أقلام وأراء

الإثنين 28 أبريل 2025 10:32 صباحًا - بتوقيت القدس

في فلسطين، السياسة تحتضر

في ربيع 2025، يبدو المشهد السياسي الفلسطيني أكثر هشاشة من أي وقت مضى. بين الانقسام المستمر، وتعطيل المؤسسات، وفقدان الثقة الشعبية، تبدو السياسة الفلسطينية وكأنها تدخل مرحلة احتضار بطيئة، تتآكل فيها الأدوار والمسؤوليات لصالح الجمود والتكلس.

بعد سنوات من الانقسام بين غزة والضفة الغربية، تآكلت فكرة المشروع الوطني الجامع. غابت الانتخابات، وصمتت المؤسسات التشريعية، وتحولت الفصائل إلى كيانات إدارية أكثر منها قوى تغيير سياسي. ما كان يُسمى سابقًا "النظام السياسي الفلسطيني" لم يعد يحظى بشرعية حقيقية في نظر شريحة واسعة من الشعب، خصوصًا بين الأجيال الشابة التي ترى في الأحزاب السياسية القديمة رموزًا للفشل والانقسام.

السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية تواصل تآكلها داخليًا تحت وطأة الانقسامات الإدارية والاقتصادية، بينما حماس في غزة تحكم تحت حصار خانق يجعلها منشغلة بالبقاء أكثر من بناء مشروع وطني فعلي. في كلا الحالتين، السياسة أصبحت إدارة أزمة لا أكثر، دون أفق حقيقي لتجديد الشرعيات أو تحقيق وحدة وطنية.

الاحتلال الإسرائيلي، بدوره، يستثمر هذا الواقع، ممعنًا في توسيع الاستيطان، وتقويض أي فرص لحل سياسي حقيقي. في ظل انعدام وحدة القرار الفلسطيني، وانشغال العالم بأزماته الداخلية، يتراجع المشروع الوطني خطوة بعد أخرى، بينما يتسارع الزمن لصالح وقائع ميدانية يصعب تغييرها لاحقًا.

وفي خضم هذا الاحتضار السياسي، برزت ظاهرة جديدة وخطيرة: ابتعاد القيادة الفلسطينية عن نبض الشارع. لم تعد مراكز القرار تستند إلى التفاعل الحي مع مطالب الناس وهمومهم اليومية، بل باتت تتحرك ضمن حسابات داخلية ضيقة، مدفوعة أكثر بالخوف من الانهيار أو فقدان السيطرة، وأقل بالدافع نحو التجديد أو التغيير.

اليوم، وبينما تتعالى الدعوات للتفكير خارج الصندوق والنظر في آفاق جديدة، تبدو القيادة وكأنها محاصرة داخل صناديقها القديمة. لم تعد تقيس حضورها عبر استفتاء الشارع، بل عبر قدرتها على إدارة أزمة متجددة بأقل الخسائر. وفي غياب مشروع وطني موحد، تحوّل التجديد السياسي إلى مجرد تكتيك للبقاء، لا إلى استراتيجية لبناء مستقبل.

هكذا، تفقد السياسة تدريجيًا جوهرها الحقيقي: أن تكون أداة لتمثيل إرادة الشعب وتحقيق تطلعاته. وفي غياب هذا الجوهر، تصبح "السياسة" مجرد إدارة أزمات متوالية... إلى أن تفرغ من أي قدرة حقيقية على التأثير أو التغيير.


عناصر فشل القيادة السياسية الفلسطينية


هذا الواقع المرير لم يكن وليد لحظة واحدة، بل نتيجة تراكم فشل القيادات السياسية بشقيها: سواء أولئك الذين دعوا إلى المقاومة المسلحة، أو من تبنوا الأساليب السلمية.


أولًا: فشل دعاة المقاومة المسلحة

  • غياب استراتيجية سياسية شاملة: الاكتفاء بردود الفعل العسكرية دون رؤية واضحة لما بعد المواجهة.
  • تحويل المقاومة إلى غاية بدل أن تكون وسيلة: استمرار القتال بدون ربطه بأهداف سياسية ملموسة.
  • فقدان الحاضنة الشعبية: بفعل الكلفة الإنسانية العالية والحصار.
  • العزلة الإقليمية والدولية: فشل في كسب دعم سياسي حقيقي للقضية.
  • الطابع الفصائلي الضيق: تغليب مصلحة التنظيمات على مصلحة المشروع الوطني.
  • جمود أدوات الكفاح: الاعتماد على وسائل تقليدية دون تطوير مسارات موازية كالمقاومة الشعبية والدبلوماسية.

ثانيًا: فشل دعاة الأساليب السلمية

  • الاعتماد المفرط على الخارج: انتظار الحلول من المجتمع الدولي رغم غياب الإرادة الحقيقية لديه.
  • التفاوض من موقع ضعف: دون امتلاك أوراق ضغط فعالة.
  • فساد المؤسسات وتكلسها: مما أضعف ثقة الناس بالمسار السلمي.
  • غياب المشروع الوطني الواضح: العجز عن تقديم رؤية جامعة ومقنعة.
  • الانفصال عن نبض الشارع: تحوّل القيادة إلى طبقة معزولة.
  • التكيف مع الوضع القائم: مما حول النضال السياسي إلى مجرد إدارة أزمات دون محاولة حقيقية لكسر الجمود.

 

ربما لم تمت السياسة الفلسطينية بالكامل بعد، لكنها تحتضر بوضوح. ومع استمرار هذا الانفصال عن الناس، وهذا الجمود الفكري، يصبح المشروع الوطني نفسه مهددًا بالاندثار.

وحده تجديد الفكر السياسي، وإعادة بناء المؤسسات على أسس ديمقراطية وتمثيلية حقيقية، يمكن أن يعيد الأمل إلى السياسة الفلسطينية. وحده الارتباط العميق بنبض الشارع، وتجديد أدوات المقاومة السلمية أو المسلحة ضمن رؤية وطنية جامعة، يمكن أن يبعث الروح في حلم الدولة الفلسطينية المستقلة.

أما الاستمرار على هذا النهج العقيم، فلن يقود إلا إلى موت السياسة... وربما إلى فقدان فلسطين نفسها.

دلالات

شارك برأيك

في فلسطين، السياسة تحتضر

المزيد في أقلام وأراء

تجارة لا تبور

إسماعيل الشريف

جائحة الركود التضخمي الجديد

حسام عايش

عائلة بأكملها في قبضة الغياب... حين تُقصف السماء الذاكرة

بن معمر الحاج عيسى كاتب وباحث جزائري

رفح.. سنة في درب المعاناة وسبع محطات من الصبر الجميل المقدّس

حلمي أبو طه

الهجمة على القدس تشتد وتمتد وتتسع

راسم عبيدات

اصلاح حال بال المراهقين/ المراهقات (3)

غسان عبد الله

قراءة في مذكرة التفاهم الثنائية بين الحكومتين الفلسطينية والبريطانية

د. دلال صائب عريقات

أوروبا تحتفل.. ونحن ننتحب

أمين الحاج

كُـنْ مســاعداً...!

د. أفنان نظير دروزه

حين تُمنع الكلمات.. تكميم البحث العلمي وطمس المعرفة في زمن الإبادة

د. سماح جبر/ استشارية الطب النفسي

بعد ٨٠ عاماً من الانتصار على النازية.. شعبنا بإرادته وإتقان شروط المواجهة سينتصر أيضاً

دروز سوريَة بين نار داعش ونار إسرائيل!

هذه الحكومة الإسرائيلية ليست حليفتنا

خطة ترامب.. تحت غطاء إنساني

فنتازيا ترامب وتكهنات الإعلان المرتقب

تحولات سياسية طارئة

حين تُمنع الكلمات: تكميم البحث العلمي وطمس المعرفة في زمن الإبادة

بقلم: د. سماح جبر استشارية الطب النفسي

بعد عام على حكومة المهندسين

نصار يقين

مطالب "الجمهوريين" في استطلاعات الرأي

جيمس زغبي

القلمُ مُكبَّلٌ: الصحفيون الفلسطينيون في مواجهة آلة الاعتقال الإداري الإسرائيلية سردية القمع المنظم ضد شهود...

بن معمر الحاج عيسى

أسعار العملات

الأربعاء 07 مايو 2025 11:16 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.62

شراء 3.61

دينار / شيكل

بيع 5.11

شراء 5.1

يورو / شيكل

بيع 4.11

شراء 4.1

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%55

%45

(مجموع المصوتين 1211)