أقلام وأراء
الخميس 02 يناير 2025 8:56 صباحًا - بتوقيت القدس
وكالة الغوث.. ومعركة نزع الشرعية
لم يعد سراً القول إن إسرائيل ليست وحدها من تخوض معركة نزع الشرعية عن وكالة الغوث، بل هناك العديد من الدول التي تتشارك مع إسرائيل في هذه المعركة، بغض النظر عن مواقفها السياسية المؤيدة للوكالة ولدورها، وهي معركة لم تعد محصورة باتهامات ومزاعم إسرائيلية تعلم الدول المانحة للأونروا أنها كاذبة ومضللة، وتعلم أن الهدف هو ليس ما تدعيه إسرائيل وبعض الدول الحليفة لها، بل بدأت تمس خطوطاً حمراء ومصالح وحقوق أكثر من ستة ملايين لاجئ فلسطيني ما زالوا يتمسكون بحق العودة وفقاً للقرار الدولي رقم 194.
يخطئ من يعتقد أن الحرب الإسرائيلية المعلنة ضد وكالة الغوث بدأت في 7 أكتوبر، نتيجة اتهامات بمشاركة بعض موظفي الوكالة في تلك المعركة، ولا مع إقرار الكنيست الإسرائيلي لقانون يحظر أنشطة الأونروا في إسرائيل وفي الأراضي الخاضعة لسيطرتها، ولا بإلغاء اتفاقية المقر مع الأونروا والتي كان من نتيجتها سحب الاعتراف بوكالة الغوث، رغم أنها جزء من منظومة الأمم المتحدة وليست مؤسسة فلسطينية، بكل ما نتج عن ذلك من سحب للامتيازات والحصانات والإعفاءات المالية والضريبية والجمركية التي كانت هذه المنظمة تتمتع بها، استناداً لتلك الاتفاقية وإلى المادة 105 من ميثاق الأمم المتحدة، بل أن استراتيجيات التخلص من الأونروا بدأت منذ بداية العهد الأول للرئيس الأمريكي ترامب عام 2017، في إطار الخطة المعروفة بـ "صفقة القرن"، حيث احتلت مسألة استهداف الوكالة وإنهاء خدماتها موقعاً متقدماً في هذه الخطة.. ورغم رحيل ترامب، إلا أن إسرائيل واصلت استهدافها لوكالة الغوث، مستخدمة وسائل التحريض والكذب والتضليل سبيلاً لتحقيق هدفها بالتخلص من الوكالة وما ترمز إليه من بعد سياسي على تماس مباشر مع قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم بالعودة.
كان واضحاً أن هناك خطة وضعتها المؤسسات الإسرائيلية لكيفية التعاطي مع وكالة الغوث مستقبلاً، وقد انقسمت إلى مراحل ثلاث: "تشويه صورة الأونروا في أعين المانحين، وعدم السماح للأونروا بتقديم خدماتها بشكل مباشر، خاصة في القطاع، وطرح منظمات دولية بديلاً عنها، ونقل كل مهام وكالة الأونروا إلى الهيئة التي ستحكم غزة بعد انتهاء الحرب، وإلغاء الاتفاقية الموقعة من الأونروا. وقد عبر الأمين العام للامم المتحدة عن رفضه لهذه الخطة لأكثر من سبب منها: "أن كافة منظمات الأمم المتحدة غير مهيأة لتولي المسؤوليات التي تقوم بها الأونروا، وأن الكلفة التشغيلية للأونروا اقل بكثير من كلفة تشغيل وكالات أممية اخرى، ومثال ذلك أن"التكاليف مع الأونروا أقلّ بكثير من التكاليف مع الوكالات الأخرى. فالرواتب التي تدفعها الأونروا تمثّل ثلث الرواتب التي تدفعها اليونيسف أو برنامج الأغذية العالمي أو منظمات أخرى تابعة للأمم المتحدة".
رغم ذلك واصلت إسرائيل حملتها، ولم تترك وسيلة من وسائل الضغط إلا ولجأت إليها، فمارست كل أشكال التحريض الذي طال جميع مكونات الوكالة، سواء ما له علاقة بالبرامج والسياسات او المناهج التعليمية والموظفين والمنشآت، حتى وإن كان التحريض مضللاً ويفقتر إلى المصداقية، لكن الرسالة كانت بجعل هذه المنظمة الدولية موضع تشكيك دائم لإضعاف الثقة الدولية بدورها، تمهيداً لنزع مكانتها السياسية والقانونية التي يتأسس عليها حق العودة لملايين اللاجئين الفلسطينيين، وفقاً لقرار تأسيسها رقم 302 الصادر عن الأمم المتحدة في كانون الأول 1949.
لقد فشلت إسرائيل في كافة محاولاتها التي هدفت، كما ذكر المفوض العام في اكثر من مناسبة، إلى نزع الشرعية عن وكالة الغوث. لكن فشل تلك المحاولات لم يكن يعني للحظة طي ملف الحرب على الوكالة، بل استمرت إسرائيل وحلفاؤها في حربهم بأكثر من شكل. وأطلق القرار الجماعي لنحو 18 دولة في بداية عام 2024 بتعليق التمويل ناقوس خطر قد يتواصل ويتفاعل خلال الأشهر القادمة، حتى ولو أن معظم الدول استأنفت تمويلها، نتيجة الإحراج الذي تسببت به إسرائيل بعدم تقديمها ما يثبت صحة اتهاماتها ضد وكالة الغوث.
التطور الجديد الذي يُخشى منه هو ما اعلنته دولتان مانحتان قبل أيام بتقديم دعم مالي كبير لمنظمات دولية غير وكالة الغوث، ما يؤشر إلى خطر داهم يجب التصدي له منذ الآن على المستويات الدولية والعربية والفلسطينية. فقد أعلنت حكومة السويد مثلاً أنها ستتوقف عن تمويل وكالة الغوث وستزيد بدلاً من ذلك إجمالي المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر قنوات أخرى (72.44 مليون دولار). كما أعلنت الحكومة اليابانية أنها ستقدم مساعدات جديدة لفلسطين (بنحو 100 مليون دولار أمريكي)، وسيخصص هذا المبلغ لدعم السلطة الفلسطينية، والرعاية الصحية، والمأوى، والتعليم، والدعم النفسي والاجتماعي، والصناعة، وتوفير الغذاء، وذلك من خلال منظمات دولية غير وكالة الغوث.
على أهمية الدعم الياباني والسويدي، لكن استثناء وكالة الغوث من هذا الدعم يضع أكثر من علامة استفهام حول صدقية الموقف لهاتين الدولتين اللتين ما زالتا حتى اللحظة تؤكدان دعمهما السياسي للأونروا، بل ان تكريس المنظمات البديلة عن وكالة الغوث يشكل شراكة مباشرة مع إسرائيل في موقفها من وكالة الغوث.
فإسرائيل ومنذ العام 2017 تدعو إلى استبدال الأونروا بمنظمات بديلة تقدم الخدمات إلى اللاجئين الفلسطينيين نيابة عنها، وهي لهذا السبب، لا غيره، استهدفت مخازن ومقرات الأونروا في قطاع غزة، ودمرت مدارسها ومقراتها الصحية، وقتلت العشرات من موظفيها، ومنعتها من ممارسة دورها في إسرائيل، وغير ذلك من إجراءات كان هدفها منع الأونروا من أداء وظيفتها، ووضع العالم امام أمر واقع يقود بالنهاية إلى إيجاد منظمات دولية تقدم الخدمات إلى اللاجئين بما يساهم في الخلاص التدريجي من وكالة الغوث.
في العام 2022 قال المفوض العام لوكالة الغوث: "من الممكن حل المشكلة من خلال تقديم الخدمات من منظمات دولية نيابة عن الأونروا"، وقد جوبهت هذه المواقف برفض رسمي وفصائلي وشعبي فلسطيني واسع دفعت المفوض العام إلى إعلان التزامه بنص المادة 18 من القرار 302 التي تشير إلى التعاون والتنسيق مع منظمات الأمم المتحدة، وليس تقديمها الخدمات نيابة عن الأونروا. وما أثار قلق اللاجئين أن تصريحات المفوض العام بشأن "إمكانية" إحالة الخدمات إلى هيئات الأمم المتحدة التقت مع مواقف علنية لرئيس وزراء إسرائيل نتنياهو عام 2017 عندما دعا صراحة إلى إلغاء وكالة الغوث وإحالة خدماتها إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.
يبدو واضحاً أن إعلان المفوض العام التزامه بنص المادة 18 لم يكن كافياً ولم يردع إسرائيل وبعض الدول من تكرار محاولاتهم لايجاد منظمات بديلة تقدم الخدمات نيابة عن الأونروا، وهنا تكمن خطوة الحكومة السويدية، والتي رغم أنها أعلنت أن سبب خطوتها وقف تمويل الأونروا هو الحظر الإسرائيلي الذي سيجعل توجيه المساعدات للفلسطينيين عبر الوكالة أكثر صعوبة، أي المعنى المراد أن السويد لم تتصرف وفقاً لسياستها الخارجية المعلنة بدعم وكالة الغوث ووفقا للقيم التي تلتزم بها خاصة حقوق الإنسان والعدالة، بل استناداً إلى أمر واقع تعمل إسرائيل على فرضه والسويد تجاوبت معه.
هناك بعض الفلسطينيين من يحاول دفن رأسه في الرمال حين يطمئن ويعتبر أن القرار 302 ما زال يشكل حماية للوكالة التي ما زالت تحظى بثقة الأسرة الدولية داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، وإن كنا نوافق على صحة هذا الاستنتاج بشكل نسبي، لكن الذي يحصل أن استهداف وكالة الغوث يأتي عبر عناوين ليس من ضمنها إلغاء القرار 302، بل من خلال التحريض على الوكالة، موظفين ومناهج تعليمية، وعبر دفع الدول المانحة لقطع تمويلها عن الوكالة، وبالتالي فما يجري هو العمل على إنهاء الوكالة من داخلها وإفراغها من اي مضمون سياسي واجتماعي واقتصادي بالضغط على الدول المانحة لوقف تمويلها لتقدم المنظمات الدولية كبديل عن الأونروا. وهنا تكمن الخطورة في الدعم السويدي والياباني بتوجيهه إلى منظمات بديلة، بما يساهم في مخطط نزع الشرعية عن وكالة الغوث.
الدعم السويدي والياباني وغيره من كافة الدول المانحة هو أمر مقدر ويجب زيادته ليكون منسجماً مع الاحتياجات المتزايدة، غير أن المطلوب هو دعوة الدول المانحة التقليدية والمستجدة إلى التوازن في توزيع مساهماتها المالية على الأولويات الأساسية للاجئين، ومن خلال الأونروا وليس منظمات بديلة،
لأن تكرار هذا الأمر وتعميمه على دول مانحة أخرى من شأنه أن يحقق الهدف الإسرائيلي الفعلي، وهو إفراغ وكالة الغوث من مضمونها من خلال التمويل وجعلها وكالة مفلسة، وهذا ما سيدفع ببعض الدول المانحة إلى توجيه مساهماتها المالية باتجاه منظمات بديلة بذريعة الصعوبة في إيصال الخدمات إلى مستحقيها، كما بررت السويد موقفها. وبالتالي بدلاُ من معاقبة إسرائيل على خرق التزامها وتعهداتها بعدم احترام ميثاق الأمم المتحدة وتسهيل عمل منظماتها، يتم تقديم هدية من الدول المانحة لإسرائيل بتسهيل مخططاتها، رغم يقينها أن هذه المخططات لا تستند إلى أي سند قانون أو سياسي.
إن ما يجب التأكيد عليه هو أن القوانين والقرارات التي اتخذتها إسرائيل، وإن كانت تشكل خطورة كبيرة ونقلة نوعية في التعاطي مع واحدة من أكثر منظمات الأمم المتحدة شمولية وعملانية، خاصة لجهة تداعياتها السياسية والإنسانية، إلا أن تأثيرها على حق العودة سيبقى محدوداً، خاصة إذا ما توافرت الإرادة لدى الأمم المتحدة والدول الداعمة للوكالة وولايتها، وفي رفض القوانين والإجراءات الإسرائيلية، وعدم التعاطي معها وجعلها أمراً واقعاً. فحق العودة لا يستمد قوته فقط من وجود وكالة الغوث، على أهمية وجود الوكالة. وقد جاء رد الأمم المتحدة على رسالة إسرائيل بإلغاء اتفاقية المقر لعام 1967 ومواقف العديد من المسؤولين الدوليين لتؤكد على جملة من البديهيات: رغم الخطورة التي يشكلها قانون الأونروا وإلغاء اتفاقية المقر، كونه سيزيد من المعاناة الإنسانية للاجئين الذين يعتمدون على خدمات الأونروا بشكل كامل، إلا أنه لن يؤثر على وجود الوكالة الموجودة بتفويض أممي. كما أن حظر عمل الوكالة سيعني ان إسرائيل كونها السلطة القائمة بالاحتلال ستكون هي المعنية عن الجوانب الإنسانية للاجئين في الضفة وقطاع غزة.
بالرغم من كل ذلك، لا يجب التقليل من خطورة الحرب الإسرائيلية على وكالة الغوث التي تشكل إحدى المكانات التي يتأسس عليها حق العودة، وما طرحته القوانين الإسرائيلية هو فتحها لمعركة جديدة ستضاف إلى سلسلة المعارك الوطنية التي يخوضها الشعب الفلسطيني. لأن إسرائيل، وإن كانت قادرة على أن تفرض تطبيق القانون بقوتها العسكرية والاحتلالية في الضفة الغربية وقطاع غزة، فهي غير قادرة على المس بوكالة الغوث وشرعيتها وتفويضها الدولي، ما يجعل من هذه المعركة معركة رابحة بالضرورة كونها معركة الدفاع ليس فقط عن قضية اللاجئين وحق العودة والأونروا، بل وأيضاً معركة الدفاع عن الأمم المتحدة وقراراتها، بل صدقية المنظومة الدولية برمتها.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
الشخصيات الافتراضية بالذكاء الاصطناعي: استثمار Meta في مستقبل التفاعل الرقمي
بقلم : صدقي ابوضهير / باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
الذكاء الاصطناعي: الأمل التكنولوجي في مواجهة الاحتلال
بقلم عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
دروس "الطوفان" وارتداداته (1)... قول في النصر والهزيمة
د. اياد البرغوثي
النقابة لا النيابة!
ابراهيم ملحم
خلق الذرائع لمواصلة الفظائع
حديث القدس
لنمتلك شجاعة الاعتذار حتى نَجِد لأنفسنا مكاناً تحت الشمس
مروان أميل طوباسي
جنين.. دروس الماضي وأمل الحوار
المحامي محمد هادية
مخيم جنين .. نقطة تحول في المشهد الفلسطيني والشرق الأوسط
علاء كنعان
شباب غزة ومنظمة التحرير.. استعادة البوصلة الوطنية في زمن الارتباك
جواد العقاد
الدور التفاعلي لمناهج الدراسات الاجتماعية في المخيمات الشتوية
سارة محمد الشماس
تقليص مساحة غزة وتهجير أهلها.. أخطر المخططات الإسرائيلية
حديث القدس
2024 عام الزلازل و2025 عام الهزات الارتدادية
راسم عبيدات
غزة.. بداية عام جديد والإبادة مستمرة
بهاء رحال
رغم المجاعة.. التكافل في غزة بـ"الرغيف"
ريما محمد زنادة
مهابةُ الفكرةِ وهيبةُ المسيرةِ
عام التحديات
حديث القدس
ستون عاماً من الثورة.. النصر آت ؟
د. فوزي علي السمهوري
توثيق التعذيب في فلسطين.. بين الأمل بالإنصاف والتحديات العملية
سماح جبر
معركة غير متكافئة
حمادة فراعنة
الحرديم ولماذا يرفضون قانون التجنيد؟ حرب أهلية مقبلة
إسماعيل المسلماني
الأكثر تعليقاً
دروس "الطوفان" وارتداداته (1)... قول في النصر والهزيمة
قرار بوقف بث وتجميد كافة أعمال فضائية الجزيرة والعاملين معها ومكتبها في فلسطين
حجب قناة الجزيرة في فلسطين.. محللون يعتبرونها خطوة متسرعة ويطالبون السلطة بالتراجع عنها
في الذكرى الـ60 لانطلاقة "فتح".. تحديات راهنة وآفاق واعدة
مقتل عنصر من الأجهزة الأمنية بحادث عرضي في مخيم جنين
نادي الأسير: المخاطر على مصير د.حسام ابو صفية تتضاعف
"حارس أملاك الغائبين".. الحرامي يسطو على أراضي السكان الأصليين
الأكثر قراءة
دروس "الطوفان" وارتداداته (1)... قول في النصر والهزيمة
نواب في الكنيست يطالبون "كاتس" بتدمير كافة مصادر الماء والغذاء والطاقة في قطاع غزة
شهادات جديدة لعدد من معتقلي غزة في سجن "النقب"
قرار بوقف بث وتجميد كافة أعمال فضائية الجزيرة والعاملين معها ومكتبها في فلسطين
في الذكرى الـ60 لانطلاقة "فتح".. تحديات راهنة وآفاق واعدة
القبض على "عزرائيل" سجن صيدنايا في سوريا
وزيرة خارجية ألمانيا من دمشق: أوروبا لن تمول "هياكل إسلامية"
أسعار العملات
السّبت 04 يناير 2025 10:26 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.65
شراء 3.64
دينار / شيكل
بيع 5.15
شراء 5.12
يورو / شيكل
بيع 3.75
شراء 3.72
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%59
%41
(مجموع المصوتين 345)
شارك برأيك
وكالة الغوث.. ومعركة نزع الشرعية