عوني المشني
إذا كانت المعارضة في الشعر هو أن يكتب الشاعر قصيدة تحاكي قصيدة أخرى على ذات القافية والبحر، وبما لا يقل في المستوى عن القصيدة الأولى فإنني أجيز لنفسي وبنفس المعنى أن أكتب مقالاً أعارض فيه مقالة الصديق الصحفي المبدع إبراهيم ملحم "كيف ترى قيادتي"، مع قناعتي بأنني لن أستجيب للشرط الثاني وهو مجاراة مقالته، فكرة ولغة ومعنى .
حاولت تخيل الجواب، فاهتديت أثرهم بآثارهم، لم أحتج إلى الاستعانة بصديق أو حذف إجابتين أو حتى الاستعانة بالجمهور على طريقة جورج قرداحي في برنامجه الأشهر "من سيربح المليون"، اهتديت "بالبعرة التي تدل على البعير"، حيث حاولت إنعاش الخيال لدي عبر تأمل معطيات الواقع الموضوعي.
وعدنا بدولة فضاقت الضفة على سكانها لتتحول إلى معازل عنصرية، وعدنا بسنغافورة فأمسينا صومالاً، وعدنا بديمقراطية فإذا نحن بديمقراطية اختيار العبيد لأسيادهم، وعدنا بدولة القانون فإذا نحن أمام قانون سكسونيا، وعدنا بتوزيع عادل للفرص فإذا نحن أمام توزيع عادل للفرص والتضحيات معاً، الفرص لمجموعة دون غيرها، والتضحيات لمجموعة أخرى ودون غيرها.
هذا نصف الكأس الفارغ، أما نصف الكأس الفارغ الآخر فقد امتلأ بدمنا في قطاع غزة. صرخات الأطفال في قطاع غزة تقول كلاماً مختلفاً، تقول إن هناك حسابات كثيرة كانت غائبة، وحسابات متسرعة، وحسابات رومانسية، ونبل الهدف لا يبرر خطأ الحسابات، ولا تنطبق مقولة "يكفينا شرف المحاولة"، فالمحاولة وإن كانت شريفة فهي تذهب بنا إلى مكان أبعد من حدود الوطن .
"كيف ترى قيادتي"؟ قيادتكم أرض تسلب، دم يسفح، فقر يستفحل، بيوت تهدم.
"كيف ترى قيادتي ؟"، ثقتنا في قيادتكم كانت في غير مكانها، شعبنا يصيح بأعلى صوته من داخل الحافلة: توقفوا، توقفوا توقفوا، نحن على حافة الهاوية، أية حركة قد تؤدي بنا إلى السقوط تماماً، وحينها لن ينجوا أحد.
"كيف ترى قيادتي ؟"، فقدتم السيطرة على الكوابح، وعلى مقود الحافلة، وعلى كل شيء، أنتم لا تقودون الحافلة، الحافلة تسير ذاتياً بفعل التسارع الذاتي. كفى !
" كيف ترى قيادتي؟ "، قيادتكم لم توصلنا إلى المحطة الأخيرة، لم تقربنا من المحطة الأخيرة، لم تتركنا مكاننا. بل أخذتنا إلى ما هو أبعد عن المحطة الأخيرة.
"كيف ترى قيادتي ؟" كفى، عند أول محطة توقفوا، توقفوا، انهضوا عن كرسي قيادة الحافلة، دعونا نتدبر أمرنا لنجد سائقاً أكثر دراية وأكثر مهنية.
شارك برأيك
كيف ترى قيادتي؟ ثقتنا في قيادتكم كانت في غير مكانها!