أظهرت خريطة للسيطرة الإسرائيلية في قطاع غزة مع بداية عام ٢٠٢٥، احتلال الجيش الإسرائيلي ٣٦ بالمئة من مساحة القطاع، وهذا مؤشر خطير يدل على نوايا إسرائيلية لمواصلة احتلال حوالي ثلث مساحة القطاع من أجل إقامة مناطق عسكرية عازلة يبقى فيها الجيش الإسرائيلي لحماية المستوطنات المقامة على أراضي القطاع من صواريخ المقاومة، ولمنع تكرار سيناريو طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣.
في الوقت ذاته يتضح من الاستعراض الشامل لعدد سكان فلسطين التاريخية الذي قدمته د.علا عوض، رئيسة جهاز الإحصاء الفلسطيني، عشية السنة الجديدة، الذي تناول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، واستهدافه للبشر والمباني والبنية التحتية، وتحويله المدن إلى أنقاض ومسح أحياء كاملة وإبادة عائلات من السجل المدني، أنه بعد استشهاد أكثر من ٤٥٥٠٠ فلسطيني ووجود ١١ ألف مفقود ومغادرة ١٠٠ ألف مواطن للقطاع، فإن عدد سكان القطاع انخفض بنسبة ٦ بالمئة، وهذا مؤشر آخر خطير.
لم يكن تصريح إيلي كوهين، وزير الخارجية الإسرائيلي، بعد بداية الحرب أن هدف إسرائيل ليس القضاء على حماس فحسب، وإنما تقليص مساحة غزة عفوياً، فهذا الهدف أصبح قريباً من أن يتحقق بقوة الاحتلال، حيث يعمل عليه الجيش، وتفسيره أن إسرائيل تسعى لإبقاء جيشها في القطاع أطول فترة ممكنة، إضافة إلى أهداف إقامة المناطق العازلة واقتطاع مساحات كبيرة من أراضي القطاع واحتلالها، وربما يكون الهدف المستقبلي أيضاً إقامة مستوطنات عليها، لتعزيز البؤر الاستيطانية في محيط غلاف قطاع غزة.
وفي قراءة لتصريحات عضو الكابينيت السياسي والأمني السابق جدعون ساعر، عندما قال إن الحرب على قطاع غزة عبرة لكل من يتعامل مع إسرائيل، وإنه يجب أن يتم تدفيع غزة ثمناً باقتطاع مساحة من شمالها وجنوبها، وفرض طوق أمني وحصار شامل، مهدداً بأن من يبدأ سيخسر أرضاً، تأكيد آخر على النوايا الإسرائيلية فيما يخص قطاع غزة.
إسرائيل التي صرح وزير جيشها الجديد يسرائيل كاتس، أمس، أنها ترغب بالوصول إلى صفقة تبادل، تطلق على لسان مسؤوليها تصريحات إعلامية فقط، فهي غير معنية على الإطلاق بالوصول لاتفاق أو إنهاء الحرب، لأنها تريد احتلال أكبر مساحة من قطاع غزة، وهذا هو واقع الحال اليوم في القطاع، من خلال تقسيمه لثلاثة أقسام، شمال ووسط وجنوب، ومع بدء تطبيق خطة الجنرالات يتم العمل أيضاً على عزل جباليا عن شمال القطاع وتقسيم الشمال إلى ثلاث مناطق، وهذا بالضبط ما تسعى إسرائيل لتطبيقه، لكن ذلك يتطلب طرد وتهجير سكان الشمال، وهذا المخطط الآخر الخطير الذي تقوم إسرائيل بتنفيذه.
إن إصرار عدد كبير من المواطنين في شمال القطاع على عدم النزوح، كلفهم جوعاً قاسياً وظالماً، أو قتلاً فظاً وفظيعاً، وفي ظل عجز آلة الحرب الإسرائيلية عن استكمال مخطط التهجير والطرد، عمدت إلى توسيع حرب الإبادة وارتكاب المجازر يومياً، وهذا ما أشار إليه كاتس بشكل واضح عندما هدد حماس بالإفراج عن المحتجزين، وإلا فإن غزة ستتعرض لمزيد من الكوارث والعقوبات.
إن مطالبات ونداءات إسرائيل المتواصلة لأبناء شعبنا بترك شمال القطاع إلى وسطه وجنوبه، هي محاولة صريحة لتهجير الفلسطينيين وطردهم، ومع احتلال مناطق واسعة من شمال ووسط وجنوب القطاع، تكون إسرائيل قد أكملت حلقات مخططاتها الاستعمارية، التي تثبت حقيقة سعيها لمواصلة احتلال القطاع، وتنفيذ أخطر مشاريع السيطرة على ما تبقّى من أرض فلسطينية وطرد سكانها.
من يوقف حرب الإبادة والتجويع والتهجير، ومن سيتصدى لمخططات الضم والتقسيم؟ سؤال بلا جواب، لأن العالم لم يعد يسمع لغزة التي ملّت كثيراً من الضرب على أبواب النداءات والمناشدات.
شارك برأيك
تقليص مساحة غزة وتهجير أهلها.. أخطر المخططات الإسرائيلية