د. خلود العبيدي: المستفيد الأول عن السكوت عن الجرائم في غزة ووضع اللوم على حماس وغض النظر عن جرائم الإبادة الجماعية هو إسرائيل
د. رفعت سيد أحمد: هناك عقيدة إسرائيلية متواصلة منذ 1948 وهي الإمعان في سفك الدم الفلسطيني والعربي لحل الأزمات الداخلية
مصطفى إبراهيم: تجويع الفلسطينيين أصبح نهجًا عالميًا وهذا الصمت لا يمكن تفسيره إلا باعتباره تواطؤًا وشراكة في المجاعة والإبادة
د. عبد الرحيم جاموس: القطاع يعيش جريمة إبادة مكتملة الأركان في ظل صمت رسمي مشين يُغري الاحتلال بمزيد من التنكيل والتجويع والتدمير
عبد معروف: صمت العالم على الجرائم الإسرائيلية المدوية في القطاع لأن البنية الفلسطينية أصبحت ضعيفة ومفككة ولم تعد لها القدرة على التأثير
أمجد الشوا: استمرار الاحتلال في منع دخول اللقاحات الخاصة بتطعيم الأطفال هناك تهديد لحياة ما يقارب 610 آلاف طفل
منذ أكثر من خمسين يوماً تغلق تمنع دولة الاحتلال دخول المساعدات الإنسانية عن قطاع غزة، في سياق المرحلة الثانية من حرب الإبادة التي تشنها منذ قرابة تسعة عشر شهراً والتي اتخذت طابعاً أكثر إجراماً ووحشية سواء فيما يتعلق بعمليات القصف والتدمير والقتل من أجل القتل، وهو ما يتضح في كون الشهداء كلهم من المدنيين العزل والنسبة العظمى منهم أطفال ونساء، أو من خلال الحصار المطبق على القطاع باغلاق المعابر أمام البضائع التجارية أو المساعدات الإنسانية المكدسة على الشاحنات على الجانب المصري.
كل ما توفر في قطاع غزة من مواد أساسية ومواد غذائية دخلت خلال المرحلة الأولى من اتفاق الهدنة نفدت، وباتت حياة أكثر من مليوني فلسطيني في خطر شديد وحقيقي، ما دفع بالعديد من المنظمات الحقوقية لدق ناقوس الخطر، إدراكاً منها لفداحة وخطورة الوضع الذي يعيشه المواطنون الذين أنهكتهم حرب الإبادة قتلاً وتشريداً وتجويعاً وتعطيشاً ورعباً.
كتاب ومحللون تحدثوا لـ"القدس"، قالوا أن ما يحصل في غزة من قتل وتجويع ما كان ليحصل لولا تواطؤ العالم مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدين أن القطاع يعيش جريمة إبادة مكتملة الأركان في ظل صمت رسمي مشين يُغري الاحتلال بمزيد من التنكيل والتجويع والتدمير.
وأشاروا إلى أن هناك عقيدة إسرائيلية متواصلة منذ 1948 وهي الإمعان في سفك الدم الفلسطيني والعربي لحل الأزمات الداخلية، منوهين إلى أن صمت العالم على الجرائم الإسرائيلية المدوية في القطاع مرده أن البنية الفلسطينية أصبحت ضعيفة ومفككة ولم تعد لها القدرة على التأثير.
مشهد غير مسبوق لجريمة تجويع شعب
وقالت د. خلود العبيدي المختصة في العلوم السياسية والقانون الدولي إنه من الصعب الحديث في موضوع حيث يسجل التاريخ مشهداَ غير مسبوق لجريمة تجويع شعب، في حين تصرح إسرائيل بأن محاكمها توافق على هذه الجريمة.
وأشارت العبيدي إلى أن إسرائيل تمنع الماء والدواء والغذاء بل تقتل حتى عمال الإغاثة، وأن الجرائم الوحشية استمرت في مناطق الضفة الغربية أيضاً في جنين وطولكرم ونور شمس وبلاطة مما يكشف حجم المخطط الإسرائيلي لإبادة الشعب الفلسطيني عن طريق تجويعه.
وترى العبيدي أن العالم ساند قضية غزة. المظاهرات منذ أكثر من سنتين تجوب العالم، المنظمات الدولية وأهمها محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية والجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت قرارات ملزمة واجبة التطبيق. آخرها قرار الجمعية العامة في أيلول/ سبتمبر 2024 الذي دعا الكيان الصهيوني إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة والضفة الغربية. القرار صدر بأغلبية ساحقة 143 دولة صوتت لصالحه. مع ذلك الكيان الصهيوني وبدعم من الولايات المتحدة لا يأبه للمجتمع الدولي ولا للقانون الدولي.
وأوضحت أن موضوع غزة يثار في برلمانات العالم والجامعات مثل ما نسمع حالياً عن العقوبات التي فرضت على جامعة هارفرد بسبب موقفها المؤيد لغزة. العالم ليس ساكتاً لكن الحكومات وخاصة العربية يجب أن تقوم بدور أكثر فعالية وأشد ضد نظام ماضٍ في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني.
وأكدت أن المستفيد الأول عن السكوت عن الجرائم في غزة ووضع اللوم على منظمة حماس وغض النظر عن جرائم الإبادة الجماعية هو العدو الصهيوني.
الرد على ثلاثة مستويات
وقالت إن الرد يجب أن يكون على ثلاثة مستويات:
أولاً، رد دولي يدين الكيان الصهيوني ويطالب مجلس الأمن بالانعقاد على أمل إصدار قرار لإيقاف العدوان ضد غزة.
ثانياً، رد عربي باتخاذ موقف حاسم لإيصال المساعدات الإنسانية.
ثالثاً، واجب الفصائل الفلسطينية في هذه المرحلة إنهاء الخلافات وتبادل الاتهامات ولوم الضحية. في السابق سعت بعض الفصائل إلى وسائل التسوية ولكنها فشلت.
وأكدت العبيدي على ضرورة أن تكون أهدافنا الأولوية فيها الحفاظ على أرواح أبناء غزة ومساعدتهم وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين. لا ينبغي أن تحدث كل هذه الضجة بسبب عدد قليل من الأسرى الإسرائيليين مقابل بقاء عشرة آلاف أسير فلسطيني في سجون الكيان الصهيوني. البعض منهم مضى على سجنه 40 عاماً. والأخبار تشير إلى أن الكيان الصهيوني اعتقل أكثر من عشرة آلاف شخص منذ الحرب في غزة مما يجعل عملية التفاوض على تبادل الأسرى نوع من التلاعب والمهزلة.
وختمت العبيدي بالتأكيد على أن أحداث غزة كشفت أن العدو الصهيوني ليس لديه خطة تسوية سلمية. وهو يحاول القضاء على أي مطالبة بدولة فلسطينية وإنهاء أي فكرة لإنشاء دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولذلك يقوم بأعمال إبادة جماعية في الضفة الغربية وغزة للسيطرة عليها بشكل كامل.
الإبادة في غزة مخطط لها وموافَق عليها دولياً
من جانبه، أكد الدكتور رفعت سيد أحمد الخبير الاستراتيجي والمفكر القومي المصري أن الإبادة الجارية في قطاع غزة مخطط لها، مرسومة، وموافَق عليها دولياً، وليس أمريكياً فحسب.
وأشار إلى أن هناك قرارًا إسرائيليًا غربيًا بتفريغ غزة، وليس الهدف حركة حماس فقط، بل غزة بحد ذاتها في الدرجة الأولى، وليس مقاومة فلسطينية بعينها، حتى لو ألقت سلاحها. فالهدف هو الإبادة الجماعية.
وأكد أن هناك قراراً دولياً وموافقة دولية، وتأييداً وغطاء أمريكياً للإبادة الإسرائيلية ولهذه الحرب غير المتماثلة.
وقال أحمد: هم يمعنون في سفك الدماء، ويغرقون في الدم الفلسطيني، كما نرى يوميًا، حيث يُسجل سقوط ما بين 100 إلى 200 شهيد، إضافة إلى التدمير الممنهج للبنية التحتية بالكامل بلا استثناء.
ويرى أحمد أن هناك أزمة إسرائيلية داخلية يتم تفريغها في قطاع غزة، بمعنى أن هذه الأزمة، بدلًا من أن تُحل داخليًا، يتم تفريغها على حساب دماء الفلسطينيين. وهذه عقيدة تاريخية إسرائيلية متواصلة منذ حرب 1948 وحتى اليوم: الإمعان في سفك الدم الفلسطيني والعربي لحل الأزمات الداخلية.
وأشار إلى أن هناك صراعاً بين جناحين رئيسيين في سلطة الكيان الصهيوني: الجناح المتطرف بقيادة بن غفير وشركائه، والجناح الآخر اليساري، وهو أيضًا متطرف، لكن تطرفه مدروس إلى حد ما.
عجز الجيوش العربية وعدم إدراكها اللحظة التاريخية
وقال: إن هذا الصراع الداخلي، مع أزمة الأسرى ومع القضايا الأخرى، يدفع باتجاه تفريغ الشحنة الخلافية عبر أجساد الفلسطينيين في غزة. فالإبادة الجماعية الجارية هي التي تحل الأزمة الإسرائيلية الداخلية، وهذا السبب الثاني.
أما السبب الثالث، وفق الخبير المصري فهو عجز الجيوش العربية، وعدم إدراكها لهذه اللحظة التاريخية. وقال: إذا أُبيدت غزة، فإن الدور سيأتي على سيناء، ثم شمال السعودية، ثم الأردن. وهو ما وصفه بغباء استراتيجيً من قبل الجيوش العربية بالدرجة الأولى، لأن الشعوب العربية لا حول لها ولا قوة.
وقال: نحن نتحدث عن الجيوش العربية باعتبارها خط الدفاع الأول عن الشعوب وعن الأمن القومي، وخط الدفاع هذا هو الشعب الفلسطيني، سواء في فلسطين عمومًا أو في غزة خصوصًا.
واضاف: لكن للأسف، هذه الجيوش لم تفهم هذا الدرس منذ تسعة عشر شهرًا، منذ بدء الإبادة وحتى اليوم، ولم تدرك أن فلسطين هي خط الدفاع الأول.
وأكد د. أحمد أنه لو كانت هناك "عين حمراء" من قبل الجيوش العربية تجاه هذه الإبادة، أو دعم حقيقي للمقاومة بالسلاح أو بوسائل الدفاع الجوي لإسقاط الطائرات الإسرائيلية.
كذب وتضليل وتواطؤ من دول العالم
بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم إنه ومنذ بداية الحرب على غزة هناك عملية من الكذب والتضليل والتواطؤ من دول العالم، وما يسمى بالمجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت شريكًا في الحرب على قطاع غزة، إضافة إلى الدول المركزية في أوروبا، مثل بريطانيا وفرنسا وخاصة ألمانيا، وغيرها من الدول، مع الإشارة إلى أن بعض الدول الأوروبية اتخذت مواقف جيدة.
وأضاف: "للأسف، هناك عجز وتواطؤ من الدول العربية أيضًا، إذ لم تستطع ممارسة ضغط حقيقي على الولايات المتحدة وأوروبا من خلال استثمار مصالحها، بما يخدم العرب والفلسطينيين. موضحاً أن، المجزرة مستمرة، وكانت هناك عملية سياسية ممنهجة تهدف إلى القضاء على كل مقدرات الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
وأشار مصطفى إلى أن أحد أهداف العملية العسكرية الإسرائيلية، كان كما زعموا، القضاء على مقدرات حماس العسكرية والمدنية، لكن إسرائيل لم تستخدم القتل والسلاح والقصف الجوي فقط، بل تبنّت سياسة تجويع الفلسطينيين ونشر الأوبئة بينهم، كما صرّح بذلك أكثر من مرة رئيس مجلس الأمن القومي السابق الجنرال جيورا آيلاند، الذي عمل مستشارًا لنتنياهو في بعض الفترات، وطالب المستوى السياسي والعسكري الإسرائيلي بفرض عقاب جماعي وحصار شامل، ومنع إدخال الأدوية.
تقويض دور هذه المنظمات الدولية
وقال: لقد مررنا خلال العام ونصف الماضيين بأكثر من مرحلة من مراحل التجويع، حتى عندما كانت تُفتح المعابر ويتم إدخال المساعدات والمواد الغذائية، كانت كميات محدودة ومقننة، وفق سياسة متبعة. كما مُنع إدخال البضائع والسلع التجارية، بحيث لا يستطيع الناس شراء حاجاتهم الأساسية، واقتصرت المساعدات على ما يدخل عبر القنوات الإغاثية، وليس عبر الطرق الشرعية المعتادة سابقًا، من خلال استيرادها عبر إسرائيل.
وأكد الكاتب إبراهيم أن هذا الصمت الدولي، باستثناء بعض المناشدات الصادرة عن منظمات الأمم المتحدة، جاء بالتوازي مع تقويض دور هذه المنظمات، كما حدث مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، التي فقد موظفوها الحصانة، وتقلصت صلاحياتها وإمكانياتها، ولم يتم إدخال كميات كافية من المواد الغذائية والمساعدات إليها. وقد سُحبت بعض الصلاحيات الخاصة بإدخال المساعدات من بعض الوكالات التابعة للأمم المتحدة، مع الإشارة إلى أن "أونروا" كانت الجهة الأقدر على توزيع المساعدات، وإسرائيل ما زالت تسعى جاهدة لتقليص دورها.
وأوضح أن هذا الصمت الدولي يعكس أن هذه الدول، التي تدّعي تبني النهج الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قد قوضت القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وتماهت مع إسرائيل في سياسات تجويع الفلسطينيين، بل وشراكتها في هذه الإبادة المستمرة.
ويرى أن تجويع الفلسطينيين أصبح نهجًا عالميًا، وهذا الصمت لا يمكن تفسيره إلا باعتباره تواطؤًا وشراكة في المجاعة والإبادة بحق الشعب الفلسطيني.
المنظومة الدولية أداة بيد الحكومات الكبرى
وقال: إن هذا الصمت يعبر عن غياب صارخ للإنسانية وللضمير العالمي، ويؤكد أن المصالح هي التي تحكم نهج هذه الدول، التي ما تزال حتى اليوم تتحدث عن "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وهو الشعار الممجوج الذي تستخدمه هذه الدول للسماح لإسرائيل بالاستمرار في الإبادة الجماعية.
وأوضح إبراهيم أنه رغم مرور نحو ستين يومًا على استئناف إسرائيل لحرب الإبادة، وسقوط عدد كبير من الشهداء، معظمهم من الأطفال، لا يزال القتل مستمرًا، مع عمليات السيطرة على الأراضي واحتلال مناطق كرفح، التي تعتبر السلة الغذائية الأساسية لقطاع غزة. وكل ذلك يعبر بوضوح عن غياب الضمير العالمي، وعن الشراكة الحقيقية لدول كبرى مع إسرائيل فيما تقوم به من إبادة جماعية.
وختم إبراهيم بالقول: "لقد أصبحت المنظومة الدولية بلا فاعلية، وأحيانًا مجرد أداة بيد الحكومات الكبرى، مع هيمنة التوازنات السياسية التي تحكم عمل كثير من هيئات الأمم المتحدة."
مطلوب تحرك عاجل وجاد من المجتمع الدولي والعربي
من جهته، دعا الكاتب د. عبد الرحيم جاموس رئيس المجلس الإداري للإتحاد العام للحقوقيين الفلسطينيين إلى تحرك عاجل وجاد من المجتمع الدولي والعربي، لإنقاذ ما تبقى من حياة وكرامة لشعب يتعرض لحصار وإبادة متواصلة ومتصاعدة منذ أكثر من عام ونصف.
وقال: "في ظل تفاقم الكارثة الإنسانية غير المسبوقة في قطاع غزة، ومع تصاعد التحذيرات من مجاعة وشيكة وانهيار شامل للقطاع الصحي، أدعو كل صاحب ضمير في هذا العالم: أنقذوا غزة قبل أن يُغلق الموت فصول المأساة."
وأكد أن كارثة غزة لم تعد خبراً عابراً في نشرات الأخبار، بل أصبحت جرحاً مفتوحاً ينزف أمام عيون العالم بلا خجل أو حياء من صمتٍ دولي بات متواطئاً بحججه وذرائعه الواهية.
وأوضح أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أعلنت أمس عن نفاد مخزون الطحين بالكامل من مخازنها في قطاع غزة، ليُسدل بذلك الستار على آخر رمق من الأمن الغذائي لسكان القطاع المنكوب.
وأشار إلى أن أكثر من مليونين ومئتي ألف إنسان، غالبيتهم من الأطفال والنساء والشيوخ، يواجهون مجاعة محققة وسط حصار خانق وقصف متواصل، في مشهد يعيد إلى الأذهان أحلك صفحات الإبادة الجماعية في التاريخ.
وتابع: "المخابز في غزة أُغلقت، والبطون الخاوية تُنذر بانفجار اجتماعي وصحي وشيك، فيما تشير تقديرات الأونروا إلى أن المواد الطبية الأساسية قد نفدت بالفعل."
القطاع الطبي مهدد بالانهيار الكامل
وأكد الكاتب جاموس أنه في غضون أسابيع قليلة فقط، إذا استمر الإغلاق الخانق، فإن القطاع الطبي برمته مهدد بالانهيار الكامل، ما يعني أن آلاف المرضى والجرحى سيُتركون لمصيرهم الأسود دون علاج أو أمل في الحياة.
وقال: "وسط هذه الكارثة الإنسانية المتدحرجة منذ أكثر من عام ونصف، لم نشهد حتى اللحظة ترجمة عملية لضغوط دولية فاعلة تجبر الاحتلال الإسرائيلي على وقف العدوان وفتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية."
ويرى ان البيانات الخجولة والنداءات الروتينية لم تعد تجدي نفعاً أمام مشهد الموت الجماعي الذي يتهدد غزة يوماً بعد يوم.
ولفت إلى أن قطاع غزة اليوم يعيش جريمة إبادة حقيقية، مكتملة الأركان، في ظل صمت رسمي مشين، يُغري الاحتلال بمزيد من التنكيل والتجويع والتدمير، ويمنح آلة الحرب الإسرائيلية غطاءً ضمنياً لمواصلة عدوانها الوحشي.
وأضاف جاموس: إن الواجب الإنساني والوطني والأخلاقي يفرض تحركاً عاجلاً، لا يحتمل المساومة أو الانتظار، داعياً الدول العربية والإسلامية، والأمم المتحدة، وكل المنظمات الحقوقية والإنسانية، إلى تحمل مسؤولياتها التاريخية، والتحرك الفوري والجاد للضغط بكل الوسائل السياسية والقانونية والدبلوماسية، من أجل وقف العدوان المستمر على قطاع غزة، ورفع الحصار بشكل كامل وفوري، وفتح المعابر لإدخال الغذاء والدواء بلا قيود أو شروط، ومحاسبة الاحتلال الإسرائيلي على الجرائم الإنسانية المرتكبة بحق المدنيين الفلسطينيين.
ما يحدث في غزة حلقة من حلقات الماضي المتواصلة
وقال الكاتب والمحلل السياسي عبد معروف إنه عند كل حدث مصيري، ومحطة تاريخية، نعود إلى جذور وخلفيات الحدث، مشيراً إلى أن ما يحدث اليوم هو حلقة من حلقات الماضي المتواصلة والمستمرة وإن اتخذت أحيانا تطوراً في المسار أوالمشهد أو في النتائج.
وأشار إلى أن ما يجري في قطاع غزة منذ 8 من أكتوبر 2023 وحتى الآن لا ينفصل بأي شكل من الأشكال عن تاريخ القضية الفلسطينية والمحطات التي تعرضت لها، والمجازر وحروب الإبادة التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني منذ العام 1948، بهدف احتلال الأرض وتصفية قضية شعب له جذور في التاريخ.
وأكد معروف أن الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة قد ارتكبت مئات المجازر وعمليات القتل والاغتيال واحتلال الأراضي والتشريد والطرد، لافتاً إلى أن ما تنفذه اليوم الحكومة الاسرائيلية يأتي في سياق السياسة الإسرائيلية القائمة على إبادة شعب واحتلال أرض وارتكاب المجازر بهدف تحقيق أهداف تل أبيب العدوانية.
وقال: أمام كل حدث تاريخي وعدوان إسرائيلي ومجازر يرتكبها جيش الاحتلال الاسرائيلي كانت ترتفع الأصوات من هنا وهناك وتعمل على وقف المجزرة وإدانتها.
وأضاف بعد العام 1948 ولسنوات قبل هذا الزمن، كان العالم مختلفاً عما هو عليه اليوم، فكانت البنية الفلسطينية الداخلية مختلفة، وكانت الروح الوطنية أصلب والحركة الوطنية أقوى يمكن لها مواجهة العدوان وفرض الشروط، وكانت الحالة العربية أفضل مما هي عليه اليوم، وكانت فلسطين هي القضية المركزية للنظم والأحزاب العربية، وكان العرب أفضل حالاً، ولم تصل الحالة السياسية والفكرية والاقتصادية والأمنية إلى ما وصلت إليه اليوم من اهتراء وضعف وانحلال.
وتابع معروف : كذلك المجتمع الدولي لم يكن على الحالة التي هو عليها اليوم، فكان التوازن النسبي بين المعسكر الاشتراكي (الاتحاد السوفياتي) والمعسكر الرأسمالي (الولايات المتحدة الأمريكية) ما ينعكس حالة من التوازن النسبي في المنطقة العربية عامة والقضية الفلسطينية خاصة.
العالم كله رهينة خلف المخططات والمشاريع الأمريكية
واستطرد: صحيح أن تلك المرحلة من التعافي النسبي (الفلسطيني، العربي والدولي) لم تمنع عدوان ولم تمنع مجزرة، ولم تعيد الحقوق لأصحابها، لكن لم تكن على هذا الشكل، ولم تصل إلى مرحلة تستمر فيها المجزرة وحرب الإبادة والتشريد والمجاعة لفترة طويلة وبهذا العنف الإرهابي الصهيوني، ولم يكن العالم يصمت كما هو صامت اليوم ولم تكن حالة الاهتراء الفلسطيني على الشكل التي هي عليها اليوم.
وأعرب معروف عن أسفه، لغياب العالم وصمته أمام هول المجزرة وهول المجاعة التي يتعرض لها أطفال فلسطين في قطاع غزة، المرشحة للتصعيد والاستمرار أمام عجز فلسطيني مريب وصمت وتآمر عربي ودولي مذهل.
وأشار إلى صمت العالم على الجرائم الإسرائيلية المدوية في قطاع غزة اليوم، لأن البنية الفلسطينية أصبحت ضعيفة ومفككة ولم تعد لها القدرة على التأثير في مسار الأحداث، ولم يعد الفلسطيني هو الرقم الصعب، وأصبح العرب رهينة مصالح النظام والطبقات المالية الحاكمة والمرتبطة بالمشاريع والمصالح الأمريكية، مضيفاً: إن العالم كله أصبح رهينة الانسياق خلف المخططات والمشاريع الأمريكية في العالم كله، وهذا ما أنتج الصمت ووقوف العالم متفرجاً أمام جوع الأطفال فوق ركام منازلهم في قطاع غزة.
مشهد هو الأخطر في تاريخ قطاع غزة
وقال أمجد الشوا مدير عام شبكة المنظمات الاهلية الفلسطينية: "نحن أمام مشهد هو الأخطر في تاريخ قطاع غزة. وأؤكد أن القطاع، حتى عبر التاريخ، لم يشهد مثل هذه الكارثة الإنسانية غير المسبوقة بكل تداعياتها، سواء على صعيد القصف الإسرائيلي المتواصل، الذي يستهدف حتى خيام النازحين ومراكز الإيواء بشكل كبير جدًا، وإحراق من فيها من عائلات، خاصة الأطفال."
وأضاف "لقد مضى 56 يومًا على إغلاق المعابر بشكل تام، ومنع دخول المساعدات بكل أشكالها، سواء الغذائية أو الطبية وغيرها، فيما تنتشر المجاعة بشكل كبير جدًا، مع ارتفاع معدلات سوء التغذية، خاصة بين صفوف الأطفال".
وأشار إلى أن آلاف الأطفال يترددون على العيادات الطبية لمن تمكن منهم من الوصول وهناك شواهد خطيرة على حالة سوء التغذية، التي تؤثر سلبًا على صحتهم ونموهم العقلي والنفسي والجسدي. أما المستشفيات، فباتت تعمل بشكل جزئي، وهي مكتظة بأعداد كبيرة من المصابين والجرحى.
وتابع الشوا : "المياه بدأت تتناقص بشكل كبير؛ إذ باتت حصة الفرد أقل من 6 لترات يوميًا، سواء للشرب أو الاستخدام اليومي، وذلك في أفضل الأحوال، ولمن يستطيع أن يزاحم للحصول على الماء من سيارات النقل، وهذه الأخيرة أصبحت محدودة في ظل خطر نفاد الوقود خلال أيام فقط."
نقص حاد في الإنسولين والمستلزمات الطبية الأساسية
وأكد أن المستشفيات، تعاني من مشكلتين أساسيتين:
أولًا، النقص الحاد في المستلزمات الطبية الأساسية، مع نفاد الكثير من أصناف الأدوية، خاصة أدوية الأمراض المزمنة كالسُكري والضغط، مما يهدد حياة المرضى، وبخاصة الأطفال.
ثانيًا، حتى الأنسولين المتوفر بات نادرًا، كما أن المواد الغذائية المقدمة مثل العدس فقط في أفضل الأحوال مع نفاد الخضروات واللحوم والفواكه، تسبب ضررًا بالغًا لمرضى السكري، لأن الاعتماد على الأغذية الغنية بالكربوهيدرات مضر جدًا لهم.
وأشار الشوا إلى أن المراكز التي يديرها برنامج الغذاء العالمي زُوّدت بكميات من المواد الغذائية لإنتاج وجبات، لكنها بالكاد تكفي لتغطية ما بين 40 إلى 45% من السكان، وهي وجبة واحدة فقط في اليوم.
وذكر ان الأسر بدات تعتمد علي التكيات بشكل أساسي، ولكن بقية السكان لا تتوفر لهم وجبات غذائية، وحتى هذه الوجبات باتت مهددة، لأن المراكز قد تتوقف عن العمل خلال أسبوع على أفضل تقدير.
وأضاف: مع حركة النزوح المتكررة، نزح نحو 600 ألف مواطن منذ الثامن عشر من مارس الماضي، إضافة إلى واقع النازحين المنتشرين في مختلف المناطق، الذين فقدوا منازلهم ويقيمون في خيام.
وبين أن الكثافة السكانية اليوم مركزة في مساحة لا تتجاوز 31% من مساحة قطاع غزة، مع افتقار شديد للخدمات ومستلزمات النظافة، مما ينذر بانتشار الأمراض بشكل واسع.
وحذر الشوا من أنه مع استمرار الاحتلال الإسرائيلي في منع دخول اللقاحات الخاصة بتطعيم الأطفال، هناك تهديد لحياة ما يقارب 610 آلاف طفل.
وختم الشوا بالتأكيد على ضرورة التزام المجتمع الدولي بما فيه الأمم المتحدة والممولون والجهات المانحة بالضغط على الاحتلال من أجل السماح بتدفق المساعدات الإنسانية للقطاع وفتح المعابر.
شارك برأيك
التجويع كعقيدة... الصمت العالمي على قتل الأطفال لا يقل فتكاً عن الصواريخ