عادت الطائرات لتقصف المستشفى المعمداني في غزة مرّة ثانية، للتأكيد على نهج الإرهاب والإبادة الجماعية وسحق كل شيء، من بشر وشجر وحجر، فبعد أن أقدمت قوات الاحتلال على قصف المستشفى المعمداني، مرتكبة مجزرة كبرى بشعة يوم السابع عشر من أكتوبر 2023، كان ضحيتها أكثر من 500 شهيد ومئات الجرحى والمصابين، عادت وقصفته مرّة ثانية لمسح معالم المستشفى الأقدم في قطاع غزة والذي يعود بتأسيسه إلى عالم1882.
إبادة كل شيء في غزة، ومسح المعالم والمواقع في تطهير الجغرافيا بالكامل، ومسح التاريخ، ومواصلة القتل الجماعي، ليس فقط كجريمة حرب، بل كسياسة ممنهجة، تنفذها آلة الاحتلال بأعلى درجات الوحشية وفق خطط عنصرية نازية، دون محاسبة أو رادع، وعلى مرأى العالم الذي يرى ويشاهد أبشع المجازر ولا يتحرك لوقف المقتلة المستمرة، بينما الناس في غزة يتعرضون للقصف المتواصل، والموت قصفًا وجوعًا.
المستشفى المعمداني، هذا الصرح الطبي العريق الذي خدم أهل غزة لأكثر من قرن، لم يكن موقعاً عسكرياً، ولم يحتوِ على أي نوع من التهديد، بل كان مأوى للمصابين، للأطفال، للنساء، وللعجائز الذين فرّوا من نيران الحرب بحثاً عن شبر أمان، لكن آلة القتل التي تمعن بالقتل، ولا ترحم، لتؤكد كل لحظة "لا مكان آمناً في غزة".
القصف الثاني للمستشفى لم يكن فقط استهدافاً للمبنى، بل كان قصفاً لذاكرة الناس، وتغييبًا للمكان بكل شواهده الأماني في محاولة اعمار كل الخراب والدمار. إن تكرار الاستهداف يفضح نية الإبادة الجماعية المستمرة، ويؤكد أن هذا العدوان ليس رد فعل أو عملية عسكرية لتحرير الرهائن كما تزعم حكومة القتل والإرهاب، بل تطهير ممنهج الهدف منه استمرار الإبادة وهي تضع العراقيل في وجه كل التفاهمات التي يعمل عليها الوسطاء.
ووسط هذا المشهد الدموي، يقف العالم عاجزاً، أو متواطئاً، أو يكتفي بالتصريحات الدبلوماسية الباردة، بينما الأطفال يموتون تحت الأنقاض، والنساء والشيوخ في العراء، والجرحى ينزفون حتى الموت لعدم وجود مستشفيات أو أطباء.
جرائم الإبادة الجماعية في غزة مستمرة، والناس بلا مأوى ولا طعام وبلا مستشفيات قادرة على تقديم العلاج، في ظل استمرار الحصار واشتداد المعاناة، فمن يرفع هذا الظلم، وهذا الموت والقتل، ومن يوقف الإبادة؟ إنه عالم بذيء، وصمته وصمة عار على جبين الإنسانية، فإلى متى سيبقى هذا الصمت؛ وهذا العمى الذي لا يرى المذابح والمجازر، والإبادة، والتطهير العرقي؟
شارك برأيك
تدمير المدمر وقصف المقصوف