Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الثّلاثاء 31 ديسمبر 2024 9:27 صباحًا - بتوقيت القدس

صناعة القائد في وسائل الإعلام.. بين التلميع والتضليل

تراقب العامة ظهور بعض الشخصيات عبر وسائل الإعلام، على اعتبار أنها مجرد أخبار عادية، وأنّ ظهورهم محض صدفة، أو نتيجة لظرف معيّن. ففي الوقت الذي يسعى القائمون على تلك الوسائل إلى صناعة بل وتشكيل صورة القائد الملهم في الوعي الجمعي لعامة الناس، حيث تسهم وسائل الإعلام الدعائية بشكل كبير في صياغة كيفية رؤية الجمهور للقائد.


في عالمٍ تهيمن فيه وسائل الإعلام على العقول، بل وصلت المتابعة حد الإدمان، خصوصاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي، يتسلل التضليل بهدوءٍ مريب، ليعيد تشكيل الحقيقة وفق رغبات من يمسكون بخيوط اللعبة، هنا وفي هذه الساحة الكبرى، حيث الكلمة والصورة تحكمان، يتم نسج صورة القائد وصناعته، كما لو كان أسطورة مُلهَمة خرجت من صفحات التاريخ، بينما الحقيقة وفي كثير من الأحيان، تُدفن تحت طبقات من التلميع والتزييف.


يرى البعض وسائل الإعلام على أنها مجرد نافذة تُطل على العالم، هذا في الظاهر يبدو حقيقياً، لكن في الباطن هي أداة قوية تُعيد رسم ملامح الواقع، فحين تسلّط الضوء على شخصية معينة، تُحيطها بهالةٍ من المثالية، وتجعل منها بطلاً جماهيرياً يُحسن القول والفعل، حتى لو كانت هذه الصورة بعيدة عن الحقيقة.


الإعلام، بخبثٍ ساحر، يصنع رموزًا يراها الناس منقذين، وفي خضم هذه العملية، تغض الطرف عن العيوب وتُطمس الأخطاء.


ففي هذا المسرح، تُستخدم تقنيات متنوعة لصناعة القائد المثالي، حيث يُعاد كتابة التاريخ، ويُطهَّر الماضي من شوائبه، فتتحول العثرات إلى إنجازات، والخطايا إلى دروسٍ زُعِمَ أنها تعزز الحكمة، يُنثر الضوء بسخاء على المواقف التي تلائم الرواية المرغوبة، بينما تُترك الظلال لتلتهم ما يتناقض مع تلك الصورة المصقولة.


الصور والمشاهد البصرية تُصبح لغة هذا التلميع، حيث يتم انتقاء اللحظات بعناية فائقة. ربما تكون صورة القائد وهو يحتضن طفلاً، أو مشهدًا يظهر فيه وسط جماهير تهتف باسمه، أو مشهد في مطعم شعبي يتناول الطعام مع العامة. هذه اللقطات تُرسخ في الأذهان فكرة القائد العظيم، حتى وإن كانت مجرد لحظات مرتبة ومصطنعة. وكلما تكررت هذه المشاهد، تعمقت الفكرة في الوجدان، وتحولت إلى حقيقة لا تقبل الجدل.


لكن القصة لا تكتمل هنا، فصناعة القائد لا تتعلق فقط بإبراز صفاته، بل تتطلب أيضًا خلق أعداء وهميين، أعداء يُلقَى عليهم اللوم، ويُستخدمون كوقود لتعزيز صورة القائد كمدافع عن الحق والمظلومين، هذا التكتيك يُشعل مشاعر التعاطف والولاء، ويُضعف في الوقت ذاته قدرة الناس على التفكير النقدي.


غير أن هذا التلاعب لا يمر دون أثر، فحين يصبح الإعلام أداة للتضليل، يفقد الناس حرية اختيارهم، ويُختزل مفهوم القيادة إلى عروضٍ مزيفة على مسرح الجماهير وينقسم المجتمع بين مصدقٍ لهذا الوهم ومعارضٍ يشعر بالعجز أمام قوة الدعاية.


في النهاية، وفي ظل سيطرة الإعلام على صناعة القادة وصياغة الصور الذهنية، يصبح المطلوب منا كأفراد وجماعات أكثر إلحاحًا:


أولاً، علينا تطوير وعي نقدي قادر على التمييز بين الحقيقة والدعاية، وأن لا نقبل الروايات الإعلامية كما تُعرض دون تمحيص.


ثانيًا، يتعين علينا المطالبة بإعلام نزيه يلتزم بالشفافية ويعمل لصالح المجتمع بدلاً من التلاعب به.


وأخيرًا، يجب أن ندعم القادة الحقيقيين الذين يبنون إنجازاتهم على أسس واقعية ومبادئ صلبة، بدلاً من أن ننساق وراء بريق الصورة الإعلامية الزائفة. فالوعي والمساءلة هما السلاح الأقوى لمواجهة التضليل والتلميع، وبناء مستقبل يعتمد على الحقائق لا الأوهام.


ويبقى السؤال مفتوحًا: إلى أي مدى يمكننا مقاومة هذه الآلة الإعلامية الجبارة؟ الإجابة تكمن في وعينا، وفي رغبتنا الصادقة في البحث عن الحقيقة وسط ضباب الدعاية والأوهام؟

دلالات

شارك برأيك

صناعة القائد في وسائل الإعلام.. بين التلميع والتضليل

المزيد في أقلام وأراء

خلق الذرائع لمواصلة الفظائع

حديث القدس

لنمتلك شجاعة الاعتذار حتى نَجِد لأنفسنا مكاناً تحت الشمس

مروان أميل طوباسي

جنين.. دروس الماضي وأمل الحوار

المحامي محمد هادية

مخيم جنين .. نقطة تحول في المشهد الفلسطيني والشرق الأوسط

علاء كنعان

شباب غزة ومنظمة التحرير.. استعادة البوصلة الوطنية في زمن الارتباك

جواد العقاد

الدور التفاعلي لمناهج الدراسات الاجتماعية في المخيمات الشتوية

سارة محمد الشماس

تقليص مساحة غزة وتهجير أهلها.. أخطر المخططات الإسرائيلية

حديث القدس

2024 عام الزلازل و2025 عام الهزات الارتدادية

راسم عبيدات

غزة.. بداية عام جديد والإبادة مستمرة

بهاء رحال

رغم المجاعة.. التكافل في غزة بـ"الرغيف"

ريما محمد زنادة

وكالة الغوث.. ومعركة نزع الشرعية

فتحي كليب

مهابةُ الفكرةِ وهيبةُ المسيرةِ

عام التحديات

حديث القدس

ستون عاماً من الثورة.. النصر آت ؟

د. فوزي علي السمهوري

توثيق التعذيب في فلسطين.. بين الأمل بالإنصاف والتحديات العملية

سماح جبر

معركة غير متكافئة

حمادة فراعنة

الحرديم ولماذا يرفضون قانون التجنيد؟ حرب أهلية مقبلة

إسماعيل المسلماني

تمر الأعوام وتبقى الآلام

حديث القدس

انكشاف المستعمرة وعريها

حمادة فراعنة

2024 عام الكارثة والبطولة.. 2025 عام الحسم

هاني المصري

أسعار العملات

الأربعاء 01 يناير 2025 2:37 مساءً

دولار / شيكل

بيع 3.65

شراء 3.64

دينار / شيكل

بيع 5.15

شراء 5.12

يورو / شيكل

بيع 3.79

شراء 3.77

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%59

%41

(مجموع المصوتين 337)