أقلام وأراء
الأحد 24 ديسمبر 2023 10:03 صباحًا - بتوقيت القدس
قراءة تحليلية للمواقف الدولية إزاء الحرب على غزة
شهدت الساحة الدبلوماسية للمجتمع الدولي قصورا لافتا إزاء الحرب على غزة والتي بدأت منذ السابع من تشرين أول للعام 2023، ونقترب من نهاية العام ولا تزال الحرب دائرة الرحى، فبالرغم من المحاولات المستمرة للوساطة الدولية القطرية والمصرية، الا أن الجمود الدبلوماسي خيم على المشهد السياسي الدولي وسط تباين في المواقف الدولية والإقليمية خاصة عندما يتعلق الأمر بوقف تام لإطلاق النار.
توقف السقف الأعلى للنتائج المترتبة على الوساطة والمتعلقة بالحرب على غزة عند الهدن القصيرة وإدخال ما قل من المساعدات الإنسانية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، إضافة الى صفقات تبادل الرهائن الإسرائيليين بالأسرى الفلسطينيين، ليتجدد القصف بكثافة أكثر مما سبق وسط صمت دولي مطبق لم يشهد له العالم مثيل ليعيد إلى الأذهان صورا من الحربين العالميتين وما رافقهما من دمار وخراب.
اختلفت المواقف الدولية والإقليمية في العالم من هذه الحرب الشعواء، فبالنسبة للولايات المتحدة فقد وصفت هجوم حماس على مستوطنات غلاف غزة على أنها أعنف الهجمات ضد اليهود منذ الهولوكوست، وأن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها وقامت بإعطائها الضوء الأخضر للقيام بما تشاء للقضاء على حركة "حماس" وتصفية قادتها دون اكتراث بما رافق العمليات العسكرية من قتل للمدنيين العزل ودمار في الممتلكات والمساجد والكنائس، وجرائم الحرب والإبادة التي ضربت فيها إسرائيل جميع الأعراف والمواثيق الدولية، بما فيها قواعد الحرب وحقوق الانسان واتفاقية جنيف والقانون الدولي الإنساني، ناهيك عن استخدام الفيتو لصد أي محاولة أو مقترح يقضي بوقف لإطلاق النار ولو بشكل مؤقت، والمضي قدما بتقديم المساعدات المادية والعسكرية اللازمة لتحقيق بنك الأهداف الذي وضعته إسرائيل لهذه المعركة.
حرّكت الولايات المتحدة، بالتنسيق مع بريطانيا، جزءاً من أسطولها في المتوسط، بهدف توجيه رسالة حازمة لإيران وحزب الله بعدم التصعيد وتوسع الحرب إقليمياً، كما كثفت المضادات الجوية في قواعدها في سوريا والعراق لحمايتها من الهجمات المحتملة للجماعات الموالية لإيران والتي تضاعفت خلال الأسابيع الأخيرة.
وفيما يتعلق بالدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل، فالأسباب كثيره، ولكن أهمها اللوبي الصهيوني وجماعات الضغط ودورها المؤثر في الانتخابات الأمريكية، إضافة الى الهدف الرئيس وهو تثبيت وجود دولة الاحتلال في الشرق الأوسط، والتي هي بنظر الولايات المتحدة شريكا حيويا في المنطقة، تتقاسم وإياها أهدافا" إستراتيجية مشتركة ناهيك عن المصالح الاقتصادية والتجارية والأمنية لممرات النفط وشركات النفط في منطقة المتوسط، واضعاف الحليف الروسي الشيعي لقطع الطريق أمام أي فرصة محتملة لتعاظم الدور الروسي في المنطقة.
وبالنسبة للدول الأوروبية فقد اختلفت مواقف وتصريحات الاتحاد الأوروبي من الحرب على غزة مما كشف انقساما واضحا وتناقضا شديدا عجز خلاله الاتحاد الأوروبي عن الخروج بموقف موحد تجاه الحرب، ففي الوقت الذي انتقد فيه الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية " جوزيب بوريل " الاحتلال الإسرائيلي وممارساته، دعمت رئيسة المفوضية الأوروبية" أورسولا فون دير لاين" إسرائيل بشدة.
توافقت مواقف المملكة المتحدة مع الولايات المتحدة بالكامل سواء فيما يتعلق بالموقف السياسي الذي بدى جليا في زيارة رئيس الوزراء البريطاني" ريشي سوناك" الى إسرائيل، أو بتقديم الدعم اللوجستي والعسكري الى إسرائيل وصد الدعوات الرامية لوقف اطلاق النار، الأمر الذي خلق تصدعا وشرخا واضحين في أوساط حزب العمال البريطاني الذي توالى أعضاؤه في تقديم الاستقالات احتجاجا على موقف زعيم الحزب العمالي" كير ستريمر" المؤيد لموقف الحكومة البريطانية، وعلى صعيد الرأي العام البريطاني فاختلف اختلافا واضحا عن رأي الحكومة البريطانية حيث خرجت المظاهرات الحاشدة أمام لسفارة الأمريكية في لندن تنديدا بالمجازر الإسرائيلية، وتضامنا مع الشعب الفلسطيني.
وللوقوف على أسباب الدعم البريطاني لإسرائيل، فالمسألة تتعلق بأمور وصفقات اقتصادية ما بين الجانبين، إضافة إلى العلاقات التجارية والاستثمارات الكبرى من حيث الصادرات والواردات ما بين الجانبين البريطاني والأمريكي، فمن الأفضل بالنسبة لبريطانيا دعم الحليف الأمريكي وبشدة دون الاكتراث بحقوق الانسان وقواعد الحرب والقانون الدولي الإنساني وأظهرت المواقف الرسمية لكل من ألمانيا وفرنسا تأييدا واضحا لإسرائيل، سواء عبر تصريحات المستشار الألماني "أولاف شولتز" في البرلمان الاتحادي أو زيارته الى إسرائيل، وعند النظر الى الموقف الألماني المؤيد لإسرائيل، قال أحد المفسرين: "ألمانيا لديها عقدة خاصة بسبب الماضي، وعقدة الهولوكوست، وهي المسيطرة على الأجواء السياسية فيها، وترى ألمانيا أن حقوق الفلسطينيين في تقرير المصير لا ترقى أبدا إلى حقوق الشعب الإسرائيلي في الأمن والأمان". أحد الأسباب الأخرى متعلقة بتوسع اللوبي الصهيوني خلال العقود الثلاثة الماضية في ألمانيا، خصوصا في المجتمع المدني، حيث أصبح لديه نفوذا قويا امتدت جذوره الى الإعلام والحركات الاجتماعية والأحزاب السياسية. وفي نفس السياق فالارتباط عميق بين الاستعمار والصهيونية خاصة فيما يتعلق بالدولة القومية الأمر الذي يوضح أسباب الدعم الألماني المطلق بعد الحرب العالمية الثانية للكيان الإسرائيلي باعتباره كيانا استعماريا، وما يفسر التعاون الوثيق في مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية بين ألمانيا والمنظمات الصهيونية في دعم الهجرة إلى فلسطين. ومن جانب آخر، كان رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، من أشد المنتقدين للوضع في غزة واستمرار إسرائيل في حربها ضد المدنيين العزل، واقترح على مجلس الاتحاد الأوروبي عقد مؤتمر للسلام في برشلونة في غضون 6 أشهر، وتترأس اسبانيا الاتحاد الأوروبي حتى نهاية العام الحالي، وطالبت اسبانيا بوقف فوري لإطلاق النار، إلا أن عدداً من الدول عارضته، واتخذت اسبانيا هذا الموقف نظرا لأسباب جيوسياسية فهي قريبة من الشمال الافريقي وتريد الأمن والاستقرار في المنطقة.
أما فرنسا فأصدرت مواقف رسمية حازمة في انحيازها لإسرائيل، وبلغت حدتها لدرجة هجوم وزير الداخلية الفرنسي على كريم بنزيمة على خلفية موقف اللاعب الفرنسي ذو الأصول الجزائرية الداعم لفلسطين والذي يعتبر هدفا معتادا لهجمات اليمين الفرنسي المعادي للهجرة، ووصفت مواقف فرنسا بشكل عام بالتنوع والتذبذب، ففي البداية قال الرئيس الفرنسي ماكرون " إن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها"، ثم عاد ليعدل لهجته قائلا :""القضاء على (حماس) ضرورة، ولكن يجب أن يترافق مع معاودة الحوار السياسي، والحرص على حماية المدنيين والرهائن الذين ليس لهم أن يدفعوا ثمن جنون الإرهابيين الدموي». أما بالنسبة للمطالبة بوقف إطلاق النار، فقد تحولت مجدداً إلى «هدنة إنسانية يمكن أن تقود لوقف لإطلاق النار، الأمر الذي تسبب في كثير من الألم والانزعاج لإسرائيل على حد تعبيرها.
ولكشف ما وراء الموقف الرسمي الفرنسي المنحاز لإسرائيل فالأمر يتعلق بالعلاقات الثنائية الاقتصادية ما بين البلدين والمبادلات التجارية بينهما إضافة الى العلاقة الطردية بين طبيعة العلاقات الأمريكية الفرنسية والفرنسية الإسرائيلية، فكلما زاد التقارب الأمريكي الفرنسي تبعه تقارب فرنسي إسرائيلي، وهناك من السياسيين الفرنسيين من يرى ضرورة الانفصال الفرنسي عن أمريكا ليتعاظم الدور الفرنسي على الصعيد الدولي.
من بين أسباب التغير الحاصل في موقف باريس، الضغط الداخلي الذي يمارسه منذ أسابيع سياسيون ودبلوماسيون لدعوة حكومة ماكرون إلى اتباع سياسة التوازن بين طرفي النزاع خاصة وأن في فرنسا جالية يهوديّة هي الكبرى في أوروبا (حوالي 450 ألفاً). وفيها أيضاً جالية عربيّة ذات غالبيّة مسلمة هي الكبرى أيضاً في أوروبا (حوالي 5.4 ملايين)، وبحسب بيان للخارجية الفرنسية، فإن الموقف الذي اتخذه الرئيس ماكرون بشأن قضية غزة أثر "سلبًا" في سمعة فرنسا ونفوذها خاصة وأن مراقبين يرون أن وراء تصريحات ماكرون الأخيرة اعتبارات داخلية تتعلق بالمخاوف من مظاهرات وأعمال شغب في فرنسا.
طالبت المواقف العربية بالمجمل بوقف التصعيد وبذل الجهود للتهدئة الشاملة وحماية المدنيين وضبط النفس وضرورة تحرك المجتمع الدولي لوقف الانتهاكات للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني دون اتخاذ مواقف عملية تتجاوز التصريحات.
بالنسبة لروسيا فهي تريد ابعاد الأنظار عن حربها مع أوكرانيا، وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف: "إنّ القضاء على حركة حماس سيؤدي إلى دمار قطاع غزة وقتل معظم من فيه من المدنيين، وحثَّ الإسرائيليين على التفاوض لوقف إطلاق النار، وأن حل الدولتين أصبح اليوم أبعد مما كان سابقاً."، إضافة إلى أن تجاهل الغرب لموسكو والعقوبات الاقتصادية عليها بعد غزو أوكرانيا كانت أحد الأسباب التي جعلتها تعتمد بشكل كامل على تحالفاتها مع دول مثل إيران والصين.
وبالمجمل تواجه غالبية الدول الأوروبية ضغوطا متزايدة بسبب الغضب الشعبي تجاه سياسة التعامل مع الحرب، مما جعل الحكومات متهمة بازدواجية المعايير فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
ولتفسير المواقف الدولية والإقليمية من منطلق نظريات العلاقات الدولية، نجد أن الواقعية الجديدة والليبرالية الجديدة توضح تداعيات هذه المواقف بامتياز، فالواقعية الجديدة وفقا لكتاب "نظرية السياسة الدولية- Theory of International Politics"، لكينيث والتز- Kenneth Waltz، تركز على الأمن والطبيعة الفوضوية للنسق الدولي بسبب عدم وجود سلطة عليا تضبط سلوك الدول مما يدفع الدول لتحقيق التوازن الداخلي عبر تنمية قدراتها ومقدراتها عبر الاقتصاد، او التوازن الخارجي عن طريق التحالفات، فالدولة هي الفاعل الأساس في السياسة الدولية التي تركز على الحفاظ على البقاء والأمن وتعمل الدول بشكل دؤوب على تعاظم قوتها. الليبرالية الجديدة تركز على السياسات الاقتصادية وتحرير الاقتصاد وتحفيز التجارة لحرة دون تدخل الحكومة بالاقتصاد وتعزيز دور القطاع الخاص والتعاون الدولي وللمنظمات الإقليمية والدولية دورا هاما، كما وتركز على الأمن الجماعي وتربط السياسة بالاقتصاد، والمتعمق في هذه النظريات يرى أن الدول ترتبط مع بعضها البعض بمصالح اقتصادية تتداخل في مواقفها السياسية وردود أفعالها حيال الأزمات والصراعات هنا وهناك، فالمصلحة والمنفعة والتحالفات المبنية على الشراكات الاقتصادية والتعاون وتعاظم المكاسب والحفاظ على الأمن وقوة الدول أساس ردود الفعل السياسية على الصعيدين الدولي والإقليمي.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
سيادة العراق ولبنان في خندق واحد
كريستين حنا نصر
إسرائيل ترفع وتيرة قتل الفلسطينيين
حديث القدس
توفير الحماية العاجلة والفورية لأطفال فلسطين
سري القدوة
حقائق حول انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية وصولاً لمذكرات الاعتقال
د. دلال صائب عريقات
سموتريتش
بهاء رحال
مبادرة حمساوية
حمادة فراعنة
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
زعيمة حركة استيطانية تدخل غزة بدون علم الجيش لإعادة الاستيطان
"الجنائية" تتحرك أخيراً ضد الجُناة.. قِيَم العدالة في "ميزان العدالة"
واشنطن ترفض قرار المحكمة الجنائية الدولية بإلقاء القبض على نتنياهو وغالانت
نيويورك تايمز تكشف تفاصيل اتفاق وشيك بين إسرائيل ولبنان
الأكثر قراءة
نتنياهو و"الليكود" يتربصان بغالانت لفصله من الحزب وإجباره على التقاعد
لائحة اتهام إسرائيلية ضد 3 فلسطينيين بزعم التخطيط لاغتيال بن غفير ونجله
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 93)
شارك برأيك
قراءة تحليلية للمواقف الدولية إزاء الحرب على غزة