أقلام وأراء
الثّلاثاء 31 ديسمبر 2024 9:29 صباحًا - بتوقيت القدس
نحن في حالة ضياع وتيه... والبداية من مخيم جنين
لا رؤية ولا استراتيجية موحدتين، ولا قيادات ترتقي إلى مستوى المخاطر والتحديات، والجميع يريد أن يثبت أنه الصح المطلق، أو مالك الحقيقة المطلقة، وهناك من يرى في نفسه ظل الله على الأرض، له الحق في التكفير والتخوين، ومنح صكوك الغفران، والباقي متآمرون على الوطن. وطن ضاع ويضيع بين خلافاتنا الداخلية، وبين مشاكل واحتراب عشائري وقبلي وأسري، ودم يسفك كل يوم وثمنه "فنجان القهوة" السحري، وخطب عصماء عن المحبة والتسامح والكرم العربي الأصيل، في وقت المعارك العشائرية والقبلية، تكشف عن عقليات "موغلة" في العشائرية والقبلية والجهوية. لا مساءلة ولا محاسبة ولا إعادة تربية، ولا تأهيل وتثقيف، وفساد مستشر يضرب الذيل قبل الرأس، ودين يُختطف ويوظف لخدمة أجندات ومصالح وأنظمة، وشعب "مطحون" تائه أعياه الفقر والجوع وبحثه عن لقمة العيش المغمسة بالدم في ظل احتلال يذيقه الويل عبر حواجز وبوابات الذل.
لا أعرف متى نستطيع الخروج من مرحلة بعد القاع، التي وصلنا إليها، ووصلت إليها كل دولنا العربية، التي لم تعد لا فلسطين ولا مقدساتها، لا بوصلتها ولا قضيتها المركزية. دعونا من الشعارات والخطابات ودغدغة العواطف والمشاعر، فهناك من كان في خطاباته النارية، تشعر بأن تحرير فلسطين على يديه قاب قوسين أو أدنى، ولتجد أنه فقط راقص على كل الحبال، وآخر همه فلسطين وشعبها وقضيتها.
حتى أسس الصراع تم العبث بها وحرفها عن قواعدها، بل الكثير من هذه الدول تحللت من التزاماتها القومية والوطنية، وأضحى التطبيع مع إسرائيل واحداً من أهدافها. دول تحتل وتدمر وتقسم وتجزأ، ومشاريع استعمارية تتقدم، ونحن متمترسون حول ماضوية قبل 15 قرناً، مذهبية مقيتة "سنة وشيعة"، وكأننا نُصر على أن نغرق في التيه والضياع، والمأساة بأن هناك فضائيات ووسائل إعلام، بإمكانياتها المالية الضخمة، تخترق وعي هذه الشعوب المطحونة، و"تفلتر"، وتضخ لها معلومات وأخباراً وتقارير بهدف تعميق الانقسامات والخلافات في صفوفها، واستمرار حرف بوصلتها. نحن أصبحنا كمن يرى الذئب ويقص على أثره.
الفصائل في زمن الثورة والمد القومي والوطني، كانت لديها رؤية واضحة، حول معسكري الأعداء والأصدقاء، وما هو استراتيجي وما هو تكتيكي، وكانت لديها ثوابت ومواقف وبوصلة لا تحيد عنها، اليوم تغيب البوصلة والرؤية، ونقف أمام قيادات تعتاش على تاريخ وإرث أحزابها، وسمعة وثورية قياداتها التاريخية، لم تعد الأحزاب جاذبة للناس، ولا حتى منتجة، بل هي أقرب إلى منظمات "الأنجزة" والتي باتت تخترقها، وتسعى إلى أن تكون البديل عنها، وأبعد من ذلك، هناك حالة عزوف وتراجع في الإقبال عليها. نحن نغرق في تيه الجهل والتخلف والغيبيات، والهروب من مواجهة مشاكلنا، نواجها بالأدعية، ونعود بالتاريخ إلى ماضوية نتغنى بها، لا نعمل لحاضرنا ولا نرسم آفاقاً لمستقبلنا، كلنا خبراء ومنظرون، ولكن في إطار الفعل والتطبيق، لا تجد من يريد أن يعمل أو يفعل أو يسهم في التغيير، كلنا خبراء تشخيص وطرح حلول، ولكن الكل يغيب عن تطبيق الحلول وترجمتها على أرض الواقع، لم تعد الأحزاب تستقطب النخب المجتمعية فكرية وثقافية وأكاديمية وإعلامية. أما النخب الفلسفية، فالفلسفة باتت حراماً شرعاً، لأنها تقود إلى الكفر، بل أصبحنا أسرى ورش العمل ولقاءات العصف الذهني ومخرجات لا يجري ترجمتها ولا تطبيقها. نتغنى بشعارات الوحدة الوطنية وننتظر أن تأتينا الحلول السحرية من الخارج، قضيتنا وأحزابنا يلعب في ملاعبها الكثيرون، من قلب تلك الأحزاب ومن خارجها، حتى بت على قناعة تامة بأن إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة ليست في أيدينا، بل نحن دمى نتحرك خدمة لأطراف خارجية، تريد لنا أن نستمر في التيه إلى يوم يبعثون، وأخشى أن نضيع كما ضاعت سوريا، وكما ضاع من قبلها العراق وليبيا والسودان. المخططات والمشاريع الاستعمارية أمريكية وأوروبية غربية تتقدم في المنطقة، ومشاريع تقسيم المقسم من أرضنا على خطوط المذهبية والطائفية والإثنية والعرقية مستمرة ومتواصلة، ونحن نصفق لها ونعتبرها انتصارات وإنجازات، ونريد دولاً ودساتير تتحدث عن الطوائف وحماية حقوق الأقليات، وفي مجتمعاتهم يتحدثون عن المواطنة، أي الوطن للجميع بغض النظر عن العرق والدين واللون والجنس. نحن تربينا على نظام المحاصصة والعشائرية والقبلية، وحتى أن بعض الجهلة والمتخلفين والمحجور على عقولهم، يريدون إلهاء الشعب عن قضاياه المركزية، نحو توافه الأمور. هل مسموح أن تعيد على أشقاء وأبناء الوطن في أعيادهم أم لا ؟ نحن "نوغل" في التيه ونغرق ونحرق كل أشرعة سفننا، ومن يخرقون السفينة ويحطمون أشرعتها كثر، ومن يعملون على الرتق أقلية، وأنا أقول بكل وضوح "اتسع الخرق على الراتق"، ونحن ندمر ذاتنا، فهل نجد ثلة من المخلصين الأوفياء الذين تتقدم مصالح الوطن على مصالحهم ومصالح قبائلهم وعشائرهم وطوائفهم وأحزابهم، أم سنستمر في التيه والضياع، حتى نصل مرحلة التبعثر والتفرق والتفكك والاندثار؟
ومن هنا أقول: إن ما يجري في مخيم جنين، تعبير عن عمق أزماتنا، وحالة الانهيار التي وصلنا إليها، ومهما تكن الخلافات، لا يجوز أن تصل بنا الأمور إلى حد فرض حصار على المخيم، تحت حجج وذرائع فرض القانون والنظام ومحاسبة الخارجين عن القانون، ونحن ندرك أن المخيم بكل أطيافه، لم يكن في يوم من الأيام حاضنة للخارجين عن القانون، بل دوماً كان المخيم العنوان الأبرز على الصعيدين الوطني والكفاحي، ولذلك هذه معركة الخاسر فيها الوطن، والمستفيد منها من هو على بعد كيلو مترات، يستبيح المخيمات والمدن والبلدات المجاورة، يقتل ويجرح ويعتقل ويدمر ويعد لمخططات الطرد والتهجير، ولذلك أقول: احفظوا للمخيم هيبته وكرامته، واحفظوا للوطن وحدته الوطنية، إن بقيت هناك وحدة وطنية، وكما يقول المأثور الشعبي العناد كفر، فاستمرار الحملة على مخيم جنين، خسارة كبرى، لا يمكن أن يمحوها الزمن، ومن يعتقد أنه في هذه الحملة يحمي مصالحه، أو كما يقولون حماية المشروع الوطني، فهو واهم، فلا أمريكا ولا إسرائيل، ستعطي شعبنا حقوقاً أو دولة، وهي تمارس التطهير العرقي والتهويد والضم، ونفي وجود شعب فلسطيني، بل ما يريدونه المزيد من الفوضى والاقتتال في الشارع الفلسطيني، حتى يحققوا أهدافهم ومشاريعهم.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
خلق الذرائع لمواصلة الفظائع
حديث القدس
لنمتلك شجاعة الاعتذار حتى نَجِد لأنفسنا مكاناً تحت الشمس
مروان أميل طوباسي
جنين.. دروس الماضي وأمل الحوار
المحامي محمد هادية
مخيم جنين .. نقطة تحول في المشهد الفلسطيني والشرق الأوسط
علاء كنعان
شباب غزة ومنظمة التحرير.. استعادة البوصلة الوطنية في زمن الارتباك
جواد العقاد
الدور التفاعلي لمناهج الدراسات الاجتماعية في المخيمات الشتوية
سارة محمد الشماس
تقليص مساحة غزة وتهجير أهلها.. أخطر المخططات الإسرائيلية
حديث القدس
2024 عام الزلازل و2025 عام الهزات الارتدادية
راسم عبيدات
غزة.. بداية عام جديد والإبادة مستمرة
بهاء رحال
رغم المجاعة.. التكافل في غزة بـ"الرغيف"
ريما محمد زنادة
وكالة الغوث.. ومعركة نزع الشرعية
فتحي كليب
مهابةُ الفكرةِ وهيبةُ المسيرةِ
عام التحديات
حديث القدس
ستون عاماً من الثورة.. النصر آت ؟
د. فوزي علي السمهوري
توثيق التعذيب في فلسطين.. بين الأمل بالإنصاف والتحديات العملية
سماح جبر
معركة غير متكافئة
حمادة فراعنة
الحرديم ولماذا يرفضون قانون التجنيد؟ حرب أهلية مقبلة
إسماعيل المسلماني
تمر الأعوام وتبقى الآلام
حديث القدس
انكشاف المستعمرة وعريها
حمادة فراعنة
2024 عام الكارثة والبطولة.. 2025 عام الحسم
هاني المصري
الأكثر تعليقاً
قرار بوقف بث وتجميد كافة أعمال فضائية الجزيرة والعاملين معها ومكتبها في فلسطين
في الذكرى الـ60 لانطلاقة "فتح".. تحديات راهنة وآفاق واعدة
حجب قناة الجزيرة في فلسطين.. محللون يعتبرونها خطوة متسرعة ويطالبون السلطة بالتراجع عنها
ارتفاع قيمة ضريبة المغادرة عبر معبر الكرامة
"حارس أملاك الغائبين".. الحرامي يسطو على أراضي السكان الأصليين
نادي الأسير: المخاطر على مصير د.حسام ابو صفية تتضاعف
2024 عام الكارثة والبطولة.. 2025 عام الحسم
الأكثر قراءة
الأمم المتحدة: تدمير إسرائيل المرافق الصحية بغزة "جريمة حرب"
في الذكرى الـ60 لانطلاقة "فتح".. تحديات راهنة وآفاق واعدة
قرار بوقف بث وتجميد كافة أعمال فضائية الجزيرة والعاملين معها ومكتبها في فلسطين
طلبة الإعلام في العربية الأمريكية يزورون "القدس"
هآرتس: اختفاء غزيين كانوا معتقلين لدى الجيش الإسرائيلي
القسام تقتل 5 جنود إسرائيليين من المسافة صفر في مخيم جباليا
2025 عام التحولات وسقوط الأقنعة والسرديات.. تحديات خطيرة تُحدّق بالقضية الفلسطينية
أسعار العملات
الأربعاء 01 يناير 2025 2:37 مساءً
دولار / شيكل
بيع 3.65
شراء 3.64
دينار / شيكل
بيع 5.15
شراء 5.12
يورو / شيكل
بيع 3.79
شراء 3.77
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%59
%41
(مجموع المصوتين 337)
شارك برأيك
نحن في حالة ضياع وتيه... والبداية من مخيم جنين