Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الإثنين 10 يونيو 2024 9:34 صباحًا - بتوقيت القدس

في ذكرى رحيله: غريب عسقلاني باقٍ في ذاكرتنا

تلخيص

كثير من الناس يمشون ويأكلون ويتكلمون، لكنهم كالموتى، لأن ما يشغلهم في حياتهم لا تتجاوز حدودهم وحدود بيوتهم. وكثيرون هم الذين تحت التراب، ولكنهم أحياء في ذاكرتنا وفي ضمائرنا وقلوبنا، ومن هؤلاء غريب عسقلاني الأديب وصاحب القلم الملتزم بهموم الناس وأحلامهم.
تغذت شخصية غريب عسقلاني من حرصه على أن يبقى إنساناً، فالمواطن قبل أن يصنف زعيماً وأميراً وقائداً وداعية ومناضلاً وثائراً يجدر به أن يظل إنساناً في تفكيره وسلوكه ومواقفه، ورحم الله الشاعر أبو الفتح البستي القائل:
أقبِلْ على النفسِ واستكمِلْ فضائلَها .. فأنتَ بالنفس لا بالجسمِ إنسانُ
اقتربت من غريب عسقلاني في سنيه الأخيرة، فلم أجد فيه ذلك الكاتب المبدع فقط، وإنما وجدت فيه إنساناً طيباً صالحاً ودوداً زاهداً بالدنيا ورتبها ومتاعها وألقابها، لذلك لم تتمكن أي من قوانا السياسية من احتوائه واستمالته، لأنه أبقى قلمه وكلماته في خدمة الأفق الوطني العام. مسار غريب عسقلاني ليس من باب مسك العصا من الوسط، وإنما من باب إيمانه العميق بأن الوطن والناس أهم وأبقى من كل الساسة مهما كان صلاحهم وإخلاصهم.
لغريب عسقلاني فضل على النهضة الأدبية في قطاع غزة، فقد اتخذ من نشر الأدب ورعايته غاية حياته، وفيه تتجلى روح المعلم الذي ظهرت براعته وأهدافه، المعلم الذي يغذي الأدباء بفيض من الأفكار وفيض من الإلهام، والمعلم الذي يهديهم إلى الصلاح، وينمي فيهم القدرة على النضج والاكتمال، وتعميم الفائدة وبث المنفعة لمن يبتغيها منهم، يبين لهم الرشاد من الفساد، والثمين من الغث، والصحيح من الزائف بالحكمة والحجة، وعلى نهجه كتب الكثيرون وأبدع الكتّاب، وكأنه كان يريد لكل أديب أن يكون (غريب عسقلاني) آخر.
وكان للأدب مجالس كثيرة في غزة، يؤمها باقات من الكُتّاب والشعراء، يجتمعون فيها، وكان أصحاب هذه المجالس يحرصون كل الحرص على أن يكون غريب عسقلاني من روّادها، وطالما أتحف الحاضرين بشتى الأفكار ومختلف الآراء، وبعض النوادر الأدبية الطريفة، وبرحيله شعرنا بفراغ كبير كان يملؤه بلون اختص به، وترك لنا حزناً غشي المجالس التي ارتادها، والمحافل التي كان يغشاها، طالما اتصف حديثه بالعذوبة، ونفسه بالشموخ، هذه النفس الكبيرة لم يصبها الأسى بالعقد والاستكبار، وظلت على سجيتها تسيطر عليها روح المعلم الذي ينشد الصلاح ويرجو الخير للجميع؛ لأنه فلسطيني صميم يدافع عن قضية مقدسة يترجم أمانيها، ويذود عن حقوقها وكرامة شعبها، يعيش مع الشعب، ويعبر عن آلامه، ويفصح عن آماله، فكان أدبه قبسة من أمانينا، وجذوة من مشاعرنا، وما يختلج فينا من آمال كبار، ودعوة إلى التحرر، ورغبة في الخلاص من أسر الاحتلال والانقسام، فكانت معظم سني حياته سلسلة من المحن والمكاره صبر عليها صبر أولي العزم من الكرام المناضلين، مؤمناً بأن الزمن كفيل بتحقيق ما يعز تحقيقه من آمال الفلسطينيين في الحرية والاستقلال.
غريب عسقلاني طراز فريد، قام منهجه على الدراسة والفكر وإمعان النظر بالإضافة لكونه طاقة هائلة من الجلد والمثابرة تميز بهما منذ صغره، وهي قدرة تقوم في العادة على ذكاء أصيل وإدراك واسع، فلم يكن التعصب يعرف إلى أدبه سبيلاً، إنما كان متحرراً في أفكاره ومعانيه، ولم يستطع التطاحن الحزبي أن يجرفه إلى دوامته، فينحرف قلمه ليصبح بوقاً لهذه الجهة أو تلك، إنما كان صديق الجميع، وكان الجميع يجدون فيه الصديق الوفي، والأخ الكريم، والزميل الحميم، ولم نجد في أسلوبه اسفافاً كهذا الاسفاف الذي انتشر في كتابات الكتّاب الحزبيين الذين ارتووا من خمر الحزبية حتى الثمالة.
ظل غريب عسقلاني وفياً لمبادئه محتفياً بأصدقائه معتزاً بانتمائه إليهم، حتى غدا عميد الأدباء بلا منازع، ومثالاً حياً للشجاعة والصدق والترفع عن الصغائر والتنزه عن الأحقاد الشخصية والخصومات الجارحة، لم يستهوه مال أو منصب، ومن هنا كانت قيمته كأديب وطني وأخلاقي.
لقد ترك غريب عسقلاني لنا صفحات باهرة الضياء عبر الأيام، وذخيرة من أنفس ذخائر العربية بما تحفظ في قلوبنا من ذكريات طيبة، هيهات أن يسدل عليها ستار النسيان.

........

ظل غريب عسقلاني وفياً لمبادئه محتفياً بأصدقائه معتزاً بانتمائه إليهم، حتى غدا عميد الأدباء بلا منازع، ومثالاً حياً للشجاعة والصدق والترفع عن الصغائر والتنزه عن الأحقاد الشخصية والخصومات الجارحة، لم يستهوه مال أو منصب.

دلالات

شارك برأيك

في ذكرى رحيله: غريب عسقلاني باقٍ في ذاكرتنا

المزيد في أقلام وأراء

دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة

معروف الرفاعي

الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا

حديث القدس

من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها

أحمد لطفي شاهين

الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة

وسام رفيدي

تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية

معروف الرفاعي

المطاردون

حمادة فراعنة

فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار

سامية وديع عطا

السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال

الصحفي عمر رجوب

إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة

حديث القدس

شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام

بهاء رحال

المقاومة موجودة

حمادة فراعنة

وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي

سري القدوة

هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!

محمد النوباني

ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟

حديث القدس

مآلات موافقة حزب الله على ورقة أمريكا الخبيثة

حمدي فراج

مصير الضفة الغربية إلى أين؟

عقل صلاح

كيف نحبط الضم القادم؟

هاني المصري

هل من فرصة للنجاة؟!

جمال زقوت

تحية لمن يستحقها

حمادة فراعنة

قل لي: ما هو شعورك عندما ترى أحداً يحترق؟!

عيسى قراقع

أسعار العملات

الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.73

دينار / شيكل

بيع 5.28

شراء 5.26

يورو / شيكل

بيع 3.96

شراء 3.95

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%54

%46

(مجموع المصوتين 78)