قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إثر لقائه رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، يوم 7 نيسان الجاري، حين أعلن عن اللقاء الأميركي الإيراني في مسقط، عمان (12/4) أن : "هناك طريقتان للتعامل مع إيران: عسكريًا، أو إبرام صفقة".
وأيد مستشار الأمن القومي مايك والتز الحل العسكري؛ بينما أيدت مديرة الاستخبارات الوطنية، تولسي غابارد، ونائب الرئيس، جيه دي فانس طريق الدبلوماسية. أما ترامب فقد اختار الدبلوماسية. لكن جميع الخيارات لا تزال مطروحة، وإذا فشل المسار الدبلوماسي، يقول ترامب: "الخيار الآخر سيحل المشكلة".
لكن الخبراء يعتقدون أن هناك عدة أسباب تجعل جميع الخيارات غير مطروحة، وتجعل قصف إيران لمنعها من امتلاك قنبلة نووية ضربًا من العبث.
وبحسب الكاتب المختص بهذا الشأن، تيد سنايدر ، : " الأهم، وربما السبب الوحيد الذي يجب ذكره حقًا، هو أن إيران لا تسعى لامتلاك قنبلة نووية. في عام 2003، أصدر آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى لإيران، فتوى تُحرّم الأسلحة النووية في الإسلام. التقييم السنوي للتهديدات لعام 2025، والذي "يعكس أيضا الرؤى الجماعية لمجتمع الاستخبارات"، الذي يؤكد بوضوح على أن الاستخبارات الأميركية "تواصل الاعتقاد بأن إيران لا تصنع سلاحًا نوويًا وأن [آية الله] خامنئي لم يعيد تفويض برنامج الأسلحة النووية الذي علقه في عام 2003".
كما أن هذا التقييم نشرته وزارة الدفاع الأميركية في نشرتها الدورية "مراجعة الوضع النووي لوزارة الدفاع الأميركية لعام 2022 " وخلصت إلى أن "إيران لا تمتلك اليوم سلاحًا نوويًا ونعتقد حاليًا أنها لا تسعى إلى امتلاكه".
ولعل السبب الأكثر عبثية لقصف إيران لمنعها من السعي للحصول على قنبلة نووية هو أن الولايات المتحدة تعلم أن إيران لا تسعى للحصول على قنبلة نووية. وبما أن إيران لا تسعى إلى برنامج أسلحة نووية، فإن السبب الثاني وراء عبثية قصف إيران هو أن لديها كل الحق القانوني في برنامجها النووي المدني. بصفتها دولة موقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي، فإن إيران لديها "الحق غير القابل للتصرف في برنامج مدني يستخدم" الطاقة النووية للأغراض السلمية ".
ولا تعتقد الولايات المتحدة أن إيران تمتلك برنامجًا غير قانوني للأسلحة النووية، وسيكون من السخافة قصفها لمجرد امتلاكها برنامجًا نوويًا مدنيًا قانونيًا. وثالثًا، أثبتت إيران بالفعل أن الحل العسكري ليس ضروريًا لإدارة ترمب لتحقيق هدفها المتمثل في ضمان عدم قيام إيران بتخصيب اليورانيوم إلى مستويات صالحة لصنع الأسلحة. حيث أن من الممكن تهدئة مخاوف أمريكا، سواء أكانت مبررة أم لا، من خلال وضع حدود يمكن التحقق منها لمستويات التخصيب الإيرانية. وقد أبدت إيران استعدادها للامتثال لهذا الحل غير العسكري عندما وافقت على تلك القيود التي يمكن التحقق منها في الاتفاق النووي لبرنامج العمل الشامل المشترك لعام 2015. وقد أكد أحد عشر تقريرًا متتاليًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران امتثلت تمامًا وبشكل ثابت للالتزامات التي تعهدت بها بموجب هذا الاتفاق.
إن الحل العسكري لمخاوف أمريكا بشأن البرنامج النووي المدني لإيران أمر سخيف لأن الولايات المتحدة لديها أدلة تاريخية على أن الحل غير العسكري فعال. الحل العسكري ليس اعتباطيا، وسخيفًا فقط لأنه غير ضروري، بل هو أكثر سخافة لأنه يُخاطر ليس فقط بالحرب مع إيران، بل بحرب إقليمية أوسع. حيث بدأت الولايات المتحدة بنقل معدات عسكرية إلى المنطقة، بما في ذلك حاملات طائرات وقاذفات وأنظمة دفاع جوي. وبينما عُرض الأمر على أنه استعدادا لاحتمالية تصعيد الحرب مع الحوثيين، قال مسؤولون أميركيون سرًا "إن الأسلحة كانت أيضًا جزءًا من التخطيط" لـ"صراع محتمل مع إيران".
كما أن مجرد "زيادة الأسلحة والأصول العسكرية الأميركية"، وفقًا لتقييم استخباراتي جديد قدمته مديرة الأمن الوطني، تولسي غابارد، "قد يُشعل صراعًا أوسع مع إيران لم تكن الولايات المتحدة ترغب فيه". وقد صرحت إيران بأن العمل العسكري الأميركي ضد برنامجها النووي المدني سيؤدي إلى رد عسكري من إيران ضد القواعد الأميركية في المنطقة (المتناثرة . قال رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف: "إذا هددوا إيران الإسلامية، فسيكون حلفاء أمريكا في المنطقة والقواعد الأميركية غير آمنين، مثل براميل البارود". والحل العسكري يهدد بحرب مع إيران، وربما حتى حرب إقليمية أوسع.
أما السبب الخامس، هو أنه على الرغم من كل مخاطر الحرب مع إيران، وربما حتى حرب إقليمية أوسع، فإن الفائدة المقدرة لا تستحق العناء. في سطر لافت لم يحظ باهتمام كبير، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن هدف الخطط العسكرية لقصف المواقع النووية المدنية الإيرانية التي تناقشها الولايات المتحدة وإسرائيل "كان إعاقة قدرة طهران على تطوير سلاح نووي لمدة عام أو أكثر". إن المخاطرة بالحرب مع إيران، وحتى حرب أوسع في الشرق الأوسط، لتأخير البرنامج النووي الإيراني - وهو برنامج نووي تعلم الولايات المتحدة أن إيران لا تملكه - لإعاقة البرنامج لمدة عام واحد فقط هو أمر سخيف.
بحسب الخبراء، كل هذه الحسابات لتكاليف وفوائد ومخاطر الحرب تعتبر سخيفة، لأن الجميع يعلم أن المسار الدبلوماسي يمكن أن ينجح. نعلم أنه يمكن أن ينجح لأنه نجح قبل عشر سنوات مع التوصل الناجح لخطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) النووية، أو الاتفاق النووي الإيراني المبرم في فيينا في تموز 2015 ، وهناك الكثير مما يدعو للأمل في أنه، بعد عقد من الزمان، يمكن أن ينجح مرة أخرى. في الجولة الأولى من المحادثات في عُمان في 12 نيسان، أصرت إيران على أن المحادثات المباشرة المستقبلية ستكون مشروطة بنجاح المحادثات غير المباشرة الحالية. في نهاية تلك الجولة الأولى، التقى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي وكبير المفاوضين الأميركيين ستيف ويتكوف بشكل مباشر، ليس للحظات كما ذُكر في البداية، بل لمدة خمس وأربعين دقيقة. أدت الجولة الأولى في عُمان بنجاح إلى جولة ثانية في روما، وأدت الجولة الثانية الآن إلى جولة ثالثة السبت المقبل (26/4) في عمان لأنها كانت بنّاءة.
وأخيرًا، فإن الحديث عن حل عسكري من قبل دولة تدّعي قيادة نظام عالمي قائم على القانون الدولي يعتبر سخيف، لأن توجيه ضربة استباقية لإيران دون موافقة مجلس الأمن سيكون انتهاكًا للقانون الدولي. للدبلوماسية فرصة حقيقية لنزع فتيل الأزمة الطويلة والمتقلبة بين الولايات المتحدة وإيران. فالتهديدات بالحرب ليست غير ضرورية فحسب، بل إنها تُسهم في تعقيد الدبلوماسية.
شارك برأيك
الأسباب الرئيسية التي تجعل قصف إيران ضربًا من العبث