرت فرنسا الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية في الثامن من هذا الشهر، وجاءت نتائجها متقلبة، حاملة تأثيرات على القضايا الدولية، بما في ذلك القضية الفلسطينية؛ إذ شهدت تقدما لتحالف القوى اليسارية بقيادة الجبهة الشعبية الجديدة بزعامة جان لوك ميلونشون، بعد فوز اليمين في الجولة الأولى، حيث حصل تحالف الجبهة الشعبية الجديدة على ما بين 180 و215 مقعداً في الجمعية الوطنية (البرلمان)، بينما حصل معسكر الرئيس إيمانويل ماكرون (تحالف "معا") على 150 إلى 180 مقعداً، وحصل التجمع الوطني اليميني المتطرف على 120 إلى 150 مقعداً.


بداية، يتطلّب فهم أثر هذه النتائج على القضية الفلسطينية عقد مقارنة بين مواقف الأطياف السياسية الرئيسية في فرنسا. فيما يخصّ الجبهة الشعبية الجديدة (اليسار الموحد)، فهي تتبنّى مواقف داعمة بشكل كبير للقضية الفلسطينية، إذ تدعو إلى وقف إطلاق النار الفوري والدائم، وتدعم بقوة للإفراج عن الأسرى السياسيين الفلسطينيين. وتعبر الجبهة عن معارضة شديدة للحصار والإغلاق على غزة، وتدعو إلى الاعتراف بدولة فلسطين، وتدعم العدالة الدولية بوضوح. وقادت الجبهة تظاهرات مؤيدة لفلسطين وأدرجت القضية الفلسطينية في حملتها الانتخابية.


في المقابل، يوجّه تحالف "معاً" الحكومي دعوات لوقف إطلاق النار، ولكنه يفتقر إلى إجراءات دبلوماسية ملموسة؛ إذ يركز التحالف على قضية الرهائن المحتجزين لدى حماس، دون الإشارة بوضوح إلى الأسرى السياسيين الفلسطينيين، ويدعم إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، ولكنه لا يعارض الحصار بشكل صريح، كما يدعم التحالف الأونروا علناً، ويحافظ على بعض الإجراءات الداعمة لحقوق الفلسطينيين، مثل رفض نقل السفارة الإسرائيلية من تل أبيب إلى القدس، وفرض عقوبات على المستوطنين، وقيامه مؤخّرا بمنع مشاركة إسرائيل في معرض للأسلحة أقيم على الأراضي الفرنسية.


أما التجمع الوطني اليميني المتطرف، بقيادة مارين لوبان وجوردان بارديلا، فلا يتخذ مواقف ثابتة تجاه العديد من القضايا المتعلقة بفلسطين؛ إذ يدعم الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، ولكنه لا يشير إلى الأسرى السياسيين الفلسطينيين، ولا يمتلك موقفا واضحاً بشأن الحصار على غزة، أو دعم الأونروا، ويعارض التجمع قرارات المحاكم الدولية المتعلقة بإسرائيل، ولا يدعو لفرض عقوبات على حكومة نتنياهو، ويتبنى موقفا موحداً ضد الاعتراف بنظام الفصل العنصري الإسرائيلي، ويحظى بدعم رسمي إسرائيلي واضح.


عوامل مؤثرة في سياسات فرنسا


لعلّ التأثير المتوقع لنتائج هذه الانتخابات على القضية الفلسطينية سيكون محدوداً على المدى القصير بفعل الفجوة الكبيرة ما بين الخطاب والفعل، والمحكوم بجملة من العوامل:


- عدم حصول اليسار على الأغلبية المطلقة: يعقّد ذلك عملية تنفيذ السياسات الخارجية، إذ يتطلب تمرير القوانين والسياسات في الجمعية الوطنية الحصول على دعم الأغلبية المطلقة من الأعضاء، وهو ما يعادل 289 مقعداً من أصل 577 مقعداً. بما أن تحالف الجبهة الشعبية الجديدة حصل فقط على ما بين 180 و215 مقعدا، فإنه يواجه تحديات كبيرة في تمرير سياساته دون الحاجة إلى دعم من الأحزاب الأخرى، مما يفرض على اليسار الدخول في تحالفات مع أطراف سياسية أخرى للحصول على دعم كافٍ لتمرير مبادراته التشريعية.


- معضلة الرئاسة: يتطلب تنفيذ السياسات الداعمة لفلسطين موافقة رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون، الذي يمتلك السلطة النهائية لاعتماد السفراء والتصديق على المعاهدات. وقد صرح ماكرون بأن "الاعتراف بدولة فلسطينية ليس محظوراً على فرنسا"، ولكنه ليس "معقولاً الآن"، وينبغي القيام به في اللحظة المناسبة، مما يعكس موقفه الحذر.


- التبعية للولايات المتحدة: تظل فعالية الدور الأوروبي في القضية الفلسطينية، بما في ذلك فرنسا، محدودة بفعل التبعية للولايات المتحدة، إذ تستمر هذه العقبة، خصوصا مع حرب أوكرانيا والعلاقة بين الناتو والولايات المتحدة.


- الأهمية الاستراتيجية والجيوسياسية لإسرائيل: تؤثر أهمية إسرائيل الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي ودوله، بما في ذلك فرنسا، ولا سيما في مواجهة أي تمدد روسي أو صيني، وحساسية المسألة اليهودية، فيما يتعلّق بمعاداة السامية، على فعالية تطبيق أي سياسات داعمة لفلسطين.


- تنامي اليمين المتطرف: رغم خسارته في هذه الجولة، فإن اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان ينمو ويصعد بشكل مطّرد. يتوقع أن يستمر هذا النمو في السنوات المقبلة، ورغم خسارته الانتخابات التشريعية فإنه فاز في انتخابات البرلمان الأوروبي الشهر المنصرم. لعلّ هذا الصعود سيرافقه تنامي أكبر للإسلاموفوبيا، ومحاولة وصم اليسار بمعاداة السامية، وربطها بمعاداة الصهيونية، مما يفاقم من حالة الاستقطاب والانقسام داخل المجتمع الفرنسي، ويقلل من فعالية اتخاذ قرارات مؤثرة في السياسة الخارجية.


اليسار الفرنسي استفاد من القضية الفلسطينية


تجدر الإشارة أيضاً إلى نقطتين مهمتين: أولاً، استفاد اليسار الفرنسي واستثمر في القضية الفلسطينية بشكل أكبر، ما يمكنه هو إفادة القضية الفلسطينية؛ إذ حاول تحشيد المواطنين المسلمين وذوي الأصول العربية، ولا سيما سكان الأحياء والمناطق المهمشة، وبدأت أصوات تعلو في فرنسا تتهم اليسار بتعزيز الشعبوية على غرار اليمين المتطرف من خلال "استغلال" دعم القضية الفلسطينية والإسلام السياسي. ثانياً، كان الموقف الوسط الذي يمثله الرئيس ماكرون متسقاً مع الخطاب الرسمي الفلسطيني وداعماً له؛ فقد دعمت فرنسا حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، سواء في مجلس الأمن بشأن مشروع القرار الذي طرحته الجزائر في نيسان الماضي، أو في قرار الجمعية العامة في أيار الماضي، وتواصل فرنسا إدانة الاستيطان، وفرض عقوبات على من تسميهم بالمستوطنين المتطرفين. فمن الناحية العملية يتبدّى من الصعب على اليسار أن يقدم للقضية الفلسطينية أكثر مما هو مقدّم حالياً، لكن ربما تكمن الأهمية لنتائج هذه الانتخابات في عدم فوز اليمين المتطرف بحدّ ذاته، الذي كان بلا ريب سينحاز بشكل شبه مطلق للموقف الإسرائيلي، ويدمر ثمرات عقود من العلاقات الفرنسية الفلسطينية الجيدة.


ما المطلوب فلسطينياً؟


في الختام، ما المطلوب فلسطينياً؟ من المؤسف القول إن الفلسطينيين غالباً ما يفشلون في استغلال هذه التحولات الدولية بالصورة المثلى، إذ إن الانقسام الداخلي، وغياب الخطاب الموحد يُعيقان هذه الجهود. كذلك، يتراوح التعاطي الفلسطيني بين تضخيم أي خطوة دبلوماسية وإعطائها أكثر من حجمها، أو تقزيمها والانتقاص من أي فعل دبلوماسي أو سلمي. لذلك، المطلوب هو إعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، وأن تكون هذه المأساة الحالية فرصة للوحدة، لأن ما يحصل هو تهديد وجودي لكل الفلسطينيين، وليس لفصيل دون آخر في كل الأرض الفلسطينية. وينبغي اقتناص أي فرصة أو ثغرة دبلوماسية والتعاطي الإيجابي والواقعي معها. في النهاية، في غياب خطاب عربي وفلسطيني موحد، لا ينبغي أن ننتظر من الأوروبي أن يكون عربياً أكثر من العرب أو فلسطينياً أكثر من الفلسطينيين.


من المؤسف القول إن الفلسطينيين غالباً ما يفشلون في استغلال هذه التحولات الدولية بالصورة المثلى، إذ إن الانقسام الداخلي، وغياب الخطاب الموحَّد، يُعيقان هذه الجهود.

دلالات

شارك برأيك

الانتخابات التشريعية الفرنسية: هل تُشكّل بارقة أمل للقضية الفلسطينية؟

المزيد في أقلام وأراء

قمة جس النبض..

حديث القدس

مبادرات سعودية قيادية وواضحة

حمادة فراعنة

جولة مفاوضات استعراضية

أحمد رفيق عوض

الحل الإقليمي وخطة الجنرالات وإنهاء الحرب

أمجد الأحمد

عبء الكبار على أكتاف الصغار: ماذا فعلت الحرب بأطفال غزة؟

هجمة استعراضية!

حديث القدس

اخـرج مـن أنانيـتك.. !

أفنان نظير دروزة

رسالة إلى ألمانيا: مراجعة ضرورية في السياسة الخارجية

دلال صائب عريقات ‏

استراتيجية نتنياهو.. التصعيد نحو حُلم "إسرائيل الكبرى"

مروان أميل طوباسي

إرادة أمريكا ضابط إيقاع القصف الإسرائيلي الإيراني

بهاء رحال

جرائم مروعة وتعذيب ممنهج بحق المعتقلين الفلسطينيين

سري القدوة

تصادم مضبوط الإيقاع

حمادة فراعنة

"نهاية الوظائف التقليدية: هل نحن على أعتاب عصر المهارات الحرة والذكاء الاصطناعي؟"

الذكاء الاصطناعي وصحة المرأة، في شهرها الوردي

بِخطّ يده!

ابراهيم ملحم

بداية النهاية!

حديث القدس

زيارات هوكشتين وبلينكن.. لزوم ما لا يلزم

راسم عبيدات

استمرار آلة القتل الإسرائيلية دون رادع أو عواقب

سري القدوة

غزة .. بكاء الأطفال والنساء الثكالى وقهر الرجال

بهاء رحال

"سنهزمهم حتى لو كان الله معهم" نتنياهو يتحدى من جديد

سماح خليفة

أسعار العملات

الأربعاء 23 أكتوبر 2024 8:57 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.78

شراء 3.77

يورو / شيكل

بيع 4.08

شراء 4.0

دينار / شيكل

بيع 5.33

شراء 5.3

هل تستطيع إدارة بايدن الضغط على نتنياهو لوقف حرب غزة؟

%19

%81

(مجموع المصوتين 491)