أقلام وأراء
الثّلاثاء 31 ديسمبر 2024 9:28 صباحًا - بتوقيت القدس
حسام أبو صفية.. الطبيب يتحدى الإبادة
في مشهد ربما غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية، انتشرت صورتان للطبيب الإنسان د. حسام أبو صفية، الأولى وهو يسير مرتدياً زيه الطبي بما يحمله من رسالة إنسانية تجاوزت قسم أبوقراط وسط دمار الإبادة الرهيب الذي سَوّى بيوت ومنشآت شمال قطاع غزة بالأرض، متوجهاً نحو دبابة إسرائيلية لم تفرغ بعد من زراعة الموت وحصد الأرواح. كان يتقدم بخطوات واثقة تحمل رسالة الحياة في وجه القتلة المرتجفين إلا من وحشية القتل، مختبئن داخل قمرة دبابتهم لإنجاز مهمة استكمال الإبادة التي أمرهم بها المجرم نتنياهو . أما الصورة الثانية، فقد أظهرته يدخل بوابة قمرة الدبابة، مختفياً إلى مصيره كما مصير آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين يساقون إلى معسكرات الاعتقال الفاشية .
توقفت قلوب كل من سمع وشاهد الطبيب حسام على مدار أشهر الحرب يبث رسالة الصمود التي أظهرها أهل غزة، وفي مقدمتهم الكوادر الطبية، الذين تفوقوا على أنفسهم في الوفاء لرسالة الحياة. فكان ذلك للقتلة سبباً لاغتيال المئات منهم، وتدمير عشرات المنشآت الطبية، ومئات سيارات الإسعاف، والتي كان آخرها اغتيال مستشفى الشهيد كمال عدوان، الذي قاد صمود رسالته د. حسام أبو صفية .
أعاد اعتقال حسام للذاكرة التي لم تجف بعد مشهد اعتقال د. عدنان البرش جراح العظام الشهير ورئيس قسم جراحة العظام في مستشفى الشفاء، الذي تُوِّجَ بفعل تضحياته متنقلاً من مشفى إلى بقايا آخر لإنقاذ حياة الجرحى، بوسام الحياة المستحق الذي يتحدى ما يزرعه المجرمون من موت. الخوف على حسام هو أن يلقى مصير عدنان شهيداً تحت التعذيب في سجن "سدي تيمان"، الذي شهد فضائح اغتصاب للأسرى يندى لها جبين الإنسانية. فعنصرية الفاشيين على ما يبدو تستكثر على الفلسطينيين مثل هذه الكفاءات الرفيعة، والالتزام الوطني الذي لم يشهده تاريخ المنطقة. فكلاهما كان بإمكانه أن يغادر القطاع، وليس فقط رأس عملهما، إلا أن ضميرهما الطبي ورسالتهما الإنسانية وقفت خلف مواقفهما البطولية، في مواجهة الإبادة والتهجير.
لم يتورع عسكر الفاشية الجديدة من قتل نجل د. حسام الشهيد إبراهيم خلال اقتحام المستشفى في 26 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كي يجبروه على مغادرة المستشفى، إلا أن إصراره على الوقوف على قيادة طاقمه الطبي جعله يختار دفن فلذة كبده تحت جدار المشفى، مصلياً عليه والدموع تملأ عينيه. فليس هناك أقسى من مثل هذا المشهد. كما أن إصابته المباشرة في قدمه بنيران الغزاة، لم تدفعه لتغيير موقفه، بل زاده إصراراً على البقاء.
هؤلاء هم الأبطال الحقيقيون، وقد تطرقت في مقال سابق لنماذج مشرفة من أمثالهم في قطاع غزة، والذين صمدوا فيه، ولا يجدون وقتاً سوى لإنقاذ أرواح الناس، يمدونهم بما توفر من شريان الحياة ، ولعل رجال الدفاع المدني، الذين يُضَحون بأرواحهم لإنقاذ طفلة ما زالت قادرة أن تصرخ بألمها تحت الأنقاض، ومُعَداتهم الوحيدة هي أيديهم المجردة، وإرادتهم التي لا تهتز، يعتلون قائمة شرف البطولة التي لا تنتهي، بل وتمتد لكل غزيٍّ يكافح من أجل النجاة والحياة والحرية والكرامة الإنسانية .
حتى كتابة هذه السطور لم يعرف مصير حسام أبو صفية، ولكنه بكل تأكيد استحقّ وسام البطولة، كما يستحقه المليونا فلسطيني في قطاع غزة، الذين تُركوا وحيدين يواجهون مصيرهم بين الإبادة والتهجير. ويبدو أن الأشقاء أيضاً قد تخلوا عن هذا الجزء العزيز من فلسطين، والذي طالما كان رافعة الوطنية الفلسطينية وحارسها الأمين. فهل هي صدفة أنه في الوقت الذي كانت قوات الاحتلال تُجهِز على مستشفي كمال عدوان، كانت تصوب رصاصة إلى الصحافية الشهيدة شذى الصباغ في جنين، لتغتال معها رسالة الشهيد كمال عدوان القائد الفتحاوي المؤسس، الذي سقط شهيداً مع القائدين أبو يوسف النجار وكمال ناصر برصاص المجرم إيهود باراك في عملية الفردان الشهيرة في بيروت عام 1973؟!
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
خلق الذرائع لمواصلة الفظائع
حديث القدس
لنمتلك شجاعة الاعتذار حتى نَجِد لأنفسنا مكاناً تحت الشمس
مروان أميل طوباسي
جنين.. دروس الماضي وأمل الحوار
المحامي محمد هادية
مخيم جنين .. نقطة تحول في المشهد الفلسطيني والشرق الأوسط
علاء كنعان
شباب غزة ومنظمة التحرير.. استعادة البوصلة الوطنية في زمن الارتباك
جواد العقاد
الدور التفاعلي لمناهج الدراسات الاجتماعية في المخيمات الشتوية
سارة محمد الشماس
تقليص مساحة غزة وتهجير أهلها.. أخطر المخططات الإسرائيلية
حديث القدس
2024 عام الزلازل و2025 عام الهزات الارتدادية
راسم عبيدات
غزة.. بداية عام جديد والإبادة مستمرة
بهاء رحال
رغم المجاعة.. التكافل في غزة بـ"الرغيف"
ريما محمد زنادة
وكالة الغوث.. ومعركة نزع الشرعية
فتحي كليب
مهابةُ الفكرةِ وهيبةُ المسيرةِ
عام التحديات
حديث القدس
ستون عاماً من الثورة.. النصر آت ؟
د. فوزي علي السمهوري
توثيق التعذيب في فلسطين.. بين الأمل بالإنصاف والتحديات العملية
سماح جبر
معركة غير متكافئة
حمادة فراعنة
الحرديم ولماذا يرفضون قانون التجنيد؟ حرب أهلية مقبلة
إسماعيل المسلماني
تمر الأعوام وتبقى الآلام
حديث القدس
انكشاف المستعمرة وعريها
حمادة فراعنة
2024 عام الكارثة والبطولة.. 2025 عام الحسم
هاني المصري
الأكثر تعليقاً
قرار بوقف بث وتجميد كافة أعمال فضائية الجزيرة والعاملين معها ومكتبها في فلسطين
في الذكرى الـ60 لانطلاقة "فتح".. تحديات راهنة وآفاق واعدة
ارتفاع قيمة ضريبة المغادرة عبر معبر الكرامة
"حارس أملاك الغائبين".. الحرامي يسطو على أراضي السكان الأصليين
حجب قناة الجزيرة في فلسطين.. محللون يعتبرونها خطوة متسرعة ويطالبون السلطة بالتراجع عنها
نادي الأسير: المخاطر على مصير د.حسام ابو صفية تتضاعف
تقرير للأمم المتحدة: النظام الصحي في غزة على شفير الانهيار التام
الأكثر قراءة
الأمم المتحدة: تدمير إسرائيل المرافق الصحية بغزة "جريمة حرب"
في الذكرى الـ60 لانطلاقة "فتح".. تحديات راهنة وآفاق واعدة
قرار بوقف بث وتجميد كافة أعمال فضائية الجزيرة والعاملين معها ومكتبها في فلسطين
طلبة الإعلام في العربية الأمريكية يزورون "القدس"
هآرتس: اختفاء غزيين كانوا معتقلين لدى الجيش الإسرائيلي
القسام تقتل 5 جنود إسرائيليين من المسافة صفر في مخيم جباليا
2025 عام التحولات وسقوط الأقنعة والسرديات.. تحديات خطيرة تُحدّق بالقضية الفلسطينية
أسعار العملات
الأربعاء 01 يناير 2025 2:37 مساءً
دولار / شيكل
بيع 3.65
شراء 3.64
دينار / شيكل
بيع 5.15
شراء 5.12
يورو / شيكل
بيع 3.79
شراء 3.77
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%59
%41
(مجموع المصوتين 337)
شارك برأيك
حسام أبو صفية.. الطبيب يتحدى الإبادة