د. عبد المجيد سويلم: الاستمرارية الطويلة لـ "القدس" لا تعود فقط لعوامل مادية بل نتاج علاقة وثيقة وثقة متبادلة بين الصحيفة وجمهورها
طلال عوكل: الجريدة التي تحمل اسم وهوية وسردية القدس تحدت التطور التكنولوجي المتسارع الذي أطاح بالعديد من الإصدارات الورقية
نبهان خريشة: الجريدة أرّخت للأحداث الفلسطينية وللحياة اليومية تحت الاحتلال وأصبحت مصدرًا لا غنى عنه للباحثين
نجود القاسم: "القدس" تميزت بهويتها البصرية الثابتة التي تعكس رصانتها ومهنيتها إلى جانب مصداقيتها في تقديم محتوى متنوع
د. عقل صلاح: "القدس" كانت تدخل إلى الأسرى في سجون الاحتلال، وكانوا يشعرون بأنها "الروح الثقافية والوطنية التي تربطهم بالخارج
محمد جودة: جريدة القدس جسر بين الماضي والحاضر وذاكرة حية توثق النبض الفلسطيني بكل تجلياته
ثائر ثابت: "القدس" كانت سردية وطن ورائحة عبقة تنبعث من بين السطور تعكس ذاكرة الشعب الفلسطيني وتفاصيل حياته اليومية
مراد السبع: الحضور الرقمي لصحيفة "القدس" عزّز من مكانتها في ظل التراجع الكبير للصحافة الورقية عالمياً
النشأة والتطور
- ◆ تأسست عام 1951 بعد نكبة 1948
- ◆ وثّقت الأحداث الفلسطينية المهمة: نكسة 1967، الانتفاضات، المفاوضات
- ◆ تطورت من صحيفة ورقية إلى منصات رقمية
الأهمية والتأثير
- ◆ وثيقة تاريخية للباحثين
- ◆ ربطت الأسرى الفلسطينيين بالعالم الخارجي
- ◆ حافظت على الهوية والسردية الفلسطينية
- ◆ منبر للمثقفين والكتّاب الفلسطينيين
- ◆ جسر بين الفلسطينيين في الوطن والشتات
التحديات
- ◆ الرقابة العسكرية الإسرائيلية
- ◆ الضغوط السياسية
- ◆ التحديات المالية والاقتصادية
القراء
- ◆ أجيال متعددة: كبار السن (النسخة المطبوعة), متوسطو العمر, الشباب (المنصات الرقمية)
- ◆ طقوس قراءة يومية وارتباط عاطفي قوي
- ◆ تقاليد عائلية في القراءة
منذ نحو 74 عامًا، تواصل صحيفة "القدس" المقدسية نسج حكايتها مع الوجدان الفلسطيني، ليس فقط كمنبر إعلامي، بل كرفيق يومي يرافق القرّاء في تفاصيل حياتهم، من صباحاتهم الأولى حتى انشغالاتهم اليومية، محافظة على ذاتها رغم التطور التكنولوجي، حتى وصلت اليوم الخميس، إلى العدد 20 ألفاً.
فرغم تحوّلات الزمن وتقدّم التكنولوجيا، ظلّت "القدس" حاضرة في بعض المقاهي والمكاتب والبيوت، تُطالع العيون حروفها وتتشبّث القلوب بها كصوت أصيل يعكس نبض الشارع الفلسطيني، وفق ما يؤكده قراء وكتاب ومحللون سياسيون وصحافيون في أحاديث منفصلة مع "القدس".
ويقولون إنه في وقتٍ يشهد فيه العالم انحسار الصحافة الورقية أمام زحف الإعلام الرقمي، نجحت "القدس" في الحفاظ على مكانتها بفضل صدقيتها ومهنيتها، وبتجذّرها التاريخي والثقافي في القضية الفلسطينية، كما أن حضورها اليومي لم يكن يومًا مجرد عادة، على أهميتها، بل انعكاس علاقة ثقة، ومرآة لذاكرة شعب لا تزال الكلمة فيه وثوثيقها، أحد أنواع الصمود.
الحاج ياسين السعدي.. نصف قرن من الوفاء لصحيفة "القدس"
منذ أكثر من نصف قرن، لم يمرّ على الحاج ياسين السعدي "أبو سامر"، أيّ صباح دون أن يطالع صحيفة "القدس".
في مخيطته وسط مدينة جنين، تبدأ طقوس يومه بفتح الصحيفة وقراءتها من الصفحة الأولى حتى الأخيرة، وإذا لم يسعفه الوقت أثناء العمل، فإنه يأخذها معه إلى البيت ليكمل ما فاته.
يقول الحاج ياسين السعدي، وقد تجاوز الثمانين من عمره: "قراءة الجريدة عادة يومية، لا أستطيع أن أبدأ يومي دونها، وحينما أنشغل بعملي في خياطة ثياب الزبائن، تجد ضيوفي يقلبون صفحاتها بدلاً مني".
يتذكر "أبو سامر" السعدي أيام العز للصحيفة الورقية العريقة "القدس"، التي كانت تصدر بعدد كبير من الصفحات، واصفاً إياها بـ"المجلد"، ويأسف على الحال اليوم، إذ أصبحت الصفحات قليلة، لكنه، رغم ذلك، لا يزال متمسكاً بها ويحرص على متابعتها. ويقول: "رغم قلة عدد صفحاتها اليوم، أتابعها وأحافظ على قراءتها".
مأمون أبو حمدية: أبدأ صباحي بفنجان قهوة وجريدة القدس
بدوره، يحرص الشاب مأمون أبو حمدية من مدينة رام الله، القارئ النهم، على بدء يومه بطقس لا يتغير: فنجان قهوة ساخن وجريدة القدس.
بالنسبة لمأمون، في منتصف الثلاثينيات من عمره، لا يحلو الصباح دون تصفح صفحات الجريدة التي يعتبرها أكثر من مجرد مصدر للأخبار، بل تراث فلسطيني أصيل يجب الحفاظ عليه.
يقول مأمون: "إن جريدة القدس تمثل بالنسبة لي رابطًا يوميًا مع قضايا الوطن، فهي الذاكرة الجمعية التي تحفظ نبض الشارع الفلسطيني، وتنقل همومه وتفاصيله اليومية".
ويؤكد مأمون أنه طوال السنوات الماضية، أثبتت جريدة القدس مكانتها كإحدى أهم وسائل الإعلام في فلسطين، حيث شكلت مصدرًا رئيسيًا وموثوقًا لنقل أخبار الشارع الفلسطيني، في ظل الأحداث المتسارعة وتعقيدات الواقع السياسي.
ويرى أبو حمدية أنه مع مرور الزمن، لم تفقد الجريدة مكانتها رغم التغيرات الكبيرة التي طرأت على المشهد الإعلامي، حيث لا تزال القدس حاضرة، كجزء من النسيج الفلسطيني، الذي لا يمكن الاستغناء عنه.
أيمن عبد اللطيف.. شغف الورق وذكريات الشباب
ورغم التحولات الرقمية التي غيّرت وجه الصحافة، ما زالت جريدة القدس تمثل لدى كثير من القرّاء مساحة وجدانية وذاكرة يومية، كما يروي أيمن عبد اللطيف، الذي ارتبط بها منذ سنوات دراسته الجامعية قبل نحو 25 عاماً وحتى اليوم.
يقول عبد اللطيف: "منذ سنوات طويلة وأنا أقرأ جريدة القدس بشكل يومي، وصحيح أنني لم أعد أشتريها كما في السابق، لكنني لا أترك يوماً يمر دون تصفحها، سواء عبر الموقع الإلكتروني أو من خلال ملفات الـPDF". بالنسبة لأيمن، لم تكن قراءة الصحيفة عادة عابرة، بل طقس يومي رافقه منذ بداية دراسته الجامعية.
يتذكر بداياته قائلاً: "منذ أن كنت في السنة الجامعية الأولى، كنت أذهب يومياً إلى مكتبة الجامعة فقط من أجل تصفح القدس، وفي مكان عملي لاحقاً، كانت تصلنا الصحيفة الورقية يومياً، وكنت أحرص على قراءتها قبل بدء الدوام".
هذه العلاقة اليومية تحوّلت مع الزمن إلى شكل رقمي، لكن الحنين للماضي ما زال يرافق أيمن، قائلا: "التطور التقني غيّر طريقة الوصول للصحيفة، لكن يبقى للإمساك بالورق شغف خاص ومتعة لا تضاهى".
لا يرى أيمن عبد اللطيف في القدس مجرد صحيفة إخبارية، بل صديقاً حمل ذكرياته وهمومه منذ شبابه. "لنا معها ذكريات... في بعض الأحداث المؤلمة، كنا نتابع التفاصيل عبرها، وكنا نحملها معنا في كل مكان"، كما يقول.
وحتى في لحظات مفصلية من حياته، كانت القدس حاضرة، مثلما يتذكر أيمن بالقول: "عند تخرجي من الجامعة، كنت أتابع باب الوظائف فيها يومياً، أبحث عن فرصة عمل، حينما كانت كثير من المؤسسات تنشر إعلاناتها فيها".
أماني خليل: "القدس" جزء من ذاكرة شخصية وعائلية
رغم أن أماني خليل ليست قارئة يومية لصحيفة القدس، إلا أن علاقتها بها تحمل بعداً وجدانياً خاصاً، يرتبط بذكرياتها مع والدها الراحل، الذي كان يحرص على شراء الجريدة وإحضارها إلى المنزل يومياً، ليصنع بذلك طقساً عائلياً بقي محفوراً في ذاكرتها.
تروي أماني: "لم أكن أتصَفّح جريدة القدس بشكل يومي، لكن لي معها ذكريات، فوالدي –رحمه الله– كان يشتري الجريدة بانتظام، وكنت صغيرة آنذاك".
وتضيف أماني: "حتى خلال أيام الجامعة، كنت أقرأها عندما يجلبها والدي للمنزل، ولا زلت أتذكر تلك اللحظات التي تمثل لي ذكريات عزيزة، ليس فقط مع الصحيفة، بل مع والدي أيضاً".
تمثل صحيفة القدس بالنسبة لأماني أكثر من مجرد وسيلة إخبارية، بل جزءاً من ذاكرة شخصية وعائلية، ارتبطت بمشاهد صباحية ودفء اللقاءات اليومية في بيت العائلة.
ومع تطور الزمن، تغيّرت وسيلة أماني لمتابعة الأخبار، لكنها لم تفقد احترامها لمكانة الصحافة الورقية، وتقول: "حالياً أتصفح الأخبار من مواقع الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، لكنني أعتقد أن الصحيفة الورقية تبقى إرثاً لا يمكن نسيانه".
وتلفت أماني إلى أهمية التفكير بطرق جديدة للحفاظ على هذا الإرث، وتدعو القائمين على الصحف الورقية للبحث عن حلول تمويلية تضمن استمرارها في عصر الإعلام الرقمي.
وتشير أماني إلى أن "طريقة عرض الأخبار والتقارير قد تكون من الأمور التي يمكن تطويرها لتواكب العصر وتحافظ على قرائها".
محطة فارقة في تاريخ الصحافة الفلسطينية
من جانبه، يعتبر الكاتب والمحلل السياسي د. عبد المجيد سويلم أن بلوغ صحيفة القدس عددها العشرين ألفاً يمثل محطة فارقة في تاريخ الصحافة الفلسطينية، ويعكس تجذر هذه الجريدة في الوعي الجمعي الفلسطيني، واستمراريتها على مدار عقود رغم التحديات، سواء المادية أو السياسية، ما يدل على امتلاكها لمقومات صلبة مكنتها من البقاء والتأثير.
ويوضح سويلم أن الاستمرارية الطويلة لصحيفة القدس لا تعود فقط لعوامل مادية، بل الأهم أنها نتاج علاقة وثيقة وثقة متبادلة بين الصحيفة وجمهورها.
ويقول سويلم: "من يتابع تطور وسائل الإعلام يدرك أن الناس، تمامًا كما يعتادون على محطة إذاعية أو قناة تلفزيونية، يتعودون على صحيفة معينة، وهذه العادة تتطور إلى ما يشبه الإدمان، حيث لا يشعر بعض القراء بالاستقرار إلا بعد قراءة صحيفة القدس، وهذا بحد ذاته شهادة حقيقية على مكانة الجريدة في وجدان الفلسطيني".
صوت فلسطيني أصيل في مواجهة تحديات الزمن
ويشير سويلم إلى أن هذا الارتباط ليس مجاملة بل هو واقع ملموس، مؤكداً أن ما يميز الصحيفة هو متابعتها الحثيثة والدائمة لقضايا المواطن اليومية، وانغماسها في تفاصيل الهم الفلسطيني، مما عزز شعور الناس بأنها تنتمي إليهم كما ينتمون إليها.
ويقول سويلم: "هذه العلاقة العميقة التي بُنيت على مدى سنوات طويلة، والتي انعكست على استمرار الصحيفة، تمثل وسام فخر على صدرها، وهي علاقة اجتماعية مكرّسة ومُعترف بها".
ويشير سويلم إلى أن صحيفة القدس استطاعت الحفاظ على عراقتها رغم التحولات التي طرأت على عالم الصحافة، قائلاً: "لو لم تكن الصحيفة عريقة وذات حضور راسخ، لما استطاعت الصمود والاستمرار، خاصة في ظل ما تواجهه الصحافة الورقية من أزمات مالية وتراجع عالمي".
ويلفت سويلم إلى أن أحد أسرار استمرار القدس هو قدرتها على المحافظة على العلاقة المتينة مع جمهورها، تلك العلاقة التي شكلت الأساس في مسيرتها الإعلامية الطويلة، والتي تؤهلها للبقاء كصوت فلسطيني أصيل في مواجهة تحديات الزمن والتكنولوجيا والاحتلال.
سر البقاء الارتباط العميق بالقدس
بدوره، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل أن مسيرة جريدة القدس واستمرارها يعد رمزًا لصمود الهوية الفلسطينية في وجه التحديات التكنولوجية والسياسية.
ويشدد عوكل على أن الجريدة التي تحمل اسم وهوية وسردية القدس، تستحق كل الفخر والاعتزاز لتحديها زمن التطورات التكنولوجية المتسارعة، التي أطاحت بالعديد من الإصدارات الورقية.
ويوضح عوكل أن السبب الأساسي لبقائها هو ارتباطها العميق بالقدس، كأنها باستمرارها تؤكد بقاء المدينة المقدسة على عهدها الفلسطيني، متحدية المخططات الرامية إلى تغيير هويتها، وانتمائها، وتاريخها.
ويؤكد عوكل أن الفضل في هذا الإنجاز يعود أيضًا إلى الدارسين، والمثقفين، والكتاب، والصحفيين، والمراسلين الذين حملوا راية الجريدة ورسالتها التنويرية، فقد حافظ هؤلاء على هوية الجريدة ودورها كمنارة إعلامية، متمسكين بمبادئها في توثيق السردية الفلسطينية ونقل صوت القدس إلى العالم.
ويشير عوكل إلى أن كل حرف، أو صورة، أو رسم، أو جهد بُذل في سبيل حماية الجريدة وإدامتها يمثل مساهمة في الدفاع عن القضية الفلسطينية.
ويوجه عوكل تحية خاصة لكل من ساهم في مسيرة الجريدة، مؤكدًا أن جريدة القدس ليست مجرد منبر إعلامي، بل رمز وطني يجسد مقاومة التهميش والمحو الثقافي.
ويدعو عوكل إلى مواصلة هذا الدور الريادي، لتبقى الجريدة صوتًا مدافعًا عن الحق الفلسطيني، متجذرًا في تراث القدس ومتطلعًا إلى مستقبل الإعلام الحر.
ركيزة أساسية في المشهد الإعلامي الفلسطيني
من جهته، يؤكد الكاتب الصحفي نبهان خريشة أن جريدة القدس شكلت ركيزة أساسية في المشهد الإعلامي الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي، حيث حافظت على الهوية الوطنية من خلال تغطيتها الشاملة للأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية، ومواكبتها لنضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال.
ويوضح خريشة أن جريدة القدس، التي تأسست عام 1951 وتُعد أقدم الصحف الفلسطينية، كانت جسرًا إعلاميًا حيويًا يربط الفلسطينيين في الضفة الغربية، والقدس، وقطاع غزة، والشتات، خاصة قبل انتشار الإنترنت، من خلال نقل الأخبار من مختلف المناطق بدقة وشمولية.
ويشير خريشة إلى أن الجريدة واجهت ظروفًا قاسية بسبب الرقابة العسكرية الإسرائيلية المشددة قبل عام 1993، التي فُرضت على جميع المطبوعات الصحفية في القدس، ورغم هذه القيود، نجحت القدس في تحقيق توازن دقيق بين نقل الحقيقة وتجنب الإغلاق، مما عزز مكانتها كمنبر رئيسي للمثقفين والكتاب الفلسطينيين.
ويؤكد خريشة أن الجريدة قدمت مساحة للنقاش العام، ونشرت مقالات وتحليلات لسياسيين ومثقفين، ساهمت في تشكيل الوعي السياسي والثقافي للمجتمع الفلسطيني، مما جعلها صوتًا مؤثرًا في تعزيز الهوية الوطنية.
مطلوب تعزيز الحضور الإلكتروني
ويؤكد خريشة على الدور التوثيقي للجريدة، التي أرّخت للأحداث الفلسطينية منذ تأسيسها، مرورًا بنكسة 1967، والانتفاضات، والمفاوضات، والاعتداءات الإسرائيلية، فضلاً عن تسجيلها للحياة اليومية تحت الاحتلال، حيث أن هذا التوثيق جعل القدس مصدرًا لا غنى عنه للباحثين والكتاب المهتمين بالتاريخ الفلسطيني، ورغم التحديات السياسية والرقابية، حافظت الجريدة على استمراريتها لعقود، مما يعكس عمق جذورها ومتانة حضورها.
لكن خريشة يحذر من التحديات الراهنة التي تواجهها جريدة القدس، خاصة مع صعود الإعلام الإلكتروني وتفضيل الأجيال الجديدة لمنصات رقمية أسرع، ولتجاوز هذه العقبة، تسعى الجريدة لمواكبة العصر الرقمي عبر استراتيجية متكاملة تجمع بين الحفاظ على هويتها التقليدية وتبني التحول الرقمي.
ويوصي خريشة بتعزيز الحضور الإلكتروني عبر تطبيقات الهواتف الذكية لنظامي أندرويد وآيفون، وتحسين محركات البحث (SEO)، والتفاعل النشط على منصات مثل فيسبوك، وتويتر، وإنستغرام، وتيك توك.
ويدعو خريشة إلى إنتاج محتوى رقمي متنوع، مثل تقارير فيديو، وبودكاست، وقصص تفاعلية، مع التركيز على تغطية القضايا الفلسطينية بعمق وموضوعية، وربط السياق المحلي بالدولي لتعزيز المصداقية في مواجهة فوضى المعلومات على الانترنت ومنصات التواصل الاجتماعي.
توازن بين الخط المهني والوطني
وتؤكد الصحفية نجود القاسم أهمية الدور الرائد لجريدة القدس في الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية، حيث أن استمراريتها في إصدار النسخة الورقية، وتنوع محتواها، ومواكبتها للقضية الفلسطينية بمهنية ومصداقية، جعلها رمزًا إعلاميًا صلبًا منذ عددها الأول عام 1951 وصولاً إلى عددها رقم 20 ألفاً.
وتوضح القاسم أن القدس شكلت منبرًا حيويًا لنشر الوعي الوطني، متحدية الرقابة الإسرائيلية المشددة التي واجهتها في ظل الاحتلال، مع الحفاظ على توازن بين الخط المهني والوطني.
وتؤكد القاسم أن مسيرة جريدة القدس لم تكن سهلة، إذ تغلبت على تحديات الرقابة والظروف السياسية القاسية، لتصبح صوتًا وصورة للشعب الفلسطيني، خاصة في مرحلة حساسة أدرك فيها الاحتلال خطورة الإعلام على مشروعه الاستيطاني.
وتشير القاسم إلى أن الجريدة أصدرت 20 ألف عدد، تمثل أرشيفًا ضخمًا يضم تقارير، وقصصاً، وصورًا تروي القضية الفلسطينية، وتسجل معاناة الفلسطينيين وسياسات الاحتلال، مما جعلها مرجعًا لا غنى عنه للباحثين والدارسين.
وتؤكد القاسم أن القدس شهدت تطورًا ملحوظًا في الفترة الأخيرة، من خلال تنوع الموضوعات، وتحسين التحرير، والعناوين الجذابة، مما عزز مكانتها في الصحافة الفلسطينية.
لكن الجريدة بحسب القاسم، تواجه اليوم منافسة قوية من الإعلام الرقمي والتلفزيون، مما يجعل التحديث ضرورة ملحة للحفاظ على تاريخها الطويل.
موقعها الإلكتروني بحاجة لمحتوى تفاعلي
وتؤكد القاسم أن استمرار النسخة الورقية يعكس عراقة جريدة القدس، خاصة أن مؤسسات إعلامية عالمية تخلت عن الورق، بينما حافظت الجريدة على هذه العلاقة كجزء من دورها التوثيقي.
وتشير القاسم إلى تميز جريدة القدس بهويتها البصرية الثابتة، من شعار وتصميم وألوان، التي تعكس رصانتها ومهنيتها، إلى جانب مصداقيتها في تقديم محتوى متنوع يمكن تمييزه بسهولة عن غيره.
ورغم تقدمها في التحول الرقمي مع الحفاظ على سياستها التحريرية، تشدد القاسم على حاجة موقعها الإلكتروني لمحتوى تفاعلي مثل فيديوهات، وإنفوغرافيك، وبودكاست، لجذب الشباب الذين يفضلون الصور والفيديوهات القصيرة.
وتوضح القاسم أن هذا التطوير يتطلب استثمارات مادية كبيرة لمنافسة الإعلام الرقمي المدعوم بموارد ضخمة، لكنها ضرورية للوصول إلى أجيال جديدة والحفاظ على جمهور القدس.
وتدعو القاسم إدارة جريدة القدس لمواصلة الجمع بين عراقتها وحداثتها، مع التركيز على المعايير المهنية والوطنية، لتبقى صوتًا فلسطينيًا مؤثرًا يدافع عن الحق في زمن فوضى المعلومات.
"القدس" أيقونة صمود ورافعة وطنية
من جانبه، يؤكد الكاتب والباحث السياسي د. عقل صلاح، أن صحيفة القدس تشكّل نموذجاً فريداً من الصمود الوطني والإعلامي، بعد أن حافظت على حضورها واستمراريتها رغم مرور 74 عاماً من التحديات والممارسات الاحتلالية القاسية بدءاً من تأسيسها، مشيداً بعطائها المتواصل في المجالات الوطنية والسياسية والثقافية والإعلامية.
ويقول صلاح: "إن جريدة القدس وجميع إدارتها ورؤساء تحريرها السابقين والحاليين والعاملين فيها تُرفع لكم القبعات على صمودكم واستمرار عطائكم المميز رغم الاستهداف الجنوني الذي تتعرض له مدينة القدس ومؤسساتها. أنتم أصحاب الحق والصوت والكلمة، والكلمة الإعلامية الوطنية التي تنبع من أزقة القدس العريقة".
ويضيف صلاح: "القدس ليست مجرد صحيفة، بل هي مؤسسة إعلامية وطنية كبرى، مزعجة للاحتلال، لأنها من المؤسسات الإعلامية القليلة التي لا تزال تعمل من قلب المدينة، وتحمل اسم القدس إلى العالم. إنها قلب القدس النابض، ورسالة إعلامية سياسية وثقافية يجب أن تستمر في الدفاع عن القضية الفلسطينية".
ركن من أركان القدس ورمز من رموز الصمود
ويشير صلاح إلى أن صحيفة القدس كانت تدخل إلى الأسرى في سجون الاحتلال، وكانوا يشعرون بأنها "الروح الثقافية والسياسية والوطنية التي تربطهم بالخارج"، داعياً إلى مواكبة التطور والارتقاء المستمر بأدائها من أجل استمرار دورها في مواجهة الاحتلال.
ويوضح صلاح أن انطلاقة جريدة القدس عام 1951 ارتبطت بالعمل الوطني الفلسطيني بعد نكبة سنة 1948، حيث حملت الصحيفة اسم "أقدس بقعة في فلسطين والعالم"، وارتبطت بعراقة المدينة المقدسة، مشدداً على أن الصحيفة كانت وما زالت رافعة وطنية وثقافية في النضال السياسي ضد مشاريع الاحتلال الاستيطانية.
ورغم التحديات التي فرضها التطور التكنولوجي والإعلام الرقمي، يؤكد صلاح أن صحيفة القدس ما زالت محافظة على حضورها وموثوقيتها من خلال تطوير النسخة الورقية، والموقع الإلكتروني، وجودة المواد التحريرية التي تغطي قضايا الشعب الفلسطيني بكل موضوعية، خصوصاً القضايا الوطنية والسياسية.
ويدعو القائمين على الصحيفة إلى الحفاظ على هذا الإرث الوطني العظيم، داعياً في الوقت ذاته المؤسسات الفلسطينية الرسمية لدعم الصحيفة باعتبارها "ركناً من أركان القدس، ورمزاً من رموز الصمود"، مؤكداً أن "دعم صحيفة القدس هو دعم للقدس ذاتها، ولمكونات المدينة التي تواجه مخططات الاحتلال بكل الوسائل".
محطة بارزة في مسيرة الإعلام الفلسطيني الحر
من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي محمد جودة إن احتفاء جريدة القدس، إحدى أعرق الصحف الفلسطينية، بصدور عددها رقم 20,000، هو حدث تاريخي يمثل محطة بارزة في مسيرة الإعلام الفلسطيني الحر.
ويؤكد جودة أن هذا الإنجاز "شهادة على الاستمرارية والالتزام العميق برسالة الإعلام الوطني في مواجهة التحديات".
ويوضح جودة أن هذا الرقم ليس مجرد إحصائية، بل تجسيد لمسيرة طويلة من العمل الإعلامي الذي جمع بين أصالة الصحافة الورقية وحداثة النشر الرقمي.
ويشير جودة إلى أن جريدة القدس، التي تأسست كأقدم الصحف الفلسطينية، استطاعت الحفاظ على عراقتها عبر تمسكها بثلاثة أعمدة أساسية: المصداقية، والمهنية، والانتماء الوطني، وقد نجحت في خوض تجربة التحول الرقمي باحترافية دون التخلي عن هويتها الأصلية، لغتها، أو مبادئها التحريرية.
ويصف جودة جريدة القدس بأنها "جسر بين الماضي والحاضر"، و"ذاكرة حية توثق النبض الفلسطيني بكل تجلياته"، مؤكدًا أن سر بقائها يكمن في قدرتها على مواكبة العصر مع التمسك بجذورها الوطنية.
ويوجه جودة تحية تقدير للطاقم الصحفي والإداري، ولكل من ساهم في ترسيخ حضور الجريدة في وعي الفلسطينيين والعرب، معربًا عن فخره بكل من حمل أمانة الكلمة منذ تأسيسها.
ويؤكد جودة على دور الجريدة كمنارة إعلامية تواصل الصمود والتميز، داعيًا إلى مزيد من الإبداع والتأثير في خدمة القضية الفلسطينية.
رواية وطن وليس مجرد ورق وحبر
مسؤول الإعلام التربوي في وزارة التربية والتعليم العالي الصحفي ثائر ثابت، ومع صدور العدد 20 ألفاً من صحيفة "القدس"، يستعيد مشاعر خاصة تربطه بهذه الصحيفة التي رافقته منذ بداياته المهنية، وحتى يومنا هذا كقارئ ومتابع يومي.
يقول ثابت، الذي يكنّ حباً خاصاً للأرقام ولغة الحساب: "العدد 20 ألفاً الموثق للصحيفة يسحبني إلى ذكريات وقصص مع هذه الصحيفة العتيقة، التي بدأت علاقتي بها كمتطوع، ثم مراسل، ثم كاتب مقالات أثناء دراستي للصحافة والإعلام في نابلس".
ويضيف ثابت: "لا يمكن قياس النشوة التي شعرت بها عندما نُشر اسمي لأول مرة مرفقاً بتقرير في صحيفة القدس، قبل نحو 20 عاماً، لقد كانت لحظة استثنائية، ربطتني بالصحيفة بشكل وجداني، مثلما هي مرتبطة بوجدان الفلسطينيين جميعاً".
ويقول ثابت: "القدس، العاصمة الروحية والدينية لفلسطين، ارتبطت في ذاكرتنا بالصحيفة التي لم تكن مجرد ورق وحبر، بل كانت رواية وطن، ورائحة عبقة تنبعث من بين السطور، تعكس ذاكرة الشعب الفلسطيني وتفاصيل حياته اليومية".
ويقر ثابت أن الصحافة الورقية تمر بتحديات كبيرة في ظل اجتياح الصحافة الرقمية، لكنه يثني على قدرة "القدس" على المواءمة بين النسخة الورقية وموقعها الإلكتروني والنسخة الرقمية (PDF)، مؤكداً أنها استطاعت الحفاظ على حضورها واسماً ثابتاً في المشهد الإعلامي.
ويتطلع ثائر ثابت نحو المستقبل قائلا: "في هذا اليوم الذي يصدر فيه العدد 20 ألفاً من صحيفة القدس، أبارك لها هذا البقاء والتجدد. ونتمنى جميعاً أن يأتي يوم تتصدر فيه الصحيفة بعنوان رئيسي يقول: (القدس تحررت). هذا هو حلم كل فلسطيني، أن يرى هذه العناوين تتجسد على الورق، في الصحيفة التي نحب".
قصة صمود في وجه التحديات
ويقول الصحفي مراد السبع إن الوصول إلى العدد 20 ألفاً من صحيفة القدس يُعد إنجازاً وطنياً وتاريخياً للصحافة الفلسطينية، يعكس مدى صمود هذه المؤسسة الإعلامية العريقة في وجه التحديات السياسية والتقنية، خصوصاً في ظل ما تشهده فلسطين حالياً من تصعيد غير مسبوق في الضفة الغربية وقطاع غزة بفعل العدوان الإسرائيلي المستمر.
ويوضح السبع أن صحيفة القدس شكّلت منذ انطلاقتها مساحة جماهيرية واسعة على مستوى فلسطين، خاصة خلال فترات الانتفاضات، وساهمت بعمق في تعميق الحس الوطني الفلسطيني وتعزيز الوعي بالقضية.
ويقول السبع: "هذا الرقم – 20,000 – يأتي في وقت حرج تمر به القضية الفلسطينية، خاصةً حرب الإبادة، ويؤكد استمرار دور الصحيفة كصوت وطني يعكس هموم الشارع الفلسطيني، ويوثق لتاريخ القضية الفلسطينية، ويرتبط وجدانياً بالعاصمة الأبدية القدس".
أهمية صحيفة القدس تتجاوز الحدود الجغرافية
ويشير السبع إلى أن صحيفة القدس ما تزال تمثل الصحيفة الورقية الأولى في فلسطين، حيث تُعد نافذة أساسية للجيل القديم من الآباء والأجداد، ممن لا يمتلكون خبرة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، للحصول على الأخبار والتحليلات الدقيقة، قائلاً: "الصحيفة تتميز بالمهنية العالية والدقة في نقل الخبر، وهو ما يجعلها مصدراً موثوقاً لدى قطاع واسع من الجمهور الفلسطيني".
ويلفت السبع إلى أن أهمية صحيفة القدس تتجاوز الحدود الجغرافية، حيث يرتبط اسمها بعمق الوعي الفلسطيني في الشتات، كما أنها تُسوق خارجياً من خلال النسخ الرقمية وتوفر محتواها عبر موقع إلكتروني حديث، ما أتاح الفرصة لجمهور واسع من المهتمين بمتابعة تطورات الشأن الفلسطيني، مؤكداً أن حضورها الرقمي عزّز من مكانتها في ظل التراجع الكبير للصحافة الورقية عالمياً.
ويؤكد السبع أن استمرار صحيفة القدس يحمل قيمة رمزية ووطنية كبيرة في الذاكرة الفلسطينية، إذ تمثل خط الوعي الوطني والمعبر الحقيقي عن القضية الفلسطينية، مشدداً على ضرورة دعمها كإحدى الركائز الإعلامية التي تواصل أداء رسالتها رغم التحديات المتعددة.
شارك برأيك
20000… "القدس" تواصل نسج حكايتها مع الوجدان الفلسطيني