أقلام وأراء

الأحد 16 يونيو 2024 9:33 صباحًا - بتوقيت القدس

شرق الكتابة ونقد الصهيونية

تلخيص

في كتابها المعروف: (مفترق طرق اليهودية ونقد الصهيونية)، لجوديث بتلر، ترجمة نور حريري، تستمر الفيلسوفة بتلر في فكرة أبعد من الفلسفة المضادة أخلاقياً للاستعمار، وتقويض نهاية ثنائية العنف الاستعماري وتكريسه في فلسطين، السلام الذي ليس بأيّ حال من الأحوال صنو اللاعنف والعدالة، يطرح سؤالاً سياسياً ثقافياً في آن، عن الدور البشري لممارسة وظيفته نحو تحقيق سلام عادل ينهي تاريخاً طويلاً من الاستعمار التوسعي للمنطقة المحتلة، تذكيرًا بسؤال محمود درويش: "كيف أن الصهيوني هو سمسار الدم اليهودي؟"، والفكرة ميلاد البحث عن الحقيقة في رحم مستوطنة مدمنة القتل ونسف المدن وشراء الفوضى وتسويقها الكارثي، في بعد آخر؛ يولد طفلٌ عمره يوم واحد ولم يُسَمَّ إلى الآن، بعد العثور عليه خلال قصف طائرات الإبادة. يولد طفل آخر عربي فلسطيني في ساحة البلاد المذبوحة بالتدمير والممتلئة بحرية اليد المبدعة رغم كل المأساة، يطرح بنفسه كل الأسماء التاريخية والحديثة التي تعيشها الأراضي المحتلة في جغرافيات مهددة بالمحو في الداخل المحتل لفلسطين التاريخية، صرخة الأبدية واحدة، فعلت الصهيونية هناك كل مكبلات التحرير: السلاح والفوضى، وفرض نظام تعليمي يقيد الهوية العربية (تعليم التانخ) فرضاً استعمارياً، وصولاً لصياغة حمقاء؛ الوطن البديل بالتهجير داخل البلاد! ذلك سؤال الوقت والحدث، بالإجابة المستمرة والثورة في أعمدة العمل الوطني الثائر بالواقعية العربية والفلسطينية الحيّة بفعل تمزيق خرائط التكنولوجيا البديلة ووصاياهم الكلاسيكية المزيفة، في حين لا تزال خريطة واحدة عليها كل ما يجتمع البشر والكائنات في أرض فلسطينية لا تقبل الثنائيات ولا البديل.


كيف يمكن ترجمة الخطابات الدينية إلى خطابات عامة وأنماط ديمقراطية من المشاركة والتفكير، مع استتباع ضمني بأن تُبطل الترجمة الخطاب الأول لمصلحة الثاني، الافتراض أن الدين شكل من الخصوصية أو القَبَلية أو الجماعانية، ترجمته إلى لغة مشتركة أو عقلانية من أجل أن يكون له مكان مشروع محدد في الحياة العامة، تفترض مفردات المناقشة في كثير من الأحيان وجود لغة عامة مشتركة، أو شكلاً من المنطق الصحيح لا يكون في حد ذاته سياسياً دينياً للتأويل من أجل غرس جذور الاحتلال في الوعي والأرض، وإنما يمكن أن يقوم بوظيفة الوسيط للمطالبات الدينية الأخلاقية، بخلاف ذلك: تهدد صهينة الدين والهجرة الاستيطانية في منهجية غير عادلة -من حيث الاستخدام- بأن يصبح أساس الخطاب العام والمشاركة السياسية والأرضية المشرعنة (للدولة) نفسها، وهي المستعمرة.


الأخلاق والسياسة

ينعكس ذلك في مسار القهر الاستعماري الممارس من حيث اختراع الوصايا والصهيونية الجديدة في شرعنة الدين ليهودية الدولة الآيديولوجية، وطرد الفلسطينيين وحرمانهم من العودة إلى الأراضي المستولى عليها بالقوة والعنف، في مقابل تصادم الطوائف اليهودية المنقسمة حول الانخراط في كيفية الممارسة الدينية للاستلاب والاستيلاء الكامل على الأرض، وتهجير السكان الأصليين من أوطانهم واستمرار التهجير، وجلب المستعمرين من الخارج، وطوائف تعايش يفتقد في طرحه الخصوصية الجامعة ، وهنا يتدخل نص بتلر "من أجل نجاح مشروعات التعايش المشترك لا يمكن أن ينجح إلا بعد تفكيك الصهيونية السياسية".


جاء خطاب جوديث بتلر بعد السابع من أكتوبر، في مقالة متسرعة حول الحدث الذي ولد في فلسطين المحتلة، وشكل لها ذلك هجوماً من النقد، إلى أن شكل الدم الفلسطيني النازف بفعل أسلحة الإبادة في عصرها عصر الموت الجماعي والصمت، خطاباً أخلاقياً سياسياً واضحاً، حيث قالت في محاضرة: "أعتقد أن من الأصح من الناحية التاريخية أنه من الغباء ربط العنف بما يحدث للإسرائيليين، فالعنف ضد الفلسطينيين موجود منذ عقود". وتساءلت بتلر لماذا لا يُعدّ قتل النساء في شوارع رفح قضية غربية ونسوية؟ وما حدث كان نابعاً من حالة القهر الذي تعيشه فلسطين.


الخروج عن الفلسفة

يضعنا درس التاريخ أمام الحقيقة لا الحقائق، يعطينا النهج لا المنهجية، والفروق بينهم واضحة، في الحقيقة أن الاستعمار تعددت دراساته لمراحل استمراره وما بعد انتهائه، وإن تولدت الأمراض داخل أنظمة لا تحاول تتبع مسار الفهم والوقوف عند الحقيقة، وتتبع النهج الأصح والعمل الجاد لإيقاف المنهجية المهزلة التي تدمر الكون، الحقيقة والنهج في فلسطين يعودان للفرد إلى دراسة التعرف على الأصول التي ولدت معها المعاناة الطويلة والسلب والقضية من الأساس، فاغتيال العقل وتدمير الوعي، هو أيضاً هدف استعماري، والقلم الجريء يتبع مفكرين انتقدوا الفكر التوسعي الاستعماري، وتقسيم العالم عبر مشاريع رأسمالية مدمرة في الاعتذارية الغربية للأنظمة. في غزة الحديث والوصف أقل بكثير مما يصف المشاهد اليومية والحياتية الواقعة في مشهد على مرأى الكون يلتحق معه من يحاول الركوب في عجلة خلق أعذار للاستعمار، تلك لا يمكن أن تستمر إلا في "صهر الوعي "والبشر وخلق المزيد من الكوارث في عالم منهار معلق في "عار التاريخ" الذي تحاول الشعوب في وحدتها الواضحة التخلص منه لأجل ما يجمعها من تجارب وثقافات وعلاقات عاشت معها، ولم تترك لهم الأنظمة الاستعمارية مساحة لتحقيق هذا الهدف البشري السامي. وغزة وأنا ابن هذه المدينة لسان حالها أصبح على رأس قلب المرء وعينيه الشاهدة، غزة الدرس المؤلم في زمن الموت والإبادة المستمرة، أليس ذلك تناقضاً واضحاً لا يحتاج للمزيد من الوقت والأعذار، فكيف تكون الأخلاق السياسية وخطاباتها في الكون مقابل مشهد الموت غير العادي والذي صار ضد الطبيعة والعقل، وصار خارجاً بثوب جديد يمنع العيش أصلاً، يمكن أن تجيب على كل ذلك، عبارة قصيرة من أطفال غزة عن بشاعة الحرب والتهجير والجوع والخوف.. كثيرة هي الأفكار النقدية والمدارس التي واجهت من حيث أبجديات قاعدة العدالة وهي هدف الثقافة والعلم، لكن المرء عليه أن يعود بنفسه إلى نفسه، ويشرح للكون الحدث ونشأته؟ ولماذا استمرار بقائه؟ كل ذلك من أجل فوضى تعطي الإمبريالية مركز الحكم والتحكيم، وشعوب تعيش تحت فقدان الإرادة، فلسطين درس التاريخ وبيانه المستمر منذ توريث الاستعمار البريطاني والصهيوني وكل استعمار سابق.. القدس المحتلة تعيش أسوأ الحياة من المنع والسيطرة في مستعمرة العقاب، في الضفة الغربية للمستعمرين حضور متطرف على الطرقات والعربدة، والصهيونية الحاكمة تفكر كيف تخلق باستمرار أسوأ الظروف للحياة والمعيشة للفلسطينيين، وفي غزة وعموم فلسطين الاَثار الكاملة لمعنى الاحتلال، ومن يقرأ ويشاهد الحاضر، يدرك التاريخ والمستقبل، والباحث في حقول المعرفة التاريخية يعطي للسياسي درساً أكثر قوة وبلاغة عن مسارات عمل المستعمر وخرائطه الكبرى التي تهدد البشر والجغرافيا من بقايا الاستعمار، فإن تنفيذ الفكر الأخلاقي يبدأ باستقلال الأوطان والإنسان، ومد الوعي والمعرفة في وجدان الأمم والأجيال ضد منافذ مفتوحة على تهجير أهل الأرض ومحو روايتهم الأصلية الحقيقية؛ وهي الباقية في أوصال الحرية والعدالة.


......

غزة الدرس المؤلم في زمن الموت والإبادة المستمرة، أليس ذلك تناقضاً واضحاً لا يحتاج للمزيد من الوقت والأعذار، فكيف تكون الأخلاق السياسية وخطاباتها في الكون مقابل مشهد الموت غير العادي، الذي صار ضد الطبيعة والعقل.

دلالات

شارك برأيك

شرق الكتابة ونقد الصهيونية

المزيد في أقلام وأراء

التمويل الجماعي.. الآفاق والتحديات

د. محمود عبد العال فرّاج

الضم والإبادة وجهان لحرب واحدة

جمال زقوت

سموتريتش يسرع اجراءات تقويض السلطة الوطنية

حديث القدس

ضجة إسرائيلية مقصودة

حمادة فراعنة

تغيير السلطة شرط لبقائها وعدم تحوّلها إلى سلطة عميلة

هاني المصري

الجيش والحكومة الإسرائيلية: صراع الإستراتيجية والمكانة

مهند مصطفى

من المسؤول قانونيًا عن إعمار غزة وتعويض الفلسطينيين؟

محمود الحنفي

شيخ الجغرافين د. كمال عبد الفتاح يجوب بنا فلسطين

يعقوب عودة

العامل الفلسطيني خسر مصدر رزقه واقترب من كارثة حقيقية

ضياء الدين الحسيني

تغريب التعليم و التعلم

فواز عقل

الشباب والإبادة الجماعية.. من الصمود إلى مكافحة تجار الحروب

يحيى قاعود

نحن مَن يهمنا الأمر

حمدي فراج

ضجة إسرائيلية مقصودة ومفتعلة

حمادة فراعنة

غير العرب وغير المسلمين

أحمد رفيق عوض

خيارات نتنياهو

فتحي أحمد

صباح الخير لأحبة الأرض.. عمالاً وطلاباً وفلاحين

يعقوب عودة

حان الوقت لتعترف أستراليا بفلسطين

فاطمة بايمان

الغطرسة الإسرائيلية التي أنتجت 7 أكتوبر

محمود علوش

هل تؤثر انتخابات جنوب أفريقيا على موقفها من قضية فلسطين؟

بدر حسن شافعي

مؤتمر أوكرانيا في سويسرا

حمادة فراعنة

أسعار العملات

الإثنين 24 يونيو 2024 10:48 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.76

شراء 3.75

دينار / شيكل

بيع 5.35

شراء 5.32

يورو / شيكل

بيع 4.08

شراء 4.01

بعد سبعة أشهر، هل اقتربت إسرائيل من القضاء على حماس؟

%17

%83

(مجموع المصوتين 482)