أقلام وأراء
الأحد 24 ديسمبر 2023 10:02 صباحًا - بتوقيت القدس
ما أشبه اليوم بالبارحة
الثاني من كانون اول القادم ذكرى سقوط الاندلس بعد ثمانية قرون بنى المسلمون خلالها مجدا وحضارة ، انارت في حينه دروب اوروبا المظلمة ، حين كانت الخلافة الاسلامية تسيطر على القارة العجوز سياسيا وجغرافيا وعلميا وادبيا ، والى حد ما دينيا ، الى ان دكها الوهن بعد انهيار الدولة الاموية ، وتمزقت الى دويلات وإمارات ، على رأس كل منها أمير يكيد للاخر ويتحالف مع الخصوم لينصره على شقيق الامس ، فيسارع المتربصون من اصدقاء اليوم ، ومن كانوا خصوم الامس الى اظهارالوجه الحسن في العلن ، واخفاء ما يبيتونه له في الباطن بانتظار الفرصة للانقضاض عليه والقضاء على حكم المسلمين وطردهم من بلاد الاندلس ، فانخرط من اطلق عليهم في حينه " أمراء الطوائف " في حروب لا تنتهي سعيا وراء الجاه والسلطة ، تخللها الانغماس في حياة اللهو والترف ، حتى انهك الامراء وشعوبهم وسنحت الفرصة للممالك الصليبية لمهاجمة الامارات المسلمة واحدة تلو الاخرى ، وكانت غرناطة اخرمعاقل المسلمين التي سقطت في الثاني من كانون الثاني 1492 .
وتكرر المشهد في القرن الماضي ، بعد انهيار الامبراطورية العثمانية التي حكمت العالم زهاء ستة قرون ، - بعيدا عن الجدل حول حكمها - وكان الوطن العربي من محيطه الى خليجه تحت رايتها ، وتمزق الى 25 دولة بين مملكة وامارة وجمهورية ، ولكل دستورها وعلمها وعلى رأسها حاكم من " الاتباع " ، وحدود مصطنعة رسمها المستعمر الاجنبي ، متعمدا خلق الثغرات في إطار سياسة " فرق تسد " لاثارة الفتنة وضمان زرع العداء منعا لوحدة الامة ، ومن اخطر هذا الثغرات كان زرع جسم سرطاني في قلب الامة ، عبارة عن دولة تختلف في جميع مكوناتها عن الجسم العربي ، ومدها بكل الامكانيات لجعلها متفوقة " وفزاعة " يخشاها الجميع ، وصولا الى التذلل لكسب رضاها ، حتى لو وصل الامر الى تسخير المقدرات المحلية لخدمتها بطاعة عمياء وتبعية مطلقة ، وتجويع الشعوب وانهاكها لقتل اي مد جماهيري ، واستخدام وسائل القمع المختلفة غير التجويع ، لصرف الانظارعن التفكير بالتصدي لها !! ارضاءا للسيد الغربي دون اكتراث للدماء الزكية التي روت الارض العربية ولا زالت رفضا للعبودية وبحثا عن الحرية والكرامة المسلوبة .
المتتبع للتاريخ العربي والاسلامي منذ سقوط الاندلس الى يومنا هذا وما بينهما من انهيارات عربية واسلامية مشابه الى حد كبير ، يجد اوجه التشابه في اسباب انهيار الامة والتبعية للغرب والمساهمة في صنع السيد الغربي والولاء له بطاعة عمياء ، ولعل ابرز هذه الاسباب هي :
1 . شيوع النزعات القومية والطائفية والقبلية ، والدينية المتطرفة ، لتفتيت وحدة الامة واحداث الفرقة بين صفوفها .
2 . تغليب المصالح الفئوية والذاتية ، حتى لو كان ذلك ضمن اطار سياسة التحالف والخصوم ، على حساب المصالح العليا للامة والوطن .
3 . انتشار الفساد في صفوف الطبقات الحاكمة ، وانخراط البعض من الموالين فيه وتبوئهم مناصب عليا وجعلهم من المتنفذين في الدولة ( البطانة الفاسدة ) ، مقابل تجويع الشعوب وقهرها واخضاعها للعمل سعيا وراء قوتها اليومي فقط .
4 . فساد النظام السياسي واعتماده على الحكم الفردي المطلق البعيد عن مبدأ الشورى ، والعدل ، والعمل على توريث الحكم من ذات النسل .
5 . خلق طبقة من علماء الدين ( شيوخ السلاطين ) والسياسة والفلسفة ، على مقاس الطبقات الحاكمة ، من المطبلين والمسحجين ، لتسويق افكار على اساس انها واقعية ، عقلانية ، حضارية ، وما هي الا املاءات مستوردة من السيد ، لبث اليأس والشك بالقدرات وتحطيم الروح المعنوية والخنوع للاملاءات المفروضة .
6 . الاستئناس بثقافات مستوردة على حساب قيمنا وثقافتنا .
7 . اغراق الشعوب بامراض اجتماعية على راسها المخدرات ، لالهائها عن واقع الحال المرير وصرف البوصلة عن الاهداف والقيم والاخلاق الوطنية السامية .
8. اغراق الشعوب حيادية التفكير بحياة اللهو والترف وزرع النزعات الفردية لابعادهم عن التعاضد والتكاتف.
ولعل هناك اسباب اخرى كثيرة ، ولكن يمكن القول ان الطبقة العربية الحاكمة ساهمت عن سبق الاصرار والترصد في صنع السيد والانخراط بمبدأ العبودية ، مقابل السلطة والجاه وحياة اللهو والترف ، والقبول بالفتات من خيرات البلاد والتفريط بالكم الاكبر منها للسيد ، بل واغراق دويلاتها بالديون الطائلة واهمال كل وسائل النهضة المحلية ، والمغالاة في الاعتماد على السيد بشتى المجالات ، الى درجة تجسيد مبدأ ارتداء زي التغريب وتقمص شخصية بعيدة عن ثقافتنا ، كشكل من اشكال التحضر حسب اعتقادها .
في واقع الحال ما هذه السياسة الا مستوردة للحط من قيمنا ، والابتعاد عن الابداع والانتاج ، رغم ادراكنا بان هذا السيد الغربي وادواته المصطنعة هي وراء جميع الازمات والمصائب والكوارث التي عصفت بالمنطقة العربية وشتتت الشعوب ودفعت بهم الى الهجرة خاصة من ذوي العقول المبدعة ، والنزوح واللجوء والتشرد ، الا ان هذه الطبقة ولقصر نظر عندها ما زالت تصر على التبعية للسيد والانصياع لرغباته الخبيثة لدوام سلطانها على حساب شعوبها المقهورة .
ولعل ما اطلق عليه "الربيع العربي" ، بعيدا عن المخططين له ، الا انه عبارة عن تعبير حقيقي لحالة الاحتقان لدى شعوب الامة ، ما دفعها الى الانتفاضة ضد الظلم والعبودية ، سعيا لتغيير واقع الحال نحو الافضل ، ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي سفن هذه الشعوب المقهورة .
من دون شك ان الامة العربية ، حيث واقع الحال المرير ، تمر بأدق المراحل واشدها خطورة على كيونتها ووجودها ، ويمكن القول ان الواقع العربي المؤلم ربما أكثر سوءا مما كان عليه ابان الحقبة الاندلسية ، فقد باتت الشعوب العربية منهكة جراء ما يحيط بها من ظلم الحكام واجهزة الدولة المختلفة ، ولا تطالب كما الاسلاف بالفتوحات ، انما تنشد فقط الحرية والانعتاق من عبودية السيد الغربي ، والتمسك بقيمنا التي اتخذها الغرب نبراسا له في تسيير اموره ، فيما ترك لنا مساوءه التي نتشدق بها كقيم حضارية .
ولعل ما يجري في قطاع غزة على وجه الخصوص ، وعموم اراضي فلسطين من عدوان وحشي بربري صهيوامريكي فاق ما فعلته النازية والفاشية ، من ابادة جماعية وقتل طال البشر والشجر والحجر ، والمقدسات الاسلامية والمسيحية وعلى رأسها المسجد الاقصى المبارك ، خير مثال على حالة الوهن الذي تعيشه الامة ، والتي ان قصدت التخلص من التبعية واستخدمت ما تملك من اوراق بيدها لاستطاعت تغيير الحال ونصرة المظلومين في فلسطين وعموم الوطن العربي ، وجسدت القول الربناني فعلا :"كنتم خير امة اخرجت للناس" تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، لا العكس كما هو حاصل في ايامنا هذه !!
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
سيادة العراق ولبنان في خندق واحد
كريستين حنا نصر
إسرائيل ترفع وتيرة قتل الفلسطينيين
حديث القدس
توفير الحماية العاجلة والفورية لأطفال فلسطين
سري القدوة
حقائق حول انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية وصولاً لمذكرات الاعتقال
د. دلال صائب عريقات
سموتريتش
بهاء رحال
مبادرة حمساوية
حمادة فراعنة
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
زعيمة حركة استيطانية تدخل غزة بدون علم الجيش لإعادة الاستيطان
"الجنائية" تتحرك أخيراً ضد الجُناة.. قِيَم العدالة في "ميزان العدالة"
واشنطن ترفض قرار المحكمة الجنائية الدولية بإلقاء القبض على نتنياهو وغالانت
نيويورك تايمز تكشف تفاصيل اتفاق وشيك بين إسرائيل ولبنان
الأكثر قراءة
نتنياهو و"الليكود" يتربصان بغالانت لفصله من الحزب وإجباره على التقاعد
لائحة اتهام إسرائيلية ضد 3 فلسطينيين بزعم التخطيط لاغتيال بن غفير ونجله
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 93)
شارك برأيك
ما أشبه اليوم بالبارحة