في زمن يتسارع فيه إيقاع الأحداث وتتداخل فيه الحقائق بالشائعات، تبقى الصحافة الجادة مناراتٍ للوعي، وأصواتًا تكتب التاريخ من قلب اللحظة. من بين هذه المنارات، تقف جريدة القدس شامخة، تحمل اسم العاصمة الأبدية لفلسطين، وتتحمل عبء الكلمة ومسؤولية المعنى.
منذ تأسيسها في القدس عام 1951، حرصت الجريدة على أن تكون أكثر من مجرد وسيلة إعلامية؛ كانت، ولا تزال، مرآةً يوميةً للواقع الفلسطيني، ونافذةً تطل منها فلسطين على نفسها وعلى العالم. ففي صفحاتها تنعكس هموم الناس، وتتجلى أصواتهم في قوالب الخبر والتحليل والرأي.
تتمتع القدس بمكانة خاصة بين الصحف الفلسطينية والعربية، ليس فقط لأنها الأوسع انتشارًا محليًا، بل لأنها أيضًا استطاعت أن تحافظ على استقلال نسبي في بيئة سياسية وإعلامية معقدة. وقد نجحت عبر عقود في خلق توازن دقيق بين الالتزام الوطني والاحتراف المهني، فكانت حاضرة في الميدان، متفاعلة مع الحدث، دون أن تفقد مصداقيتها أو تنزلق إلى الاصطفافات الحادة.
في مقالات الرأي التي تنشرها، تجد فلسطين بكل تعقيداتها: من السياسة إلى الثقافة، ومن المقاومة إلى الحياة اليومية. في كل عدد، تحاول الجريدة أن تفتح نوافذ جديدة للتفكير، وأن تطرح الأسئلة قبل أن تقدم الأجوبة. وهذا ما يجعلها مدرسةً حقيقيةً في الصحافة المكتوبة.
ورغم التحديات الكبيرة التي تواجه الصحافة الورقية، من أزمات مالية وتراجع في التوزيع لصالح الإعلام الرقمي، تواصل جريدة القدس معركتها الهادئة، بإصرار على البقاء والريادة. فقد طورت منصاتها الإلكترونية، ووسعت حضورها في الفضاء الرقمي، دون أن تتخلى عن جوهرها الورقي العريق.
إنها ليست مجرد صحيفة؛ إنها شاهد على العصر، وشريكة في التكوين الجمعي للوعي الفلسطيني. وإن كانت القدس مدينةً لا تشيخ، فجريدتها كذلك، تتجدد كل يوم بحبر الحقيقة، وتبقى على قدر اسمها: القدس.
شارك برأيك
جريدة القدس: صحيفة على قدر اسمها