أقلام وأراء

الأربعاء 18 يناير 2023 10:11 صباحًا - بتوقيت القدس

صلابة الأسرى في مواجهة السجّان

بقلم: الاسير حمادة درامنة
تعد خطوة الإضراب المفتوح عن الطعام من الخطوات المهمة والصعبة التي يلجأ إليها الأسرى، إذ إنها تعتبر الأخطر والأقسى لما يترتب عليها من مخاطر جسمية ونفسية وصلت في بعضها إلى استشهاد عددٍ منهم، بدءاً باستشهاد عبد القادر أبو الفحم الذي استشهد في عام 1970 خلال إضرابه في سجن عسقلان، وهو أول شهيد للحركة الوطنية الأسيرة، إضافةً إلى الشهداء راسم حلاوة وعلي الجعفري اللذين استشهدا في إضراب سجن نفحة عام 1980، والشهيد محمود فريتخ الذي استشهد على إثر إضراب سجن جنيد عام 1984، والشهيد حسين نمر عبيدات الذي استشهد كذلك في إضراب سجن عسقلان عام 1992.


لا يلجأ الأسرى عادةً إلى الإضراب المفتوح عن الطعام إلا بعد نفاد كافة الخطوات النضالية وعدم الاستجابة لمطالبهم عبر الحوار المفتوح بين سلطات الاحتلال واللجنة الوطنية النضالية التي تمثل الأسرى، حيث إن الأسرى يعتبرون الإضراب عن الطعام وسيلة لتحقيق هدف وليس غاية بحد ذاتها، كما يعتبر من أكثر الأساليب النضالية وأهمها من حيث الفعالية والتأثير على إدارة المعتقل والحكومات الإسرائيلية والرأي العام لتحقيق مطالبهم الإنسانية العادلة.


ومما لا شك فيه أن ممارسات إسرائيل القمعية والعنصرية، بالإضافة الى الحط من كرامة الأسير، كانت تدفع الأسرى إلى اتخاذ خطوات كخطوة الإضراب المفتوح عن الطعام في سبيل الحصول على شيء من الكرامة الإنسانية وتحقيق الحد الأدنى من المستوى المعيشي داخل المعتقلات.


وجرت أول تجربة فلسطينية لخوض الإضراب عن الطعام داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي عندما أقدم الأسرى في سجن نابلس في أول عام 1968 على الإضراب المفتوح عن الطعام، وخاض المعتقلون فيه إضراباً استمرَّ لمدة أيام ثلاثة احتجاجاً على سياسة الضرب والإهمال التي كانوا يتعرَّضون لها من قِبَل جنود الاحتلال، ثم توالت بعد ذلك الإضرابات عن الطعام في السجون من قِبَل الأسرى كخطوة فعّالة ومؤثرة كان من أبرزها:


- إضراب سجن الرملة في عام 1969، واستمر 11 يوماً، وكان سببه المطالبة بتحسين وزيادة كمية الطعام المقدم للأسرى، وإدخال القرطاسية، ورفضاً لمناداة السجّان بكلمة "حاضر سيدي"، ورفضاً لمنع تجمع أكثر من أسيرين في الساحة، وكذلك لزيادة وقت الفورة. وتزامن مع إضراب سجن الرملة دخول سجن أكفار يونا في الإضراب لنفس الأسباب المذكورة، ونتج عن هذا الإضراب السماح بإدخال بعضٍ من القرطاسية باستخدامها في رسائل الأهالي، وإلغاء كلمة "سيدي" من قاموس السجون.


- إضراب الأسيرات في سجن نفي ترستا في عام 1970، والذي استمرَّ 9 أيام، وخلاله تعرضت الأسيرات لهجمة شرسة من قِبَل إدارة السجن، حيث تعرَّضن للإهانات والعزل في زنازين انفرادية، حتى تمكَّن بصمودهن من تحقيق القليل من المطالب؛ مثل تحسين التهوية، وزيادة وقت الفورة، والسماح بإدخال بعض الحاجات الخاصة بالنساء عبر الصليب الأحمر.


- إضراب عسقلان عام 1970، والذي استمرَّ لمدة 7 أيام، واستُشْهِدَ فيه أول أسير، وهو الشهيد عبد القادر أبو الفحم، وطالب الأسرى خلال هذا الإضراب بعدة مطالب من أبرزها إدخال القرطاسية والملابس من الأهل، بالإضافة إلى زيادة وقت الفورة، وكانت النتيجة تملُّص إدارة السجن من تلبية المطالب بعد إصدار وعود بتحقيقها.


- في عام 1976، مرة أخرى، أعلن الأسرى في سجن عسقلان الإضراب المفتوح عن الطعام، وذلك من أجل تحسين شروط الحياة الاعتقالية، واستمرَّ هذا الإضراب لمدة 45 يوماً، وفيه سمحت إدارة السجون بإدخال القرطاسية، وتم تحسين نوعية الطعام وتبديل الفُرُش التالفة.


- قامت سلطات الاحتلال في عام 1980 بافتتاح سجن جديد هو سجن نفحة الصحراوي، وكان يتسع حينها لقرابة 100 أسير، وسبب إنشائه هو عزل الكادر التنظيمي والقيادي للحركة الأسيرة، والتي تمكَّنت خلال تلك الفترة من لملمة شملها والنهوض بواقع الأسرى، وخصوصاً في سجني عسقلان وبئر السبع المركزي، وتم تجميع الأسرى البارزين في سجن نفحة في ظروف قاسية وصعبة جداً، حيث الطعام الفاسد والزجّ بأعداد كبيرة في كل غرفة، والغرف بالأساس تفتقر للهواء، هذا بالإضافة إلى السماح للأسرى بالخروج ساعة واحدة فقط للفورة مع المعاملة السيئة.


في ظل هذه الظروف الاعتقالية التي تعرض لها الأسرى في سجن نفحة، عزم الأسرى على الإضراب عن الطعام بعد التنسيق مع سجني عسقلان وبئر السبع، وبدأ الإضراب في 14 تموز 1980، حيث مارست إدارة السجون أقصى أنواع العقوبات بحق الأسرى المضربين، لكن الأسرى استمروا في إضرابهم رغم كل ذلك، واستعملت إدارة السجون أسلوب الإطعام القسري مما أسفر عنه استشهاد الأسرى راسم حلاوة وعلي الجعفري، وتبعهم استشهاد الأسيرين أنيس دولة وإسحاق مراغة متأثّرين بإصابتهما جرّاء التعذيب والتنكيل بهما في فترة الإضراب.


- في عام 1984 تم افتتاح سجن جنيد في مدينة نابلس، وفي العام نفسه أعلن الأسرى عن إضراب عن الطعام واعتُبِرَ هذا الإضراب نقطة تحول استراتيجية في تاريخ الحركة الأسيرة حيث أجبر الأسرى وزير الشرطة حين ذاك حايم بارليف على الحضور إليهم والجلوس معهم في الحوار، إلى أن تمكَّن الأسرى من تحسين ظروفهم وحياتهم خاصةً في القضايا التي كانت تعتبرها إدارة السجون خطوطاً حمراء لا يُسْمَح بالحديث عنها ومناقشتها، مثل الراديو والتلفاز والملابس المدنية، حيث سُمِحَ بإدخالها كلها، بالإضافة إلى تحسين الطعام والعلاج.


أخذ الأسرى عام 1991 في إعداد أنفسهم للمعركة القادمة، في ظل الهجمة الشرسة التي قامت بها إدارة السجون بحقِّهم، واستمرَّ الأسرى في هذه التحضيرات لمدة عام، حتى أعلنوا عن الإضراب عام 1992، والذي شمِلَ معظم السجون وشارك فيه حوالي 7000 أسير، واستمر لمدة 15 يوماً، وتمكَّن الأسرى خلاله من إيقاف كل الإجراءات العقابية والقمعية.


لم تنتهِ معارك الأسرى ضد إدارة السجون، إذ إنها لم تتوقف عن إجراءاتها القمعية العنصرية، وخاض الأسرى بعد عام 1992 عشرات الإضرابات ضد سياسات وتهديدات إدارة السجون ووزراء حكوماتها، وكان آخرها إضراب الكرامة في عام 2017.


ومن الجدير بالذكر أنه، وفي الآونة الأخيرة بدأت تظهر من جديد مخططات ضد الأسرى، من قِبَل ما يُسَمَّى وزير الأمن القومي المتطرف بن غفير، وخصوصاً بعد تحركاته الأخيرة ضد الأسرى في السجون، والذي كان قد أعلن في تغريدة له على تويتر في يوم الجمعة الموافق 6 من الشهر الجاري أنه ماضٍ في مخططه باتجاه تبَنِّي قانون يفرض عقوبة الإعدام على الأسرى المتَّهمين بقتل أو محاولة قتل إسرائيليين، وقال: "زرت سجن نفحة بعد بناء زنازين جديدة للتأكد من أن الذين قتلوا اليهود لن يحصلوا على ظروف أحسن من تلك الموجودة". وأضاف قائلاً: "سأستمر في التعامل مع ظروف سجن الأسرى الأمنيين، بينما أهدف فيها إلى وقف التي كانت قائمة حتى اليوم، وأصدر قانون حكومة الإعدام".


وفي هذا السياق أعلن الأسرى في السجون كافة حالة التعبئة استعداداً لمواجهة واسعة ضد الإجراءات التي تنوي حكومة الاحتلال بزعامة بن غفير المتطرف فرضها عليهم، وتصعيدها في عمليات القمع والتنكيل بهم، فهل بن غفير الذي يبعث التهديدات سأل من سبقه من الوزراء ولوحوا على مدار عقود بفرض أقسى أنواع الإجراءات بحق الأسرى كيف كان مصير إجراءاتهم ستكون الإجابة له أن الأسرى خاضوا أكثر من 25 إضراباً جمعياً ضد كل الإجراءات وهم من فرضوا المعادلة بنضالاتهم على مدار هذه العقود، والواقع اليوم في السجون أقوى مما يتخيَّله بن غفير، وأن أجهزة الاحتلال وعلى رأسها مصلحة السجون تدرك تماماً أن ما يطلبه بن غفير اليوم طلبه عديدون من قبل، وفعلياً تبخَّرت هذه التهديدات على وقع صلابة الأسرى عند وقوفهم أمام كل إجراء من شأنه أن يمسَّ كرامتهم أو ينتقص من حقوقهم.

دلالات

شارك برأيك

صلابة الأسرى في مواجهة السجّان

المزيد في أقلام وأراء

هناك خطة للغد

غيرشون باسكن

إسرائيل تصارع اوهام النصر

حديث القدس

الاحتلال الإسرائيلي بين «الذكاء الاصطناعي» و«الغباء الفطري»

عماد شقور

المفاوضات بين حماس والمستعمرة

حمادة فراعنة

المحاكم.. مكان لاختبار الصبر!

سمر هواش

تأملات-- النساء الفاضلات كثيرات

جابر سعادة / عابود

هل هو تنازع على من يخدم إسرائيل أكثر؟

فتحي أحمد

التعافي من الفاقد التعليمي واستقرار منظومة التعليم

ثروت زيد الكيلاني

اليابان: غزة والشرق الوسط

دلال صائب عريقات

شكراً تونس

رمزي عودة

تأثير الحرب على التعليم.. دمار شامل بغزة وصعوبات كبيرة بالضفة

رحاب العامور

إسرائيل تحاول التنصل من جرائمها

حديث القدس

الفعل وليس القرارات ما هو مطلوب

حمادة فراعنة

حراك الجامعات في مواجهة ألة القمع الإسرائيلية

زاهي علاوي

استكشاف هندسة الأوامر: الابتكار والتطور والتأثير على المستقبل

صدقي أبو ضهير

‏ الحكومة الجديدة وأهمية دعم القطاع الزراعي

عقل أبو قرع

معاداة السامية" ... سلاح ظلم وبغي

عطية الجبارين

القادمون من السراديب والذاهبون إليها

حمدي فراج

القمة العربية ما بين الوقائع والاستحقاقات اللازمة

مروان أميل طوباسي

أمريكا وحروب الإبادة: سجل حافل بالصناعة أو التورط

صبحي حديدي

أسعار العملات

الأحد 19 مايو 2024 10:55 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.73

شراء 3.72

دينار / شيكل

بيع 5.31

شراء 5.29

يورو / شيكل

بيع 4.06

شراء 4.01

بعد سبعة أشهر، هل اقتربت إسرائيل من القضاء على حماس؟

%9

%91

(مجموع المصوتين 78)

القدس حالة الطقس