Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الإثنين 21 أكتوبر 2024 10:09 صباحًا - بتوقيت القدس

رؤى لمواجهة آثار العنف المحلي



د. غسان عبدالله  


العنف بكل أطيافه ( اللفظي verbal، والجسدي physiological ، والمعنوي non- verbal)) هو نتيجة حتمية لحالة الصراع ( بكل أشكاله وأطرافه) الذي يعيشها الإنسان  منذ بدء الخليقة، ولا يمكن القضاء عليه، بل يمكن التخفيف والحد من آثاره وانعكاساته السلبية على أطراف الصراع المحتدم، بغض النظر عن الجنس والعمر، والمستوى التعليمي أو الخلفية الاجتماعية للأفراد. 

تكمن الصعوبة الأكبر في العنف المعنوي،  بأن آثاره تبقى دفينة وعميقة وقد لا تظهر في الحال. 

يقول صلى الله عليه وسلم "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده".

ويقول الشاعر : "جراحات السنان لها التئام    ولا يلتئم ما جرح اللسان".

والقول المأثور "رب قول أنفذ من صول"، قول عربي حكيم حرص على كيفية التعامل المعنوي مع البشر.


تتنامى الميول إلى ممارسة العنف المتعمّد (intentional violence) أو غير المتعمد- العفوي ( incidental violence)، كلما حلّت نكبة/ جائحة أو ظروف طارئة غير مريحة لدى الفرد، نتيجة لقناعات وتصورات ومعتقدات محدّدة لديه، والأمثلة على ذلك كثيرة لا تعدّ ولا تحصى ( بدءاً من حادثة قابيل وهابيل)، واقدام سيدنا موسى على قتل أحد المتشاجرين، وأيضاً محاولة إيذاء والإيقاع بسيدنا المسيح عليه السلام، وتتواصل الأسباب والحجج والتبريرات إلى يومنا هذا. 

كلما ازداد منسوب الضغوطات النفسيّة (متعدّدة المصادر)، وانخفضت تجارب الفرد، إما بسبب العمر أو غيره، واضمحلت/ انحصرت ثقافته في قفص معيّن لا يتيح لذاته الانعتاق منه، كلما ازدادت الميول نحو ممارسة العنف. لنمط شخصية الفرد دور في ذلك، فالإنسان المزاجي تختلف ردات فعله عن الإنسان البالون، وعن ذلك الإنسان الرزين المتزن الحكيم بفعل نضجه الثقافي وتجاربه السابقة، والأهم تقوى الله ومخافته.

يعود اهتمام الكاتب في الموضوع هذا، إلى عام 2001، ( بدء الاجتياحات الإسرائيلية، وما سبقها من ممارسات عنف خلال انتفاضة 1987 )، حيث عملت على إصدار دليل عملي لحل النزاعات سلمياً  بعنوان "استراتيجية السلحفاة في حل النزاعات سلمياً، وقامت مؤسسة KAS  الألمانية بنشره وتوزيعه إقليمياً، وفي عام 2003 ، شاركت في إعداد كتاب تحت عنوان "التعلم للقضاء على العنف... التعلم من أجل ثقافة السلام"، مع فريق من جامعة كولومبيا/ كلية إعداد المعلمين منهم هيذر فورست، جانيت جرسون، نورما نعمة، وآخرين، وصدر الكتاب عن مؤسسة " نداء لاهاي" نيويورك" تبع ذلك عام 2005  كتاب آخر بعنوان "التعليم ضد الكراهية"، نشره معهد USIP في واشنطن، وخلال جائحة كورونا تم إعداد دليل عملي للأسر حول كيفية الحد من اللجوء إلى توظيف العنف لحل الخلافات وتقليل انعكاساتها عل أفراد الأسرة قاطبة والأطفال خاصة. جميع هذه الكتب متوفرة باللغات العربية والإنجليزية وتم توزيعها في حينه مجاناً.

إضافة إلى المساهمة مع مجموعة من المفكرين ورجال دين أمثال بروفيسور حمزة ذيب، د. أيمن بدارين في إصدار دليل تعزيز السلم الأهلي عام 2022.

 نرى ضرورة الولوج في لماذا علينا جميعاً أن تتكاتف جهودنا من أجل كبح فرص وباء العنف المحلي/ الأسري ؟

للإجابة على هذا نبدأ بحتمية الحاجة إلى بعضنا البعض لأسباب مادية، وتسيير الشؤون الحياتية وسيكولوجية كون الإنسان يأنس بالإنسان من خلال بناء علاقات مع الآخر.

ورد في  حديث نبوي شريف "ألا أنبئكم بشر الناس؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال من أبغض الناس وأبغضوه". وقول سيدنا علي بن أبي طالب: "رأس الجهل معاداة الناس".

أضف إلى ذلك الانعكاسات السلبية في حالة النزاع مثل:

أولاً، عذاب النفس: النزاع بمثابة حمل ذي عبء ثقيل على النفس البشرية. تخيل وأنت تدخل على مجموعة من الناس، صف وقارن بين شعورك وأنت في مجموعة لديك فيها الأحباب والأصدقاء وأخرى  لديك فيها الأعداء!

يدفع ممارسة العنف إلى تشتيت الجهد، ويجعلك دوماً تشعر بأنك مرمى السهم، وقد يدفعك إلى اقتراف الحرام، ومن ثم  إضعاف المجتمع،  لذا علينا الاعتراف بأن الاختلافات من سنة الطبيعة، ويتوجب الاعتراف بها واحترامها، على سبيل المثال لا الحصر: اختلافات جنسية - ذكر / أنثى، اختلافات في لون البشرة - أسمر/ أشقر، اختلافات العرق البشري، اختلافات في الدين، ولنا هنا أن نستذكر قول مارتن لوثر كنج: "حلمي أن يعيش الأطفال يوماً في أمة لا يحكم عليهم حسب لون بشرتهم، لكن وفقاً لمحتوى شخصيتهم/ نظامهم.

لتذويت هذا نقترح على القارىء البحث عن آيات من الكتب السماوية الثلاثة تحرم القتل والسرقة والزنا.

خطوة أخرى يمكن تبنيها لتقليل فرص والحد من ممارسة العنف، ألا وهي التفكير خارج القفص الثقافي، فالثقافة هي نموذج الحياة اليومية لمجتمع ما تشمل الدين، اللغة، الأعراف، الفنون العادات والطقوس المأكولات والملابس، وبالتالي تشكل الاختلافات الثقافية مصدراً للاختلاف بين الناس.

كما نحن بحاجة إلى الإقرار بوجود الفروق الفردية، نقاط قوة ونقاط ضعف لدى كل شخص ( طاقة، قدرة اجتماعية، قدرات سيكولوجية وعاطفية). 

استراتيجيات مقترحة للسيطرة على الذات والتحكم بالذات لتجنب ممارسة العنف: 

(1) التفكير المليّ قبل الكلام وتجنب الحديث الارتجالي.

(2) أن يجعل الإنسان ذاته مقياساً ويضع ذاته مكان الآخر، فلا ينطق بكلمة لا تقبلها لنفسه.

(3) حسن الاستقبال للشخص وإن سبق وحصل سوء فهم بينكما.

(4) الابتعاد عن المزاجية في التعامل، والتعامل مع الإنسان يختلف عن التعامل مع البيئة، فأنت تتعامل مع مزاجات مختلفة ونفسيات متفاوتة.

(5) ضبط حب الذات وكره الآخر، ومحاسبة الذات أولاً قبل محاسبة الآخر.

(6) ممارسة الاعتذار: الاعتذار هو الإقرار بالخطأ وطلب العفو وفي رأيي هو سلوك حضاري يكرس احترام الفرد لذاته وتقديره لغيره. فالاعتذار ليس تعبير عن حالة ضعف وهزيمة، هو حالة شجاعة.

أما بخصوص الاختلاف في الرأي، فقد نستطيع فهم احتدام نزاع بين شخصين، اعتدى أحدهم على ممتلكات الآخر، ولكننا  لا نستطيع فهم احتدام نزاع لدرجة القطيعة حيال شخص يخالفني الرأي. الرأي لغة هو الاعتقاد والعقيدة هي ما عقد عليه القلب والضمير وما يدين به الإنسان واتخذه عقيدة له.

و عليه، فإن مفهوم رأي يدل على أنه شيء خاص بالإنسان يرتبط بمشاعره لا يحق لأحد مهما أوتي من قوة أو سلطة، أن يتدخل فيه وإن حاول فلن يستطيع وإن بدا ظاهرياً إخضاعه، فيبقى في  قراره الداخلي مستعصياً على كل قوة عاتية، ولنا في قصة سيدنا بلال بن رباح وقصة العالم غاليليو، حين خالف الكنيسة بآرائه. أعطت جميع الديانات السماوية هامشاً كبيراً لممارسة حريتي التفكير والتعبير عن  الرأي والابتعاد عن التعصب وضرورة الاستماع إلى الآخر.

غريب نحن البشر نعترف بخصوصيات الآخرين مثل اللباس والمأكل، في حين لا نعترف بحق الفرد في تكوين وبلورة  رأيه الخاص.

لن يفوتنا الافصاح عن أن من أسباب الاختلافات بين البشر، الخلاف الديني، وهنا نقترح تبني نهج الحوار كأساس الصلاح، ولنتعظ بقول العلي العظيم "لكم دينكم ولي دين"، وقوله جل وعلا في الآية الكريمة 82 من سورة الأنعام "الذين اّمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، أولئك لهم الأمن وهم مهتدون" "أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده" 90 الأنعام، وألا نكون من الجاهلين الذي ينطبق عليهم ما ورد في الذكر الحكيم "وإن كثيراً  ليضلون بأهوائهم بغير علم" 119 الأنعام.


............

يدفع ممارسة العنف إلى تشتيت الجهد، ويجعلك دوماً تشعر بأنك مرمى السهم، وقد يدفعك إلى اقتراف الحرام، ومن ثم  إضعاف المجتمع،  لذا علينا الاعتراف بأن الاختلافات من سنة الطبيعة.

دلالات

شارك برأيك

رؤى لمواجهة آثار العنف المحلي

المزيد في أقلام وأراء

دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة

معروف الرفاعي

الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا

حديث القدس

من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها

أحمد لطفي شاهين

الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة

وسام رفيدي

تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية

معروف الرفاعي

المطاردون

حمادة فراعنة

فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار

سامية وديع عطا

السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال

الصحفي عمر رجوب

إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة

حديث القدس

شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام

بهاء رحال

المقاومة موجودة

حمادة فراعنة

وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي

سري القدوة

هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!

محمد النوباني

ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟

حديث القدس

مآلات موافقة حزب الله على ورقة أمريكا الخبيثة

حمدي فراج

مصير الضفة الغربية إلى أين؟

عقل صلاح

كيف نحبط الضم القادم؟

هاني المصري

هل من فرصة للنجاة؟!

جمال زقوت

تحية لمن يستحقها

حمادة فراعنة

قل لي: ما هو شعورك عندما ترى أحداً يحترق؟!

عيسى قراقع

أسعار العملات

الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.73

دينار / شيكل

بيع 5.28

شراء 5.26

يورو / شيكل

بيع 3.96

شراء 3.95

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%52

%48

(مجموع المصوتين 75)