فلسطين
الأحد 24 نوفمبر 2024 9:03 صباحًا - بتوقيت القدس
"الجنائية" تتحرك أخيراً ضد الجُناة.. قِيَم العدالة في "ميزان العدالة"
رام الله -خاص بـ"القدس" دوت كوم
د. أمجد أبو العز: إصدار "الجنائية الدولية" مذكرة اعتقال بحق نتنياهو يضع تحديات سياسية وقانونية للدول حول انتهاء حقبته
خليل شاهين: قرار المحكمة يفرض نفسه على الخطاب الإعلامي الدولي ما سيعيد تشكيل المواقف تجاه إسرائيل وجرائمها
د. دلال عريقات: القرار تطور مهم.. والضغوط الأمريكية والإسرائيلية لمواجهة "الجنائية" تستند لقانون "غزو لاهاي" الفيدرالي
د. عقل صلاح: القرار زلزال قانوني وسياسي على الساحة الدولية ويضع إسرائيل أمام مرآة الحقيقة في أعين المجتمع الدولي
د. جمال حرفوش: واشنطن تخشى أن تتحول المحكمة إلى ساحة لمحاسبة المسؤولين الأمريكيين أو الإسرائيليين على الجرائم الدولية
د. سعد نمر: المرحلة المقبلة ستكون مليئة بالتحديات بالنسبة لنتنياهو وغالانت وسيواجهان صعوبة كبيرة في السفر إلى أي دولة
لا تزال أصداء إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير جيشه السابق يوآف غالانت يمثل تحولاً كبيراً على الصعيدين السياسي والقانوني، ويعكس تحوّلاً في الموقف الدولي تجاه إسرائيل، التي لطالما استفادت من دعم قوي، خاصة من الولايات المتحدة.
ويؤكد كتاب ومحللون سياسيون ومختصون وأساتذة جامعات، في أحاديث منفصلة مع "ے"، أن القرار يثير تحديات كبيرة للدول الأوروبية، التي تجد نفسها بين الالتزام بمبادئ العدالة الدولية أو الحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع إسرائيل، مشيرين إلى أن تناول خبر إصدار المذكرتين بحق نتنياهو وغالانت في الإعلام الدولي كان بحسب مواقف دولهم، لكن في الغالب تم تناول القرار، ما يؤكد وجود زلزال يضرب السردية الإسرائيلية حول أحداث السابع من أكتوبر.
ويرى الكتاب والمختصون وأساتذة الجامعات أن القرار سوف يؤدي إلى تغييرات كبيرة في السياسة الدولية، لا سيما في العلاقة مع إسرائيل، ويؤثر بشكل مباشر على التحركات المستقبلية لقادة الاحتلال الإسرائيلي على الساحة الدولية.
"صفعة سياسية وقانونية" لنتنياهو وحكومته
يؤكد د. أمجد أبو العز، الكاتب والمحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية في الجامعة العربية الأمريكية، أن قرار المحكمة الجنائية يُعد تطوراً بالغ الأهمية، ويمثل "صفعة سياسية وقانونية" لنتنياهو وحكومته، ويعكس القرار تحول في تعامل المجتمع الدولي مع إسرائيل، التي كانت تعتمد بشكل شبه كامل على الدعم الأمريكي لتجنب المساءلة القانونية، حيث تجاهل نتنياهو طيلة الحرب على غزة المؤسسات الدولية والقانون الدولي.
ويؤكد أبو العز أن هذا السلوك أدى إلى تصادم العلاقات السياسية، التي تمثل مصالح الدول والتحالفات الاستراتيجية، والقانونية، التي تجسد قيم العدالة والحقوق الدولية.
ويشير أبو العز إلى أن أوروبا، التي كانت رائدة في إنشاء المؤسسات الحقوقية والقانونية الدولية بعد الحرب العالمية الثانية لمعالجة جرائم الحرب، تواجه الآن أزمة أخلاقية وسياسية، وتجد نفسها بين خيارين: إما الالتزام بمبادئها وقيمها، أو الحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع إسرائيل.
ويشير أبو العز إلى أن أحد المسؤولين الأوروبيين وصف قضية المحكمة الجنائية الدولية بأنها "صداع مزمن" للسياسة الخارجية لدولته، موضحاً أن هذا الصداع ينشأ من التناقض بين دعم قرارات صادرة عن مؤسسات حقوقية وقضائية دولية ذات مصداقية، وبين التزام الدول الغربية بتحالفها مع إسرائيل.
ويؤكد أبو العز أن الالتزام بالقرارات القضائية الدولية يعني تعزيز مصداقية هذه الدول، بينما تجاهلها يعكس نفاقاً سياسياً يضعف من مكانتها الأخلاقية.
ويعتقد أن قرار المحكمة الجنائية الدولية يمثل ضربة موجعة لنتنياهو على المستويين المحلي والدولي، ويُظهر القرار أن نتنياهو بات عبئاً على النظام السياسي الإسرائيلي نفسه، حيث أصبح رئيس وزراء إسرائيل مطارَداً كمجرم حرب، كما يضعف القرار موقف الولايات المتحدة التي كانت تدعم إسرائيل بلا شروط، ويحرجها أمام حلفائها الأوروبيين الذين بدأوا في اتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه سياسات نتنياهو.
ويعتقد أبو العز أن هذا القرار قد يؤدي إلى عزلة قانونية واقتصادية لإسرائيل، ويضع الدول الأوروبية أمام تحديات قانونية وسياسية كبيرة، للتعامل مع انتهاء حقبة نتنياهو، وإعادة النظر باعتبار نتنياهو كشريك استراتيجي موثوق بالنسبة لأوروبا.
ويتوقع أبو العز أن يؤدي القرار إلى تعميق الانقسام بين الولايات المتحدة وأوروبا بشأن إسرائيل، حيث تستمر الولايات المتحدة في دعم إسرائيل، لكن أوروبا تتجه نحو الحفاظ على قيمها ومبادئها الديمقراطية، فيما يعتقد أبو العز أن ذلك الصدام ليس في صالح الفلسطينيين في الوقت الراهن، حيث إن الولايات المتحدة لا تزال القوة المهيمنة على الساحة الدولية، وصاحبة القرار النهائي في الملفات السياسية الكبرى، بما فيها الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
ويتطرق أبو العز إلى التجربة الإيرانية التي تقدم مثالاً واضحاً على هذا الواقع؛ إذ حاول الإيرانيون استغلال التباين بين المواقف الأوروبية والأمريكية بشأن الملف النووي، إلا أن النتيجة النهائية كانت تصب في صالح واشنطن التي تقود السياسة الخارجية بشكل فعلي.
وفي ما يتعلق بتداعيات القرار على المستوى الدولي، لا يستبعد أبو العز أن يكون جزءاً من صفقة سياسية أكبر تهدف إلى محاكمة نتنياهو على جرائم الحرب التي ارتكبها، في مقابل تبرئة النظام السياسي الإسرائيلي ككل.
ويؤكد أبو العز أن رفع الغطاء السياسي والشرعية الدولية عن نتنياهو يمثل نقطة تحول مهمة في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وأن على إسرائيل الآن مواجهة تداعيات هذا القرار الذي يعيد الاعتبار للقانون الدولي ويؤكد على دور المؤسسات الحقوقية في محاسبة مرتكبي جرائم الحرب.
المؤسسات الإعلامية الكبرى تواجه صدمة نتيجة القرار
يرى الكاتب والمحلل السياسي خليل شاهين أن قرار المحكمة الجنائية يمثل زلزالاً سياسياً داخل إسرائيل، ويحمل ارتدادات سياسية وقانونية في العواصم العالمية التي تدعم إسرائيل، وشكل القرار حالة من الصدمة والهستيريا في إسرائيل، حيث كان الإجماع السياسي والإعلامي الإسرائيلي منصباً على مهاجمة المحكمة واتهامها بالعداء للسامية، في محاولة لتصوير إسرائيل كضحية منذ الحرب العالمية الثانية.
ويلفت شاهين إلى أن الاتهامات، بالرغم من أنها طالت شخصين فقط، إلا أنهما يشغلان أعلى المناصب في دائرة صناعة القرار السياسي والعسكري، ولذلك فهي تمثل إدانة مباشرة للسياسات التي انتهجتها إسرائيل خلال حربها على قطاع غزة وما ترتكبه في الضفة الغربية.
ويؤكد شاهين أن قرار المحكمة لا يسقط بالتقادم، ولا يمكن الاستئناف عليه، ما يعني أن نتنياهو وغالانت سيبقيان عرضة للملاحقة القانونية حتى بعد خروجهما من السلطة.
وفي ما يتعلق بالإعلام الدولي، يرى شاهين أن جزءاً منه يعكس مواقف الدول التي تنتمي إليها الوسائل الإعلامية، حيث تبدو بعض القوى الكبرى في أوروبا في حالة إحراج أو تردد بين الالتزام بقرار المحكمة أو الاستمرار في دعم إسرائيل.
ويوضح أن المؤسسات الإعلامية الكبرى تواجه صدمة نتيجة هذا القرار، إذ باتت مضطرة للتعامل مع حقيقة اتهام إسرائيل، لأول مرة، بارتكاب جرائم حرب على مستوى رسمي دولي، حتى وإن كانت صلاحيات المحكمة الجنائية تتعلق بملاحقة الأفراد وليس الدول.
ويشير شاهين إلى أنه بالرغم من مرور أكثر من عام على الحرب في غزة، إلا أن بعض وسائل الإعلام العالمية لا تزال تتردد في استخدام مصطلح "الإبادة" لوصف ما حدث، ما يعكس الضغوط السياسية التي تواجهها هذه المؤسسات، أو انحياز خطابها الإعلامي لرواية دولة الاحتلال.
ويضيف: ومع ذلك، فإن قرار المحكمة يفرض نفسه على الخطاب الإعلامي الدولي، ما سيؤدي إلى إعادة تشكيل المواقف تجاه إسرائيل وجرائمها.
من جانب آخر، يلفت شاهين إلى أن الولايات المتحدة، الشريك الأكبر لإسرائيل، هي المسؤولة عن استمرار الجرائم الإسرائيلية، كونها توفر الدعم الكامل لها سياسياً وعسكرياً.
ويعتقد شاهين أن إسرائيل تنفذ في فلسطين ما قامت به الولايات المتحدة بحق السكان الأصليين (الهنود الحمر)، حيث أبادت 100 مليون إنسان، وأبقت السكان الأصليين بنسبة لا تتجاوز اليوم 1% من إجمالي عدد السكان.
ويشير شاهين إلى أن هذه الثقافة الاستعمارية الاستيطانية تفسر جانباً من المواقف الأمريكية الداعمة لإسرائيل والمبررة لجرائمها ضد الفلسطينيين، خاصة خلال الحرب الأخيرة على غزة.
ويرى شاهين أن إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت يشكل الخطوة الأولى في عملية طويلة لمحاسبة قادة الاحتلال الإسرائيلي.
ويشير شاهين إلى أن الفريق القانوني الذي يتابع ملفات الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية، المكون من مؤسسات ومنظمات وشخصيات حقوقية دولية وبمتابعة من وزارة الخارجية الفلسطينية، إلى جانب جهود مؤسسات حقوقية فلسطينية، يعمل منذ سنوات على جمع الأدلة وتوثيق الجرائم التي ارتكبها القادة السياسيون والعسكريون الإسرائيليون، بما في ذلك قادة المستوطنين.
ويؤكد شاهين أن هذه الجهود قد تسفر عن إصدار المزيد من مذكرات الاعتقال خلال الفترة المقبلة، حيث تشير التوقعات إلى احتمال أن تشمل الاتهامات عشرات السياسيين والضباط والجنود الإسرائيليين.
ويوضح شاهين أن قرار المحكمة الجنائية يضع قيوداً على تحركات المسؤولين الإسرائيليين، إذ باتوا مهددين بالاعتقال في الدول التي وقعت على ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية، مشيراً إلى أن هذا الوضع يؤثر على العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين إسرائيل وهذه الدول.
ويلفت شاهين إلى أنه كمحاولة للتحايل على القرار، قد يلجأ المسؤولون الإسرائيليون إلى لقاء نظرائهم في الطائرات، حيث يعتبرونها أرضاً ذات سيادة إسرائيلية، علما أن تنفيذ مذكرات الاعتقال يشمل دخول أي من المتهمين الأجواء السيادية للدول. وبالرغم من هذه المحاولات، فإن قرار المحكمة يضع إسرائيل أمام تحديات جديدة على الساحة الدولية.
ومع اقتراب عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى السلطة، فإن شاهين يشير إلى تصاعد الضغوط على المحكمة، بما في ذلك فرض عقوبات جديدة عليها.
ويلفت شاهين إلى أن إسرائيل قد ترد على قرار المحكمة بتكثيف إجراءاتها ضد الفلسطينيين، بما في ذلك تصعيد عمليات ضم الضفة الغربية بشكل علني وشرعنة المستوطنات، كما قد تلجأ إلى المزيد من الخطوات الانتقامية في غزة، ما يتطلب من المؤسسات الحقوقية الفلسطينية مضاعفة جهودها لتوثيق الجرائم وتقديم المزيد من الأدلة إلى المحكمة الجنائية الدولية.
القرار تطور قانوني ودبلوماسي مهم
تؤكد د. دلال عريقات، أستاذة الدبلوماسية وحل الصراع في الجامعة العربية الأمريكية، أن قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الجيش السابق يوآف غالانت يمثل تطوراً قانونياً ودبلوماسياً مهماً على صعيد العدالة الدولية.
وتشير عريقات إلى أن هذا القرار أثار ردود فعل متباينة في الإعلام العالمي؛ حيث رحبت بعض وسائل الإعلام به كخطوة نحو محاسبة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، فيما اعتبرته وسائل أخرى قراراً مسيّساً يستهدف إسرائيل بشكل غير عادل.
وتلفت عريقات إلى أن هذه المواقف المتباينة لوسائل الإعلام العالمية تعكس الانقسامات السياسية والدبلوماسية الدولية حول القضية الفلسطينية، فضلاً عن انحياز الإعلام لبعض القوى العالمية.
وتعتقد عريقات أن هذا القرار يضع الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية أمام اختبار حقيقي لمدى التزامها بالقانون الدولي، حيث يتعين عليها التعاون في تنفيذ مذكرات الاعتقال، بما يشمل اعتقال وتسليم المتهمين.
ومع ذلك، تؤكد عريقات أن هذه العملية قد تواجه عقبات دبلوماسية وسياسية خطيرة، خاصة إذا تدخلت الولايات المتحدة لحماية إسرائيل من خلال الضغط أو التهديد على الدول الأعضاء.
وتلفت عريقات إلى أن الولايات المتحدة ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، وقد رفضت سابقاً اختصاص المحكمة في الأراضي الفلسطينية.
وتوضح عريقات أن واشنطن تعتبر هذه الخطوات مسيسة وتؤثر على مصالحها الاستراتيجية وحلفائها، بما في ذلك إسرائيل.
وتلفت إلى أن الولايات المتحدة استخدمت قانوناً فيدرالياً أصدرته عام 2002 يُعرف باسم "قانون حماية أفراد الخدمة الأمريكية"، أو ما يسمى "قانون غزو لاهاي"، الذي يمنح الرئيس الأمريكي صلاحيات واسعة، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية لحماية المواطنين الأمريكيين وحلفائهم من أي محاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما يشير إلى أن الضغوط الأمريكية والإسرائيلية تستند إلى قانون "غزو لاهاي" الفيدرالي.
وتوضح عريقات أن القانون الدولي يرتقي فوق القوانين المحلية، وأن مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة تُلزم الدول الأعضاء في نظام روما الأساسي بتنفيذها.
وتشير عريقات إلى أن العديد من الدول أعلنت استعدادها للتعاون مع المحكمة في اعتقال المتهمين إذا دخلوا أراضيها.
ومع ذلك، تشدد عريقات على أن تحقيق العدالة يظل مرهوناً بمدى عدم التأثر واستقلالية الدول الأعضاء بالمحكمة عن الضغوط الأمريكية والإسرائيلية.
وتحث عريقات على ضرورة متابعة الملفات الخاصة بجرائم الاحتلال، بما في ذلك قضايا الأسرى والاستيطان، مؤكدة أن هذا المسار طويل لكنه أساسي لتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني.
وتؤكد عريقات أن الإنجاز القانوني الأخير يجب أن يكون بداية لبناء زخم دولي يدعم حقوق الفلسطينيين، ويضع حداً للإفلات من العقاب.
وتدعو عريقات المؤسسات الحقوقية والإنسانية في الدول الموقعة على نظام روما الأساسي إلى حشد الدعم لتنفيذ قرارات المحكمة الجنائية الدولية، من خلال الضغط على حكوماتها للوفاء بالتزاماتها الدولية.
وتبيّن عريقات أن هذه المؤسسات يمكن أن تلعب دوراً محورياً في تعزيز فرص اعتقال وتسليم المتهمين، رغم التحديات السياسية والدبلوماسية التي قد تواجهها في الدول ذات العلاقات الوثيقة مع إسرائيل والولايات المتحدة.
وتؤكد أهمية هذا القرار في سياق النضال القانوني والدبلوماسي الفلسطيني، مشيرة إلى أن تحقيق العدالة يتطلب المثابرة والالتزام بنقل ملفات جرائم الاحتلال إلى المؤسسات الدولية، مشددة على أن هذا الإنجاز يجب أن يكون حافزاً لتعزيز الجهود القانونية لمحاسبة كل من تورط في الجرائم ضد الشعب الفلسطيني.
إسرائيل أصبحت مكشوفة أمام العالم
بدوره، يؤكد الكاتب والباحث السياسي د. عقل صلاح أن قرار المحكمة الجنائية يمثل زلزالًا قانونيًا وسياسيًا لإسرائيل على الساحة الدولية، ويضع إسرائيل أمام مرآة الحقيقة في أعين المجتمع الدولي، خصوصًا الدول الغربية التي طالما دعمتها.
ويشير صلاح إلى أن إسرائيل، التي طالما ادّعت أنها دولة ديمقراطية متحضرة على غرار الديمقراطيات الغربية، أصبحت مكشوفة أمام العالم بعد هذا القرار الرسمي الصادر عن أعلى هيئة قضائية دولية.
ويؤكد صلاح أن هذا التطور يعكس تحولًا نوعيًا في سردية الإعلام الغربي تجاه إسرائيل، حيث بات من الصعب على الإعلام الغربي، وخاصة إعلام الدول الحليفة لإسرائيل، التشكيك بمصداقية المحكمة الجنائية الدولية أو مهاجمة القرار بشكل مباشر، باستثناء بعض الأصوات التي حاولت الدفاع عن إسرائيل.
ويوضح صلاح أن قرار المحكمة وصم إسرائيل بشكل قانوني دولي بارتكاب جرائم حرب وإبادة ودمار واسع في قطاع غزة، حتى وإن كان القرار يتعلق بأشخاص وليس دول لكنه يحاكم رأس الهرم السياسي والعسكري في اسرائيل.
ويشير صلاح إلى أن هذا القرار كان بمثابة ضربة قاسية للسردية الإسرائيلية، خاصة تلك المتعلقة بأحداث السابع من أكتوبر 2023، التي حاولت استغلال تلك الأحداث لتبرير أفعالها العسكرية الإجرامية في غزة، وباتت مكشوفة ومرفوضة أمام الرأي العام العالمي.
ملزم قانونياً لجميع الدول الأعضاء
ويشدد صلاح على أن قرار المحكمة الجنائية ملزم قانونيًا لجميع الدول الأعضاء، البالغ عددها 124 دولة، ما يعني أن نتنياهو وغالانت لن يتمكنا من دخول أراضي هذه الدول دون مواجهة خطر الاعتقال.
ويؤكد صلاح أن هذا القرار يضع الدول الحليفة لإسرائيل، في موقف محرج، حيث إنها مطالبة بتنفيذ القرار بموجب التزاماتها الدولية.
ويؤكد صلاح أن واشنطن، رغم كونها ليست عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية، تعمل على توفير الدعم الكامل لإسرائيل في حربها على غزة، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة، التي قامت على مبادئ مشابهة لتاريخ إسرائيل من حيث الإبادة الجماعية ضد السكان الأصليين، ليست غريبة عن معاداة المحكمة الجنائية الدولية.
ويلفت صلاح إلى أن ازدواجية المعايير الأمريكية تجلّت بوضوح، حيث دعمت المحكمة عندما أصدرت مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكنها الآن تحاول إيجاد حلول ومخارج لحماية إسرائيل من القرار.
فرصة مهمة لحشد الجهود الدولية لمحاسبة نتنياهو
ويشير صلاح إلى أن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض "الفيتو" أربع مرات منذ 7 أكتوبر 2023، في محاولة لعرقلة أي قرارات دولية تدين إسرائيل، وكان آخر استخدام للفيتو قبل ساعات من صدور قرار المحكمة الجنائية، حيث استخدمت (الفيتو) ضد مشروع قرار قدمه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي يدعو إلى وقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار في قطاع غزة.
ويؤكد صلاح أن هذا القرار يمثّل فرصة مهمة لحشد الجهود الدولية لمحاسبة نتنياهو وغالانت أمام القضاء الدولي، كما يعزز الرواية الفلسطينية التي باتت أكثر وضوحًا وشرعية أمام المجتمع الدولي.
ويشدد صلاح على أن القرار يفتح الباب أمام تحرك أقوى لوقف حرب الإبادة في غزة، خاصة في ظل تصاعد الضغوط الدولية على إسرائيل لعزلها في مختلف المجالات، بما في ذلك الأكاديمية والثقافية والرياضية.
ويؤكد صلاح أن قرار المحكمة الجنائية الدولية يُعدّ تطورًا غير مسبوق في سياق دعم الحق الفلسطيني، مشيرًا إلى أن هذا القرار قد يُفضي إلى تداعيات طويلة الأمد على مكانة إسرائيل الدولية، بما يعزز الجهود لإنهاء العدوان على غزة ومحاكمة مرتكبي الجرائم بحق الشعب الفلسطيني.
من جانبه، يوضح البروفيسور د. جمال حرفوش، أستاذ مناهج البحث العلمي والدراسات السياسية في جامعة المركز الأكاديمي للأبحاث في البرازيل أن صدور مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بحق شخصيات بحجم نتنياهو وغالانت يشكل زلزالًا قانونيًا وسياسيًا ينعكس مباشرة على الإعلام العالمي.
ويقول حرفوش: "من جهة، تبرز وسائل الإعلام الغربية بين محاولات لتبرير مواقف إسرائيل والدفاع عن سياساتها، ومن جهة أخرى، تشهد وسائل الإعلام المستقلة والناطقة باسم الشعوب المضطهدة اهتمامًا واسعًا بهذا القرار، وتركز على البعد الأخلاقي والقانوني في محاسبة من يقفون وراء الجرائم ضد الإنسانية.
ويؤكد حرفوش أن هذا الصدى يعكس انقسامًا واضحًا بين تيارات تسعى إلى حماية النفوذ الإسرائيلي وأخرى تنادي بضرورة تحقيق العدالة الدولية وتطبيق القانون بغض النظر عن الاعتبارات السياسية.
من جانب آخر، يشدد حرفوش على ان الخطوة التالية بعد صدور مذكرات الاعتقال تتطلب تحركًا استراتيجيًا على عدة مستويات اهمها: الدبلوماسية، والإعلامية، والقانونية.
ويضيف: دبلوماسياً، يجب الضغط على الدول الأطراف في نظام روما الأساسي لضمان التزامها بتنفيذ المذكرة حال دخول نتنياهو وغالانت أراضيها، مع التركيز على تفعيل الآليات القانونية التي تتيح تسليم المطلوبين.
ويتابع: اما إعلاميًا وقانونيًا، فإنه يتعين حشد الرأي العام الدولي وتوثيق الانتهاكات المرتكبة، بما يعزز من موقف المحكمة ويمنع أي محاولات لتقويض صلاحياتها، وهذا يشمل التعاون مع منظمات حقوق الإنسان الدولية وإبراز الجرائم التي أدت إلى إصدار المذكرة لضمان الحفاظ على الزخم الدولي.
من جانب آخر، يوضح حرفوش أن واشنطن تعارض المحكمة الجنائية الدولية لأنها ترى فيها تهديدًا مباشرًا لسيادتها ولمصالح حلفائها، وعلى رأسهم إسرائيل.
ويشير حرفوش إلى أن واشنطن تخشى أن تتحول المحكمة إلى ساحة لمحاسبة المسؤولين الأمريكيين أو الإسرائيليين على الجرائم الدولية، ما يفتح الباب أمام مطالبات واسعة بالعدالة الدولية قد تطال قادة أمريكيين سابقين أو حاليين.
الولايات المتحدة تحاول فرض نظام دولي انتقائي
وبحسب حرفوش، فإن هذه الخصومة تعكس إصرار الولايات المتحدة على فرض نظام دولي انتقائي يخدم مصالحها بعيدًا عن القوانين الدولية التي قد تقيد هيمنتها أو تحد من تحالفاتها مع أنظمة متورطة في انتهاكات.
ويشير حرفوش إلى أن أي تراجع في دعم أمريكا لإسرائيل أمام مثل هذه القرارات قد يُنظر إليه كضعف أمام خصومها في الشرق الأوسط، وهو ما تسعى واشنطن إلى تجنبه.
في هذه الأثناء، يؤكد حرفوش على أنه يجب أن يكون هناك حراك على عدة مستويات، حيث يحب تقديم ملفات متكاملة وموثقة أمام القضاء الوطني في الدول الموقعة على ميثاق روما، لضمان استصدار أوامر تنفيذية محلية متماشية مع مذكرة المحكمة.
ويشدد حرفوش على ضرورة تعزيز التعاون مع المنظمات الحقوقية والإنسانية المحلية والدولية للضغط على الحكومات لاحترام التزاماتها القانونية وتجنب توفير ملاذ آمن للمطلوبين.
ويشير حرفوش إلى ضرورة إطلاق حملات إعلامية مركزة لتوضيح أهمية تنفيذ القرار من منظور العدالة الدولية ومكافحة الإفلات من العقاب، مع التركيز على التداعيات الأخلاقية والقانونية لأي تقاعس عن تنفيذ القرار.
ويوضح حرفوش أن هذا الحراك يجب أن لايقتصر على الدول العربية أو الإسلامية، بل يشمل كل دولة تؤمن بمبادئ العدالة وسيادة القانون الدولي.
توافق دولي حول ضرورة محاسبة المسؤولين الإسرائيليين
من جهته، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت د. سعد نمر، إن قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن الجرائم التي ارتكبها مسؤولون إسرائيليون، وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يوآف غالانت، لاقى اهتمامًا واسعًا في الإعلام العالمي.
ويلفت نمر إلى أن هذا القرار كان محط ترحيب في العديد من الصحف العالمية، حيث بدا واضحًا أن هناك توافقًا دوليًا حول ضرورة محاسبة هؤلاء المسؤولين على الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعب الفلسطيني، خاصة تلك التي تندرج ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
ويؤكد نمر أن هذا الاهتمام لم يكن مقتصرًا على الدول الأوروبية فحسب، بل شمل أيضًا دولًا غير أوروبية، وهو ما يعكس حقيقة أن محاكمة المسؤولين الإسرائيليين لم تعد مجرد مسألة سياسية محلية، بل أصبحت موضوعًا ذا طابع دولي.
ويشير نمر إلى أن هذا القرار جاء نتيجة التزام العديد من الدول، التي وقعت على "ميثاق روما" المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، بتطبيق هذه القرارات، حيث تلتزم هذه الدول باعتقال نتنياهو وغالانت إذا ما وطأت قدماهما أراضيها.
ويوضح نمر أن 124 دولة تقريباً عبرت عن التزامها بتطبيق هذا القرار، مع العلم أن بعض الدول الصغيرة قد أبدت رغبتها في استقبال نتنياهو رغم القرار، لكن المحكمة تتمتع بصلاحيات فرض عقوبات على الدول التي تتنصل من تنفيذ القرارات.
من جهة أخرى، يشير نمر إلى أن المرحلة المقبلة ستكون مليئة بالتحديات بالنسبة لنتنياهو ووزير الحرب غالانت، إذ سيواجهان صعوبة كبيرة في السفر إلى أي دولة عالمية وسيواجهان مخاطر قانونية، وهو ما سيضعهما في موقف حرج إذا قررا زيارة أي دولة قد تكون من الموقعين على ميثاق روما.
ويقول نمر: "حتى إذا حاول نتنياهو أو غالانت السفر إلى الولايات المتحدة، في حال حدوث أي طارئ، كهبوط اضطراري في دولة من الدول الموقعة على ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، فإن هذه الدولة ستكون ملزمة بتطبيق قرار المحكمة".
أمريكا في موقف دفاعي حيال قرار المحكمة الجنائية
وفي سياق آخر، يؤكد نمر أن الولايات المتحدة، التي لطالما دعمت إسرائيل سياسيًا وعسكريًا، تجد نفسها الآن في موقف دفاعي حيال قرار المحكمة الجنائية، حيث قد تمتد الملاحقات لتطال بعض المسؤولين الأمريكيين الذين دعموا إسرائيل في جرائمها ضد الفلسطينيين، حال استمرت المحكمة بإصدار مزيد من مذكرات الاعتقال لمسؤولين إسرائيليين عن جرائم ارتكبت في عمليات القتل الجماعي والإبادة في قطاع غزة.
ويؤكد نمر أنه يجب على الدول والأحزاب الدولية العمل على تحفيز الدول لتصريح التزامها بالقرار، خاصة في ما يتعلق بمقاطعة إسرائيل على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
ويعتقد نمر أن هذا القرار ليس فقط خطوة قانونية، بل له تداعيات سياسية خطيرة على صورة إسرائيل في المجتمع الدولي.
ويشير نمر إلى أن إسرائيل اليوم أصبحت مدانة أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب، وأن منظمات حقوق الإنسان الدولية يجب أن تستغل هذه اللحظة للضغط على المجتمع الدولي لتحميل المسؤولية لإسرائيل.
ويدعو نمر منظمات حقوق الإنسان إلى العمل على رفع الوعي الدولي حول الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين، وتشجيع الدول على الالتزام بقرار المحكمة، وحث المحكمة الجنائية الدولية على محاكمة المزيد من القادة العسكريين الإسرائيليين الذين شاركوا في هذه الجرائم.
ويؤكد نمر على ضرورة استثمار هذا القرار سياسياً واقتصاديًا واجتماعيًا، سواء على مستوى الضغط على الشعوب في دول العالم لإقرار المقاطعة ضد إسرائيل أو على صعيد نشر الوعي حول هذا الموضوع، وهو ما يؤكد وجوب أن يكون هناك برنامج لاستثمار هذا القرار.
دلالات
فلسطيني قبل حوالي ساعة واحدة
هذه هي حقيقة امريكا العدوانية منذ الهنود الحمر حتى الآن يا من تثقون لأمريكا وتحجون إليها والجناىية الدولية وضعت أوروبا على المحك وأخرجت الدول العربية المنافقة
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
زعيمة حركة استيطانية تدخل غزة بدون علم الجيش لإعادة الاستيطان
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
الأردن: قصف إسرائيل حيًّا ببيت لاهيا ومنزلا بالشيخ رضوان "جريمة حرب"
نيويورك تايمز تكشف تفاصيل اتفاق وشيك بين إسرائيل ولبنان
الأكثر قراءة
"حماس" تنفي انتقال قياداتها من قطر إلى تركيا: أنباء غير حقيقية
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 93)
شارك برأيك
"الجنائية" تتحرك أخيراً ضد الجُناة.. قِيَم العدالة في "ميزان العدالة"