Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الثّلاثاء 15 أبريل 2025 9:21 صباحًا - بتوقيت القدس

سيكولوجيا البوابات.. هندسة القهر في الجغرافيا الفلسطينية

في محاولة تبدو توعوية، شاهدت مقطعاً قصيراً على صفحات إعلاميين رسميين، وعشرات المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، جميعها تشرح دلالات ألوان البوابات المنتشرة على مداخل المدن والقرى الفلسطنية، كان الهدف المعلن هو رفع "الوعي" حول دلالة اللون المستخدم، بما يساعد الناس على التصرف وفقا له، لكن ما غاب عن هذا الخطاب أو غيره، هو أن شرح أدوات القهر لا يؤدي إلى تفكيكها، بل يسهم – عن غير قصد – في ترسيخها في الوعي الجمعي، بوصفها مكوناً من مكونات نظام يبدو كما لو أنه "طبيعي" في الحياة اليومية تحت الاحتلال، فيقدم اللون كما لو كان رمزاً محايداً، وتشرح القواعد كما لو كانت تعليمات مرورية بسيطة، وكأن هذه البوابات لا تنتمي إلى منظومة استعمارية شاملة، تعيد تشكيل الحيز العام والخاص للفلسطيني، و"تهندس" حركة الأفراد والوعي في آن واحد، وهكذا يتحول الإعلام الرسمي والمجتمعي– عن غير قصد – إلى وسيط غير مباشر يعيد "إنتاج" منطق السيطرة.


في قلب الجغرافيا الفلسطينية، وعلى محدوديتها، لم تعد البوابة مجرد قطعة حديدة ملونه تفصل بين مكانين، بل غدت رمزاً مركزياً لمنظومة السيطرة الممنهجة التي تمارس على الفلسطيني يومياً، تشهد الضفة الغربية منذ سنوات، وقد تكثفت كثيراً في الأشهر الأخيرة، نشراً واسعاً وغير مسبوق للبوابات، لا يوجد رقم دقيق لذلك، ربما هي ألف او أكثر أو اقل، ولكنها – باختلاف ألوانها – تخفي منطقاً واحداً، تكريس التفوق الاستيطاني على حساب الفلسطيني، نفسياً ومكانياً وزمانياً.


فالبوابة ليست مجرد حاجز مادي، بل أداة لإنتاج العجز والانكسار النفسي، يراد لها أن ترسخ في وعي الفلسطيني شعوراً دائماً بالانعزال عن محيطه، وبالضعف والتبعية، تغلق وتفتح وفق "منطق أمني" غامض يحدده الاحتلال، وتُخضع الفلسطيني لحالة دائمة من الانتظار والارتياب، في ظل ما يمكن وصفه بـ"يقين اللايقين"، فهو متأكد من أن شيئاً غير مؤكد سيحدث، هل سيتمكن من الوصول إلى عمله؟ هل سيسمح له بالعبور لحضور مناسبة عائلية او حفل افتتاح مركز تجاري؟ هل سيصل إلى المستشفى في الوقت المناسب؟ هذا القلق المزمن يولد حالة من التوتر الجمعي والإنهاك النفسي، تغذي "سيكولوجيا القهر" التي تسهم في تفتيت الإرادة الجمعية.


تقوم فلسفة هذه البوابات على فرضية يمينية تعتبر أن للمستوطن "الأولوية الحصرية" أو أنه صاحب "الحق الأول" في التنقل، دون أن "يتلوث" سمعه وبصرة بمشاهدة جموع "الأغيار"، وبناء على ذلك، تدار البوابات لتخدم هذا المنطق، ولو كان "الثمن" عزل مدن وقرى فلسطينية بأكملها، وإعادة ترسيم "الحيز العام"، وبهذا يتحول الفضاء "المشترك" إلى مستعمرة زمنية وجغرافية، يعاد تشكيلها بما يخدم تفوق الأقلية الاستيطانية على حساب الأغلبية الأصلانية.


حين تغلق البوابة، لا تغلق طريقا فحسب، بل يغلق معها نسيج اجتماعي بأكمله، تقطع صلات الرحم، يمنع الطلاب من الوصول إلى جامعاتهم، ويعزل المزارعون عن أراضيهم، وتفصل العائلات عن بعضها البعض، وهكذا، لا تستخدم البوابة لعزل الإنسان عن المكان فقط، بل لعزله عن ذاته، ولتفكيك الرابط بين الجغرافيا والهوية.


رغم أن البعض قد يظن أن اختلاف ألوان البوابات أمر عشوائي، إلا أن هذا التعدد البصري هو جزء من منظومة الرموز الاستعمارية، ووسيلة إضافية للسيطرة النفسية، فلكل لون دلالة "أمنية" غير معلنة، هذا الغموض يضيف طبقة إضافية من الإرباك واللايقين، في محاولة لإرغام الفلسطيني على التعامل مع واقع القيد كجزء من يومه، فتطبع في الوعي مع الزمن، ويعاد إنتاج القهر بوصفه "عادياً".


إن "سيكولوجيا البوابات" تكشف وجها "متجدداً" للاحتلال، لا يكتفي بالسيطرة العسكرية، بل يسعى إلى برمجة وعي الفلسطيني على تقبل القيد والتعايش معه، وفي هذا السياق لا يكون الاحتلال مجرد قوة غاشمة، بل يصبح "مهندساً" للجغرافيا والنفس، يعيد "تشكيل" الزمان والمكان والذات.


وأمام هذا الواقع، لا بد من محاكمة هذه الممارسات التي قد تبدو بسيطة أو "تقنية"، لكنها في جوهرها تجسد أعمق أشكال الهيمنة وأكثرها خطورة، الهيمنة على الكينونة، وبالتالي يتوجب علينا ألا نكتفي بفهم دلالة الألوان، بل نذهب بعيداً، لنسأل، من ولماذا؟ وما الرسائل التي يريد إيصالها إلى عقل الإنسان الفلسطيني قبل ان يقيد جسده؟

دلالات

شارك برأيك

سيكولوجيا البوابات.. هندسة القهر في الجغرافيا الفلسطينية

المزيد في أقلام وأراء

التعديلات المقترحة بشأن آليات انتخاب الهيئات المحلية الفلسطينية وأنصاف الحلول

من باندونغ إلى فلسطين.. الاستعمار يتجدد والنضال مستمر

مروان إميل طوباسي

فلسطين وسيادة القانون

وقعته سودة

أهميـة الرياضـة

بينَ "الـحُب والـمحبَّة" .. يختَلِطُ الـمَعنى ويختَلِف

كيف ترى قيادتي؟ ثقتنا في قيادتكم كانت في غير مكانها!

من يوقف حرب الإبادة في غزة

خطاب الأزمة وأزمة الخطاب

المتوكل طه

هل أصبحت الحروب أكثر وحشية

جواد العناني

البابا فرنسيس.. صوت الحق في زمن الحرب

سري القدوة

بين فَشل مفهوم الدولة تحت الاحتلال وشروط الصمود قراءة في افتتاح دورة المجلس المركزي

مروان إميل طوباسي

هل بدأت خطوات التهجير؟

بهاء رحال

"اشترِ زمناً في القدس".. قراءة نقدية في رمزية المؤسسات الأهلية الفلسطينية بين الواقع والمأمول في...

مالك زبلح

جريدة القدس: صحيفة على قدر اسمها

د. ابراهيم نعيرات

القدس.. عنوان وضمير وهدف

حمادة فراعنة

جريدة القُدس.. ذاكرة وذكريات

بهاء رحّال

الإصلاح التجميلي.. وحزب الجمود الوطني

نبيل عمرو

الصهيونية العلمانية تُشرعن للصهيونية التوراتية اغتصاب فلسطين

عبدالله جناحي/ باحث من البحرين

صحيفة القدس.. الناطق غير الرسمي باسم الفلسطينيين

د. عمر رحال

أسعار العملات

الأحد 27 أبريل 2025 9:16 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.63

شراء 3.62

دينار / شيكل

بيع 5.11

شراء 5.1

يورو / شيكل

بيع 4.12

شراء 4.1

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%55

%45

(مجموع المصوتين 1133)