يكتبون أنهم غادروا باتجاه الأراضي الأردنية، ومنها إلى فرنسا. تكتب إحداهن على صفحتها أنهم قطعوا ضفة النهر وهم في طريقهم إلى فرنسا. بضعة مئات غادروا بالأمس غزة، ووجهتهم فرنسا التي سوف تستقبلهم وقد تمنحهم وثائق إقامة أو أوراق لجوء. بعضهم غادر لأجل العلاج، والبعض الآخر من حملة الشهادات، ممن خرجوا من تحت الركام والدمار والخراب وقد أتت الحرب على بيوتهم وعائلاتهم.
لم يتضح الأمر تمامًا مَن وراء تلك الخطوة التي تسربت إلى الأخبار، ولم تأخذ مساحة لأسباب عديدة، من بينها ربما ما يُراد له أن يُزركش بكلمة "الهجرة الطوعية"، حسب تصريحات ترامب الخادعة وكلامه الكاذب. وكيف تكون طوعية وسط جحيم الحرب وجحيم غزة التي تتعرض حتى اليوم لإبادة جماعية غير مسبوقة، وفي رغبة محمومة في تطهير عرقي وطرد جماعي، وفق خطط نتنياهو – ترامب التي تهدف لإفراغ القطاع من الناس والسكان، بعدما جعلوه قطعه غير صالحة للعيش، وفاقدة لأهلية الحياة.
تتضح يومًا بعد يوم عمليات دفع الناس للهجرة من بين الموت الهاجم عليهم، وبلا أدنى شك فإنهم يسعون إليها بوحشية وعنصرية، كما أن سياسة التجويع والحصار وتدمير كل شيء في غزة، التي باتت قطعة من خراب، والناس فيها تحت القصف المباشر، في خيام رثّة، ومن دون علاج أو دواء، وبلا شربة ماء أو لقمة طعام، هدفها بالأساس تنفيذ التطهير العرقي وهم يدفعون لاستمرار الحرب، لأجل تحقيق الهدف الذين يسعون إلى تحقيقه.
خطوات التهجير لم تبدأ اليوم، بل بدأت منذ اليوم الأول لحرب الإبادة. بدأت مع تدمير المستشفيات والمدارس والجامعات، ومع خراب البنى التحتية ودمار البيوت والمنازل والمصانع والشركات، ومع الحصار والتجويع الذي أتى على حياة الكثيرين. وما من شيء أفظع من الموت عطشًا وجوعًا. كل ذلك حدث أمام عين العالم الذي رأى بالصوت والصورة، ولا يزال يشاهد بعين الصمت والحياد.
وهكذا، لا يعود السؤال عمّا إذا كانت خطوات التهجير قد بدأت، بل إلى أين ستقود، ومن التالي في طابور الرحيل القسري، ومن هي الفئات التي سوف تغادر، والدول التي ستقوم باستضافة الناس الهاربين من الموت والقصف، لذا فالمطلوب منذ وقت لم يتحقق، وهو وقف هذه الإبادة، ووقف الحرب، وإدخال المساعدات الضرورية التي يحتاجها الناس.
ما يحدث ناقوس خطر حقيقي وقرع للخزان، فإن بقيت حالة الصمت والحياد، فإن القادم أسوأ، ولا شيء في الأفق يوحي بنهاية قريبة لهذا الجحيم، ولا بوادر لرحمة تنتشل الناس من بين الأنقاض، وسط صمت العالم وتوحش الاحتلال الذي يواصل ارتكاب المجازر وقصف خيام النزوح، كما يواصل فرض الحصار ويمنع دخول المساعدات.
شارك برأيك
هل بدأت خطوات التهجير؟