أقلام وأراء

الأحد 04 فبراير 2024 10:03 صباحًا - بتوقيت القدس

في اليوم التالي: نموذج سياسي شمولي لـ "م.ت.ف" وحماس على الطاولة

في تبني نهج مقارن، الدروس المستفادة من التاريخ الحديث تذكرنا ان الولايات المتحدة لم تكن قادرة على هزيمة طالبان في أفغانستان أو داعش في العراق على الرغم من أنها شنت حربا جنونية وأنفقت مليارات الدولارات. لكن في نهاية المطاف، لجأت إلى المفاوضات للتوصل إلى وقف لإطلاق النار وإجراء انتخابات للتحضير لـ "اليوم التالي". وفي حين أن الحرب، التي شنت بذريعة القضاء على الإرهاب وتحقيق الديمقراطية، تسببت في هلاك عشرات الآلاف من الأرواح وجلبت الدمار الشامل، فإنها لم تحقق الديمقراطية.


وللتوصل إلى اتفاق الجمعة العظيمة في أيرلندا الشمالية عام 1998 كان لزاماً على الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى أن تضم حزب الشين فين والجيش الجمهوري الأيرلندي، لأن الشعب الأيرلندي لم يوافق على الاتفاق إلا بعد ضم الجناح العسكري للحزب إلى طاولة المفاوضات. وأدركت الأحزاب أن الأيديولوجيات لا يمكن قتلها بالرصاص، وطالما أن الظلم قائم تحت الاحتلال فإن المظلوم سيكافح من أجل الحصول على الاستقلال والحرية والكرامة والتحرر.


بعد اربعة أشهر من القصف المتواصل، لم تتمكن إسرائيل من القضاء على حماس, ليس لأن قوتها العسكرية غير كافية, تمتلك إسرائيل واحدًا من أكثر الجيوش تطورًا في العالم، مدعومًا بدعم استراتيجي ومالي وأسلحة من القوى العظمى، السبب ببساطة هو أن هدف إسرائيل ليس ذكياً, ليس محددا ولا قابلا للقياس، ولا يمكن تحقيقه، هدف غير واقعي.


إن خطاب "ما بعد حماس" هو في الواقع تكتيك ميكافيلي آخر لنتنياهو، الذي يماطل ويشتري الوقت لمزيد من الضم وعمليات التهجير القسري والمستوطنات والإرهاب والإعدام والاعتقالات ومصادرة الارض. وبمساعدة وسائل الإعلام الغربية المنحازة، تمكن نتنياهو من تصوير حق الفلسطينيين في النضال ومقاومة الاحتلال على أنه إرهاب. منذ ٢٠٠٥ أعادت اسرائيل نشر 9000 مستوطن من قطاع غزة وظل القطاع تحت سيطرتها، وكما أوضح دوف فايسغلاس، مساعد أرييل شارون، فإن فك الارتباط كان يهدف إلى ضمان "عدم وجود عملية سياسية مع الفلسطينيين". واليوم، تستخدم إسرائيل حماس كورقة التين وحجة سهلة البيع للجمهور الغربي، فأعمال المقاومة توصف بـ"الإرهاب". لقد تم الانسحاب الإسرائيلي من غزة بشكل أحادي، دون التنسيق مع منظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الفلسطينية، مما أدى إلى الانقسام المؤسسي والسياسي منذ ما يقرب عقدين من الزمن بالتوازي مع حصار خانق، فاعتمدت حماس على إطلاق الصواريخ المحلية الصنع كتكتيك تفاوضي للضغط على إسرائيل لتسهيل وصول البضائع والأشخاص وتخفيف الحصار. ومن ناحية أخرى، استخدمت إسرائيل القوة العسكرية لردع حماس. وقد مكنت هذه التكتيكات التي اتبعتها حماس وإسرائيل من تحقيق انتصارات قصيرة الأمد لكل منهما على حساب التوصل إلى حل طويل الأمد.


تشن إسرائيل حربا ضد حق الفلسطينيين في تقرير المصير, اعتمدت القيادة العسكرية الإسرائيلية على أدوات الذكاء الاصطناعي التي حددت الأهداف السريعة الكمية بعيدا عن النوعية. ويمكن لعقيدة الصدمة أن تفسر بالفعل الجنون الكامن وراء استهداف إسرائيل لكل شيء في غزة، ولكن مع ارتفاع عدد الشهداء إلى أكثر من 27000 ، نصفهم تقريبًا من الأطفال، والآلاف تحت الأنقاض، حصلت سلسلة من جرائم الحرب ضد المدنيين انتهاكا لكافة مواد القانون الدولي. ومع نزوح أكثر من 2 مليون في غزة، تتورط إسرائيل في عملية تهجير قسري ترقى إلى مستوى جريمة الإبادة ومحاولة إحداث نكبة ثانية عام 2023. 


الى جانب إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية تحت حماية جنود الاحتلال والاجتياحات العسكرية واستشهاد أكثر من 350 في الضفة الغربية على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، وتزايد عدد الأسرى الفلسطينيين إلى أكثر من 8000، منهم 3000 معتقل إدارياً (بدون محاكمة)، كل هذه الانتهاكات في الضفة تثبت أن إسرائيل لا تستهدف حماس. ومع الضغط الدولي الخاص بملف الرهائن فقد حان الوقت لتطبيق الحكمة، آخذين بعين الاعتبار انه لا يمكن القضاء على حماس.


في الحديث عن اليوم التالي, الحكمة تتطلب النظر لسياق انشاء إسرائيل قبل 76 عاما على أرض فلسطين عندما بدأ مشروع استعماري استيطاني ولم يتوقف أبدا في إطار احتلال عسكري غير قانوني. وفي غزة، يعاني 2.3 مليون مدني تحت حصار مميت منذ 16 عامًا، شنت خلالها القوات العسكرية الإسرائيلية ٥ حروب، لم يعد من الممكن قبول خطط إعادة إعمار غزة التي تسترشد بخطاب التنمية في ظل الاحتلال. 


وبما أن مليارات الدولارات تمول الصواريخ الإسرائيلية، فإن خطط مارشال وأفكار السلام الاقتصادي لغزة ليست كافية وغير مقبولة؛ والآن يجب أن يأتي المسار السياسي قبل أي مسار اقتصادي.


لقد عادت القضية الفلسطينية إلى الأجندة العالمية بعد السابع من أكتوبر والثمن باهظ، والواقع مروع، ومع الخسائر الفادحة في الأرواح, فإن النموذج السياسي في اليوم التالي يشكل ضرورة أساسية. علينا مناقشة نموذج سياسي وطني شمولي وإعادة استنهاض غزة، وأنسنة الظروف لـ 2.3 مليون نسمة، وإيجاد سبل لإعادة ضبط الدولة الفلسطينية الواحدة. عملا بأسس القيادة الاستراتيجية والنهج الشامل، فقد حان الوقت لمنظمة التحرير الفلسطينية, الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني ان تكون الحاضنة الشاملة وتبادل الأفكار مع حماس. استطلاعات الرأي التي تكشف عن تزايد شعبية حماس لا تشير بالضرورة إلى تأييد أيديولوجية الحركة، بل تعكس الموافقة على روح النضال وتعبيرها عن تطلعات الفلسطينيين إلى الحرية. هناك فرق شاسع بين الاثنين، وصناديق الاقتراع فقط هي التي تحدد ما يريده الشعب.


في الختام، سأزعم أنه لضمان السلام الاستراتيجي في اليوم التالي، لا غنى عن فصائل المقاومة والأذرع المسلحة, فالإطار الشامل الذي يضم جميع الأطراف هو وحده الذي يمكن أن يكون أملاً في اتفاقيات السلام المستقبلية. إن قبول حماس بحدود 1967 لا يجعلها مختلفة سياسيا عن غيرها. أثبتت تجارب التاريخ أن عمليات السلام الأكثر شمولاً تؤدي إلى اتفاقيات أكثر سلما واستدامة. ويجب على ممثلي المجتمع الدولي الذين ما زالوا يدعون إلى حل الدولتين ألا يتجاهلوا هذه الحقيقة. 


فبينما يرفض نتنياهو كل الحلول السلمية، هو في الواقع يهين الولايات المتحدة والدول التي تشاطرها الرأي. إن الحكمة المكتسبة من الدراسات المقارنة والحالة الخاصة بأيرلندا الشمالية تظهر أنه من أجل التوصل إلى سلام مستدام بين الشعبين لا بد لنا من نموذج سياسي شمولي لا يستثني أحدا.

دلالات

شارك برأيك

في اليوم التالي: نموذج سياسي شمولي لـ "م.ت.ف" وحماس على الطاولة

نابلس - فلسطين 🇵🇸

ماهر قبل 3 شهر

دمتي شامخة شموخ النخيل دكتورة دلال

المزيد في أقلام وأراء

نتانياهو اصطاد العصافير دون النزول عن الشجرة

حديث القدس

القبول الفلسطيني والرفض الإسرائيلي

حمادة فراعنة

إطار للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط

جيمس زغبي

رفح آخر ورقة في يد نتنياهو

بهاء رحال

سامحني أبو كرمل.. أنا لم ولن انساك

خالد جميل مسمار

حرب ظالمة وخاسرة

سعيد زيداني

أن تصبح إسرائيل تاريخًا

فهمي هويدي

أمنوا بالنصر فحققوه ..

يونس العموري

التطبيع.. الدولة العربية، جدلية "المصلحة" والثقافة

إياد البرغوثي

كابينيت الحرب يقرر مواصلة الحرب

حديث القدس

الإصرار الأميركي نحو فلسطين

حمادة فراعنة

من "اجتثاث حماس" الى "الهزيمة النكراء" .. الصفقة خشبة خلاص لإسرائيل

حمدي فراج

زمن عبد الناصر

سمير عزت غيث

الأسير باسم خندقجي بروايته طائرة مسيّرة تخترق القبة الحديدية

وليد الهودلي

مرحى بالصغيرة التي أشعلت هذه الحرب الكبيرة

مروان الغفوري

متى تضع أمريكا خطًّا أحمر؟

سماح خليفة

بين انتفاضة الجامعات الأميركية والجامعات العربية

عبد الله معروف

انتفاضة الجامعات ضد حرب الابادة.. هل تنجح في احياء الوعي بقيم العدالة ؟

جمال زقوت

ما أفهمه

غيرشون باسكن

من الاخر ...ماذا وراء الرصيف العائم في غزة ؟!

د.أحمد رفيق عوض.. رئيس مركز الدراسات المستقبلية جامعة القدس

أسعار العملات

الأربعاء 08 مايو 2024 10:24 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.7

شراء 3.68

دينار / شيكل

بيع 5.22

شراء 5.19

يورو / شيكل

بيع 3.97

شراء 3.95

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%76

%20

%5

(مجموع المصوتين 233)

القدس حالة الطقس