سامية وديع عطا
لقد طالَ بحثي في هذا الموضوع وفي عَرضِه وتحليله. وسعيتُ واجتهدتُ لمعالجته رغم حساسيّته، كي يتسنّى للقارئ معرفة الفرق والطرق المتوازنة في التَّصرُّف عند الإحساس بهذه المشاعر الجيّاشة.
فالحب هو شعور عميق تغمره السَّعادة تجاه إنسانٍ ما. وهو أعظم المشاعر الصَّادقة وليس له سبب معيَّن. فالمحبين بحاجة إلى المودّة والعطف والحنان وإغداقِها. وتنبع هذه المشاعر منذ الطفولة وفي حضن الأم. وهو شعور لا يُمكن نكرانه أو دفعه بعيداً رغم التناقض بين حالة الشخص المحبوب والـمُحِب. فربما يكون بينهما فارق السنّ مثلاً أو الشكل أو المستوى الاجتماعي أو اختلاف الأديان أو الدرجة العلمية. وقد يجعل الحب المرء يناقِض نفسه، كأن يحبّ شخصاً وهو لا يريد أن يُحبّه أو يرتبط به للأسباب التي ذكرتها. لكن إحساسه الداخلي يُرغمه على التقرُّب والتودُّد لها أو له. والغريب أن الحب غير محدود بوقت أو بسنوات، فهو فقط يمنح الـمُحبين طاقة وحيوية للابتهاج بالحياة.
والواقع أنه يمكن تعويد الطفل منذ نعومة أظفاره على حبّ الحيوانات المنزلية وضمِّها مثل القطط والكلاب والطيور وإطعامها. كذلك تتطوّر مشاعر الطفل عندما ينشأ على حبّ هواية مفضّلة كالرياضة أو الموسيقى أو الشِّعر، أو حبّ صديق خلوق أو نشاط لامنهجي أو أكلة يهواها وما إلى ذلك. والحب عاطفة غير مشروطة بين اثنين فقد يجده إنسان في إنسانة تملك صفة أو أكثر تنقصه فتتحوّل مشاعر الإعجاب إلى طاقة صامتة تنعكس على الطرف الآخر فتشدّ الطرفين يسميها علماء النفس نتاج الكيمياء المتبادلة (Love Chemistry).
وينشأ الحب من القبول والاهتمام والتواصل والتّفاني في محاولة إسعاد الطرف الآخر. ويربط الطرفان أسماء الحب الكثيرة مما ظهر في الشعر في العصور القديمة كالعصر الجاهلي والذي تلته كالهوى والشوق والعشق والغرام والهيام وكل ما يوصل إلى التعلُّق بين شخصين فيُسعد النفس.
وللإقرار، فإن الأديان تدعو للحب بين الزوجين لأهمية دوام العَلاقة الأسرية بينهما. ومن شروط الحب بين الزوجين أن يكون نقياً طاهراً وعفيفاً ولا يفرِّق بين الزوجين سوى الموت. ويجدر الذكر أن على الأهل توصية أبنائهم وبناتهم بعدم الاختلاء قبل الزواج.
ومن الشعر: نقِّل فؤادك حيث شئتَ من الهوى ما الحبّ إلا للحبيب الأول
أما المحبة فهي التي جاءت ووعظ بها السيد المسيح، وتناولها وشرحها وعلّمها في مسيرته ودرب حياته. فالمسيحية بُنيتْ على عقيدة: "الله محبّة"، ومحبة الله وكل ما يُحبه الله وكل شيء من الله وكل ما يُرضي الله.
فالمحبة المحمودة هي محبة الله وحده. وهي أصل السّعادة ورأسها. والمحبة، بعيداً عن اللذات المادية والجنس، هي عَلاقة عَطاء خالصة ليس فيها مصلحة. والمحبة شاملة وغير محدودة. وقد رفع السيد المسيح الإنسان إلى رُتبة المحبوب إذ قال: "لا أعود أُسمّيكم عبيداً لكني قد سمّيتكم أحباء." (يوحنا 15: 15).
فالمحبة هي ميل الإنسان لما يُلائم طبعه. "المحبة تتأنى وترفق ولا تحسد ولا تتفاخر ولا تُقبِّح ولا تطلب ما لنفسها ولا تظن السوء والمكر للناس الذين حوله، ولا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق. المحبة لا تسقط أبداً" (Love never fails)، فهي تجعلك تبتسم رغم ضيقك ومحنتك وتعمل منك خليقة جديدة. وهي تُطهِّر القلب من أمراضه كالأنانية والكراهية والحِقد والغيرة وكل الأفكار السلبية.
فالحب هو حالة خاصة انفعالية بين شخصين، ومحدود كما في رواية "روميو وجولييت" لشكسبير، و"قيس وليلى العامرية." وفي نهاية الرِّواية مات كلٌ منهم حُزناً وحسرة على فراق مَن أحب. والحب هو نقيض البُغض، فهو مجموعة من المشاعر تجتاح قلب الإنسان عند شعوره بالانجذاب نحو شخص مُعيّن يُعجب به جسدياً وعاطفياً ونفسياً. فهو عَلاقة بيولوجية بين زوجين للمحافظة على استمرار النسل. وهدف الحب في المسيحية أن يكون الزوجان واحداً. فالحب ليس فضيلة إنما أساس ديني.
وأما المحبة فهي تحوي الحب اللامحدود. وتشمل العطف والرَّحمة والحنان والعطاء بلا مقابل. فالمحبة هي التواصل بين الإنسان وربّه، وبعلاقة إيمان لا تشوبها رغبات مادية أو جنسية. ومن هذا التواصل تتوزع المحبة على الآخرين من قلبٍ يضمر الخير للجميع.
وفي الكتاب المقدس الآية الشهيرة:
"إنْ كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال ولكن ليس لي محبّة فلستُ شيئاً." (1 كورنثوس 13: 2).
والمحبة كما شرحها السيد المسيح قبل موته: "هذه وصيتي أن تُحب قريبك كنفسك."
فالمحبة تدل على الحب المطلق تجاه شخص أو أشخاص لوجودهم كخليقة الله عزّ وجلّ، وكل مكان فيه محبة يُشعُّ نوراً. وتؤكد الآية التالية: "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل مَن يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية.“ (يوحنا 3: 16).
إن قبول المسيح لموته هو إرادته أن يفتدي معاصينا بمحبّته. وقيامته من الموت هو عيد الفصح أي عيد المحبَّة. وهو عيد يتقدم على الحب الغريزي. وبإدخال المحبة إلى مُنكسري القلوب يُشعرهم بالسعادة.
وأخيراً جوهر المحبة هو وصية السيد المسيح: "أن تحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم. ليس لأحد حبٌ أعظم من هذا أن يضع أحدٌ نفسه لأجل أحبائه." (يوحنا 15: 12-13).
وكل عام وأنتم بخير
...........
المحبة فهي تحوي الحب اللامحدود. وتشمل العطف والرَّحمة والحنان والعطاء بلا مقابل. فالمحبة هي التواصل بين الإنسان وربّه، وبعلاقة إيمان لا تشوبها رغبات مادية أو جنسية. ومن هذا التواصل تتوزع المحبة على الآخرين من قلبٍ يضمر الخير للجميع.
شارك برأيك
بينَ "الـحُب والـمحبَّة" .. يختَلِطُ الـمَعنى ويختَلِف