بقلم: حمدي فراج

أكثر ما لفت النظر في تصريحات الرئيس الامريكي بشأن عمليات القدس هو انها ضد العالم المتحضر ، مسوقا بلاده أنها أم الحضارة ، و مصدقا نفسه انه أبوها بما يمثل من رئاسته لها و بالتالي رئاسة العالم ، و بغض النظر إن كانت أمريكا متحضرة أم لا ، فإن نظرة سريعة الى ماضيها و حاضرها ، يدل بما لا يدع شكا لأحد ، انها ليست متحضرة على الاطلاق ، بالكاد تجد مكانا في العالم لم تقم بالهيمنة عليه ، بالمليح او بالعاطل ، وفق التعبير العامي ، يكفي ان بوصلتها هي مصلحتها ، بغض النظر عن الاخلاق والمباديء ، يكفي هذه العنصرية المميتة بين سكانها ، يكفي هذا القتل اليومي الاجرامي بين من يملك و من لا يملك ، وسهولة ترف اقتناء السلاح (نحو 400 مليون قطعة ، يملكها ثلاثة ارباع الشعب) والذي يتسبب سنويا بقتل المئات من الابرياء ، يكفي انها نقلت قدسية إلهها في الكنيسة الى الدولار في البنك.

قبل عملية القدس بيوم واحد اقدمت اسرائيل على ارتكاب مجزرتها في مخيم جنين للاجئين ، فهل قال شيئا عن ذلك ، هل استنكر او اتصل مع رئيس السلطة ، و اعرف ان هذا سؤال أهبل و ساذج ، وأعرف ان امريكا تدعم اسرائيل بالمال والسلاح والاولاد وان الكثير من اعمالها العسكرية كاحتلال العراق انما من اجل عيونها ، كذلك الامر في سوريا و ليبيا و مصر ولبنان ، حتى وصلنا الى ايران ، و هنا صدّرته على انه صراع سني شيعي.

التحضر هو ان تضع حدا لدولة صديقة لك تقوم باحتلال شعب آخر ، لا ان تستمر في دعمها نصف قرن ، و حين تفشل ان تقوم بفرض عقوبات عليها ، لا ان تمسح اوساخها من تحتها كما تفعلون في الامم المتحدة ، و حين تفشل في هذا ان تقوم بدعم مقاومتها ، التي اقتصرت لوقت طويل على الحنجرة و الحجر .

حتى صحيفة هآرتس الاسرائيلية ، خجلت بعض الشيء من نفسها ، فكتبت مؤخرا : ان قتل الفلسطينيين سيحفزهم لمزيد من العمليات "الدم بالدم" ، و ما لا يعرفه بايدن ، اننا شعب لا نحب الدم ، لكن كراهيتنا للظلم و الاحتلال تفوق اي حب . و لهذا ناضل الشعب الفلسطيني مئة سنة ، و كما قال الدكتور جورج حبش الذي تمر ذكرى رحيله الخامسة عشرة هذه الايام ، انه –الصراع – قد يستمر مئة عام أخرى . خيري علقم الذي قتل مستوطن جده قبل ربع قرن اعتقلوا بيته و اعتقلوا والدته ، بتهمة انها انجبته ، و قبلها تم تحويل والد شهيدين في مجزرة جنين "سامي غنيم" للحبس الاداري ستة اشهر ، أما منفذ عملية سلوان فهو طفل في الثالثة عشرة من عمره . هل هذا دليل اننا نحب الموت والقتل والدم ؟ لا يا سيدي ، بل نحن نحب الحياة اذا ما مكنتنا اسرائيلك من ان نحياها ، و كما قال الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش ؛ "و نرقص بين شهيدين ، نرفع مئذنة للبنفسج بينهما ، او نخيلا / و نسرق من دودة القز خيطا و نبني سماء لنا و نوقف هذا الرحيلا / و نحن نحب الحياة إذا ما استطعنا لها سبيلا " .